سايبل ومارسيل
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 4 من 6

الموضوع: سايبل ومارسيل

  1. #1
    عضوة نشيطة الصورة الرمزية أسمى الغرب
    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المشاركات
    69
    معدل تقييم المستوى
    16

    fgh سايبل ومارسيل


    " سايبل ومارسيل "



    كانت عاصفة هوجاء ..
    أخذت السفينة تضطرب وتتمايل في عرض البحر ..
    في ذلك الوقت العصيب خرجتِ إلى عالم غريب ..
    ظن والدك أننا سنموت لا محالة لأن السفينة أوشكت على الغرق ، فحملك وأخذنا إلى قارب النجاة ، وقد كنتُ في حالة يرثى لها ..
    غرقت السفينة ونحن جميعاً ننظر إليها وقلوبنا ترتعش من شدّة الخوف ، وقد كنت تصرخين في أحضاني ومن شدة التعب فقدت وعيي ولم أشعر بك فسقطتِ في البحر ، ثم قفز والدك خلفك ، ظن الجميع أن لا أمل لحياتك ، ولكن والدك استطاع إنقاذك ، إلا أنه ...
    - إلا أنه مات .. أليس كذلك ؟
    - بلى ..
    ***
    سايبل فتاة جميلة سوداء الشعر والعينين ، تشبه والدها كثيراً الذي توفي منذ سبعة عشر عاماً ، وهي ابنته الوحيدة ، هادئة الطبع ، متبسمة دائماً ، تعيش عند والدتها التي تزوجت من رجل آخر بعد وفاة زوجها بأربع سنوات ، اسمه دونو ولديه طفلين توفيت والدتهما وهما رضيعين الأول في الثانية من عمره ، والآخر كان عمره ستة أشهر وقتها ، هما .. جيمس و جيان .. وقد تكفلت والدتها بالاعتناء بهما وكأنما لو كانا ابنيها ، وعدّتهما أخوان لسايبل ..
    استيقظت سايبل هذا الصباح للذهاب إلى المدرسة كعادتها ، وقبل أن تغادر اتجهت إلى حجرة والدتها لتودعها ولكنها لم تجد أحداً بالحجرة ، فدخلت لتتأكد وفوجئت عندما رأت صورة لشاب غريب تحت كتاب فوق المنضدة .. فأخذت الصورة وخبّأتها في حقيبتها وما إن خرجت من الحجرة حتى رأت والدتها أمامها .. فسألتها أمها : ما الذي كنت تفعلينه ؟
    سايبل : كـ .. كنت أبحث عنك ..
    الأم : وماذا كنت تريدين ؟
    سايبل : لا فقط .. كنت أريد أن أودعك ..
    الأم : لا بأس انتبهي لنفسك إذا ..
    سايبل : كما تشائين ..
    جيان : سايبل .. لا تنسي أن تشتري لي الحلوى التي وعدتني بها ..
    سايبل : سأفعل ..
    وفي المدرسة في وقت الراحة كانت سايبل تجلس مع صديقتها سريلا ، تتحدثان في أمر المعلم الجديد مارسيل ، سريلا : يبدو عليه أنه معلم غريب الأطوار ، إن هدوءه لا يعجبني ..
    سايبل : لقد كانت المعلمة السابقة طيبة القلب ، لا أعلم ما الذي جعلها تفكر بالانتقال من مدرستنا رغم كونها مدرسة مطورة من جميع النواحي ..
    سريلا : هذا صحيح ..
    وفجأة إذا به يتقدم منهما ، ثم قال : من منكما سايبل أدوارد ؟
    سريلا : عفواً حضرة المعلم ، ولكن كونك معلماً لا يعني أن لا تلقي التحية ..
    مارسيل : آسف .. لقد كنت مستعجلاً .. لا بأس مرحباً ..
    سريلا : بعد فوات الأوان !! هيا يا سايبل دعينا نغادر هذا المكان ، لا تأبهي له ، إنه لم يتعلم حتى كيف يلقي التحية ، ويريد أن يعلمنا ..
    المعلم مارسيل : لقد أخذت ما كنت أريد ، ولم أعد بحاجة إليكما ..
    سريلا : هذا الشاب يرفع ضغطي ..
    سايبل : هدئي من روعك ، مازال معلماً جديداً كيف استطعت مخاطبته هكذا ألا تخافين أن ينقص من درجاتك ؟
    سريلا : إنه حتى لم يكلف نفسه عناء النظر إلينا ، يحدثنا وهو ينظر إلى الأرض أو مغمضاً عينيه ، لا أعلم ماذا يظن نفسه ، وابتسامته تلك ، وكأنها سخرية ..
    سايبل : مازال هذا أول يومٍ له هنا في هذه المدرسة ...
    فقاطعتها قائلة : ماذا ؟ هل لان قلبك له ؟
    سايبل : كل ما أردت قوله أن علينا أن نسرع قبل أن يعاقبنا المعلم فقد انتهى وقت الراحة ..
    سريلا : لا بأس .. سنكمل حديثنا بعد الانصراف ..
    سايبل : ياه .. لقد أصبح رأسي يؤلمني من كثر الجدل ، لنسرع حالاً ..
    وبعد الانصراف قالت سايبل محدثة نفسها : لابد أن أعلم ما الذي يريده مني..
    فلحقته ولكنها استحت من أن تسأله عن سبب سؤاله عنها فكيف تقول ذلك لمعلم ؟ وفجأة توقف المعلم مارسيل ، فاختبأت حالاً خلف الشجرة ، ثم قال : أعلم أنك تلاحقينني ، ولكن اعلمي أنني لا أعير الفتيات أي اهتمام ، لذلك لا تتعبي نفسك من أجل أمر تافه..
    وعاد إلى ابتسامته الهادئة من جديد ، فخرجت من خلف الشجرة وقالت : إذاً.. آ .. لماذا سألت عني ؟ هل أخبروك بأنني اقترفت ذنباً ما ؟! أم أن هناك أمراً آخر ؟!
    مارسيل : هذا كلام سخيف .. أنا لم آت هنا إلا من أجل مهمة محددة فقط ..
    دهشت سايبل مما سمعت !! فما هي المهمة التي جاء من أجلها ؟ وما شأني أنا بها؟!!!
    عادت إلى المنزل وفي رأسها كمّ هائل من الأسئلة الحائرة ، وما إن عدّت عتبة باب المنزل حتى شعرت بأنها نسيت شيئاً ما ، لم تخلع حذاءها وظلت واقفة عند الباب تحاول تذكر الشيء الذي نسيته ، ولكن الأسئلة تعيق تذكرها .. وفجأة .. قالت جيان: هاي .. سايبل .. هل اشتريت الحلوى التي وعدتني بها؟
    قالت سايبل : نعم .. الحلوى ..
    صرخت جيان فرحة : هاي .. هاي .. أعطني إياها ..
    سايبل : لقد نسيتها ..
    جيان : أنا لا أحبك ، وسأبقى كذلك حتى تشتري لي الحلوى ..
    ثم ولت نحو والدتها ، اتجهت سايبل نحو حجرتها وألقت بحقيبتها ، وأخذت تقلب كتبها وتعيد قراءة ما درسته اليوم ، وإذا بها تسمع والدتها تناديها : سايبل هيا انزلي لقد حان موعد الغداء ..
    سايبل : آسفة أمي ولكن لا وقت لدي ، فالامتحانات باتت على الأبواب ..
    الأم : بل لديك الكثير من الوقت ، هيا تعالي ..
    فقال زوجها : دعيها تفعل ما تشاء ، فهي الآن في شبابها ولا تحب أن يتحكم أحد بها..
    الأم : أحقاً ما تقول ؟
    الزوج : نعم .. أعرف أكثر منك في مثل هذه الأمور ..
