كان الرجل يمشي بالطرقات فيستوقفه صوت عذب نديّ يرتّل آي الذكر الحكيم ، يقف عند آيات الله ، يتأملها ، يرى ما له فيها وما عليه ، يبكي وينتحب ، وقد يخرّ مغشياً عليه من فرط تأثره بها !!
{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ}....
هذه الآية كانت سبباً في توبة الفضيل بن عياض .. نقلته من دنيا الرذيلة والفساد ..إلى دنيا الفضيلة والصلاح .. كان لصاً يسرق بيوت الناس .. فأصبح عابداً يعمر بيوت الله بالركعات والسجدات .. كان سفاحاً يقتل من يلقاهم في ظلمة الطريق ، وترتعد عند ذكر اسمه فرائص المسافرين ، فأصبح تقياً نقياً زاهداً تطمئن لذكر أفعاله قلوب الغرباء والتائبين !!
أما اليوم .. فقد تبدل حال المسلمين .. وساء مآلهم !
في الأزقّـة الضيّقة .. ومن بين المنازل الفقيرة .. وعبر نوافذ من يُقال بأنهم ضعفاء ومعدمين .. تنبعث أصوات الموسيقى والأغنيات .. وتجلجل ضجّة الأفلام والمسلسلات .. فيمرّ الرجل بجوار أحد تلك المنازل فتسبي عقله أغنية " لفنان أو فنانة " انسلخ من الحياء والخوف من رب الأرض والسماء .. أو يسمع أصوات أبطال المسلسل ، فيتذكر أنه تأخر عن موعد المسلسل ، فيسرع الخطى إلى بيته ليشاهد ذلك الفلم الخليع الماجن الذي يعرض الفاحشة والرذيلة في ثوب الفن والسينما أمام الصغار والكبار .. العُزّاب والأزواج .. الخدم والسائقين ...!! ثم إذا حدثت في البيت جريمة كبيرة تبكي وتستجير من هولها الأحجار والأشجار .. طار عقل الأب .. وانخلع فؤاد الأم .. فلطموا الخدود .. وشقّوا الجيوب .. وبكوا على أشلاء الفضيلة الممزقة .. وثياب العار الملطخة ..ونسوا أنهم "هم" من جلب المنكر إلى الأولاد والبنات ..نسوا أنهم "هم" من نشر تلك الأعمال الفاضحة على شاشة مخرج لم يستحِ من العالم بأسره .. بل لم يستحِ من رب العالمين..وناصب الموازين ..ومن سيجمع له في ميزانه كل من ضلّ أو غوي بسبب ذلك الفلم أو المسلسل الفاضح ..أقول :وإنه قد يمرّ تقيّ زاهد في هذه الدنيا بجوار تلك المنازل ،فيهرب خوفاً من أن ينزل بأهلها عذاب من الله وهو بجوارهم ..ويحزن قلبه ، وتدمع عينه ..ويعتصر وجدانه حزناً على حال أمته ومآل شبابها .. ومستقبل أطفالها .. ورصيد شيوخها ...
!! فيا لله .. ما أعظمها من فتن .. وما أشدها من محن !!
اللهم أقبضنا إليك غير خزايا ولا مفتونين ...
آمين
مواقع النشر