[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم احبتي في الله
موضوع جميل للشيخ الفاضل الحبيب محمد حسين يعقوب[/align]

لاشك أن تأسيس العقيدة السليمة منذ الصغر أمر بالغ الأهمية في منهج التربية الإسلامية ، وأمر بالغ السهولة كذلك .

ولذلك اهتم الإسلام بتربية الأطفال على عقيدة التوحيد منذ نعومة أظفارهم ، ومن هنا جاء استحباب التأذين في أذن الـمـولود ، وسر التأذين -والله أعلم- أن يكون أول ما يقرع سمع الإنسان كلماته المتضمنة لكبريـاء الـرب وعـظـمـتـه ، والـشهادة التي أول ما يدخل بها في الإسلام ، فكان ذلك كالتلقين له شعار الإسلام عند مـجـيـئـه إلـى الدنيا ، كما يلقن كلمة التوحيد عند خروجه منها .

أما إن أخطأ المربون في تعرف اهـتـمـامـــات الطفل الدينية فقدموا له تفسيرات دينية غير ملائمة ، فحينئذ "إما أن ينبذها كما يـنـبـذ أية فكرة لا تتسق مع تكوينه النفسي المتكامل وإما أن يتقبلها على مضض مجاملة للأهل ، وضماناً لاستمرار عطفهم ، ولكنه تقبل مؤقت يخفي معارضةمكبوتة .

فالإجابة السليمة الواعية على تساؤلات الأطفال الدينية، بما يتناسب مع سنهم ومستوى إدراكهم وفهمهم أمر ضروري ، مع الاعتدال في التربية الدينية لهم ، وعدم تحميلهم مالا طاقة لهم به... وكذا عدم اهمالهم بحجة أنهم صغار لا يفهمون ، كما يظن البعض ،... فهذا رسولنا الكريم قد تعهد أصحابه ، حتى الأطفال منهم فغرس في نفوسهم أسس العقيدة ، قال معلماً لابن عباس -رضي الله عنه- : « يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك ، وإذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله » .
بمثل هذه التوجيهات الحكيمة نستطيع أن نحصن عقائد أبـنـائـنـا ، وفي كل تصرف من تصرفات المربي وكل كلمة من كلماته يراقـب ربـه ، ويحـاسـب نفسه لئلا تفوته الحكمة والموعظة الحسنة، وحتى لاتوقع أخطاء التربية أبناءنا في متاهات المبادئ ، يتخبطون بين اللهو والتفاهة، إلى الشطط والغلو ، كل ذلك عند البعد عند التربية الحكيمة المتوازنة التي تسير على هدي تعاليم الإسلام الحنيف .


جوانب البناء العقدي عند الطفل المسلم :
أ-الإيمان بالله -جل وعلا- :

إن أهم واجبات المربي ، حماية الفطرة من الانحراف ، وصيانة العقيدة من الشرك ، لذا نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن تعليق التمائم تعويداً للصغير الاعتماد على الله وحده : « من علق تميمة فلا أتم الله له » .
يتعرف الطفل أنه مسلم ، وأن دينه الإسلام وهو الدين الذي ارتضاه الله له ولا يقبل من عباده سواه ، والتركيز في التربية على ما وصفها ابن تيمية -رحمه الله- (محبة العامة وهي محبة الله تعالى لأجل إحسانه لعباده ، وهذه المحبة على هذا الأصل لا ينكرها أحد فإن القلوب مجبولة على حب من أحسن إليها ) .
لذا ، ينبغي أن نذكر اسم الله أمام الطفل من خلال مواقف محببة سارة ، فالطفل مثلاً قد يستوعب حركة الـسـبـابـــة عند ذكر كلمة الشهادتين ، يتلفظ بها الكبير أمامه ، الأم أم الأب أو أحد الاخوة الكبار، وذلك منذ الشهر الرابع من عمره ، فإذا به يرفع إصبعه مقلداً الكبار
"ولا يجوز للمربي أن يتكـئ على خـــط الخوف حتى يـرعـب الطفل بغير موجب بكثرة الحديث عن غضب الله وعذابه . والـنـــار وبشاعتها .. إنما ينبغي أن نبدأ بالترغيب لا بالترهيب حتى يتعلق قلب الطفل بالله من خيط الرجاء أولاً فـهـــو أحـــوج في صغره إلى الحب".