    وما هي إلا لحظات حتى تذكرت سايبل الصورة ، فأخذت تبحث عنها في الحقيبة ولكنها لم تجدها ، قلّبت الكتب ، بحثت في الجيوب ، وفي كل شيء ولكنها لم تعثر على الصورة ، انتابتها نوبة بكاء ، ثم نظرت إلى نفسها وقالت: لماذا أنا حزينة ؟ إنها مجرد صورة ؟ سأبحث عنها غداً في درجيَ الخاص ، المهم أن لا أشغل بالي عن أن أكون الأفضل في مدرستي ..
    ثم انهمكت في المذاكرة حتى نال منها التعب ، لاحظت والدتها عليها ذلك فصعدت إليها بالطعام ..
    شكرت سايبل والدتها كثيراً ، وتناولت طعامها ثم خلدت إلى النوم ..
    ***
    وبعد مرور ثلاثة أيام وسايبل تبحث على هذه الحال عن الصورة في كل يوم.. يئست من أن تجدها ، فتناست أمرها ، ولكن في ذلك اليوم خاصة حدث شيء أجبرها على أن تتذكر الصورة التي ظنت أنها أضاعتها ، فقد وجدت مجموعة من الفتيات متجمهرات في الساحة ، وفتاة من بينهن اسمها لانس تقول : تلك الفتاة التي تصفنها بالمثالية ، والتي تدعي الحياء من الشباب ، وأنها فتاة تقدس النصرانية ، ولا تحب مرافقتنا للمراقص مع الفتية ، انظرن ماذا وجدت في درجها ، صورة لأحد رفقائها سراً ..
    وعندما رأت الفتيات الصورة ذهلن مما رأين ، فقد كان الشاب الذي في الصورة وسيماً ، ولم يكفِ تجمهر الفتيات ، بل تجمهر الشبان والمعلمون أيضاً ، ذهلت سايبل مما رأت .. فتلك الصورة هي نفسها الصورة التي أخذتها من حجرة والدتها ، فقالت والدموع تغمر عينيها : هذا ليس صحيح أبداً ..
    قال أحد الشبان : وأنا أدعوك كل يومٍ فقط لتناول القهوة وترفضين .. من أجل شابٍ سخيف مثل هذا ..
    سايبل : هذا ليس صحيح ، أنا حتى لا أعرفه ..
    ثم قالت في نفسها : حتى لو أخبرتهم بالحقيقة لن يصدقوا ..
    وفجأة ، قال المعلم مارسيل : هلا أريتني الصورة من فضلك ؟
    لانس : بالطبع لا مانع لدي ..
    تأمل مارسيل في الصورة ثم ابتسم بهدوء و قال : ما الذي تحاولين الوصول إليه من خلال ما قلته ؟
    لانس : لا أفهم ما تقول ..
    المعلم مارسيل : هذه صورة والدها ..
    تعجبت لانس كثيراً واحمرت وجنتاها وشعرت بالخجل فأخذت تحاول أن تخرج نفسها من هذه الورطة وقالت : لا لابد أنك مخطئ يا حضرة المعلم ، فهذه صورة شاب ووالدها قد مات ..
    المعلم مارسيل : ولكن كان في عهده آلات تصوير .. أم أن لديك رأياً آخر ؟
    لانس : هه .. هل تحاول الوقوف في صفها أيها المعلم ؟
    المعلم مارسيل بابتسامة عريضة : أنا لا أقف في صف فتيات بلدتكم البتة ، ففتيات بلدتنا أفضل منكن بكثير ، هذا أولاً أما ثانياً : فالشبه بينهما كبيرٌ جداً ..
    ارتاحت سايبل لأنها استطاعت أن تخرج من أحد المواقف المحرجة التي دائماً ما تسعى لانس لإيقاعها فيه ، وما إن تفكك الجمع حتى تذكرت .. أين الصورة؟ ثم قالت في نفسها : آخر من أخذها هو المعلم .. عليّ أن آخذها منه ..
    وأخذت تبحث عنه ، ومرت أربع ساعات ولكنها لم تجده ، فأصابها التعب وعندما رأت نفسها بجوار الحديقة قررت أن تجلس قليلاً لترتاح ، أخذت تتنفس بهدوء ، وتتمتع بصوت العصافير ، وتتأمل في السماء الجميلة ، وما هي إلا لحظات حتى سمعت صوتاً عذبا يردد كلمات غريبة ، قامت من مكانها وأخذت تحاول الوصول إلى ذلك الصوت العذب ، وإذا بها تدخل بين الأشجار ، وتتبعه ، والصوت يعلو شيئاً فشيئاً ، وأخيراً رأت نفسها أمام شجرة كبيرة وجميلة، يجلس تحتها أحدهم ، اختبأت فوراً حول أحد جذوع الأشجار المحيطة بها ، وأخذت تستمع إلى صوت ذلك الشخص ، أعجبت سايبل كثيراً بصوته وبذلك الكلام المهيج للمشاعر الدفينة في القلب ، حتى أخذت دموعها تنهمر على وجنتيها ، فلم تستطع أن تتمالك نفسها ، رغم أنها لم تفهم من تلك الكلمات شيئاً ..
    شعر المعلم مارسيل بأن أحدهم يبكي ، فعلم أن ما يقرأه أثر في السامع ، عندها أخذ يقرأ بصوت ملحنٍ تلحيناً بديعاً أجمل من السابق ، فتأثرت سايبل أكثر وازداد نشيجها.. وأخيراً توقف المعلم ، وأغلق الكتاب الذي كان بيده واستلقى ينظر إلى جمال كل ما يحيط به .. أشجار ، خضرة ، سماء ، غيوم ، تغريد عصافير ، ويقول : سبحان الله ..
    عندها توقفت سايبل عن البكاء وأخذت تجفف دموعها ، فنظرت مرة أخرى من خلف الشجرة .. فإذا هو المعلم مارسيل ، خبأت رأسها وقالت : أتمنى أن لا يكون قد علم أنني هنا ..
    ثم ولّت مدبرة نحو منزلها وهي تفكر في معلمها الذي أثار فضولها ، ذلك الرجل الذي كانت تظن أنه متكبر ومغرور بنفسه كثيراً ، وهدوءه الغريب أثار انتباه الكل ، وكذلك تصرفاته ، وهو أحياناً ما يتحدث مع نفسه ، إلا أنها رأته إنساناً مختلفاً تماماً عمّا ظنته فيه ، وقالت في نفسها : سأطلبه الصورة غداً ، فما زالت الفرصة أمامي مفتوحة لاستعادتها ..
    في ذلك الحين لم يكن المعلم مارسيل يعلم أن الشخص الذي كان يسمع بكاءه هي سايبل .. إحدى طلبته ..
    لقد أصبح مارسيل الأفضل عندها ، بل إنها عزمت على أن تعرف كل شيء عنه سراً ، بعكس الطلبة الذين لم يستسيغوا هدوءه ، وتصرفاته الغريبة ، التي كانت تجذب عدداً من الفتيات فقط ..
    وفي اليوم التالي ذهبت إلى حجرة المعلمين والمعلمات ، وطرقت الباب .. فخرج معلم الرياضيات ، وقال : هل من خدمة ؟
    سايبل : أعتذر على الإزعاج ولكن .. هلّا طلبت لي أستاذ مارسيل ؟
    تعجب معلم الرياضيات كثيراً ، فلا أحد من الطلبة يحبه وكذلك المعلمون لأنهم يرونه إنساناً غريب الأطوار ، ومهما حاولوا التقرب منه فإنه يفضل الوحدة ، وحتى لو قبل الجلوس معهم فإن حديثه لا يروق لهم ، وكذلك حديثهم لا يروق له ، لذلك هو يفضل البقاء لوحده ، قال المعلم بتعجب : الأستاذ مارسيل ؟!
    سايبل : نعم ..
    معلم الرياضيات : تقصدين معلم الكيمياء الجديد ؟!
    سايبل : نعم إذا سمحت ..
