كيف ترق قلوبنا ؟





الحمد لله الذي تطمئن بذكره
القلوب

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أعز مطلوب وأشرف مرغوب.

وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، الذي أرسله بين يدي الساعة بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بأذنه

.وسراجا منيرا


. صلوات الله وسلامه وبركاته عليه إلى يوم الدين، وعلى جميع من سار على نهجه وأتبع سبيله إلى يوم الدين

.......أما بعد



أخواتي في الله

.إن رقة القلوب وخشوعها وانكسارها لخالقها وبارئها منحة من الرحمن وعطية من الديان تستوجب العفو والغفران

. وتكون حرزا مكينا وحصنا حصينا مكينا من الغي والعصيان


.ما رق قلب لله عز وجل إلا كان صاحبه سابقا إلى الخيرات مشمرا في الطاعات والمرضاة


. ما رق قلب لله عز وجل وانكسر إلا وجدته أحرص ما يكون على طاعة الله ومحبة الله، فما ذُكّر إلا تذكر، ولا بُصّر إلا تبصر


وما رق قلب لله عز وجل إلا وجدت صاحبه أبعد ما يكون عن معاصي الله عز وجل، فالقلب الرقيق قلب ذليل أمام عظمة الله وبطش الله تبارك وتعالى




القلب الرقيق صاحبه صدّيق وأي صدّيق

القلب الرقيق رفيق ونعم الرفيق




ولكن من الذي يهب رقة القلوب وانكسارها؟

ومن الذي يتفضل بخشوعها وإنابتها إلى ربها ؟



من الذي إذا شاء قلَبَ هذا القلب فأصبح أرق ما يكون لذكر الله عز وجل، وأخشع ما يكون لآياته وعظاته ؟



من هو ؟



, سبحانه لا إله إلا هو، القلوب بين إصبعين من أصابعه يقلبها كيف يشاء، فتجد العبد أقسى ما يكون قلبه

.ولكن يأبى الله إلا رحمته، ويأبى الله إلا حلمه وجوده وكرمه



أحبتي في الله

إنها النعمة التي ما وجدت على وجه الأرض نعمة أجل ولا أعظم منها، نعمة رقة القلب وإنابته إلى الله تبارك وتعالى

: وقد أخبر الله عز وجل أنه ما من قلب يُحرم هذه النعمة إلا كان صاحبه موعودا بعذاب الله، قال سبحانه

فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله


.ويل، عذاب ونكال لقلوب قست عن ذكر الله، ونعيم ورحمة وسعادة وفوز لقلوب انكسرت وخشعت لله تبارك وتعالى.

لذلك – أخواني في الله – ما من مؤمن صادق في إيمانه إلا وهو يتفكر كيف السبيل لكي يكون قلبي رقيقا؟


كيف السبيل لكي أنال هذه النعمة ؟


فأكون حبيبا لله عز وجل، وليا من أوليائه، لا يعرف الراحة والدعة والسرور إلا في محبته وطاعته سبحانه وتعالى


هناك لحظات يتمعر فيها المؤمن لله تبارك وتعالى، لحظات القسوة، وما من إنسان إلا تمر عليه فترة يقسو فيها

.قلبه ويتألم فيها فؤاده حتى يكون أقسى من الحجر والعياذ بالله



وللرقة أسباب، وللقسوة أسباب


:الله تبارك وتعالى تكرم وتفضل بالإشارة إلى بيانها في الكتاب

- (1


.فما رق القلب بسبب أعظم من سبب الإيمان بالله تبارك وتعالى


.ولا عرف عبد ربه بأسمائه وصفاته إلا كان قلبه رقيقا لله عز وجل، وكان وقّافا عند حدود الله


:لا تأتيه الآية من كتاب الله، ويأتيه حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قال بلسان الحال والمقال


(سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير)


فما من عبد عرف الله بأسمائه الحسنى وتعرف على هذا الرب الذي بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه

.إلا وجدته إلى الخير سباق، وعن الشر محجام


فأعظم سبب تلين به القلوب لله عز وجل وتنكسر من هيبته المعرفة بالله تبارك وتعالى، أن يعرف العبد ربه


.أن يعرفه، وما من شيء في هذا الكون إلا ويذكره بذلك الرب


يذكره الصباح والمساء بذلك الرب العظيم


وتذكره النعمة والنقمة بذلك الحليم الكريم


ويذكره الخير والشر بمن له أمر الخير والشر سبحانه وتعالى


فمن عرف الله رق قلبه من خشية الله تبارك وتعالى


والعكس بالعكس فما وجدت قلبا قاسيا إلا وجدت صاحبه أجهل العباد بالله عز وجل، وأبعدهم عن المعرفة ببطش

.الله، وعذاب الله وأجهلهم بنعيم الله عز وجل ورحمة الله




لذلك – أحبتي في الله – المعرفة بالله عز وجل طريق لرقة القلوب، ولذلك كل ما وجدت الإنسان يديم العبرة، يديم

.التفكر في ملكوت الله، كلما وجدت قلبه فيه رقة، وكلما وجدت قلبه في خشوع وانكسار إلى الله تبارك وتعالى


- (2


.الذي يكسر القلوب ويرققها، ويعين العبد على رقة قلبه من خشية الله عز وجل النظر في آيات هذا الكتاب



:النظر في كتاب وصفه الله بقوله

(كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير)


.ما قرأ العبد تلك الآيات وكان عند قرأته حاضر القلب متفكرا متأملا إلا وجدت العين تدمع، والقلب يخشع والنفس


ما قرأ عبد القرآن ولا استمع لآيات الرحمن إلا وجدته بعد قرأتها والتأمل فيها رقيقا قد اقشعر قلبه واقشعر جلده

.من خشية الله تبارك وتعالى


كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم، ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله، ذلك هدى الله)

. ( يهدي به من يشاء، ومن يضلل الله فما له من هاد



هذا القرآن موعظة رب العالمين وكلام إله الأولين والآخرين، ما قرأه عبد إلا تيسرت له الهداية عند قراءته، ولذلك

: قال الله في كتابه

.(ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر)



ولذلك – أحبتي في الله- ما أدمن قلب، ولا أدمن عبد على تلاوة القرآن، وجعل القرآن معه إذا لم يكن حافظا يتلوه

.آناء الليل وآناء النهار إلا رق قلبه من خشية الله تبارك وتعالى





اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلا أن تهب لنا قلوبا لينة تخشع لذكرك وشكرك


اللهم إنا نسألك قلوبا تطمئن لذكرك

اللهم إنا نسألك اللسنة تلهج بذكرك

اللهم إنا نسألك إيمانا كاملا، ويقينا صادقا، وقلبا خاشعا، وعلما نافعا، وعملا صالحا مقبولا عندك يا كريم

اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن



والحمد لله رب العالمين

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته