* من حقوق المعاشرة بين الزوجين*
لفضيلة الشيخ:ياسر برهامى
إن راحة الإنسان وسعادته في بيته ومع أهلة من أهم أسباب استقراره وسكنه وتمكنه من قيامه بواجبات العبودية التي افترضها الله عليه وإذا فقد المرء سكنه وطمأنينته عجز عن الاستمرار في وظيفته في مجتمعه –رجلا كان أو أمرآة –ولقد بين الله سبحانه عظيم قدر العلاقة بين الزوجين وجعلها من آياته التي ينبغي التفكر فيها فقال:{ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون}
فالمودة والرحمة المتبادلة أساس العشرة الزوجية السعيدة.وسمي الله العشرة الحسنة بالمعروف بين الزوجين ميثاقا غليظا فقال:{وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا}
ولهذا نرى القرآن قد أكثر في غير موضع من بيان حقوق العشرة بين الزوجين وأسسها كما شرح لنا من داخل بيت النبوة أحداثا كثيرة ووقائع مختلفة لنتعلم كيف نعالج المشكلات وما هي أسس حلها بالإضافة إلى تحقيق الاستقرار للنبي (صلى الله عليه وسلم)في بيته ليتمكن من أداء مهمته وتناول القرآن في سورة الأحزاب والنور والطلاق والنساء والبقرة وغيرها أحكام العشرة بين الزوجين –وتعلم هذا من الفروض على الزوجين حتى يعامل كل منهما الآخر بشرع الله عز وجل قال تعالى {وعاشروهن بالمعروف فان كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا}
وقال الله تعالى:{الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم}
أي بما فضل الله الرجال على النساء في كمال العقل والدين –وقال الله تعالى{فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله}فصفة المرأة الصالحة أنها قانتة أي مدوامة على طاعة ربها بطاعة زوجها وحافظة للسر بينهما بتوفيق الله لها في ذلك ولقد كثر في ألسنه أمر المرأة بطاعة زوجها طاعة كاملة في غير معصية الله-روى ابن حبان في صحيحة عن أبى هريرة رضي الله عنه قال:قال رسول الله(صلى الله عليه وسلم)إذا صلت المرأة خمسها وحصنت فرجها وأطاعت بعلها دخلت من أي أبواب الجنة شاءت [وروى أحمد والنسائي باسنادين جيدين]عن حصين بن محصن أن عمة له أتت النبي (صلى الله عليه وسلم)فقال لها :أذات زوج؟قالت نعم:قال فأين أنت منه ؟قالت ما ألوه إلا ما عجزت عنه(أي لا أقصر في حقه إلا ما عجزت فيه)قال:فكيف أنت له فانه جنتك ونارك
*وعن عائشة رضي الله عنها قالت:سألت رسول الله(صلى الله عليه وسلم)أى الناس أعظم حقا على المرأة قال:زوجها .قلت فأي الناس أعظم حقا على الرجل قال:أمه[رواه البزار باسناده حسن]
*وعن أنس رضي الله عنه مرفوعا ولا يصلح لبشر أن يسجد لبشر ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تنبجس بالقيح والصديد ثم استقبلته فلحسته ما أدت حقه[رواه أحمد بإسناد جيد والنسائي وابن حبان في صحيحة وله شواهد من حديث أبى سعيد عن ابن حبان ومن حديث قيس بن سعد عند أبى داود وغيرهم.