    معلم الرياضيات : حسنا .. لا بأس ..
    خرج الأستاذ مارسيل وعلامات التضجر بادية على وجهه وقال : من يريدني في وقت كهذا ؟ إزعاج حتى في وقت الإفطار ؟!
    خجلت سايبل من تصرفها ورأت بأن وقتها غير مناسب ، فتلعثمت ولم تستطع أن تقول كلمة ..
    وعندما رآها ابتسم كعادته ، وقال : هل من خدمة يا آنسة ؟ وأرجو أن تسرعي..
    سايبل : آ . آسفة ولكن .. إن كنت تتضايق من الحديث إلى الفتيات فأنت من أراد أن يعلم هنا .. ونحن نريد أن نتعلم ، وإذا أردت نظام تدريس غير هذا فقد تجده خارج بلادنا ..
    المعلم مارسيل : وهذا ما سأفعله عمّا قريب ، كنت أحمقا عندما فكرت بالقدوم إلى هنا .. ولكن هل طلبتني فقط لتخبريني بذلك ؟
    سايبل : أكرر اعتذاري على إزعاجك ، ولكنني أتيت .. لأستأذنك إن استطعت أن تعطيني صورة .. أبي ..
    كانت تحدثه منذ البداية وعينيها في الأرض ، وهو كان كذلك ، إلا أنه لاحظ ذلك عليها باختلاف بقية الفتيات ، فأعجب بأسلوبها هذا ، ثم قال : لا بأس .. انتظري لحظات ..
    ذهب إلى مكتبه وأخذ يبحث في أدراجه عن الصورة ولكنه لم يجدها ، احمر وجهه فهو لا يريد أن يتعرض لموقف حرج ، أخذ يبحث في جيب بنطاله ، وكذلك داخل ردائه ، تأخر الوقت بينما هو يبحث ، ولم يستطع إكمال إفطاره ، رنّ الجرس معلناً انتهاء وقت الراحة ، عندها لم تستطع سايبل أن تتأخر أكثر من ذلك .. فذهبت إلى صفها وهي محرجة من أمرها ظناً منها أنه تجاهلها ..
    وفي منتصف الحصة طُرقَ الباب .. واستأذن الأستاذ مارسيل المعلم الذي كان عندهم بأنه يريد سايبل قليلاً .. تعجب الكل من تصرفه هذا ، فهو لم يطلب أي شخص .. بل طلب "فتاة" ، وإن كان لديها شيء تريده منه فإنه لن يذهب برجليه ليعطي "فتاة" ، وإذا أرادته فالتأتي بنفسها ..
    خرجت سايبل ووجهها بدا مضطرباً وعيناها في الأرض وقالت : آسفة .. إن لـم تـ..
    فقاطعها قائلاً : أعتذر لأني تأخرت في إحضار الصورة لولا أنها كانت ضائعة..
    ثم ولّى نحو حجرة المعلمين فوراً ، تعجبت سايبل كثيراً من تصرفه هذا ولكن قدر هذا المعلم زاد في قلبها ، ومع ذلك كانت تشعر بحزنٍ كامن لم تعرف سرّه..
    وبعد الانصراف لحقت سريلا بسايبل ، وسألتها : هيا أخبريني ..
    سايبل : عن ماذا ؟!
    سريلا : عن ذلك الشيء الذي بينك وبين ذلك المعلم المتكبر ..
    سايبل : كل ما في الأمر أنني ذهبت لأطلب صورة أبي ، فتأخر علي ، ثم أحضرها بنفسه ..
    سريلا : أنت متأكدة أن هذا كل شيء ؟
    سايبل : وهل كذبت عليك يوما ؟
    سريلا : لا .. وأشكرك على صدقك الدائم معي ، رغم أني أتدخل فيما لا يعنيني.
    سايبل : لا عليك فنحن إخوة ..
    احتفظت سايبل بالصورة معها ولم تعدها إلى والدتها ، وكذلك أصبحت في كل يومٍ تذهب إلى ذلك المكان بعد الدوام المدرسي لتستمع إلى صوت الأستاذ مارسيل وهو يردد تلك الكلمات العذبة بصوته الشجي ..
    واستمرت على هذا الحال شهراً كاملاً ، ولم يكن هو يعلم أنها تراقبه كل يوم ، حتى جاء يومٌ لم يأت فيه الأستاذ إلى المدرسة ، تعجبت سايبل كثيرا من أمره وظنت أنه سيذهب إلى ذلك المكان الذي كان يذهب إليه دائماً ، ولكنها لم تجده ، ومر أسبوع وسايبل تكرر الكرة في كل مرة ، ولا تجده ، إلى أن طفح كيلها وقررت أن تسأل عنه أحد المعلمين ، فسألت معلمة الفيزياء ، فقالت لها : لقد انتقل للتدريس في مدينة مجاورة "نيويورك" ، وسوف يحضرون لكم معلمة لتدرسكم مادة الكيمياء عوضاً عنه ..
    صدمت سايبل عندما سمعت ما قالته ، ولكنها تمالكت أعصابها وقالت : حسناً.. هلّا أخبرتني بعنوان مدرسته الجديدة ؟
    قالت المعلمة وهي ترسم لها عنوان مدرسته : ظننت أنكم ارتحتم من تكبره وتصرفاته المريبة ، لاسيما أنه لا يعطينا نحن النساء أي بال ، سوى ابتسامة ساخرة..
    ظلّت سايبل على سكوتها ولم تنطق بكلمة ، وهي تقول في نفسها : بل هي أجمل ما فيه ، ومهما فعل فلن يعجبك شيء أبداً .. وما إن انتهت المعلمة من رسم العنوان قالت لها سايبل : شكراً ..
    قالت المعلمة : ألمهم أن أرى درجات مرتفعة مثل كل مرة في مادة الفيزياء ، وأن تبعدي ذهنك عن مالا ينفع ..
    فهمت سايبل ما كانت تشير إليه معلمتها فقالت : كما تشائين ..
    ذهبت سايبل إلى المنزل ، وفي قلبها فرحة تغمرها لأنها أخيراً حصلت على العنوان ، وقررت في قرارة نفسها أنها ستخبره بالحقيقة ، وأنها تريد مثل ذلك الكتاب الذي كان يقرأ منه ..
    وعندما دخلت المنزل رأت جيمس أمامها فقالت : جيمس .. لقد اشتريت لك الحلوى ، أين جيان ؟
    فقال لها : والدي قال أن لا نتحدث معك ..
    خافت سايبل من أن يكون هنالك أمر ما ، وفجأة حدث ما توقعته ، جاءت والدتها وزوجها وأدخلاها المجلس ، ثم أخذ الوالد الحقيبة وقلبها رأساً على عقب حتى تناثرت الأغراض وسقط من بينها عنوان السيد مارسيل، فأخذها دونو وقال : عنوان من هذا ؟
    سايبل : عنوان أحد أساتذتي ..
    الأم : لقد تغيرت تصرفاتك كثيراً في الآونة الأخيرة ، ولاسيما بعد تعرفك على مدرس اسمه مارسيل .. وهذا ما كنت أخشاه ..
    سايبل : هذا ليس صحيح يا أمي ، فمارسيل إنسان رائع ، إنه ليس كما يقوله الآخرين عنه ، فهو هادئ ومبتسمٌ دائماً ..
    الزوج دونو : وهذا ما يزيد الأمر غرابة ..
    الأم : ثم إنني وجدت صورة والدك التي كنت أبحث عنها منذ فترة طويلة في حجرتك، كيف استطعت أخذها ؟
    الزوج دونو : لا تحاولي إنكار أي شيء ، فمعلمتك تقول بأن هذا المدرس غريب الأطوار والجميع لا يقترب منه ، وقد أشارت إلى ارتباطك به ..
    سايبل : هذا كله هراء ، أما الصورة فـ ...
    الزوج دونو : الهراء هو ما يدور في عقلك ، ليس هذا فقط حتى صديقتك تذكر أنك في الآونة الأخيرة لم تعودي كالسابق ..
