{ .. لـِقـَآءٌ مِنْ نـَوْعٍ آخـَرْ .. !~
أرْهقها طولُ الانْتِظار فَاسْتسْلمَت للجُلوسِ عَلى أحَدِ المَقاعِدِ القَريبَة حتّى ينْتهي زوْجُها مِنْ إجْراءاتِ السّفر ..
أخذَت تتأمّل البشِر ..
هذا مُبتسِم ..
وهذا مُتجهّم ..
وهذا مُتعب ..
ابتسَمت ابْتسامةً مُتعَبة وأخَذت تبْحثُ عنْ كِتابٍ في حَقيبتِها تُسلّي نَفْسها بَه ..
وبيْنما هَي تبْحث لَفتتْ نظرَها قِطعٌ مِنَ الشّوكولاتة فهمّت لتأْكل بعْضها ..
ماما .. ماما أُريدُ مثْل هذا ..
التَفتت وإذا بِطفْلةٍ لمْ تتجاوَز الخامِسةَ منْ العُمر تُشير إليْها وتحدّث والدَتها ..
ابتسمت من أعماقها فهي تعشق الأطفال بجنون ..
اقْتربَت منْها ونَزلتْ إلى مُسْتواها وأعْطتْها قِطْعةً ممّا لديْها ..
أَخذت الصّغيرة تنْظر إلى والدتِها بترَدّد ورَجاء ..
أوْمأت والدَتها وهزّت رأْسها بالإيجابْ وأخذَت الفَتاة قطْعة الشّوكولاتة ..
ابْتسمَت بِحنان وَهيَ تمْسح على رأْسها : ما اسْمك صَغيرَتي ؟!
ابْتسمت الصّغيرة بخَجلْ وأخذَت تنْظر إلى أنامِلها الصّغيرة وتشابِكها معاً دلالةً عَلى خَجلِها ..
وأجابَت بصَوت خافِتْ : اسمي شَذى !!
أخذتْ نبضاتُ قلْبها تتسارَع ولا تعْلم لِماذا حتّى هَدأت ..
وقبْل أنْ تعودَ لمقْعدها ابْتسَمت للصّغيرة وقالتْ : أنا كذلك اسْمي شَذى !!
:
لمْ يَطل انْتظارُها طَويلاً حتّى سَمعتْ صَوتَ تلْك الطّفلة ..
بابا .. بابا تِلك المرْأة أعْطتني قطْعة الشّوكولاتة .. !!
رفَعتْ عينيْها ببُطء لتّرى تِلك الطّفلة يحْملها والدُها وهُو يداعِبها ويضْحكان سَويّا ..
أخذَ قْلبها ينْبض حتّى ظنّت أنّه سيخْرج مِن جوْفها ..
واعْتلت محيّاها نظْرة مليئَةً بالدّهشة ..
وهِي مازالتْ تنْظر إليْه وتدقّق النّظر في ملامِحهِ التّي كانتْ مُلكها يوْما ..
شعَرت بالعَرق يتَصبّب مِن جبينِها فتناوَلت منْديلاً لتمْسح بهِ بَقايا قلْبها الّذي مازالَ ينْبض بعُنف ..
وكأنّه يعاتِبها بقوّة عَلى حبْسها إيّاه في جوْفها ..
وأخيراً رضَخت لقوّة ضرباتِه واسْتسْلمت للذّكرى ..
كانت حينها في السادسة عشرة من عمرها ..
تقلب صفحات المنتديات ..
وتجلس خلف تلك الشاشة بالساعات بين صديقاتها وأحبتها ..
حتى التقته !!
كانت تتبعه بنظراتها أينما حل ..
أحبته رغم بعده عنها ..
عشقته رغم استحالة لقائهما يوما ..
كل ما تدركه حينها أنها أصبحت ملكه هو وحده ولا أحد سواه !!
أحبك ..
هكذا نطقت بها شفتيها ودونتها أناملها على تلك الشاشة دون شعور ..
فبادلها هو حبا بحب أكبر منه ..
وبإخلاص عميق حمله كليهما على أمل أن يجمعهما القدر يوما ..
كان وحيدا تائها في هذه الحياة حتى التقاها ..
منحته كل ما تملك من حب وحنان وأمان ..
أمدته بالقوة التي كان يبحث عنها ليواصل طريقه المليء بالعثرات ..
كانت له أما وأختا وصديقة وحبيبة ..
