بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، و الصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
الحياة فرصة لا تعوض يُبنى عليها حياة أبدية :
عن عائشة رضي الله عنها قالت, قال عليه الصلاة والسلام:
(
(من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه, ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه, فقلت: يا نبي الله أكراهية الموت, فكلنا نكره الموت؟ قال عليه الصلاة والسلام: ليس كذلك, ولكن المؤمن إذا بُشِّر برحمة الله,
ورضوانه, وجنته, أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه, وإن الكافر إذا بُشر بعذاب الله وسخطه, كره لقاء الله, فكره الله لقاءه))
[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن عائشة]
الحديث دقيق, الإنسان ما دام حياً, قلبه ينبض, يكره الموت, لأن الله عز وجل ركب في أعماقنا حبّ الحياة, هذا كلام حقيقي, وواقعي, ما من واحد على وجه الأرض يتمنى الموت, إلا أن المؤمن يكره
الموت, ويحب الحياة, ليزداد عمله الصالح, الحياة فرصة لا تعوض, هذه الفرصة سوف يُبنى عليها حياة أبدية, سيبنى على هذه الحياة المحدودة, الأيام المعدودة, حياة أبدية, ولا يوجد إنسان يشعر أنه
وصل للقمة, دائماً هناك تقصير.
فالإنسان إذا كان عنده بحبوحة في الحياة يتلافى التقصير بعمل صالح, بتوبة, بإخلاص, بطلب علم, إلى آخره.
طالب الحقيقة لا يداري ولا يماري :
فلما قال:
((....من كره لقاء الله كره الله لقاءه, فقلت: يا نبي الله أكراهية الموت, فكلنا نكره الموت؟...))
أول ملاحظة: طالب الحقيقة صريح, طالب الحقيقة لا يداري ولا يماري, ولو كان مع رسول الله, السيدة عائشة مع رسول الله.
فأنا ألاحظ أحياناً ضمن حلقة بسيطة, إذا سئلنا ماذا يرضي الشيخ؟ نجاوبه رأساً, مثلما يريد, نرتاح ونريحه, هذا طريق غير علمي, طالب الحقيقة يناقش, لا يقبل شيئاً لم يقنع به, أي أنا أجيب كما
يرضي فلان حتى أحظى عنده, لا.
صلى النبي ركعتي الظهر, فلما سلم أحد الصحابة الذين هم أضعف شأناً من بين أصحابه - ذو اليدين-, قال: "يا رسول الله, أقصرت الصلاة أم نسيت؟ – طبعاً بأدب يسأل رسول الله- فقال عليه الصلاة
والسلام: كل ذلك لم يكن, -ما سكت ولا تراجع-, قال له بعضهم قد كان, فالنبي سأل أصحابه: -الآن طلب التواتر, الآن يوجد عنده رواية آحاد, شخص قال له: أنت صليت ركعتين, فسأل الصحابة,
قالوا: ركعتين-, فقال عليه الصلاة والسلام: إنما نُسِّيت كي أسن, لولا أنني نسيت كيف أسجد لكم سجود السهو؟":
﴿سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى* إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ﴾
[سورة الأعلى الآية:6-7]
الصادق يسأل و يناقش و يرفض المجاملة و المحاباة :
أنا قصدت من هنا: الصادق يسأل, والصادق يناقش, والصادق واقعي, والصادق لا يقبل شيئاً ما قبله طالب حقيقة, القضية ليست قضية تجمع مصلحي, مجاملة, المصالح محققة في هذا التجمع, يتكلم
كما يريد, ونحن نرضيه, أمورنا ميسرة, لا, هذا كلام مرفوض.
يروون عن رجل -هذه قصة رمزية لكن عميقة جداً- انكليزي, استأجر حمارة يركبها، و صاحب الحمارة يمشي إلى جانبه, ويسبه سباباً شديداً, وهو يظن أنه لا يعلم العربية, فمر شخص يعرف هذين,
قال له: إنه سبّك, قال له: أعلم أنه يسبني, لكن الحمارة تسير.
أحياناً لا يهم الإنسان إذا كان هناك قضية تجمع مصلحي, حلقات علم, أساسه أن يؤمن مصالحه, يقول: علينا ألا نناقشه، و لو تكلم غلطاً نقبل منه, ولو لم تقتنع نقبل منه, ماذا تكلم نقبل منه, نريد أن
نسير أمورنا, هذه علاقة, ليست علاقة علمية, هذه علاقة مصلحة, علاقة نفاق, أما العلاقة العلمية فأنا لا أقبل شيئاً حتى أقتنع فيه.
