يامعـــــــــــــاذ
صفقت يدُه على يدِ رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم في بيعة العقبة؛ وهو شابٌّ أمردُ، ثم صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم بقلب يتوقد إيمانًا، وعقلًا يشع لموعًا، فجمع بين الذكاء والزكاء، والكرم والنبل، والوضاءة والمهابة، فكان من أجمل الناس وجهًا، وأحسنهم خلقًا، واسمحهم كفًّا، وأغزرهم علمًا.
ولازم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحفظ القرآن وفقه العلم، فإذا هو أعلم الأمة بالحلال والحرام، وحظي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمحبَّة ورعايةٍ، وتجلَّت في مشهدِ من مشاهدِ القربِ والاختصاصِ، فها هو رديف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على حمار يقال له: عفير، رسنه من ليف، وليس بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مؤَخَّرة رحل الحمار، وبينما هما في الطريق، إذا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يناديه نداء البعيد على قربه، فيقول: ((يا معاذُ بنَ جبل)). قال : لبيك يا رسول الله وسعديك . فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ناده بعد، فقال: (( يا معاذُ بنَ جبل)) . فقال : لبيك يا رسول الله وسعديك. فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ناده بعد، فقال: ((يا معاذُ بنَ جبل)). قال : لبيك يا رسول الله وسعديك . فقال صلى الله عليه وآله وسلم : (( أتدري ما حقُّ الله على العِبَاد؟)). قال معاذ: الله ورسوله أعلم . فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((إنَّ حقِّ اللهِ على العبادِ أن يعبدوهُ ولا يُشرِكوا به شَيئًا)). ثم سار ساعة ثم قال : ((يا معاذُ بن جبل)). قال: لبيك يا رسول الله وسعديك. قال : (( أتدري ما حقُّ العبادِ على اللهِ إذا فَعلُوا ذلك؟ )). قال : الله ورسوله أعلم. قال صلى الله عليه وآله وسلم: (( فإن حقَّ العبادِ على اللهِ إذا فعلوا ذلك: ألا يعذبَهم، ويغفرَ لهم، ويُدخلَهم الجنَّةَ، ما من أحد يشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسولُ الله صِدقاً من قلبه، إلَّا حرمه الله على النار)). قال: يا رسول الله أفلا أبشر بها الناس. قال : (( لا إني أخاف أن يتَّكِلُوا عليها)).
وفرح معاذ بالبشرى، وعمل بالوصاة ؛ فاستبشر بها ولم يخبر أحدًا، ولحق رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى، وارتحل معاذٌ بعدُ إلى الشام، يتطلب الشهادة حيث أرض الرباط والجهاد، ولم يمضِ به طويلُ عمرٍ حتى أتته الشهادة على فراشه، وأصيب بالطاعون، فقال: ما يسرُّني أن لي بما أصابني حمر النعم. واشتد به المرضُ، وعرف أنها كُرَبُ الموت، وأوانُ فراق الحياةِ، فقال: اكشفوا عنَّي سترّ القبَّةِ؛ أحدثكم حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يمنعني أن أحدثكموه إلا مخافة أن تتكلوا. ثم أخبرهم بتلك البشرى التي أخبره بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو رِدْفَه على الحمار ليس معهم أحد، ولا يسمعهم أحد، وكره معاذ أن يلقى ربَّه وقد كتَم علمًا سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخاف المأثَمة بكتمان هذا العلم، فأخبر به عند موته، وكان الذين سمعوه من معاذ هم خاصة صحبه الذين شهدوا احتضاره.
يتبع
مواقع النشر