علينا أن نذكر اسم الله -تبارك وتعالى- ونحن نستشعر عناية الله بالإنـســان وتكريمه له "حيث سخر له ما في سماواته وأرضه ، وما بينهما حتى ملائكته.. جعلهم حفـظـة له في منامه ويقظته وأنزل إليه وعليه كتبه.. فللإنسان شأن ليس لسائر المخلوقات" .

هذا فضلاً عن فائدة أخرى :

"إن الاعتقاد بكرامة الإنسان على الله ، يرفع من اعتباره في نظر نفسه ، ويثير في ضميره الحياء من التدني عن المرتبة التي رفعه الله إليها.. ونظافة المشاعر تجيء نتيجة مباشرة للشعور بكرامة الإنسان على الله ثم برقابة الله على الضمائر واطلاعه على السرائر".
ب- تعويد الأطفال حب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتوقيره :

عـلـى الـوالـديـن وموجهي الأطفال أن يغرسوا حب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في نفوس الناشئة، فـحـب رسـول الله مـن حـب الله - جـل وعلا - ولا يكون المرء مؤمناً إلا بحب الله ورسوله.

عن أنس - رضي الله عنه - قال ، قال رسول الله -صلـى الله عـلـيـه وسـلـم- : »لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين« .
- الإيمان بالملائكة :

الملائكة جند الله ، يأتمرون بأمره ولا يعصونه.. إن في العالم مخلوقات كـثـيـرة لا نعرفها، يعلمها خالقها - جل وعلا - ومن بينها الملائكة... بهذه الصورة يمكن أن نتحدث عن هذا الركن الإيماني الغيبي أمام الأطفال ، ونضيف لهم : إن أعمال الملائكة كثيرة نستشفها من بعض الآيات الكريمة،ومن ذلك حفظ الإنسان { إن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} [الطارق:4]. وكتابة ما يعمله في حياته {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}[ ق:18].

وكم يسعد الأطفال عندما تجمعهم أمهم ، لتحدثهم عن الجنة ونعـيـمـهـا، والملائكة فيها ، إذ تبشر المؤمنين كقوله - تعالى -:{إنَّ الَذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُـوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا ولا تَحْزَنُوا وأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلَيَاؤُكُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وفِي الآخِرَةِ ولَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ ولَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلاً مِّنْ غَـفُـورٍ رَّحِـيـمٍ (32) ومـَـنْ أَحْـسَـنُ قَـوْلاً مِّمَّن دَعَا إلَى اللَّهِ وعَمِلَ صَالِحاً وقَالَ إنَّـنِـي مِـنَ المُسْلِمِينَ} [ فصلت:30-33] .

فالأم بذلك تستفيد من صفات طفولة أبنائها، في خدمة عقيدتها، ويجددون مرضاة الله (تعالى) .
فبدلاً من إرضاء الخيال النامي عندهم بقصص خرافية، وأساطير وهمية، قد لا تجلب لهم إلا العنف ، والبعد عن الواقعية.. نكون بذلك قد تعاملنا مع طفولتهم بما يرتضيه الشرع الحنيف.. على أن لا يكون في هذا شطط ولا غلو، إن الغلو في أي شيء إفراط قد يؤدي إلى خلاف ما يقصد المربي .

وينبغى ألا يثبّت المربون صورة خاطئة في عقول الأطفال عن شكل الملائكة مثلاً.. ولاسيما أن أكثر وسائل الإعلام تصور الملائكة بأشكال معينة لها أجنحة، وتصور الشيطان بأن له قروناً .. وذلك حتى لاتثبت هذه الصورة الخاطئة في نفس الطفل.



