وقال الإمامُ ابنُ كثيرِ في " البداية والنهاية " (9/117) : وقال أبو نعيم في كتابه الحلية ، ثنا أبو حامد بن جبلة ، ثنا محمد بن إسحاق ، ثنا محمد بن أحمد ابن أبي خلف ، ثنا شعبان ، عن سالم بن أبي حفصة ، قال : لما أتى بسعيد بن جبير إلى الحجاج قال له : أنت الشقي بن كسير؟ قال : لا ! إنما أنا سعيد بن جبير ، قال: لأقتلنك ، قال : أنا إذا كما سمتني أمي سعيداً ! قال : شقيت وشقيت أمك ، قال : الأمر ليس إليك ، ثم قال : اضربوا عنقه ، فقال : دعوني أصلي ركعتين ، قال : وجهوه إلى قبلة النصارى ، قال: " فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ " [ البقرة : 115 ] قال : إني أستعيذ منك بما استعاذت به مريم ، قال : وما عاذت به ؟ قال : قالت : " إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيّاً " [ مريم : 17 ] قال سفيان : لم يقتل بعده إلا واحداً .
وفي رواية أنه قال له : لأبدلنك بالدنيا ناراً تلظى ، قال : لو علمت أن ذلك بيدك لاتخذتك إلهاً.
وفي رواية : أنه لما أراد قتله قال : وجهوه إلى قبلة النصارى ، فقال : " فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ " فقال : اجلدوا به الأرض ، فقال : " مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى " [ طه : 55 ] فقال : اذبح فما أنزعه لآيات الله منذ اليوم . فقال : اللهم لا تسلطه على أحد بعدي.
وقد ذكر أبو نعيم هنا كلاماً كثيراً في مقتل سعيد ابن جبير أحسنه هذا ، والله أعلم .
وقد ذكرنا صفة مقتله إياه ، وقد رويت آثار غريبة في صفة مقتله ، أكثرها لا يصح .ا.هـ.
والنكارةُ في القصةِ واضحةٌ جداً ، ومن أوجهِ النكارةِ فيها :
1 - قولِ عَوْنِ بنِ أَبِي شَدَّادٍ : بَلَغَنِي . فمن الذي أبلغهُ ؟ فالواسطةُ مجهولةٌ .
2 - قصةٌ اللَّبْوَةِ وَالأَسَدِ ، فأين الأخذُ بالأسبابِ ؟
وقد جاء في ترجمةِ سعيدِ بنِ جبير أنهُ تنقل بين البلادِ فراراً من بطشِ الحجاجِ حتى قال : وَاللهِ لَقَدْ فَرَرْتُ حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنَ اللهِ .
قال الإمامُ الذهبي في " السير " (4/338) معلقاً على كلامِ سعيدِ بنِ جبير : " قُلْتُ : طَالَ اخْتِفَاؤُهُ ، فَإِنَّ قِيَامَ القُرَّاءِ عَلَى الحَجَّاجِ كَانَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ ، وَمَا ظَفِرُوا بِسَعِيْدٍ إِلَى سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ ؛ السَّنَةِ الَّتِي قَلَعَ اللهُ فِيْهَا الحَجَّاجَ .ا.هـ.
فهل يُعقلُ أن يفرَ سعيدُ بنُ جبير ثلاثَ سنواتٍ من الحجاجِ ويأخذُ بالأسبابِ ثم يأتي على أمرٍ ذكر في القصةِ ولا يفعلهُ ؟ هذا أمرٌ مستبعدٌ جداً .
3 - سؤالُ الحجاجِ لسعيدِ بن جبير عن الخليفةِ الرابعِ على بنِ أبي طالب رضي اللهُ عنه عندما قال له : فَمَا قَوْلُكَ فِي عَلِيٍّ ، فِي الجَنَّةِ هُوَ أَمْ فِي النَّارِ ؟ قَالَ : لَوْ دَخَلْتُهَا ، فَرَأَيْتُ أَهْلَهَا ، عَرَفْتُ .
يلتمسُ منهُ إثباتُ تهمةِ الحجاجِ بأنهُ ناصبي ، وهذا أمرٌ قد يكونُ من فعلِ الرافضةِ ، وقد رد الإمامُ ابنُ كثيرٍ هذه الفريةِ عن الحجاجِ في " البداية والنهاية " كما تقدم في عنوان : " الحجاجُ عذابُ اللهِ " . فليرجع إليهِ .
4 - تقديمُ العودِ والناي بين يدي سعيدِ بنِ جبير .
وأكنفي بهذه الأوجه .
يتبععععععععععععععععععععععععععععععع
مواقع النشر