كانت هي باختصار كل حياته !!
لم ينبض قلبها لسواه يوما ..
فقد كانت دوما تقدس الحب وهي على يقين بأنه أكبر من كل الكلمات !!
وكذلك هو انتشلها من طفولتها وحملها بين ذراعيه معلنا للجميع بأنها حبيبته ..
كان أبا حنونا وأخا متفهما وحبيبا مجنونا بكل تفاصيلها !!
تذكرت حيرتها وشعورها الكبير بالذنب لأنها أحبته يوما ..
تذكرت صوته الدافئ الذي ينبض بالحب والأمل ..
تذكرت تلك الرسالة !!
وكيف تنساها وقد كانت شاهد الختام لحكاية عشقهما ؟!
حبيبي ..
أعلم يقينا أن كلماتي ستؤلمك حين تقرؤها كما آلمتني وأنا أكتبها ..
ولكن حبيب الروح لا خيار !!
فلا أستطيع أن أرى قلبينا الصغيرين يتخبطان في وحل المعاصي دون هدى ..
ولن أحتمل يوما أن أكون سببا في عظم ذنبك وزيادة رصيد سيئاتك ..
ولا أنت تحتمل أليس كذلك ؟!
أنت تعلم أن اجتماعنا تحت سقف واحد أمر أشبه بالمستحيل ..
مهما كابرنا وكذبنا على أنفسنا ولكنه الواقع المر الذي لا مفر منه ..
وها قد أوصلتك بفضل الله إلى بر الأمان ..
ستكمل تعليمك وتتخرج وتعمل وتتزوج بفتاة طيبة تعوضك عن سنوات حرمانك وشقائك ..
وأنا على يقين بأنك ستحبها جدا لأنها حليلتك ..
لأنها لك ولن تكون لسواك إلا بإرادتك ..
يعتصر الفؤاد حزنا الآن وهو يسترجع همساتك ..
ولكنه الفراق الذي كتب على كل حي ..
سأبكيك في غيابك كما بكيتك في وجودك ..
لأن الأمر حبيبي سواء لست لي ولن تكون لي يوما ..
أحبك وسأظل أنبض بحبك حتى يشاء الله أن ينتزع ذلك الحب من قلبي ويهبه لسواك ..
توكل على الله واعلم أنه سبحانه لا يضيع عباده أبدا ..
وإن كتب الله لنا اجتماعا في هذه الدنيا فإلى لقاء قريب بإذن الله ..
وإن كتب الفراق علينا رغما عنا فوداعا شقيق الروح ..
وأسأل الله تعالى كما فرق أرواحنا في دنيا فانية أن يجمعها في جنة قطوفها دانية ..
وفقك الله وأنار دربك بالهدى والإيمان وعوضك بصبرك خيرا بإذنه تعالى ..
شذى
فيصَل هيّا بَنا فقدْ تأخّرنا ..
اسْتفاقت مَن ذكرَياتها سَريعا على صوْت زوْجته تُناديه ..
وهِي تمْسح دمْعة تسلّلت مِن أعْماق قلْبها إلى وجْنتيْها بحَرارة ..
فنظرَتْ إليْه نظْرةً أخيرةً قبْل أنْ يغادِر ..
وإذا بِه يقَبّل طفْلا صَغيرا كانَ ذاك طفْلها ..
فالْتقت العُيون أخيراً والقلْب يخْفق وارْتسمت على شفتيْهما ابْتسامة حبٍ ورِضى ..
فنادَت طفلَها هِي الأخْرى ..
فيصَل حَبيبي تَعال إلى هُنا ..
وضمّته إلى صدْرها لعلّها تشْعر بالدّفء والأَمان ..
فرَفع وجْهه الصّغير لينْظر مباشرَةً في عيْنيْها ..
ماما .. بابا ينْتظرُنا ..
فحَمدت اللهَ كثيرً في تلْك اللّحظة وَلا تعْلم لِماذا ..
ربّما لأنّ اللهَ كتَب لهُما الّلقاء أخيراً دونَ سابقِ ميعادْ ..
أو ربّما لأنّها اطْمأنّت أنّه بخيْر وأنّها بخيْر ..
وأنّ اللهَ سبْحانه عدْلٌ لا يظْلم أحداً أبداً ..
فابْتسمت لصَغيرها وقالتْ : هيّا بِنا ..
تمّت .. }
م/ن
مواقع النشر