د- عدم التركيز على الخوف الشديد من النار :

إن الطفل ذو نفس مرهفة شفافة، فلا ينبغي تـخـويـفـه ولا ترويعه ، لأن نفسه تتأثر تأثراً عكسياً .. يمكن للمربي أن يمر على قـضـيـة جـهـنـم مراً خفيفاً رفيقاً أمام الأطفال ، دون التركيز المستمر على التخويف من النار، ظناً منه أن هذه وسيلة تربوية ناجعة ..
هـ - الإيمان بالقدر :

وعلينا أن نزرع في نفس الطفل عقيدة الإيمان بالقدر منذ صغره ، فيفهم أن عمره محدود، وأن الرزق مقدر ولذلك فلا يسأل إلا الله ، ولا يستعين إلا به ، وأن الناس لا يستطيعون أن يغيروا ما قدره الله - سبحانه وتعالى - ضراً ولا نفعاً ، قال - تعالى - : {قُل لَّن يُصِيبَنَا إلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا}[التوبة:51] .


أما كيف يتم ذلك؟ فمن خلال انتهاز الفرص المناسبة، ولعل أبرز الظواهر التي تلفت نظر الأطفال في هذا المجال : ظاهرة الموت ، فهم قد يتقبلونه تقبلاً معتدلاً، وذلك في ظل أسرة لا تبدي جزعها من الموت ، وتُشعر الأطفال - وببساطة - أن من ينتهي عمره يموت. أما إن شعر الأطفال - بطريقة ما - أن الموت عقوبة وذلك من خلال التعليق على موت أحد الناس: "والله إنه لا يستأهل هذا الموت"! كما تقول بعضهن في لحظة انفعال، نسأل الله المغفرة والهداية، وكذا إن هددت الأم طفلها بالضرب والتمويت ؛ فيزرع في ذهنه أن الموت عقوبة وليس نهاية طبيعية ومنتظرة للجميع مما يجعلهم يجزعون منه مستقبلاً، وهذا ما يتنافى مع عقيدة الإيمان بالقدر.
وكذا بالنسبة للرزق : جميل بالمربية أن تتعمد أمام طفلها حمد الله - تعالى - على ما أعطى من الرزق ، فذلك يرسخ في ذهنه أن المال مال الله والخير كله منه.. وإن قال لها مستنكراً : إلا أن المال من مكان "كذا" لمكان عمل والده - فهي الفرصة لأن تغرس في نفسه ، لأنه لابد من اتخاذ الأسباب المؤدية إلى النتائج بحسب السنة الجارية.. ومن ثم يـحـس بوجـوده الـذاتـي ويـعـمـل، دون أن يفـتن بنفـسه ولا بعمله، ودون أن يفـتـن بالأسباب.

وإن اتخاذ الأسباب مع الإيمان بالقدر - يجعل من المسلم إنساناً مقداماً لا يخشى إلا الله، كريماً لا يخاف على نفسه الفقر، صبوراً لا يهلع أمام كل مصيبة مادامت مقدَّرة .
فهذا المعتقد : "يُحدث في حسن المؤمن توازناً جميلاً رائعاً، يعينه على القيام بدور الخلافة الراشدة في الأرض ، ويجعله يعمل في الأرض وقلبه متطلع إلى الله في السماء.

إنه يتخذ الأسباب عبادة لله ، وانطلاقاً مع سنة الله الجارية، ويحس في الوقت ذاته أن النتيجة التي وصل إليها هي قدر قدَّره الله ، وليست حصيلة أسبابه التي اتخذها، وأن الأسباب لا تؤدي بذاتها أداءً حتمياً إلى النتيجة إنما تؤدي إلى النتيجة بقدر من الله.

فهذه المعاني تدفع الطفل إلى عدم التخاذل ، فلا يداهن ولا يراوغ ، لأنه قد حُصِّن بقوة العقيدة، ولا يمكن أن ينحني رأسه أمام مغريات الدنيا، ولا إرهاب المتجبرين ؛ لأنه اعتاد أن ينحني ويسجد لله فقط.

فمن هؤلاء الأطفال الذين نغرس في نفوسهم هذه المعاني - معاني العقيدة - سيكون خط التغيير نحو منهج الله بإذن الله ، من المنازل ومن رياض الأطفال سوف تصحح المفاهيم ، فليتقِ الله أولياء الأمور في هذه المدارس ، وفي تلك المنازل ، وليعلموا عظم المسؤولية وليؤدوا الأمانة بصدق وإخلاص ، ليربطوا عقيدة الناشئة بعقيدة السلف.