    سايبل : أمي .. أنا آسفة .. لقد دخلت حجرتك وأخذت الصورة من دون إذن ، لا أعلم كيف فعلت ذلك .. أما أستاذ مارسيل .. فالجميع يكرهه لأنهم لم يعرفوا حقيقته ...
    الزوج دونو : يكفينا ما سمعناه عنك ، لم تعودي كالسابق حقاً ، ولكن إن سمعت كلاماً غير هذا فسوف تنالين عقاباً شديداً ، يبدو أن ذلك الوقح استعان بمشعوذ ليغير عقلك ..
    الأم : هيا استعدي و غيري ثيابك سنذهب إلى الكنيسة ..
    سايبل : آسفة .. لا رغبة لي بالذهاب ..
    وعندما سمع زوج أمها هذه الكلمات صفعها صفعة قوية على وجهها ، ثم قال: لا تريدين الذهاب إلى الكنيسة ، وتريدين عنوان ذلك المشعوذ هاه ؟!
    ثم مزقه أمامها وقال : إن لم تعودي إلى رشدك فسوف ترين أين سيصبح مارسيل ذاك ..
    فقالت سايبل في نفسها : إن لم تدعني وشأني فسوف تراني أين سأصبح غداً.. هه .. لقد نسي أنني أحسب حساباً لكل شيء ..
    ***
    وفي اليوم التالي ارتدت سايبل زيها المدرسي ، وبدل أن تملأ حقيبتها بالكتب ملأتها بالطعام ، وارتدت حذاءها الذي يحتوي على عجلات قابلة للتحول إلى مزلاج ، وودعت والدتها وقالت : أمي .. إلى اللقاء .. أرجو أن تسامحيني ..
    قالت الأم : لقد سامحتك المهم أن لا تكرريها ..
    قالت سايبل في نفسها : أكرر أسفي ، لأنني سأفعل أكبر منها ..
    انطلقت سايبل نحو نيويورك المدينة المجاورة لهم ، والتي انتقل إليها أستاذها مارسيل ، وبينما هي تسير في منتصف الطريق ، مرت بها حافلة لنقل المسافرين ، فاستقلتها إلى هناك ، ووصلت بعد مرور ساعتين ونصف ، ثم أخرجت عنوان مدرسته وانطلقت نحوها مرتدية زلاجاتها ، وأخيراً وصلت هناك في منتصف الدوام تقريبا ، ودخلت المدرسة .. فإذا هي مدرسة كبيرة أكبر بكثير من مدرستها ، ثم سألت أحد العاملين : هل الأستاذ مارسيل يُدَرس هنا ؟
    فأجاب العامل : تقصدين ذاك الرجل غريب الأطوار ؟
    سايبل : نعم أقصده .. أين أجده ؟
    العامل : هناك .. آخر الممر ، في الغرفة من جهة اليمين ..
    سايبل : شكراً جزيلاً ..
    وأخذت خطواتها تتسارع وأنفاسها المتقطعة ممزوجة بابتسامة سعيدة ، أخيراً ستقابل أستاذها الذي طالما استمتعت بسماع صوته الرنان مع تلك الكلمات الغريبة ، طرقت الباب .. فإذا بصوت من الداخل يقول : تفضل بالدخول لا أحد هنا ..
    ففتحت الباب وقالت : وهل تسمح لي أنا .. بالدخول ؟
    تعجب مارسيل منها كثيراً ، اليوم يوم مدرسة ، من أحضرها إلى هنا ، ولماذا جاءت؟ ثم قال : أليس لديك دوامٌ اليوم ؟
    سايبل : بلى ..
    الأستاذ مارسيل : إذا تغيبت ؟!
    سايبل : نعم ..
    الأستاذ مارسيل : ومن أحضرك ؟
    سايبل : أتيت وحدي ..
    فقال بتعجب : ولماذا يا آنسة سايبل ؟
    سايبل : لأنني أريد أن أطلعك على حقيقة أخفيتها عنك ، وتطلعني على حقيقة أخفيتها عن الكل ..
    الأستاذ مارسيل : إذا أغلق الباب خلفك وتفضلي بالجلوس ..
    دخلت سايبل وجلست على كرسي بجوار الطاولة ، فقال الأستاذ مارسيل : هاه.. ما ذاك السر الذي تريدين أن تطلعينني عليه وتكبدت عناء القدوم إلى هنا من أجله ؟
    سايبل : في الحقيقة .. طوال الشهر الفائت يا سيد مارسيل وأنا ..
    الأستاذ مارسيل : وأنت ماذا ؟
    سايبل : وأنا كنت أتجسس عليك فـ .. في الحديقة ، وقد كنت تقول كلاماً غريباً بصوتٍ شجي وجميل ، شدّ انتباهي كثيراً ، ثم ..
    الأستاذ مارسيل بهدوء وعنياه على الطاولة : أكملي ..
    سايبل : ثم انقطعت عنا من دون سابق إنذار ، فجلست أسبوعاً أتحرى مجيئك، ولكنك.. لم تأت ..
    الأستاذ مارسيل : لأنني استلمت عملي الجديد هنا ..
    سايبل : هذا صحيح .. لذلك قررت أن أصارحك بالحقيقة على أن ..
    الأستاذ مارسيل : على أن أطلعك على حقيقة أخفيتها عن الكل .. سر ذلك الكلام الغريب .. حسناً .. في البداية وقبل كل شيء ..
    ثم سكت برهة ، فقالت سايبل : ماذا ؟
    الأستاذ مارسيل بعينين حزينتين : عديني أن لا تخبري أحداً ..
    سايبل : أعدك ..
    الأستاذ مارسيل : أنتم النصارى لديكم كتاب اسمه الإنجيل ، تقرءون منه رغم أنه حُرّف من قبل قومه بعد أن أنزله الله تعالى عليكم ، ونحن المسلمون لدينا أيضاً كتابُ اسمه القرآن ، نقرأ منه ولم ولن يستطيع أحد أن يمسه ويحرف فيه،لماذا؟؟ لأن الله تعالى تكفل بحفظه .. وهو معجزة نبيه محمد  ، لذلك لا تتعجبي من أنك تأثرت تأثراُ بالغا عند سماعك للقرآن ..
    سايبل : أعلم ما تريد الوصول إليه ، ولكن .. لا يمكنني أن أسلم ..
    الأستاذ مارسيل : ولما لا ؟ رغم أن القرآن قد أخذ محله من قلبك وجعلك تقطعين كل هذه المسافات من أجله ؟
    سايبل : لأن والدي .. أعني زوج أمي قد وعد بأن يعذبني إن افتعلت أمراً خاطئاً ، فبالأمس فقط لأنني رفضت الذهاب معهم إلى الكنيسة ضربني وتوعدني ..
    الأستاذ مارسيل : وهل ستعودين إلى المنزل بعد إذ هربت منه ؟ ألن يشك والدك في أمرك ؟
    سايبل : لن أعود ، ثم إنك أنت أيضاً بخطر ، فقد توعد بأن يكشفك ويرميك في سجن نيويورك إن لم أتصرف كما كنت ، فهو يظن أنك السبب في كل شيء أفعله لا يعجبه، وهذا عندما قال لي :"إن لم تعودي إلى رشدك فسوف ترين أين سيصبح مارسيل ذاك"..
    ثم قالت بابتسامة : ولذلك قبل مجيئي إلى هنا اشتريت بالمال الذي جمعته تذكرة سفر لك ، فالازدحام على شركة الطيران كبير ..
    فرفع مارسيل رأسه ونظر إليها وقال : دعينا من هذا الكلام الآن واسمعيني .. ألا تريدين أن تشعري بالسعادة التي أشعر بها يا سايبل ؟ سأخبرك بالفروق بين دينينا وأنت من سيقرر في النهاية فلا أستطيع أن أجبرك على شيء لا ترغبين به .. أنتم في النصرانية تذهبون إلى الكنيسة لتتعبدون الله سبحانه مرة واحدة في الأسبوع ولساعة فقط أو أقل ، ونحن المسلمون نذهب لنتعبد الله سبحانه في المسجد خمس مرات في اليوم ، يعني كم مرة تتوقعين في الأسبوع؟
