طرح قيم ومميز جزيتي الجنان ورضوان الرحمن
هذا اقتباس من كلام للشيخ خالد السبت وفقه الله ,,, نفع الله به ... واعتذر لاختنا نون عن الاطاله ..
بعد ذلك أقول: هناك حِكمٌ واضحة جلية من تحريم التشبه بالكفار، ومن حرّم الله -عز وجل- التشبه بهم ممن سنعرف حالهم، فمن ذلك:
أولاً: قطع الطريق المفضية إلى محبة هؤلاء الكفار، وما يتبع ذلك من استحسان ما هم عليه، وذلك لا شك أنه ينافي الإيمان، حيث إن موالاة المشركين أمر محرم، والله -عز وجل- يقول: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [(22) سورة المجادلة]، إضافة إلى ما تفضي إليه هذه المشابهة في الظاهر من الميل في الباطن.
ومعلوم أن الموافقة في الظاهر تورث مشاكلة وموافقة في الباطن، فهناك ملازمة بين الظواهر والبواطن، فالمشابهة في اللباس -مثلاً- تورث نوعاً من المجانسة والموافقة والموالاة.
إذا لبس الواحد منا زي أهل الرياضة فإنه يجد في نفسه نشاطاً وحركة وخفة وتوثباً، وإذا لبس زي العلماء فإنه يجد في نفسه ميلاً إلى الوقار، وإذا لبس الإنسان زي الجند والمقاتلة فإنه يجد في نفسه اندفاعاً إلى القوة والشدة وأخلاق المقاتلين دون التميع وما إلى ذلك من الأخلاق التي لا تناسب هؤلاء، فلا شك أن اللباس يؤثر، وأن ما يجده الإنسان في الظاهر يؤثر في داخله وفي باطنه.
وأنت الآن جالس في هذا الموضع من الأرض تصور أنك في الدور التاسع عشر كيف يكون شعورك؟ هل يكون شعورك كما هو شعورك الآن؟ الجواب: لا، بل ستجد شعوراً مبايناً
تخيل الآن أنك دخلت في بلد كما قيل:
ولكن ما الفتى العربي فيها***غريب الوجه واليد واللسانِ
لو دخلت بلداً لا تعرف أهلها، ولا تعرف لغتهم، وهيئتهم تغاير هيئتك، ولغتهم تغاير لغتك، فجلست في قاعة كبيرة فيها أقوام من هؤلاء الذين يختلفون عنك في كل شيء، وأنت غريب بينهم، فدخل رجل آخر يلبس كما تلبس، أما تجد في نفسك انجذاباً قوياً إلى هذا الإنسان؟ لا شك أنك تجد ذلك.
تصور لو أنك الآن نظرت إلى أحد الحضور فوجدت أنه يلبس كساعتك، وعمامةً كعمامتك، وثوباً كثوبك ويركب سارة كسيارتك، وتزيّ بزيك، وبينك وبينه شبه في الوجه وفي هيئة الجسد وما إلى ذلك، أما تجد في نفسك انجذاباً إليه، وإن حاولت أن تسيطر على نفسك بأن لا تبدي هذا الانجذاب؟ لا شك أنك تجد ذلك.
فأقول: الظاهر يؤثر في الباطن؛ ولذلك ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- أن الإنسان لربما يكون له معارف في بلده لربما يراهم حتى لا يُسلم عليهم، فإذا سافر إلى بلد غربه ووجد أحداً من أهل بلده فإنه يكون بينه وبينه من الود والألفة والمصافاة والمجالسة وما إلى ذلك ما لا يقادر قدره، أليس هذا من الأمور الواقعة؟ لا شك أنه كذلك.
ثانياً: أن يتميز المسلم عن الكافر بشخصيته، وأن يحافظ على تفرده، وأن يحافظ على سمات الشخصية الإسلامية التي يفترق بها عن غيره من الكفار، ومن ثم تحصل المحافظة على سمات الأمة المسلمة، وعلى خصائصها وعلى سيادتها وعلى تفردها في الكمالات، فتكون الأمة متبوعة لا تابعة، وهذا الذي يصلح لها إذ أنها رأس ولا يصلح أن تكون ذنباً بحال من الأحوال، فالله -عز وجل- يقول: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [(143) سورة البقرة]، أي عدولاً خياراً،{لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ} [(143) سورة البقرة]، فلا يصلح لهذه الأمة أن تكون ذائبة في شخصية غيرها، متقمصة لأزيائهم وأخلاقهم وعاداتهم وعباداتهم، وتكون أمة منحلة، ليس لها ما يميزها، وليس لها من المقومات والخصائص ما تتفرد به عن سائر الأمم غيرها.
ثالثاً: من حكم الشارع في تحريم مشابهة الكفار: هو أن نثق تماماً أن هذه الأعمال التي يعملها الكفار وينفردون بها أنها إما باطلة، وإما ناقصة، والمسلم ليس بحاجة لأن يجلب لنفسه ذلك النقص ليكون ناقصاً أو يجلب لنفسه ذلك الفساد فيكون ذلك خللاً فيه.
رابعاً: ما في مخالفتهم من تحقيق معنى البراءة منهم، ولا يخفى أثر المخالفة -أيضاً- في نفس هؤلاء الذين نخالفهم من شعورهم بالذل والصغار، بخلاف ما إذا وافقناهم فإنهم ينتفشون وتتضخم نفوسهم ويتعالون، ولا تجد أصدق لذلك من قول الله -عز وجل-: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [(6) سورة الجن].
خامساً: أن بذلك تحقيق لمقصود من مقاصد الشارع في هذا الباب، وهو أن يوجد الفرق بين الناس، وأن يُعرف أن هذا مسلم وأن هذا من الكفار، بهيئته في بدنه، في لباسه، في وجهه، أما أن يبقى الناس سواسية لا تفرق بين المسلم والكافر، لا تجد فرقاً بين البوذي واليهودي والنصارى وما إلى ذلك، فإن هذا أمر لا يحسن ولا يجمل، وهو خلاف مقصود الشارع.
هذه الحكم من تحريم التشبه بالكفار، وأما الحكمة من منع التشبه بأهل الأهواء والبدع، فأقول: في ذلك زجر أكيد لهؤلاء الناس، فإذا كان هؤلاء من أهل الأهواء الذين خرجوا عن قوانين الشريعة وعن نظامها وابتدعوا بدعاً ما أنزل الله -عز وجل- بها من سلطان يجدون الآخرين يحاكونهم ويتشبهون بهم، فمتى يرتدعون؟
ففي هذا إنكار عليهم و-أيضاً- إلزامهم بالذل والصغار، وأمر آخر وهو أن يتميز صاحب السنة عنهم، فلا يضع نفسه موضع الريبة والتهمة، فينسب إليهم.
وأما الحكمة من منع التشبه بالفساق، فكذلك فيه زجر لهم وتأخيرهم، فهم لا يصلحون في مقام الصدارة، وكذلك ليتميز صاحب الطاعة والاستقامة عن أهل الفسق والفجور، وكذلك ليحافظ العبد على حدود الله -عز وجل-؛ لأن من شابه أهل الفسق فإن ذلك يعني الانحلال والانفلات من أوامر الله -تبارك وتعالى-، ومن التكاليف الشرعية.
موقع الشيخ خالد السبت حفظه الله
مواقع النشر