يا من عمرت الدنيا وخربت الآخرة
النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: يا من عمرت الدنيا وخربت الآخرة

  1. #1
    مشرفة الركن الإسلامي الصورة الرمزية ام سارة**
    تاريخ التسجيل
    Sep 2014
    المشاركات
    5,124
    معدل تقييم المستوى
    24

    يا من عمرت الدنيا وخربت الآخرة





    يا من عمرت الدنيا وخربت الآخرة



    نقِف اليوم مع التي تُلهِي الإنسان وتشغَله عن طاعة الله - تعالى - مع التي تضرُّ بدين المسلم كضرر الذئب الضاري على الغنم، مع التي تؤدِّي إلى الهلاك وإراقة الدماء، مع الدنيا الفانية، مع التي قال - تعالى - عنها: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت: 64]
    {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا} [الكهف: 45].

    مع الدنيا التي قال عنها نبينا الكريم - صلى الله عليه وسلم - يومًا لأصحابه: ((فَوالله مَا الفَقْرَ أخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلكِنِّي أخْشَى أنْ تُبْسَط الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، فَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أهْلَكَتْهُمْ))؛ متفقٌ عَلَيْهِ
    وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((لو كانت الدنيا تعدِل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرًا منها شربة ماء))؛ رواه الترمذى رقم (2321) فى الزهد.

    ولا تتصوَّر أن الذم الوارد في القرآن والسنَّة للدنيا يرجع إلى زمانها من ليل ونهار، فلقد جعل الله الليل والنهار خِلفة لِمَن أراد أن يذكَّر أو أراد شكورًا، لا يرجع الذم إلى مكانها ألا وهو الأرض؛ إذ إن الله قد جعل الأرض لبنى آدم سكَنًا ومستقَرًّا.

    إنما الذم الوارد في القرآن والسنة يرجع إلى كل معصية تُرْتَكب في حق ربنا - جل وعلا.

    والسؤال الذي نطرحه على مائدة اليوم: يا ترى لماذا أصبحنا نحب الدنيا ونكره الموت؟ سؤال يدور في بال الكثير من المسلمين في دنيا اليوم، والكل يبحث عن الجواب.

    فتعالَ معي إلى العارف بالله أبي حازم، وهو يجيبنا على هذا السؤال عندما استدعاه أمير المؤمنين سليمان بن عبدالملك أحد أمراء الدولة الأموية.

    فعندما دخل العالم على الأمير، وجَّه الأمير إليه هذا السؤال: "يا أبا حازم، لماذا أصبحنا نحب الدنيا ونكره الموت؟"، واسمعوا إلى إجابة هذا الإمام التي لو أُلقِيت على جبلٍ أشمَّ، لتَحرك الجبل من مكانه، قال: "يا سليمان، لأنكم عمَّرتم الدنيا وخرَّبتم الآخرة، ومُحَالٌ أن يحب الإنسان الخروجَ من العمار إلى الخراب"، نعم والله كيف لا يحب الدنيا مَن عمَّرها؟! وكيف يحب الآخرة من خرَّبها؟
    اسمع يا مَن عمرت دنياك الفانية وخربت الآخرة الباقية:
    ذُكِر في الخبر عن سيدنا عيسى - عليه السلام - أنه كان ذات يوم ماشيًا فنظر، فإذا امرأة عليها من كل زينة، فذهب ليغطِّي وجهه عنها فقالت: اكشف عن وجهك، فلستُ بامرأة، إنما أنا الدنيا، فقال لها: أَلَكِ زوج؟ قالت: لي أزواج كثر، فقال: أكُل طلَّقك؟ قالت: بل كُلاًّ قتلتُ، فقال: أحَزِنتِ على أحد منهم؟ فقالت: هم يحزنون عليَّ ولا أحزن عليهم، ويبكون عليَّ ولا أبكي عليهم.

    أَلاَ إِنَّمَا الدُّنْيَا نَضَارَةُ أَيْكَةٍ إِذَا اخْضَرَّ مِنْهَا جَانِبٌ جَفَّ جَانِبُهِيَ الدَّارُ مَا الآمَالُ إلاَّ فَجائِعٌ عَليْها، وَلاَ اللَّذَّاتُ إلاَّ مَصَائِبُ

    فَلاَ تَكْتَحِلْ عَيْنَاكَ فِيهَا بِعَبْرَةٍ عَلَى ذَاهِبٍ مِنْهَا فَإِنَّكَ ذاهِبُ
    كان علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - يقول: "إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة، وإن الآخرة قد ارتحلت مقبِلة، ولكل منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغدًا حساب ولا عمل".

