إن التحديات التي باتت تواجهها الأسرة تزداد يوما بعد يوم في ظل التغيرات العاصفة من كل النواحي، وفي واقع مـأزوم تعيشه الأمة؛ مع وجود كل العوامل التي تشجع التمرد على القيم والأعراف وتنادي بالتحرر، عوامل تسهم في تهميش الأسرة والمدرسة، ما قد جعل أبناءنا المراهقين فريسة مستساغة لتسمم فكري متخفٍّ بلبوس التحضر والانفتاحية، بينما يحمل في ثناياه الرزايا القاتلة للإباحية والتسيب. فوجب وبإلحاح أن نراهن على احتواء هذا الابن الذي يعتبر أهم استثمار ليس لوالديه فحسب، بل للمجتمع ككل.
لم يعد هناك مجال للاكتفاء بالتنظير والترجي، بل ينبغي أن نستنفر الجهود لبدء مرحلة العمل والبناء؛ بناء إنسان فاعل فعال له كيان وهوية، يرفض الدنية والوهن، إنسان راسخ المبدأ، سليم العقيدة، قوي الشكيمة، له إرادة وعزيمة، راقي الذوق والأخلاق، يسهم بهمة في بناء حضارة الأمة؛ وهذا ما نبتغيه جميعا كمربين وترنو إليه نفوسنا. فكيف السبيل؟
المراهقة:
مرحلة انتقالية وسن مفصلية متميزة وحرجة، يسعى فيها المراهق للاستقلال، ويعاني من التخبط نتيجة المتغيرات العديدة والضغوطات النفسية. تحتاج لمعاملة حكيمة ومختلفة تماما عما سبق، كي لا يحتد الصراع وتتفاقم المشاكل. لن أخوض في تحديد سماتها الشكلية والنفسية بدقة، ويمكن لمن أراد الاستزادة الرجوع إليها في مظانها من المراجع المتخصصة، وسأكتفي بهمسات وجيزة ومفيدة.
أبرز سماتها النفسية:
مزاجية وانفعالية: تتنازع المراهق مشاعر مختلطة في نفس الآن، ويبحث عن مثيرات جديدة تلتهم سأمه السريع، تستثيره أتفه الأسباب، لفقدانه بوصلة التحكم في انفعالاته.

استقلالية: يتطلع أن يعامل معاملة الراشد، وتجده يقحم نفسه في مناقشة مواضيع تكبره سنا.
خيالية واندفاعية العواطف: غالبا ما يقع في الحب مع الجنس الآخر، بحيث يعلق آمالا ضخمة على هذا الشعور الذي يجد فيه السلوى والعوض عن أشياء يفتقدها في محيطه.
الحاءات الخمسة لاحتواء المراهق:
حب.. المراهق من الداخل كائن في منتهى الرقة و الوداعة، كتلة من العواطف الجياشة، محتاج لقلب فياض بالعاطفة، يؤنسه ويزيل لواعج أحزانه. حبك أنت أسرع نفاذا لقلبه، وأقوى امتزاجاً بنفسه. وفّري عليك كثير التعب والجهد وبادري باحتوائه بدل أن يبحث عنه بعيدا عن حضنك وعينك.
حنان.. حنانك أيتها الأم، رحمة تذهب وحشته، ونور تشرق به حناياه، وهو انشراح وطمأنينة تملأ عالمه المضطرب، يمنحه الأمل والرغبة في استشراف المستقبل.
حكمة وتبصر.. لا تنفع المواجهة في أغلب الحالات، كوني حكيمة في معالجتك للأمور، تجنبي الاصطدام معه بتوجيهات مباشرة، وإصدار أحكام مسبقة على تصرفاته، اغتنمي الظروف التي تتيحها الحياة لإرسال رسائل ضمنية وإبداء آرائك، واستخدمي التكنولوجيا لصالحك.
حوار.. هذا الباب سيمكنك من معالجة مجموعة من المشاكل، اخلقي أرضية للنقاش البناء وافتحي نافذة التساؤل في جميع المواضيع.
حِلم.. التربية تحتاج لنفس طويل، وعدم استعجال النتائج. يحضرني هنا مثال عن شجرة البامبو؛ الشجرة الصينية التي لا يرى منها سوى برعم صغير بعد زرعها، يبقى كامنا على حاله بينما تضرب بجذورها المتينة في الأعماق، وما أن تصل السنة الخامسة حتى يصل ارتفاعها عن سطح الأرض 80 قدما.
قال سفيان الثوري: “لاعب ابنك سبعاً وأدِّبه سبعاً وصاحبه سبعاً، ثم اتركه للتجارب”. ووِفق منهجية متكاملة تراعي جميع الجوانب نكون قد وفرنا التربة الخصبة لبناء إنسان، وحققنا تربية إيجابية تقوّم السلوك، تنمي المدارك الفكرية وتصقل المهارات الحياتية، تنضوي تحت شعار”التربية بالحوار ضرورة لا اختيار”