*وبهذه الأحاديث وأمثالها احتج من يقول بوجوب خدمة المرأة زوجها من الطبخ والغسل والكنس ونحو ذلك وهو الصحيح وان كان الجمهور على خلافه.وهو بلا شك من أساس حسن العشرة.ولا يختلف أهل العلم في عدم جواز خروج المرأة من غير إذن زوجها للزوم طاعته عامة وفى هذا الأمر خاصة وروى الحاكم وسكت عنه المنذر عن معاذ بن جبل عن النبي(صلى الله عليه وسلم)لا يحل لامرأة تؤمن بالله أن تأذن في بيت زوجها وهو كاره ولا تخرج وهو كاره ولا تطيع فيه أحدا ولا تعتزل فراشه ولا تضر به فان كان هو أظلم فلتأته حتى ترضيه فان قبل منها فبها ونعمت وقبل الله عذرها و أفلح حجتها{أي أظهر حجتها وقواها} ولا إثم عليها وان هو لم يرض فقد أبلغت عند الله عذرها
*وعن أنس رضي الله عنه عن النبي (صلى الله عليه وسلم )قال:ألا أخبركم برجالكم في الجنة قلنا بلى يا رسول الله قال النبي في الجنة والصديق في الجنة والرجل يزور أخاه في ناحية المصر لا يزور ألا في الله في الجنة ألا أخبركم بنسائكم في الجنة قلنا بلى يا رسول الله قال:كل ودود ولود إذا غضبت أو أوسء إليها أو غضب زوجها قالت هذه يدي في يدك لا أكتحل بغمض حتى ترضى [رواه الطبراني وله شواهد من حديث ابن عباس وكعب بن عجرة وغيراهما وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال:قال رسول الله(صلى الله عليه وسلم)اثنان لا تجاوز صلاتهما رؤوسهما عبد آبق من مواليه حتى يرجع وامرأة عصت زوجها حتى ترجع[رواه الطبراني باسناد جيد والحاكم
*ولا يجوز للمرأة أن تخرج لعيادة أو زيارة أحد من أقاربها ولو أبويها إلا بأذن الزوج-وينبغي له أن يأذن لها كما استأذنت عائشة رضي الله عنها في واقعة الإفك رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
أن تمرض في بيت أبيها فأذن لها(في الصحيح) ولا يجوز أن تأذن في بيته لأحد يكرهه رجلا كان أو أمراة محرما أو غير محرم لما سبق في الحديث ولا تأذن في بيته إلا بإذنه فان كان أجنبيا ويقع بدخوله خلوة زاد التحريم واشتد ويجب على المرأة أن تسلم نفسها لزوجها متى طلب ما لم يكن بها مانع شرعي من حيض أو نفاس أو صوم واجب أو إحرام:لقول النبي (صلى الله عليه وسلم)إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأت فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح [رواه البخاري ومسلم]ولقد صرح العلماء وجوب تسليم المرأة إلى زوجها إذا أراد الدخول بها متى طلبها وكان مثلها يوطأ (المغنى الجزء السابع)وإذا حاول أحد من أولياءها منع ذلك فقد أثم ولا يجوز له طاعته في ذلك بل عليها أن لا تطيع في معصية زوجها أحدا ويجب على المراة أن تستأذن في صوم التطوع دون صوم الفرض لقول النبي (صلى الله عليه وسلم)لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بأذنه ولا تأذن إلا بأذنه[رواه البخاري ومسلم]وكذا يلزمها استئذانه في حج التطوع وعمرة التطوع وتستأذنه في الخروج إلى المسجد ولا يجوز له منعها لقول النبي (صلى الله عليه وسلم)ولا تمنعوا إماء الله مساجد الله [رواه مسلم وغيره ]فان لم يأذن لها أطاعته وباء هو بمخالفة السنة ويستحب لها أن تتزين له بالمباح كالخضاب والكحل ونحوهما من الأصباغ التي لا تضر إذا كان يعجبه ذلك ويحرم عليها التزين بالمحرم كالوصل (الباروكة) والوشم والوشر(تفلج الأسنان)وكذا النمص على الصحيح من أقوال العلماء ويجب عليها الحداد عليه أربعة أشهر عشرا من يوم وفاته تلزم البيت ولا تخرج إلا نهارا لحاجة ولا تلبس الثياب المصبوغة إلا ثوب قصب داخل المنزل ولا خارجة وأجاز الجمهور الأسود ولا تلبس حليا ولا تكتحل ولا تمشط ولا تستعمل الطيب إلا شيئا من قسط عند اغتسالها من الحيض وكذا لا تخضب وكما للزوج حقوقا على زوجته فعليها لها حقوقا قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم)ألا واستوصوا بالنساء خيرا فإنما هن عون عندكم (أي أسيرات) لا تملكون منهن شيئا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فان فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح وهو الذي لا يجرح ولا يكسر عظما ولا يحدث شيئا أي علامة ظاهرة من العيب وقد قال أهل العلم نحو السواك فان أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ألا إن لكم على نسائكم حقا ولنسائكم عليكم حقا فحقكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن[رواه الترمذي وقال حسن صحيح]ولا يجوز لزوجها ضربها بغير سبب مبيح لذلك من معصية ظاهرة وهو معنى الفاحشة المبينة-ولا يجوز ضربها على الوجة مطلقا بل ذلك محرما لقول النبي(صلى الله عليه وسلم) حق المراة على زوجها :أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت [رواه أبو داود وابن حبان في صحيحة .