    سايبل : يعني .. خمساً وثلاثين مرة !
    الأستاذ مارسيل : جيد .. وعندما تذهبون إلى الكنيسة كم يكون عدد الموجودين ؟
    سايبل : آ.. قليل .. قليل جداً ..
    الأستاذ مارسيل : أما نحن المسلمون فنرى المساجد تكاد تمتلئ من شدة المصلين ..
    سايبل : هذا صحيح ، سـ .. سبحان الله ..
    الأستاذ مارسيل بابتسامة عريضة وصوتٍ هادئ : ولكن .. هل سمعت يوماً ، سواء في التاريخ أو في حياتك ، أن قسيساً دخل الإسلام ؟
    سايبل : في الحقيقة .. كثير ما نسمع عن مثل ذلك ..
    الأستاذ مارسيل : وهل سمعتم يوماً أن شيخاًً مسلما ، أو داعياً إلى الإسلام .. تنصّر؟
    سايبل بتردد : آ .. لا .. لم أسمع بذلك قط ..
    ثم عمّ الهدوء الأجواء لحظات ، قالت سايبل : أستاذ مارسيل ، يكفيني ما سمعت ..
    الأستاذ مارسيل : هاه .. ماذا قررت ؟
    سايبل : بقي أن تعلمني كيف أسلم ..
    فرح مارسيل وقال : حقا ؟ لا بأس .. سأستأذن من مديري أن أخرج من الدوام، انتظريني عند سيارتي ، حسناً ؟
    سايبل : كما تشاء حضرة المعلم ..
    شعرت سايبل بسعادة كبيرة بينما كانت تتناقش مع معلمها مارسيل ، بل إن سعادتها الأكبر من ذلك أنها ستُسْلِمُ على يديه ، ولكنها تعجبت من تصرفه عندما رفع رأسه ونظر في عينيها بحزم ، وكأنه يرجوها أن تُسْلم ، رغم أنه كان يحاول أن يخفي هذه المشاعر ويبدي لها أن الأمر راجع إليها ، ومع ذلك كان الحزن يغمرها لأنها كانت تشعر بأن أمراً مخيفاً سوف يحدث ..
    هاهو مارسيل قادم ، فتح سيارته وقال لها : تفضلي ..
    ففتحت سايبل باب المقعد الخلفي ،فقال لها : لا اجلسي في الأمام ..
    سايبل فتاة خجولة لذلك قالت : آ , هل من مانعٍٍ إن جلست في الخلف ؟
    الأستاذ مارسيل : لا .. مادمت تريدين ذلك ..
    أخذت سايبل تتأمل شكل مارسيل طويلاً ، تشعر أنها تعرفه ، ولكنها خائفة من أن يكون إحساسها خاطئا فتحرج نفسها ..
    حدثها مارسيل كثيراً عن مكانة المسلمة في المجتمع الإسلامي ، وكيف أنها تكون معززة مكرمة عن باقي النساء في شعوب العالم ، نسيت سايبل كل شيء حولها وكل ما قد يحدث لها ، أصبح شغلها الشاغل : متى تسلم ؟ ثم نظر إليها من المرآة الأمامية وقال : هل علمت الآن السبب الذي دفعني لأرى أن فتيات بلدتنا أفضل من فتياتكم بكثير ؟
    سايبل : نعم .. وأظن الحق معك ..
    مارسيل : الحق دائماً مع الإسلام ..
    قالت سايبل وهي تضحك : أتعلم ؟! أنت تملك قلباً أبيض ، ليت العالم كله يعلم أنك بهذا الخلق الرائع ..
    قال مارسيل: حقاً ؟! ولكنني أرى أن أسلوبي لا يعجبهم ، ومع ذلك فلن أغيره ، لأنه أسلوب المسلم ، فالفتيات يردن كلاماً معسولاً ومراقص وحب ، والفتيان يريدون كذلك مراقص مع الفتيات وإقدام نحو المنكرات ..
    سايبل : لا عليك منهم .. فأنت بطل في عين كل مسلم ..
    وأخيراً وصلا إلى مركز للجاليات هناك في نيويورك ، فأمروها في بادئ الأمر بالاستحمام ، وقبل ذلك حدثوها عن الإسلام وعظم شأنه ، حتى تغلغل في قلبها حبه ، وطلب مارسيل أن تسلم سايبل على يده ، وبالفعل .. أخذ يلقنها الشهادة حتى أسلمت، وهناك استلمت حجابها ، وكم كانت سعيدة به ..
    وعندما عادت مع مارسيل إلى السيارة قالت : أعلم أنك لست محرماً لي ولكن..
    الأستاذ مارسيل : يبدوا أن هذه المعلومات القليلة أفادتك ..ولكنك لم تعرفي حقيقتي أصلاً حتى تقولي ذلك ..
    سايبل بتعجب ودهشة : ومن تكون .. أنت ؟!
    الأستاذ مارسيل : اصعدي وسأخبرك ..
    سايبل : هاي .. مارسيل ، المسلم لا يكذب ..
    مارسيل : وأنا مسلم ..
    سايبل : إذا قبل أن تخبرني لابد أن أخبرك أننا كلينا بتنا الآن في خطر ..
    الأستاذ مارسيل : من ماذا ؟
    سايبل : زوج أمي كما قلت لك توعدك ، وأنا قمت بكتابة عنوان مدرستك في أكثر من ورقة ، لذلك ليس من الصعب عليه أن يصل إليك ويلبسك تهمة باطلة كي يرميك في السجن ..
    الأستاذ مارسيل : لن أرحل من دون أختي التي طالما وصاني بها أبي ..
    سايبل : ياه .. وأين هي الآن ؟ لم يبقى الكثير من الوقت سيصل إلينا بسهولة يا أستاذ ..
    أستاذ مارسيل : نادني مارسيل فقط ، لأن أختي .. بجواري الآن ..
    تعجبت سايبل كثيراً ، وأخذت تنظر بدهشة إلى مارسيل ، والدموع تتصارع في عينيها ، وتقول : لا .. لا أصدق ، أمي لم تقل لي بأن لي أخاً اسمه مارسيل ، لقد قالت بأني وحيدة والدي ..
    مارسيل : سأخبرك بالحقيقة فيما بعد يا أختي ، ولكن يبدو أن ما قلتيه كان صحيحاُ ، أحدهم يلاحقنا .. لا بل اثنان ..
    أخذ مارسيل يحاول الإفلات من السيارات التي كانت تطارده ، مرة يسير يمنة ، والمرة الأخرى يسرة ، حتى استطاع أن يضللهم ، ثم اتجه نحو الميناء ، قالت سايبل : مارسيل .. ما الذي تحاول فعله ؟
    مارسيل : هناك يخت ، سنستقله فوراً ..
    سايبل : وهل تتقن قيادته ؟
    مارسيل : لا عليك ، ليس لدينا حل آخر للنجاة ..
    سايبل : ولكن أمي .. لا يمكن أن ندعها ..
    مارسيل : ليس هذا وقت الكلام ، اصعدي حالاً ..
    وصعدا اليخت ، وفتح مارسيل الشراع وما إن قطع الحبل حتى وصلت والدتهما هي وزوجها وعدد من رجال الشرطة إلى الضفة ، قالت الأم : مارسيل يا بني أعد أختك سايبل إلى هنا ..
    مارسيل : هذا مستحيل يا أمي ، لن أسمح لها أن تتعذب أكثر من هذا ، لاسيما أنها أسلمت ..
    صدمت الأم مما سمعت وقالت : هل هذا صحيح يا ابنتي ؟
    سايبل : آسفة يا أمي ، ولكنها الحقيقة ، فأنا لم أجد سعادتي إلا هنا .. في الإسلام ..
    وأخذ اليخت يبتعد شيئا فشيئاً ، حتى توارى عن الأنظار ، صرخت الأم : لا عودا سوف تختفيان في البحر ، لا تذهبا .. مارسيييييييييل .. سايبل ..
