بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ( وأعتذر للانقطاع ) سأكتب لكم اليوم عن بعض الفوائد الإيمانية في سلسلة متتابعة بإذن الله تعالى وأرجو أن تنال رضاكم وأول هذه الفوائد :
القناعة
وللقناعة فوائد كثيرة تعود على المرء بالسعادة والراحة والأمن والطأنينة في الدنيا ، وكما قيل أنها كنز لا يفنى فلنبدأ وبالله التوفيق مع :
الفائدة الأولى :
امتلاء القلب إيمانا بالله سبحانه وتعالى والثقة به ، والرضى بما قدَّر وقسم ، وزيادة قوة اليقين بما عنده جل وعلا - ذلك أن من قنع بما عنده رزقه الله وفتح عليه لإيمانه ويقينه بأن الله قد ضمن أرزاق العباد وقسمها بينهم حتى وإن كان ذلك القانع لا يملك شيئا . قال الإمام أحمد رحمه الله : أسرُّ أيامي إليَّ يوم أصبح وليس عندي شيء . وقال الفضيل بن عياض رحمه الله : ( أصل الزهد الرضى من الله جل وعلا ) وقال الحسن رحمه الله : إن من ضعف يقينك أن تكون بما في يدك أوثق منك بما في يد الله جل وعلا .
الفائدة الثانية :
الحياة الطيبة : قال تعالى ( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) [النحل:97] وقد فسَّر علي وابن عباس والحسن رضي الله عنهم الحياة الطيبة بأنها القناعة ، وقال ابن الجوزي رحمه الله :من قنع طاب عيشه ، ومن طمع طال طيشه .
الفائدة الثالثة :
تحقيق شكر المنعم سبحانه وتعالى : ذلك أن من قنع برزقه شكر الله تعالى عليه ، ومن تقالَّه قصَّر في الشكر وربما جزع وتسخط ـ والعياذ بالله ـ ولذا قال صلى الله عليه وسلم : كن ورعا تكن أعبد الناس وكن قنعا تكن أشكر الناس ( أخرجه ابن ماجه ) ، فمن تسخط من رزقه فإنما هو يتسخط على من رزقه ، ومن شكا قلته فإنما هو يشكو خالقه سبحانه إلى خلقه ، وقد شكا رجل إلى قوم ضيقا في رزقه فقال له أحدهم : شكوت من يرحمك إلى من لا يرحمك .
الفائدة الرابعة :
الفلاح والبشرى لمن قنع : عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " طوبى لمن هدي إلى الإسلام وكان عيشه كفافا وقنع " . أخرجه أحمد والترمذي
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه " أخرجه مسلم والترمذي
الفائدة الخامسة :
الوقاية من الذنوب التي تذهب الحسنات : كالحسد والغيبة والنميمة والكذب وغيرها من الخصال الذميمة والآثام العظيمة ـ ذلك أن الدافع إلى كثير من تلك الكبائر غالبا ما يكون استجلاب دنيا أو دفع نقصها . فمن قنع برزقه ورضي بما قسم له لا يحتاج إلى الإثم ولا يدخل قلبه حسد لإخوانه على ما رزقوا من ربهم . قال ابن مسعود " اليقين ألا ترضي الناس بسخط الله ، ولا تحسد أحدا على رزق الله ، ولا تلم أحدا على ما لم يؤتك الله ، فإن الرزق لا يسوقه حرص حريص ، ولا يرده كراهة كاره ، فإن الله تبارك وتعالى بقسطه وعلمه وحكمته جعل الروح ( أي الراحة ) والفرح في اليقين والرضى ، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط . " أخرجه ابن أبي الدنيا في اليقين
قال بعض الحكماء : أطول الناس غما الحسود ، وأهنأهم عيشا القنوع .
الفائدة السادسة :
القناعة هي حقيقة الغنى : لذا رزقها الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم وامتن عليه بها فقال
( ووجدك عائلا فأغنى ) فقد فسرها بعض العلماء بأنه غنى النفس ، لأن الآية مكية قبل أن تفتح خيبر ولا يخفى ما كان فيه النبي صلى الله عليه وسلم من قلة المال ، وذهب مفسرون آخرون إلى أن الله تعالى جمع له الغنائين : غنى القلب ، وغنى المال بما تيسر له من تجارة خديجة رضي الله عنها ، وقد بين صلى الله عليه وسلم : أن حقيقة الغنى غنى القلب فقال " ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس " أخرجه البخاري
الفائدة السابعة :
العز في القناعة والذل في الطمع : ذلك أن القانع لا يحتاج إلى الناس فلا يزال عزيزا بينهم ، أما الطماع فيذل نفسه من أجل المزيد . جاء في حديث سهل بن سعد مرفوعا : شرف المؤمن قيامه بالليل ، وعزه استغناؤه عن الناس . وكان محمد بن واسع رحمه الله ـ يبل الخبز اليابس بالماء ويأكله ويقول : من قنع بهذا لم يحتج إلى أحد . وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله : . . . وقد تكاثرت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بالأمر بالاستعفاف عن مسألة الناس والاستغناء عنهم ، فمن سأل ما بأيدي الناس كرهوه وأبغضوه لأن المال محبوب لنفوس بني آدم ، فمن طلب منهم ما يحبونه كرهوه لذلك . جامع العلوم والحكم
فالإمامة في الدين والسيادة والرفعة لا ينالها المرء إلا إذا استغى عن الناس ، واحتاج الناس إليه في العلم والفتوى والوعظ ، قال أعرابي لأهل البصرة : من سيد أهل هذه القرية ؟ قالوا : الحسن
قال : بم سادهم ؟ قالوا : احتاج الناس إلى علمه ، واستغنى هو عن دنياهم ـ جامع العلوم والحكم .
أسأل الله جل وعلا أن ينفع بها
مواقع النشر