ولا يجوز له سبها أو تقبيحها لقوله (صلى الله عليه وسلم)ولا تقبح أي لا تسمعها المكروه ولا تشتمها ولا تقل قبحك الله ونحو ذلك وأما الهجران في البيت فهو أولى من الهجران خارجة وان كان الهجران خارجة جائزا لثبوت ذلك عن النبي (صلى الله عليه وسلم)في هجر أزوجة في مشربه له(في الصحيحين)وليس معنى حقها في الكسوة والنفقة أن تكلفة ما لا يطيق أو تثقل عليه في ذلك (على الموسع قدره وعلى المقتر قدره) وعليه أن يحسن خلقه معها لقول النبي(صلى الله عليه وسلم)خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي (وفى رواية الحاكم )خيركم للنساء رواه الترمذي وحسنه وابن حبان في صحيحة وقال عمن يكثر ضرب نسائه (لا تجدون أولئك خياركم)بل لا يضرب النبي صلى الله عليه وسلم امرأ من نسائه قط ولا خادما كما ثبت ذلك من حديث أنس .وعليه أن يهتم بأمر دينها لقوله تعالى{يأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة}فعليه أن يعلمها ما تجهل من دينه من الإيمان ولأحكام والأخلاق الواجبة وما يحل وما يحرم فان عجز أذن لها في الخروج للتعلم وسؤال أهل العلم وإن تيسر فهمها لما تسمعه من خلال إذاعة أو شرائط فهو أولى و إلا يلزمها الخروج ولو بغير إذنه إذا كان علما واجبا وعليه أن يذكرها بالصلاة والفرائض ويحثها على الذكر وتلاوة القران وسائر الطاعات
والأولى به أن لا يؤتيها ماله ولا يسلطها عليه وليس لها أن تطلب ذلك بل تأخذ ما يكفيها وولدها بالمعروف إن لم يعطيها ما يكفيها ولو بغير إذنه ولا يجوز له أخذ مالها بغير رضاها:(ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما أتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) فإذا كان هذا في ما أعطاه إياها فكيف بمالها الخاص بها وإن كان المشروع لها أن لا تهب منه شيئا كثيرا إلا بإذنه لقوله صلى الله عليه وسلم
*لايحل لإمرأة عطية في مالها إلا بأذن زوجها.وبه قال أحمد والجمهور على عدم لزوم إذنه وظاهر السنة مع القول باللزوم في الهبة والعطية لكن إن كان من أقاربها من يلزمها نفقتهم وهم فقراء وهى غنية كوالديها أنفقت عليهم بغير إذنه من مالها لا من ماله-إذ لا يجوز لها أن تنفق من ماله إلا بإذنه إلا في المحقرات التي تعلم إذنه ضمنا فيها وإذا أذن الزوج لامراته في الخروج في عمل مباح بغير اختلاط محرم مع التزامها بالحجاب الشرعي الذي يلزمه أن يلزمها إياه لم يكن له الحق في شئ من مالها الذي اكتسبته في عملها ذلك وكذا ما كان من عمل في المنزل كحياكة أو نحوها ولا يلزمها طاعته في إعطائه مالها أو الإنفاق على أولاده منه أو أن يلزمها بالمشاركة في النفقة لكن يستحب لها أن تساعده إن كان محتاجا لذلك ولها أجر الصلة والصدقة وزكاة مالها عليها لاعليه فان تبرع لها فحسن وسقط عنها –وأما زكاة الفطر فجماهير العلماء على لزومها عليه لنفسه ولها ولأولاده وجميع من تلزمه نفقتهم و لا يحل له أن يرجع في هبته إياها شيئا وهبه له إذ العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه لكن ما أعطاها إياه لتتزين به من الحلي مثلا دون تمليك لها فيجوز له التصوف فيه والمراد في ذلك للعرف والنية وليس للزوج إيذاء امرأته بغير حق إرضاء لأهله ولو الوالدين ولا أن يسمع غيبة ولا نميمة في حقها وهى كذلك ويجب على كل منهما الالتزام بحقوق الإسلام العامة(كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه
نسأل الله أن يوفق بين الأزواج والزوجات المسلمين
و أخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين
مواقع النشر