    ولم تستطع الأم تحمّل الموقف ، فانهارت وفقدت وعيها ، حملها زوجها نحو المنزل، وقد كان الجو هادئاً وحزيناً أن ذاك ، الشخص الوحيد الذي ارتاح من سايبل ، هو زوجها دونو ، ولكنه لم يكن يبدي لزوجته ذلك ، فقد كان يكره أن تجلس لتتناول معهما الغداء ، ويكره أن يراها تقف في المطبخ لتساعد والدتها، بل كان يتصيد أخطاءها حتى يعاقبها ، لقد كان يحب زوجته كثيراً ، لذلك لم يرد أن يكون لزجها السابق أي علاقة بحياته ، وقد علم أنه مات غرقا، فأراد أن يلحقه ابناه : مارسيل .. وسايبل ، لذلك لم يفعل شيئاً حينما رآهما يتجهان نحو حتفهما .. " مثلث برمودة " الذي اختفت فيه الكثير من السفن والطائرات ، كانت هناك ضحكة عظيمة يخبؤها في صدره ، يريد الفرصة المناسبة كي يطلقها ، لقد شعر أنه أخيراً .. قد انتصر ..
    وفجأة إذا بساعي البريد يطرق الباب ، قامت الأم لتفتح الباب ، قال زوجها : أنا سأفتحه ..
    فأسرعت هي نحو الباب وقالت : لا عليك ، أنا سأفعل ذلك ..
    جلس غير مبالٍ بأمر الطارق ، فمن المستحيل أن تكون سايبل ، وقال في نفسه: سأتركها تعيش هذه الأوهام أسبوعاً .. أسبوعين .. ثم ستعود بنفسها إلى ما كانت عليه ..
    سلّم ساعي البريد رسالة إلى والدة سايبل ، وقال لها : رسالة لك من نيويورك.
    فظنتها من سايبل ، وخبأتها حالاً ، وقالت : شكراً ..
    ***
    في مكان آخر كان مارسيل وسايبل ، يعانون أشد المعانة فقد توقف اليخت عن العمل، ولم يعد يتحرك ، قالت سايبل : مراسيل .. أنا جائعة ولم يبقى في صندوق البرتقال إلا القليل ، متى سنصل ؟ إن بقينا على هذه الحال فإننا سوف نموت ..
    مارسيل : إن لم نصل إلى اليابسة فهناك مكان رائع جداً اسمه " الجنة "، سنذهب إليه ..
    سايبل : حسنا .. ولكن أين هو الآن ؟
    مارسيل : إنه عند الله ..
    سايبل : يعني أننا إذا متنا هنا فأننا سنذهب إلى الجنة ؟
    مارسيل : نعم ..
    سايبل : وسأرى حبيبي محمد  ؟
    مارسيل : بالتأكيد ..
    ولشوقها لربها أرادت أن تتأكد من قوله فقالت : وكيف عرفت ذلك ؟
    مارسيل : لقد أخبرني عجوزٌ بأن هنالك حديث ورد عن النبي  ذكر فيه الشهداء السبعة ، وذكر منهم الغريق ..
    فرحت سايبل كثيراً ، وقالت : مادام الأمر كذلك فدعنا نتعبد الله ونذكره كي تزيد حسناتنا ، وتقل سيئاتنا العظيمة التي اقترفناها سابقاً ..
    مارسيل : لا تقلقي ، إن الله عفو غفور ..
    سايبل : ونعم بالله .. ولكن أين نحن الآن ؟
    مارسيل : يبدو أننا في مثلث برمودة والله أعلم ، ويبدو أن هذا المكان يحتوي على حقل مغناطيسي كبير جداً ، لذلك قد لا نستطيع الخروج من هنا ، والكثير من السفن والطائرات اختفت في هذا المكان ، إلا إذا أراد الله لنا الخروج ..
    سايبل : ولكن الله لن يحرمنا من رحمته ، هيا يا مارسيل ليس لدينا وقت ، الجنة تنادينا ..
    مارسيل : آه يا سايبل .. كم تمنيت أن أكون داعيا إلى دين الله ، ولكن يا للأسف ..
    سايبل : احمد الله يا أخي ، فقد دعوتني إلى الإسلام وهداني الله إليه ..
    مارسيل : الحمد لله ..
    مارسيل هو أخٌ لسايبل من والديه ، وهو يكبرها بثمان سنين ، كان يعيش معها عند زوج أمها ، وقد كانت سايبل وقتها في الرابعة من عمرها ، عندما كان مارسيل في الثانية عشرة ، لم يعش مارسيل كثيرا مع والدته ، فقط ستة أشهر، ثم طرده زوج أمه ..
    كان يذهب كل يوم إلى البحر وينظر إليه ، ويقول في نفسه : هذا المكان الذي مات فيه والدي ..
    وقد كان هنالك شيخ كبير في السن يأتي في منتصف كل شهر إلى هذه المدينة، من أجل عمله ويبقى ثلاثة أيام ثم يعود إلى بلده ، كان هذا الشيخ في كل مرة يأتي يرى هذا الشاب الصغير جالساً في نفس المكان ، وفي يوم من الأيام جاء وجلس بجواره ، ولم يدر بينهما أي حوار ، ثم أخرج كتابً صغيراً وأخذ يقرأ منه بصوت جميل قوله تعالى : ( ومن يعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا، ونحشره يوم القيامة أعمى)، نظر مارسيل إلى هذا الشيخ العجوز بتعجب ، ثم قال : هاي أنت أيها العجوز ما الذي تقوله ؟
    فنظر الشيخ إليه ثم ابتسم وقال : أقول ما قاله الله تعالى أنه من يعرض عن الله ولا يذكره ولا يقرأ في هذا الكتاب الكريم ، فإنه لن يعيش سعيداً أبداً ، وسيبقى تعيساً طوال عمره ، وبعد أن يموت سوف يبعث لينال عذاباً شديداً ويكون في ذلك اليوم كالأعمى لا يعرف ما الذي يحدث حوله ..
    فاتسعت حدقة عيني مارسيل وقال : من .. من أين جئت بهذا الكلام يا رجل ؟
    قال الشيخ : إنه من عند الله ..
    مارسيل : وهل يعرف الـ الله كل شيء ؟
    الشيخ : كل شيء .. حتى ما ستفعله أنت الآن ..
    مارسيل : لن أفعل الآن شيئا سوى أنني ..آ .. سأحرك قدمي ..
    الشيخ : وقد كان يعلم ذلك ..
    ومن هذه اللحظة تعلم مارسيل الكثير عن الإسلام ، وأصبح مسلماً يدعو إليه سراً ، والمصحف الذي معه هو هدية من ذلك الشيخ ، وأصبح الشيخ بدل أن يبقى ثلاثة أيام ، يجلس سبعة أيام من أجل أن يعلم مارسيل المزيد عن الإسلام، ويبدو أن دونو زوج أمه اكتشف أمره ، فهو لا يأكل معهم من لحم الخنزير ، ولا يذهب معهم إلى الكنيسة ، وما هي إلا أيام حتى انتشر خبر مارسيل بين أهل البلده ، فما كان من دونو إلا أن قام بطرده من منزله ، واستغل مارسيل الأمر ، وذهب للعيش مع ذلك الشيخ في المملكة العربية السعودية ، بالمدينة المنورة ، وهناك زاد حبه للإسلام ، أما عن أمه فقد كانت في صف زوجها لأن الأذى لحقهم من قبل الناس ، مما دفعهم للانتقال من بلدتهم ، وكانت تدرك أنه إذا رأى مارسيل مرة أخرى فسوف يقتله ، لذلك رأت أن في بعده عنها فيه منفعة له .. لاسيما أن زوجها كان متعصباً جداً للنصرانية..
    ***


    يتبع
    +*+ من طلب العلا **+** سهر الليالي +*+

  2. #2
    عضوة نشيطة الصورة الرمزية أسمى الغرب
    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المشاركات
    69
    معدل تقييم المستوى
    16

    سايبل ومارسيل

    وفي المساء قامت عاصفة هوجاء مريعة ، حطمت اليخت بما فيه ، أما مارسيل وسايبل فقد وجدت جثتهما على أحد الجزر ، وبعد الفحوصات الطبية تبين أن روحهما انتقلت إلى رحمة الله الواسعة ..
    انتشر الخبر في الصحيفة ، وذهبت الأم لتتأكد من جثث ابنيها ، وعندما دخلت الحجرة في المشفى شمّت رائحة زكية عطّرت أرجاءها ، واقتربت من ابنيها ، وما إن رأتهما حتى شكت في أمرهما إن كانا هما أم لا ، لأن وجهيهما كان يشع بياضاً وتألقاً غير معهود ، والابتسامة كانت تميزهما من بين بقية الجثث التي كانت بالحجرة ، أقبلت الأم على مراسيل وأخذت تنظر إليه طويلاً والدموع تنسكب على خديها وهي تقول : آسفة .. آسفة يا بني ..
    ثم أقبلت على سايبل ، وهي تود لو أن بإمكانها احتضانها وقالت : سأحاول أن أكفر ذنبي .. لقد أخطأت .. أخطأت بحقك ..
    ثم غادرت الحجرة ساكبة دموعها ، وركبت السيارة ، وقال دونو : لا تبكي يا عزيزتي ، هكذا هي الحياة ..
    ووصلا المنزل وكان الليل وقتها قد حل ، استأذنت الأم زوجها بأنها تريد أن تبقى وحدها لذلك لا تريد أن يلحقها أحد ، ثم اتجهت نحو حجرة ابنتها سايبل ، وقالت : أظن أنه حان الآن وقت قراءة الرسالة ، وفتحتها ، فإذا بها رسالة من ابنتها سايبل :

