ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بـســم الله الـــرحـمــن الرحيـــــم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( يَا أَيُّهَـا الَّذِيــنَ آمَنُــــوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ
وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ،وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا
اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ، لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ
النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ ، لَــوْ أَنزَلْنَا
هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّــــنْ خَشْيَةِ اللَّهِ
وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) الحشر18-21
يأمر تعالى عباده المؤمنين بما يوجبه الإيمان ويقتضيه مـــن
لزوم تقواه ، سرا وعلانية ، فـي جميع الأحوال ، وأن يراعوا
مـــا أمــــرهم الله به من أوامره وشرائعه وحدوده ، وينظروا
ما لهم وما عليهم ، وماذا حصلوا عليه مــن الأعمال التـــــي
تنفعهم أو تضرهم في يوم القيامة ، فإنهــــم إذا جعلوا الآخرة
نصب أعينهم وقبلة قلوبهم، واهتموا بالمقام بها،اجتهدوا في
كثرة الأعمال الموصلة إليها وتصفيتها من القواطع والعوائق
التــي توقفهم عن السير أو تعوقهم أو تصرفهم ، وإذا علموا
أيضــــا أن الله خبير بما يعملون ، لا تخفى عليه أعمالهم ،
ولا تضيع لديه ولا يهملها ، أوجب لهم الجد والاجتهاد .
وهذه الآية الكريمة أصل في محاسبة العبد نفسه، وأنه ينبغي
لــه أن يتفقدها ، فإن رأى زللا تداركه بالإقلاع عنه ، والتوبة
النصوح ، والإعراض عن الأسباب الموصلة إليـه ، وإن رأى
نفسه مقصرا في أمر من أوامر الله، بذل جهده واستعان بربه
في تكميله وتتميمه ، وإتقانه ، ويقايس بين منن الله عليــــه
وإحسانه وبين تقصيره، فإن ذلك يوجب له الحياء بلا محالة.
والحرمان كل الحرمان، أن يغفل العبد عن هذا الأمر ، ويشابه
قوما نسوا الله وغفلوا عن ذكره والقيام بحقه ، وأقبلوا علـــى
حظوظ أنفسهم وشهواتها ، فلـم ينجحوا ، ولم يحصلوا عــلى
طائل ، بـل أنساهم الله مصالح أنفسهم ، وأغفلهم عن منافعها
وفوائدها ، فصــــــار أمرهم فرطا ، فرجعوا بخسارة الدارين ،
وغبنوا غبنا ، لا يمكنهم تداركه ، ولا يجبر كسره ، لأنهم هم
الفاسقون ، الــذيــن خـــرجــوا عن طاعة ربهم وأوضعوا في
معاصيه، فهل يستوي من حافظ على تقوى الله ونظر لما قدم
لغده ، فاستحق جنات النعيم، والعيش السليم - مع الذين أنعم
الله عليهــــم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين -
ومن غفل عن ذكر الله ، ونسي حقوقه ، فشقي في الدنيا ،
واستحق العذاب في الآخرة ، فالأولون هم الفائزون ،
والآخرون هم الخاسرون .
ولمــا بيــن تعــالـى لعباده ما بين ، وأمرهم ونهاهم في كتابه
العزيز ، كــــان هــذا موجبا لأن يبادروا إلى ما دعاهم إليــــه
وحثهم عليه، ولو كانوا في القسوة وصلابة القلوب كالجبال
الرواسي ، فــإن هذا القرآن لو أنزله على جبل لرأيته خاشعا
متصدعا من خشية الله أي : لكمال تأثيره في القلوب ، فــإن
مواعظ القرآن أعظم المواعظ على الإطلاق ، وأوامــــــــــره
ونواهيه محتوية على الحكم والمصالح المقرونة بها ، وهي
من أسهل شيء على النفوس، وأيسرها على الأبدان، خالية
مــن التكلف لا تناقض فيها ولا اختلاف ، ولا صعوبة فيها
ولا اعتساف ، تصلح لكل زمان ومكان ، وتليق لكل أحد .
ثم أخبر تعالى أنه يضرب للناس الأمثال ، ويوضح لعباده في
كتابه الحلال والحرام، لأجل أن يتفكروا فـي آياته ويتدبروها،
فإن التفكر فيها يفتح للعبد خزائن العلم ، ويبيـــن لــه طرق
الخير والشر ، ويحثه على مكارم الأخلاق، ومحاسن الشيم،
ويزجره عن مساوئ الأخلاق ، فلا أنفع للعبد من التفكر
في القرآن والتدبر لمعانيه .
الكتاب تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (ص853)
للشيـــخ : عبد الرحمن السعـدي رحمه الله تعالى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مواقع النشر