أي الذي يطلب يعلم, يريد أن يقتنع بالعلم, لا يوجد حل وسط, ولا مجاملة, ولا محاباة.
أي:
((من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه, ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه, فقلت: يا نبي الله أكراهية الموت, فكلنا نكره الموت؟ - والسيدة عائشة مؤمنة كبيرة- قال عليه الصلاة والسلام: ليس كذلك, ولكن
المؤمن إذا بُشِّر برحمة الله- أي هو على فراش الموت, وفي النزع الأخير, وقد علم أنه مغادر الدنيا, فإذا بشر برحمة الله, من علامات الإيمان أن الله يُري المؤمن ساعة نزعه مقامه في الجنة-
ورضوانه, وجنته, أحب لقاء الله ...))
عمل المؤمن الطيب يجعله يحب لقاء الله عز وجل :
أقول لكم هذا الكلام: سمعت عن بعض الصالحات والصالحين, هم على فراش الموت, قال لها ابنها: شفاك الله لنا, قالت له: يكفي هذا, لا أريد الدنيا, زهقت منها, أريد الله, هذا شيء ثابت, فالإنسان إذا
كان عمله طيباً, ومستقيماً، تمنى لقاء الله عز وجل.
والله أعرف رجلاً, أنا لا أعرفه شخصياً, لكن سمعت عنه, رجل له محل بالحريقة صالح جداً, له ميزة, ما دخلت عليه لجنة لجلب التبرعات إلا وقال لها: هذا الصندوق, افتح وخذ ما تشاء, ولا تعلمني
كم أخذت, هكذا طبيعته, لا يسمح له أن يقول له: كم؟ خذ ما تشاء, عمّر مسجداً, له أعمال طيبة, يحب الخير, صار معه ورم خبيث بالدم, وذهب إلى بلد بعيد ورجع, القصة طويلة لكن ملخصها: في
البيت عدة هواتف, رن التلفون, رفع السماعة, ردّ ابنه, هو يسمع أن أجله ينتهي بعد يومين, قال له: مع أبيك يومان, - القصة رواها لي صديقه-, لما عرف نفسه منتهياً, قبل ثلاثة أيام اتصل بصديقه و
طلب منه أن يأتي إلى عنده– هو مستورد- قال له: هذه الصفقة مدفوع ثمنها, تتابع استيرداها, وتبيعها, وتعطي أرباحها لأولادي, هذه الصفقة لم يدفع ثمنها, ألغها, وقل لهم: الشخص سيموت.
أعطاه تعليمات بكل الصفقات, وكل المستودعات, وكل الذمم, خلال ساعتين أو ثلاث, أنهى كل علاقاته المالية, في اليوم الثاني استدعى كل أقربائه, وأولاده, وأصهاره, وبناته, وودعهم, في اليوم
الثالث له بالشام شيخ مشهور, -الآن خارج سوريا-, غسل نفسه بيده, وجلس على السرير, وجاء الشيخ, وعملوا له مولداً لمدة ساعة, ومثلما جاء بالهاتف بالضبط توفي الساعة الواحدة ونصف تقريباً.
يقول لي صديقه الذي وكله بتجارته: أنا لم أر إنساناً تلقى نبأ الموت برحابة صدر, قال له: يا أبو فلان أنا انتهيت, الحمد لله.
عمله الطيب جعله يحب لقاء الله عز وجل, هذه هنا النقطة أن يكون لك عمل.
لو قيل لك: تعال معنا, أهلاً وسهلاً, أنا منتظر هذه الساعة.
فالمقياس ليس أثناء الحياة تحب الموت, لا, هذا الكلام ليس واقعياً, الشيء الواقعي كل واحد منا يحب الحياة, بل إن المؤمن يحب الحياة أضعاف ما يحبها غير المؤمن, لماذا؟ لأن الله عز وجل أقامه
بعمل صالح, والعمل يزداد, في تقدم, فكل إنسان يحب الحياة, وهذا الشيء الواقعي؛ لكن وهو على فراش الموت, وهو في النزع الأخير, رأى مقامه في الجنة, فقال: مرحباً بلقاء الله.
يتبـــــــــــــــــــــ ع ــــــــــ
مواقع النشر