لقد كان يوما مروعا بالنسبة لفتاة لاقت حتفها فى كهف بالمكسيك ربما منذ 13 ألف سنة إلا إنه صار يوما مثيرا للعلماء الذين نجحوا فى استنطاق أقدم هيكل عظمى فى العالم الجديد ليبوح بأسرار مهمة إذ كان محفوظا بكامل حالته الوراثية.

قال العلماء أمس الخميس إن الفحوص الوراثية على رفات الفتاة - الذى كان محفوظا بحالة ممتازة بعد أن عثر عليه غواصون فى الكهف - قدمت إجابات شافية عن أول بشر وطأوا النصف الغربى للكرة الأرضية والصلة التى تربطهم بالسكان الأصليين فى أمريكا.

وردت نتائج هذه الدراسة - التى أشرف عليها المعهد الوطنى للأنثروبولوجيا والتاريخ التابع لحكومة المكسيك وأيدتها الجمعية الوطنية الجغرافية - فى دورية (ساينس).

وأكدت هذه النتائج أن إنسان العصر الجليدى الذى عبر لأول مرة إلى الأمريكتين على جسر برى كان يربط فى السابق بين سيبيريا والأسكا أسهم حقيقة فى زيادة عدد السكان الأصليين فى أمريكا بدلا من الفرضية التى شاعت فيما بعد بأنهم وافدون جدد إلى المنطقة.

وتطرقت أبحاث العلماء إلى استكشاف مجاهل أدغال شبه جزيرة يوكاتان بشرق المكسيك ليكتشفوا رفات الفتاة تحت الماء إلى جانب عظام تخص أكثر من عشرين من الحيوانات المتوحشة بما فى ذلك النمور ذات الأنياب البارزة ودببة الكهوف وأنواع عملاقة من حيوان الكسلان وأحد أسلاف الفيلة.

وكانت جمجمة الفتاة وشفرتها الوراثية محفوظة كما هى بعد دفن رفاتها دهورا فى مغارة مهجورة تغمرها المياه قبل اكتشافها عام 2007. وينم رفات الفتاة عن صغر حجم جسمها ونحافتها ويبلغ طولها 1.47 متر ويعتقد أنها توفيت عندما كان عمرها 15 أو 16 عاما.

ويرجح أن الفتاة غامرت بحياتها وولجت إلى المسارات المظلمة بالمغارة لتجد الماء العذب قبل أن تلقى حتفها فى مصيدة وصفها عالم الآثار جيمس تشاترز من شركة أبلايد باليوساينس وهو أحد كبار المشاركين فى هذه الدراسة بأنه "فخ لا فكاك منه" يبلغ عمقه 30 مترا وهو عبارة عن حفرة تسمى بالأسبانية أويو نيجرو أى الثقب الأسود.

وقال تشاترز إن الغرفة التى عثر بها على رفات الفتاة تقع تحت سطح البحر بنحو 40 مترا وكانت بمثابة "كبسولة زمن تحفظ حياة البشر والبيئة" فى أواخر العصر الجليدى.

وأطلق الغواصون على رفات الفتاة اسم (نايا) وهو يرمز لحورية الماء فى الأساطير الإغريقية. وعاد أحد الغواصين ويدعى البرتو نابا بذاكرته إلى الوراء لحظة اكتشاف نايا عندما كانت جمجمتها ترقد أعلى أفريز صخرى وقال "كانت جمجمة صغيرة ترقد فى وضع مقلوب وبها طاقم كامل من الأسنان ومحجران أسودان للعينين يرمقاننا من بعيد."

كانت الحفرة جافة عندما سقطت فيها الفتاة إلا أن كتل الثلج الخاصة بالعصر الجليدى ذابت منذ نحو عشرة آلاف عام لتغمر المياه الكهف. وأوضحت الفحوص أن الفتاة كانت تعيش قبل 13 أو 12 ألف سنة.

وطالما ثار جدل بين العلماء بشأن أصل أول بشر وطأوا أراضى الأمريكتين ويرى كثير منهم أن صائدى الفرائس عبروا الجسر العتيق بين 26 ألفا و18 ألف عام وسرعان ما انطلقوا إلى الأمريكتين منذ نحو 17 ألف عام.

إلا أن أقدم رفات لإنسان العالم الجديد أصاب العلماء بالحيرة لأنه كان يتميز - مثل نايا - بجمجمة أصغر وملامح أخرى تختلف تمام الاختلاف عن السكان الأصليين للأمريكتين.

وأدى ذلك إلى إثارة تكهنات بأن هؤلاء البشر الأولين فى العالم الجديد ربما كانوا يمثلون موجة هجرة مبكرة وفدت من بقاع أخرى من العالم وليسوا أسلاف السكان الأصليين.

إلا أن المادة الوراثية التى تنتقل من الأم لأبنائها والتى استخلصت من ضرس العقل لفتاة الكهف أظهرت إنها تنتمى لنسل وراثى ينحدر من القارة الآسيوية ويمت بصلة للسكان الأصليين للأمريكتين.

وقال الباحثون إن ذلك يوضح أن الاختلافات المتعلقة بشكل الجمجمة والسمات الأخرى لرفات أول بشر وطأوا الأمريكتين ناشئة عن تغيرات تتعلق بالنشوء والارتقاء التى ظهرت بعد أن عبر أول الوافدين الجسر العتيق.