رائع ، ذكي ، سريع البديهة ، شجاع .. صفات اتسم بها وسط ذهول الجميع بأنه طفل !
تعرفت عليه خارج الحدود وتعرفت على والدته قرابة شهر ونصف أثناء مكثي في احدى البلاد
جاء مع أمه وأخيه للعلاج
فكانت إرادة الله تعالى أن يصاب بسرطان المخ
فما رأيت والدته إلا صابرة ، محتسبة
فور وصولي كان مفعم بالحيوية ولم أصدق أنه مصاب بأذى
كنت ألعب معه وأجري خلفه ، تعلقت به وتعلق بي
عمره لم يتجاوز الخامسة
في عصر كل يوم أراه في الحديقة ، فيركض إلي حاملا بيده فتات الخبز ويقول ، هيا إلى النهر
لنطعم البط
أضحك وأحضنه ونمشي للنهر
يطعم البط بكل ضحك الأطفال وبراءة الدنيا
أرى بريق الأمل في عينيه
أقول هل أنت مصاب بأذى
يقول نعم رأسي يؤلمني
يفزع قلبي
فأهرع لأعود به
فيضحك من خوفي ويبادرني
أنت خوافه
فأبتسم وأنا في قمة الخوف من أن يصاب بأذى وهو بين يدي
فأسرعت أحمله وأقص عليه القصص في الطريق وهو يبتسم
وما إن وصلنا لوالدته
وارتحنا من بعد الطريق حتى تشنج بين يدي
فرحت أذكر الله وأقرأ عليه
وأنظر لوالدته ، وأنا أرجف وأسمي الله
وكأن والدته اعتادت المنظر
فأخذت تدعوا الله له بالرحمة والشفاء
وأخذته للمنزل
في المساء اطمأننت عليه فكان في حرارة
ذهبت له بعد يومين فكان كالخرقة البالية لا يتحرك ولا يتكلم فقط عينيه تلاحق بالنظرات
ذهب به اخوه مع والدته مسرعين للمستشفى وأخبروا البروفيسور المتابع له عن وضعه
فقال نعم أعتقد إنها مراحله الأخيرة ولا أمل له في هذه الأيام
عودوا لبلدكم حتى يموت بين أهله
فلا أمل
فقامت الأم من مقعدها وقالت بكل أيمان وأمل ، بل الله موجود هو يحيي العظام وهي رميم
وما أنت يا دكتور إلا سبب في العلاج
وليس لك الصلاحية في إنهاء حياته أو استمرارها
ولقد رضيت بقضاء ربي وحده
فوالله لما سمع منها البروفيسور هذه الكلمات ، ولما رأى منها هذا الجلد والصبر والإيمان
بكى
نعم بكى وسالت دموعه واعتذر لها بشدة على قسوته
وذهب للطفل وأخذ يقبل يديه ورجليه واحتضنه
فما كان من الجميع في ذلك الموقف إلا الدموع والأمل
كنت انتظرهم بفارغ الصبر
سمعت انهم اتوا
فذهب جميع من تعرف عليها ليواسيها ويساعدها
فوجدناها تحضر الحقائب للعودة
وهو قد جلس بلا حراك يرقبنا بعينيه
قبلت رأسه وخزنت رقمي بهاتفه وقلت إن لم تتصل بي سأغضب
فكانت نظراته محيرة لم استطع ترجمتها
قبلته وانهمرت دمعاتي على رأسه
وكنا نساعد والدته في جمع حقائبها فقد آثرت العودة والذهاب به للعمرة لشرب ماء زمزم
لأنها قد تكون لحظاته الأخيرة
بعد أيام
وصلني الخبر بأنهم في جدة بطريقهم للعمرة
ولكن
توفاه الله بمستشفى جده بعد تأزم حالته
فثارت شجوني
وسالت دمعاتي تواسيني
فكتبت لوالدته هذه القصيدة أسليها
وأن الطفل حين يموت فهو الشفيع وهو الطائر المحلق فوق رياض الجنان
وهو النقاء وهو الصفاء
فكانت هذه الكلمات ( بالعامية)
طفل صغير
..............
ياليتني طفل صغير ***** ما همني إلا لعبتي
ألعب بها يمين وشمال ***** وأشوف بها دنيتي
مرتاح الضمير والبال ***** ولا أهتم بعلتي
لا خط علي انكتب ***** ولا ملك يحسب زلتي
لا قريب علي شره ***** ولا هم سكب دمعتي
قلبي دوم منشرح ***** أسعى لجل ضحكتي
إن أخطيت الكل غفر ***** طفولتي هي عزوتي
وإن بكيت الكل حضر ***** يداري خنقة عبرتي
يا ناس برجع طفل من جديد ***** لحد يلوم رغبتي
يا ناس أثر الطفولة شي عجيب ***** أثر الطفولة منوتي
لي وافق موتي بها ***** الكل بكى فرقتي
لا علي دين له أنحني ***** ولا ذنب أخر دفنتي
لامظلوم دعى علي ***** ولا ظالم فرح بموتتي
لا يدي بطشت بالحرام ***** ولا حرام دلته خطوتي
غسلوني بريح السدر ***** والكافور تهنى بصحبتي
دمع جرى على خدها ***** أختي وتقبل جبهتي
وأمي تصبرت واشفقت ***** وهي تون من فرقتي
تضمني وتشمني ***** وتبي تطول بضمتي
أنا طفل ما جرحتك يوم ***** ولا أغرقتك بقسوتي
يمه أنا ماعصيت ***** أدري ودك بشوفتي
يمه أنا مت صغير ***** يا بختك بشفاعتي
ضموني بخرقة كفن ***** أبيض كما فطرتي
نادى المنادي أرفعوه ***** كل بغى رفعتي
ياخفي على أكتافهم ***** كل بغى رفقتي
كبروا وصلوا علي ***** وأسرعوا بدفنتي
نزلوني بالقبر ***** مسكني وغرفتي
هلوا علي من التراب ***** غطى بياض خرقتي
أسمع خطاهم تبتعد ***** يامن يآمن روعتي
الله ربي اللي خلق ***** واللي ستر عورتي
الله ربي اللي خلق ***** واللي غسل حوبتي
وسع علي ضيق المكان ***** على مدى شوفتي
سطع نور عظيم ***** بدد خوفي وظلمتي
وجا يزف البشرى بشير ***** هلا بطير الجنةِ
هلا باللي له مقام ***** هلا بعالي الهمةِ
بعد هذا أقولها من جديد ***** أقولها بكل لهفتي
ياليتني طفل صغير ***** ماهمني إلا لعبتي
بقلم / كنون
مواقع النشر