    اسأل نفسك - أخي المسلم -:
    هل أنت من أبناء الدنيا أم من أبناء الآخرة؟ هل أنت في تعاملك مع الناس تبتغي الدنيا أم الآخرة؟ هل أنت من المسارعين في فعل الخيرات أم من المسارعين في فعل المنكرات؟

    أنا أدعوك إلى أن تنظر في واقع المسلمين اليوم: كم من الناس نراهم يتراكضون لطلب الدنيا مسرِعين؛ مخافة أن تفوتهم، ولكن نراهم يتأخَّرون عن حضور المساجد لأداء الصلوات الخمس التي هي عمود الدين؟!

    وكم من الناس مَن نراهم يجلسون في الشوارع والدكاكين الساعات الطويلة، وقد يُقاسون شِدَّة الحر؛ لطلب الدنيا، بينما لا نراهم يصبرون على الجلوس دقائق معدودةً في المسجد لأداء الصلاة أو تلاوة القرآن؟!

    وكم نرى من شباب المسلمين مَن يتسابقون إلى ملاعب الكرة، ومقاهي الانترنت، والألعاب الإلكترونية، ويدفعون الأموال في سبيلها، وربما قضوا الساعات الطويلة، وكل ذلك في سبيل اللهو والغفلة، ولكن إذا دُعوا إلى حضور الصلوات في المساجد بـ (حي على الصلاة، حي على الفلاح)، أعرضوا عن داعي الفلاح، وكأن المؤذِّن يدعوهم إلى سجن أو عقوبة؛ {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لاَ يَرْكَعُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} [المرسلات: 48- 49]
    {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} [القلم: 42- 43].

    قال سعيد بن المسيب في معنى هذه الآية: "كانوا يسمعون (حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح) فلا يجيبون وهم أصحاء سالمون"، وقال كعب الأحبار: "والله ما نزلت هذه الآية إلا في الذين يتخلفون عن الجماعة".

    إن كثيرًا من الناس أصبح يصبر على تحمُّل المشاقِّ في طلب الدنيا ولا يصبر على أدنى مشقة في طاعة الله، ونراهم يغضبون إذا انتُقص شيء من دنياهم، ولا يغضبون إذا انتُقص شيءٌ من دينهم.

    وكثيرٌ من الناس - لشدة حبه للدنيا - لا يقنع بما أباح الله له من المكاسب، فتجده يتعامل بالمعاملات المحرَّمة والمكاسب الخبيثة؛ من الربا، والرشوة، والغش في البيع والشراء، بل يفجُر في خصومته، أو يقيم شهادة الزور؛ ليستولي على مال غيره بغير حقٍّ، وهو يسمع قول الله - تعالى -: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} [البقرة: 278]

    وقوله - تعالى -: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188]

    وقوله - تعالى -: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بَعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثمنًا قليلاً} [آل عمران: 77].

    لقد استولى حبُّ الدنيا على القلوب فآثرتها على الآخرة، فبعضهم شغلته الدنيا عن الصلاة، وإذا صلى فربما لا يصليها مع الجماعة، أو ربما يؤخرها عن وقتها، وحتى في أثناء صلاته تجد قلبه منصرفًا عن صلاته إلى الدنيا؛ يفكِّر فيها، ويعدُّ أمواله، ويتفقَّد حساباته، ويتذكَّر ما نسي من معاملاته، وكثير من الناس حملهم حبُّ الدنيا وإيثارها على الآخرة على البُخل والشُّح بالنفقات الواجبة والمستحبَّة حتى بَخِل بالزكاة التي هي رُكن من أركان الإسلام.

    يُحكى أن رجلاً كان يحاسِب نفسَه، فحسب يومًا السنوات التي عاشها، فوجدها ستين سنة، فحسب أيامها، فوجدها واحدًا وعشرين ألف يوم وخمسمائة يوم، فصرخ صرخة وخرَّ مغشيًّا عليه، فلمَّا أفاق قال: يا ويلتاه! أنا آتي ربي بواحدٍ وعشرين ألف ذنب وخمسمائة ذنب؟!

    يقول هذا لو كان يقترِف ذنبًا واحدًا في كل يوم، فكيف بذنوب كثيرة لا تُحصَى؟!

