حوار / نقاش = مذبحة
قضية شائكة ٌ للغاية .. ربما هي السببُ حتى الآن بالإضافة لعوامل أخرى
في كون ِ الركنِ العام أو ركنِ الحوارِ العام في أغلب المنتديات قد يفقد بريقه المعهود أو الواجب ..
و أنّ الكثيرَ و الكثيرَ من المواضيع ِ التي وضع فيها أصحابها خلاصات فكرية و خبرات ٍ عمليـّة لا تقابل بالحوارِ و النقاشِ المطلوبِ أو تهمل تماماً
أو يدخلها أولئكَ المعترضونَ دائماً على كل شيء
و بأي شيء .. أو أصحاب التحية و شكراً .. !!
غالباً أعتقد أنّه حتى الموضوعات التي لم يطلبْ أصحابها النقاش فيها
هي موضوعات نقاشية .. و حواريّة ..
ذلكَ أنني لا يمكنني و الوقتُ مهما طال فهو قصير أنْ أتكلم عن كل ما يختلج في صدري و يتردد بين أركانه أو أن أطرحه بالأسلوبِ الذي يُرضيني و يترجم ترجمة ً صادقة ما يدور في أعماقي المتصارعة
.. لذلك عندما أجد أن الكاتبة الفلانية طرحَت ذات ما كنتُ أفكر ُ فيه فإنّني أرتشفَ الرأي الآخر الذي يكون ُ في كثير ٍ من الأحيان حاملاً مصباحاً يُنير بعضَ أركانِ أعماقي المظلمة التي لم أستطع سبرها
و البعضُ يقول أنّ من أهم حسناتِ النقاش ـ و ما أكثر حسناته ـ اكتشافنا لآرائنا قبل آراءِ الآخرين ..
المشكلة ُ أننا لا نتقنّ فنّ الحوار و النقاش !
و لا نتقنُ فنَ التملصَ من الجدال الذي وعدنا نبينا الكريم - صلوات ربي وسلامه عليه - بالخير العميم لمن تركه حتى ولو كان .. محقا ً !
وهذه المشكلة بدأت من البداية .. من فترة التكوين .. تكوين الشخصيات و بلورتها .. من تشكيل العجينة الطرية اللينة ..
نحن ُ و على غير ِ المطلوبِ منا ـ لأننا مسلمين في نواحي عديدة دونما تطبيق ٍ للإسلام ـ لا نهتم و لا نكترث بتعليمِ أولادنا و لا بتربيتهم
و أعني بذلك َ تلك الفترة الحرجة التي تبدأ من الميلاد و استنشاق المولود أول جرعة من الأكسجين .. إلى الخامسة من عمره ..
وما يحدث أننا نترك الأطفال يتجرعون كل ما يدور ُ في محيطهم بل لا نلقي بالاً بالتحفظِ أمامهم من أن يروا أو يسمعوا بأجهزتهم الراصدة
ما ينافي كل ألوان الأدب المطالبين نحنُ شرعاً بالالتزام بها ..
و لذا ..
نرى نسخاً مكرورة للوالدين .. بل أسوأ ..
وتتكرر الأجيال حاملة نفس العيوب والآفات !!
و مع كل تطورٍ و مع كل احتكاكٍ جديد يستدعي أن نـُجري عليه الآدابَ الشرعية ..
نظل نهمل حتى و لو تداركَ الخطـأ بتعليم أنفسنا قبل أولادنا - من بابَ إصلاحِ القدوات - الآداب و الأخلاق الحميدة ..
ناهيك عن ثقافة التيك أواي و الجنك فوود التي انتشرت قبل أن تنتشر في الأجيال الحديثة فينا لكننا لم نكن بعد نعرف ُ المصطلحات لنتشدق بها و تتلوى الألسنة ُ بها
على سبيل ِ الفخر ِ بالأعجمية و كأن العربية لغة المتخلفين .. إثباتاً لنجاح مخططات الغزو الفكري .. !
و عندما تنشأ أجيال لا تعرف أيّ نوع ٍ من أنواعِ الآداب
و لا تهتم ُ بأمهاتِ الكتب و تقرأ إذا قرأت ْ كتب المستشرقين و العلمانيين
و الليبراليين و أصحاب الأمزجة المختلة
أو تقرأ الكتب الرخيصة و التي من باب القص و اللزق أو قل أي شيء و اكتب ما تريد و النفايات تباع ُ أسرع و التفاهات أكثر ُ إقبالاً .. !!
؛ يزداد الأمرُ سوءاً و المجتمع ُ انحطاطاً ..
!!
لقد قدر لي مرات أن أشاهد برامج حوارية عند أحد الأقارب ..
الحقيقة أنني كنت أجلس أتطلع ُ إلى تلك الضوضاء السمعية ..
و أدور ُ بعيني أتطلع لمن حولي .. و أعينهــم تعكس بريقاً من نوعٍ خاص .. ذلك َ البريق الذي ينعكسُ على عيني مستمتع بمشاهدة معركة على وشكِ البدء و رؤوس على وشكَ أن تحلق عالياً بعيداً عن تلك الأجسادِ اللزجة .. !!
إنهم يشاهدون معركة ..
كأنهم يتابعون مصارعة ثيران كما يستمتع ُ أولئكَ الدمويون المتخلفون مدعيّ الحضارة و الرقي - ديننا دين ُ الحضارة يمنع مصارعة الحيوانات و تحريشها ببعضها و يمنع مصارعة الحيوانات البشرية أيضاً .. و الله المستعان - بمشاهدة الثور المسكين وهو يدور هائجاً بين الهمج و الرعاع و هم يلهبون الأكفّ تصفيقاً و تلويحاً و ينتشرُ اللون الأحمر حتى يسقط الثور صريعاً في معركة مخزية .. و ينفخ العلوج صدورهم بنشوة الانتصار .. !
أوا تعرفنّ أين الثور في المعارك الحوارية .. عفواً .. أقصد .. المواضيع الحوارية .. !!
إنه الموضوع ..
ذلكَ الذي يمزق في الساحة ِ دونما أدنى إفادة ..
إلا نشوة ٌ تعربد في صدر من استطاع كسرَ قوائمه و تمريغ رأسه في التراب .. !
...
لا أدبَ في أيّ مجال ٍ من مجالات ِ حياتنا ..
ليست نظرة ً تشاؤمية ..
إنه الحفاء ..
ذلك المصطلحُ الذي راقني للغاية عندما قرأته لأحد الكتّاب الكِرام - حفظه الله ووالديه
الحفاء ... كل التصرفات و ردود الأفعال اللزجة المقيتة .. ممن يغوصون أكثر و أكثر في المستنقعات النتنة من النتن الخـُلقي و العُري الأدبي ..
لا أدبَ في الحوار ..
لأنه لا أدبَ من أيّ نوع ..
لا أدبَ مع الله .. و لا مع ملائكته .. و لا مع رسله و أنبياءه ..
و لا مع كتابه عز و جل ّ .. و لا مع الوالدين ...
و لا مع الأبناء .. و لا مع الكبير .. و لا مع الصغير ..
و لا مع المسجد .. و لا مع الشيوخ و العلماء .. و لا طلب العلم ..
و لا مع الرجال .. و لا مع النساء ..
و لا مع الكفار .. و لا مع الحيوان ... .
و لا في المجلس .. و لا مع الضيف ..
و لا حتى مع الطعام و الشراب .. أو السوق ... أو ... أو ..... !!!!!
وانظرنّ لفطنة العلماء و المشائخ عندما يبدأ شيخنا الجليل : أبو بكر الجزائري ـ حفظه ُ الله ـ كتابه القيّم كتابُ الأسرة الذي لا يمكن أن يخلو منه بيت ٌ مسلم
[ مـِنـْهَـاج ُ الـمُسـْلِـم ] بإرساء العقيدة في روحِ و قلبِ المُسلم ثم يثنّـي مباشرة ً ببابِ الآداب .. !
ألا يعني ذلكَ مدى اهتمام الشرع و حرصه على الآداب مباشرة ً
بعد التوحيد ِ و العقيدة !!
إن نظرة واحدة لحال المسلمين تجعل الأمرَ يبدو أشبه بكابوسٍ مريع ..
يمكنك أن ترى الآن غصن غض ذهب لحلقتين ِ أو ثلاث .. و حضرَ محاضرتينِ أو ثلاث .. يُوقِف شيخاً عظيماً يتزلزل الفؤاد فقط لسماع اسمه هيبة ً و إجلالاً و امتناناً و حباً و تقديراً ليصوّبه - ياللهول !
أو الأمَرُّ يجادله – مدعياً النقاش – في أحد المسائل الخلافية على مشهدٍ و مسمع ٍ من طلبة العلم من المشائخ و المجتهدين المخلصين ..
حـفـاء ...
استهتار ..
أو نجد مثلاً الطالبُ – إن حقَ لنا تسميتُه كذلك – جالسٌ في المحاضرة ِ أو الحلقة ماداً قدميه في وجه شيخه أو متكئاً على يديه كأنه في نزهة ٍ على الشاطئ ..
أو يتلفت يمنة و يسرة .. أو يتكلم مع من حوله ..
أو يعبثُ بشماغِه أو يتسوك ..
أو ... يُسَبِّح ... !!
.. الوجعُ يثير المخزونات اليومية التي تبعثرُ هدوء َ النفس و صفاءها
كما يتبعثرُ صفاء النهر عندما يُلقي طـفلٌ عابث حجارته فيه .. !
و تشعرين أن تلك الدوائر ُ و الحلقات الممغنطة تسلبكِ حقوقكِ
و تقتحم داخلكِ و تفسد عليكِ نقاءكِ الذي تحاربين للحفاظِ عليه
في زمن التلوث و الفيروسات الأخلاقية .. !!
الحق ّ أنه حتى إذا كان الحالُ هكذا ..
لابد للمتعاملين في عالمِ الأشباحِ المجسم هذا ..
أن يتعلموا فنون الحوار و الآداب تباعاً .. و إلا ..
فليكرمونا ..
بالسكوت ِ الجميل ..
!
مواقع النشر