كازا تجيءُ إليَّ حاملةً جرارَ الوردِ
تسألُ عن صباحٍ لم يلده الليلُ
لا يُحصي الذنوبْ
وأقولُ كازا ليس تعرفني
وما من عادةِ العشاقِ أن تستقبلَ الأغرابَ
عاشقة ٌ طروبْ
فالليلُ في كازا وأطنانُ السكارى
والنساءُ الواقفاتُ على الدروبْ
يتقاربونَ على بقايا من فتاتِ العشقِ
أذكرُ مرةً قد كنتُ و ( الدانوبْ )
قُربي .. يُلملمُ ما يندُّ الغيمُ
أذكرُ أنني أعلنتُ ألفَ وصيةٍ
سأتوبُ عن كازا
وأعرفُ لن أتوبْ
...
وبأنَّ ما يملي عليَّ الآن وجدُ حبيبةٍ
تدري بأني لنْ أعودْ
يوماً إليها لو تكالبتِ الوعودْ
فغداً تبيعُ سوايَ ما باعت إليَّ
تفتديهِ كما افتدتني بالشفاهِ وبالخدودْ
ولبعضِ بعضِ الوقتِ تصعقهُ
كما صعقتْ يدي تلك النهودْ
تدورُ دائرةُ الجيوبِ
تدورُ دائرةُ الذنوبْ
...
سأتوبُ عن كازا
أكابرُ
أستلذُ بما أكابرُ
حين أكذبُ استعيرُ براءتي الأولى
ووجهاً لا ينوبْ
وأعيدُ ترتيبَ المواجعِ
لم أكن وحدي فقدْ كانت معي كازا
تُبادلني الشحوبْ
وتقولُ لي حيناً
أما كانت ديارُ اللهِ واسعةً ؟
بلى كانت ..
فإن ضاقَ الشمالُ عليكَ فافتتحِ الجنوبْ
بلى كانت وهذا المغربُ الممتدُّ نحوَ الأطلسِ الغربيَّ
والشرقِ القديمْ
يتجاذبانِ وألفُ صحراءٍ تنوءُ
يخافُ ملمَسها الجحيمْ
ولها انبرى زندُ الرجالِ
لها استعارَ الشرقُ سُمرْتهُ
وكادَ بها يذوبْ
سأتوبُ عن كازا
وأعرفُ لن أتوبْ
ولئِنْ جفاني كلُّ ما فيها
وردَّتني سواقيها
وأوصاني جفافُ الروحِ
أوصاني الهوى المصلوبْ
فأنا معي من ذكرياتِ الحزنِ ما يكفي
لأبكي مرتينْ
ولمرةٍ كي لا أرى فيها
شيئاً من المحبوبْ
فإذا دَنَا كأسٌ يُشابهني
شظايا من حطامِ العشقِ
يَنثُرها المساءْ
وأنا أقرِّبُ من فمي وجهاً
تعلَّم كلَّ شيءٍ في الحياةِ
سوى الحياءْ
وجهاً يُلملمُ كلَّ ما في الأرضِ من صبغٍ
ليستَر ألفَ مأساةٍ تَندُّ به البكاءْ
لمَّا يَغَصُّ بهِ الصياحْ
تَركتْ رضيعتها لتسهَرَ نِصفَ هذا الليلِ
تَعْتصرُ الجيوبْ
لتعودَ في علبِ الحليبِ مع الصباحْ
وعجبتُ لمّا قيلَ سيدةُ لعوب
سأتوبُ عن كازا
وأعرفُ لن أتوبْ
***
كازا تُريحُ ولا تفكرُ مرةً أن تَسْتَريحْ
وتدورُ في كازا طواحين البشرْ
لم ندر كيفَ ستبدأُ الساعاتُ
لا ندري مواعيدَ المطرْ
إن غابَ , حاصرنا غُبارُ الماءِ حاصرَنا
وإن عادتْ بشائرُه توضأتِ العينُ على صداهُ
وابتسمَ الشجرْ
فكأنه دمعُ المحيطِ وقد بكى تَعَبَ النهارْ
وكأنه ماءُ العيونِ الذابلاتِ لغادةٍ
فَرَغَ الطريقُ ولم تزلْ هيَ بانتظارْ
ذاك الذي تهوى وتعشقُ
قد أوى كلُّ الذين تواعدوا في الحبِ
وانفضَّ العناقُ وغادرَ السمَّارْ
تبكي، كأن الماءَ سامَر ماءَها
يا ليلَ كازا يا فماً حاصرته شوقاً
فاتعبني الحصارْ
لم أدر يا كازا ووجهكُ شاغلي
يوماً على فمكِ الطريِّ ستعتلي حممٌ
وتشتعلُ الحروبْ
ويُقالُ لي تُبْ عن هوى كازا
وأخشى أن أتوبُ
...
قد عاد وجهي من مساحتهِ التي امتَّدتْ معي غَرباً
لتعتمرَ الشموسْ
وأنا أعانقُ آخرَ الأحزانِ في شرقٍ تراجعَ
طارقُ بن زياد أوَّلُ من عرفتْ
وعنترُ العبسيِّ أوَّلُ من عشقتُ من البطولةِ
والبسوسْ
هيَ آخرُ الثاراتِ
في زمنٍ تعَّودَ أن يُصلِّي كي يعودَ المجدُ ثانيةً
لذا اشتعلَ المجوسْ
ناراً
وحاذرَ قلبيَ الحاني بكاءَ قصائدي
وأنا استعذتُ بآخر الصَّفَحَاتِ
أنبئني جزاكَ اللهُ عن وجعي القديمْ
فأنا أرى كازا تجيءُ اليومَ لابسةً ثيابَ العيدِ
هل عيدٌ بدونك يستقيمْ
وهل المساءُ إذا تَلَّونَ يشتهي صوتاً سوايَ
أم ارتضاني وانتقى زمني
وبايعني النعيمْ
وزهى وكابرَ صاحبٌ قربي تَرفَّق كالرحيقْ
وهل العباراتُ التي نُلقي بها
للعابراتِ على الطريقْ
تَصِلُ القلوبَ كما نريدُ لها الوصولَ فلا تَضيقْ
منها فتضحكُ
أيُّ صبحٍ منك يا كازا يباغتنا
صباحُ الوردِ شايٌ أخضرٌ
بحرٌ وكازا والصديقْ
فكأن كلَّ مساوئي رَحلَتْ فلا أجدُ العيوبْ
ماعادَ لي عيبٌ سوى أني وَعَدتُ بأن أتوبْ
عنها ..
وها قد عدتُ عن وعدي أتوبْ