    ثم قال: آه عليَّ، عمرتُ دنياي، وخرَّبتُ أخراي، وعصيتُ مولاي، ثم لا أشتهي النقلة من العمران إلى الخراب، وأنشد:
    مَنَازِلُ دُنْيَاكَ شَيَّدْتَهَا وخَرَّبْتَ دَارَكَ فِي الآخِرَهْ
    فَأَصْبَحْتَ تَكْرَهُهَا لِلخَرَابِ وَتَرْغَبُ فِي دَارِكَ العَامِرَه
    اسمع يا مَن عمرت دنياك الفانية وخرَّبت الآخرة الباقية إلى الإمام الشافعي، وهو يخبرك عن حقيقة الدنيا فيقول:
    وَمَنْ يَذُقِ الدُّنْيَا فَإِنِّي طَعِمْتُهَا وَسِيقَ إِلَيْنَا عَذْبُهَا وَعَذَابُهَا
    فَلَمْ أَرَهَا إِلاَّ غُرُورًا وَبَاطِلاً كَمَا لاَحَ فِي ظَهْرِ الْفَلاَةِ سَرَابُهَا
    وَمَا هِيَ إِلاَّ جِيفَةٌ مُسْتَحِيلَةٌ عَلَيْهَا كِلاَبٌ هَمُّهُنَّ اجْتِذَابُهَا
    فَإِنْ تَجْتَنِبْهَا كُنْتَ سِلْمًا لِأَهْلِهَا وَإِنْ تَجْتَذِبْكَ نَازَعَتْكَ كِلاَبُهَا


    فأين المسافرون بقلوبهم إلى الله؟ أين المشمِّرون إلى المنازل الرفيعة والدرجات العالية؟ أين عُشَّاق الجِنَان وطُلاب الآخرة؟

    اللهم أصلِح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر.

    أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين.


    الشيخ محمد جمعة الحلبوسى جزاه الله خير


  2. #2
    إدارية ومشرفة الركن الإسلامي
    تاريخ التسجيل
    Jan 2010
    المشاركات
    19,702
    معدل تقييم المستوى
    10
    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

    الله يصلح احوالنا ,, ويجعل الدنيا في ايدينا لا في قوبنا ..

    جزاك الله خيرا وجعله في ميزان حسناتك ياغاليه والكاتب الكريم ..
    دخول متقطع ،، ارجو المعذره ،،
    نسأل الله العفو والعافيه في الدنيا والاخره
    (رحمك الله ياأبتاه وغفر لك وجعل مأواك جنة الفردوس الاعلى وجمعنا بك فيها )

    للمحتشمات ( أعجبني )
    هذا البهاءُ الذي يزدانُ رونقُـــــــهُ
    فيكن من يا تُرى بالطهـر حلاه ؟
    هل مثلكن نساء الارض قاطبـة
    أم خصكن بهذي الفتنــــةِ الله ؟
    (د. فواز اللعبون )


المواضيع المتشابهه

  1. سلامة القلب راحة في الدنيا وغنيمة في الآخرة
    بواسطة هدووء،، في المنتدى الأسرة
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 24-11-2019, 11:36 PM
  2. بركة بر الوالدين تُرى في الدنيا قبل الآخرة
    بواسطة أخت نواف في المنتدى منتديات اسلامية,( على منهج أهل السنة والجماعة)
    مشاركات: 19
    آخر مشاركة: 27-06-2012, 10:16 PM
  3. مشاركات: 121
    آخر مشاركة: 16-12-2011, 01:23 AM
  4. هل صحيح أن من سمع الغناء في الدنيا لم يسمعه في الآخرة ؟
    بواسطة حياتى غناوى في المنتدى منتديات اسلامية,( على منهج أهل السنة والجماعة)
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 30-11-2009, 11:07 PM
  5. مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 05-06-2006, 03:13 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

مواقع النشر

مواقع النشر

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

أهم المواضيع

المطبخ

من مواقعنا

صفحاتنا الاجتماعية

المنتديات

ازياء | العناية بالبشرة | رجيم | فساتين زفاف 2017 | سوق نسائي | طريقة عمل البيتزا | غرف نوم 2017 | ازياء محجبات | العناية بالشعر | انقاص الوزن | فساتين سهرة | اجهزة منزلية | غرف نوم اطفال | صور ورد | ازياء اطفال | شتاء | زيادة الوزن | جمالك | كروشيه | رسائل حب 2017 | صور مساء الخير | رسائل مساء الخير | لانجري | تمارين | وظائف نسائية | اكسسوارات | جمعة مباركة | مكياج | تسريحات | عروس | تفسير الاحلام | مطبخ | رسائل صباح الخير | صور صباح الخير | اسماء بنات | اسماء اولاد | اتيكيت | اشغال يدوية | الحياة الزوجية | العناية بالطفل | الحمل والولادة | ديكورات | صور حب | طريقة عمل القرصان | طريقة عمل الكريب | طريقة عمل المندي |