    بسم الله الرحمن الرحيم
    أمي الحبيبة .. هداك الله
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    لقد كنت أملي الوحيد في هذه الحياة ، فأنا لم أعرف أبي يوماً ما ، ولم أعرف حبه أو عطفه وحنانه ، ولكنك أنت .. أنت من عوضني ذلك الحب ، لقد كنت بمثابة الأب والأم معاً ، لم تقصري معي يوماً ما ، كنت دائماً تحققين لي ما أريد وإن كان طلبي صعب المنال ، كم أحبك ..
    لذلك فكرت أن أهديك شيئاً يجعلك سعيدة دائماً وأبداً ، نعم .. قررت أن أهديك السعادة، لذلك أرجوك أن لا ترميها ، فهي هدية ابنتك الوحيدة ، التي كانت تبحث عن المستحيل لإسعادك ..
    أمي الغالية .. هذه السعادة لن تجديها إلا في مكانٍ واحد ، في الإسلام ، لن تصدقي الكم الهائل الذي شعرت به من تلك السعادة العظيمة عندما نطقتُ الشهادة ، شعرت أنني أخيراً استطعت حلّ المتاهة والوصول إلى المخرج .. من الظلام ..
    أمي الشجاعة .. تفصلك عن السعادة بضع كلمات .. قوليها هيا : أشهد أن لا إله إلا الله .. وأشهد أن محمداً رسول الله ..
    أمي العزيزة .. الكثير من الكلمات تتصارع في داخلي ، إلا أنني لا أعلم كيف أقولها لك .. ولكني قد ألخصها في كلمتين فقط .. أنا ومارسيل .. ننتظرك ..
    ابنتك المتمنية لك السعادة الأبدية :
    سايبل أدوارد
    ما إن أنهت الأم الرسالة ، حتى انهارت بالبكاء ، ثم قالت بصوت متحشرج : لن ينفعني البكاء أبداً ..
    عندها تشجعت ، وقامت بخطى مترنحة ومتعبة ، واتجهت نحو الحمام واستحمت ، لاحظ زوجها دونو عليها تأثرها ، فاستغل انشغالها ودخل حجرة سايبل ، وأصابته المفاجأة عندما قرأ رسالة سايبل ، فجلس بجوار باب حجرة سايبل من الداخل ، وأخذ ينتظر خروج أم سايبل ومارسيل ..
    وبعد أن خرجت من الحمام ارتدت ثيابها ، واتجهت نحو حجرة ابنتها مسرعة، وتكاد تتحول ابتسامتها اللطيفة إلى ضحكة ..
    وأخيراً دخلت الحجرة ، واتجهت نحو منضدة ابنتها ، وقالت : هاه .. يا ابنتي، ها أنا أمك أتقبل هديتك وهدية أخيك بصدرٍ رحب ، وما إن قالت : أشهد أن ..
    قال زوجها : يا ل هذه الخيانة يا أم مارسيل وسايبل ..
    تلعثمت الأم ولم تعرف ماذا ستقول ؟ فقال دونو : إذا ستموتين قبل أن تسلمي ، وأحطم حلمك .. لن تذهبي إليهما أبداً ..
    ثم أطلق ثلاث رصاصات من مسدسه عليها ، فسقطت على الأرض وهي تشعر أن روحها ستخرج ، فقالت : لا .. سأذهب إلى ابناي ، سأجرب حياتهما ، ومماتهما ، أشهد .. أن لا .. إلااااااه إلا .. الله ..
    فوضع قدمه على وجهها وقال : يا لك من وقحة ..
    فجاهدت نفسها وروحها تكاد تزهق ، وقالت : وأن محمداً .. رسول .. الله ..
    ماتت أم مارسيل .. وسايبل ، ولحقتهما روحها إلى رحمة الله العظيمة ..
    أما زوجها دونو فقد هرب هو بابناه إلى كندا ، ولم تمضِ إلا أيام معدودات حتى انتشرت قصة مارسيل وسايبل وأمهما في المنطقة ، وأسلم الكثير ، وهكذا لم يحقق مارسيل حلمه بأن يدعو إلى دين الله وهو حي فقط ، بل دعا إلى دين الله هو وأخته ووالدته حتى وهم أموات ، وتركوا لهم بصمة في هذه الحياة لا تنسى أبدا ..




    +*+ من طلب العلا **+** سهر الليالي +*+

  3. #3
    المشرفة العامة محررة مبدعة الصورة الرمزية قلب راض
    تاريخ التسجيل
    Feb 2009
    الدولة
    مع الراحلين بقلبي.
    المشاركات
    23,351
    معدل تقييم المستوى
    169
    قصّة شيقة وممتعة وهادفة

    بارك الله فيك


    اللهم صلِّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم, إنّك حميد مجيد،
    اللهم بارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم, إنك حميد مجيد.
    .




  4. #4
    عضوة جديدة الصورة الرمزية احلام2015
    تاريخ التسجيل
    Jan 2016
    المشاركات
    22
    معدل تقييم المستوى
    9
    الله على هاالقصة حلوة مرة اعجبتني
    يسلمو كثير الله يرحمهم

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

مواقع النشر

مواقع النشر

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

أهم المواضيع

المطبخ

من مواقعنا

صفحاتنا الاجتماعية

المنتديات

ازياء | العناية بالبشرة | رجيم | فساتين زفاف 2017 | سوق نسائي | طريقة عمل البيتزا | غرف نوم 2017 | ازياء محجبات | العناية بالشعر | انقاص الوزن | فساتين سهرة | اجهزة منزلية | غرف نوم اطفال | صور ورد | ازياء اطفال | شتاء | زيادة الوزن | جمالك | كروشيه | رسائل حب 2017 | صور مساء الخير | رسائل مساء الخير | لانجري | تمارين | وظائف نسائية | اكسسوارات | جمعة مباركة | مكياج | تسريحات | عروس | تفسير الاحلام | مطبخ | رسائل صباح الخير | صور صباح الخير | اسماء بنات | اسماء اولاد | اتيكيت | اشغال يدوية | الحياة الزوجية | العناية بالطفل | الحمل والولادة | ديكورات | صور حب | طريقة عمل القرصان | طريقة عمل الكريب | طريقة عمل المندي |