بسم الله الرحمن الرحيم
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا [الكهف:1] أحمده وأشكره وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أخشى الناس لربه، وأتقاهم لمولاه، وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:
حاولت أن أجد وصفاً بليغاً يحكي سرعة مرور هذا الشهر بهذه السرعة العجيبة، فلم أجد أبلغ من قول الحق سبحانه ( أياماً معدودات) نعم والله إنها أيام مرت بنا سريعاً فياليت شعري من المقبول منا فنهنيه ومن المردود منا فنعزيه..
سلام من الرحمن كل أوان *** على خير شهر قد مضى وزمان..
سلام على شهر الصيام فإنه *** أمان من الرحمن كل أمان..
لئن فنيت أيامك الغر بغته *** فما الحزن من قلبي عليك بفان..
هنيئاً لذاكم العبد الذي جعل من رمضان مدرسة يتخرج منها في ختامه بصفحة نقية بيضاء ..
هنيئاً لذاكم العبد الذي أسبل الدمع على خده من خشية ربه..
هنيئاً لمن خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى..
وداعاً رمضان نقولها وقلوبنا من ألم الفراق تتفطر..
يمضي رمضان وقد نال فيه أقوام العتق من النيران .. يمضي رمضان وقد ودع فيه أقوامٌ الأدران.. يمضي رمضان وقد عزم أقوام الرجوع إلى الملك الديان..
ما أجمل تلك اليالي وآي القرآن تملئ سكون الكون في هجيع اليل..
ما أجمل تلك اللحظات وأنت تجلس على مائدة الإفطار ولك دعوة لاترد من المنان..
لكن عبد الله ألم تسل نفسك ماذا بعد رمضان؟؟
كم من الحسنات كسبتها .. كم من الذنوب فارقتها.. كم من العقبات والعادات السيئة تغلبت عليها..
أتراك بعد ذلك تعود إليها؟!
لا وألف لا.. لاتخونن عهدك بربك، لاتكن كالتي نقضت غزلها..
هل تخيلت معي أنك قائم بين يدي ربك وقد وضع الميزان .. فإذا بك تتلمس الحسنة تلو الحسنة .. ثم يجيئ رمضان بصيامه بقيامه بقرائتك للقرآن فيه بصدقاتك .. ما أجملها من لحظة، لكن ألم يخطر ببالك قول الحق تعالى ( وقدمنا إلى ماعملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً) يا الله ما أصعبها من لحظة أن تنظر إلى جبال حسناتك وقد غدت هباء منثوراً، نعوذ بالله من الخذلان..
لذلك كان أسلافنا يدعون الله ستة أشهر أن يتقبل منهم رمضان..
أتدري أن من علامات قبول الحسنة الحسنة بعدها.. وبئس العبد الذي لايعرف الله إلا في رمضان، فكن ربانياً ولاتكن رمضانياً..
لماذا تحرم نفسك تلك اللذة التي شعرت بها وقد ألقيت الدنيا وراء ظهرك وعكفت في بيت ربك تتلوَ آياته..
نعم ..قد لاتطيق أن تصلي اليل كما تصليها في رمضان وأن تقرأ كما كنت تقرأ في رمضان..
للشيخ محمد بن سليمان المحيسني
مواقع النشر