(9)
كانت الشمس قد انتصفت ..
نهضت لأصلي الظهر فلم أستطع الوقوف فصليت جالساً ..
أبقظت أبا فهد فصلى على حاله ..
فهو لا يقوى حتى على حمدل يده ..
ولما انتهى أخذ يستغفر الله ونزلت منه دمعة ..
قلت له : ما يبكيك ؟
قال : أدعو الله .. أن .. يغفر لي ..
خرجت منه هذه الكلمات بصعوبة .
بكيت لحاله ودعوت الله أن يغفر لي وله ....
أطبق عينيه ونام .. ورجعت إلى وضعي السابق ..
فليس أمامي سوى ذلك ..
وبعد ساعة قمت من نومي فزعاً على صوت أخي أبي فهد يتألم بشدة
ويتصبب عرقاً ويردد : ماء .. أريد ماء ..
جلست بجانبه ووضعت رأسه على حجري
وقلت له في حزن عميق :
يا أخي ليس ثمة ماء .. لقد نفد كله ..
ظل يتأوه بين يدي .. فبكيت على حاله بكاء مراً ..
فما هي إلا دقائق حتى بدأ يصدر أصواتاً غريبة .
قلت في نفسي : أظنها سكرات الموت ..
فقلت له وأنا أبكي : قل : لا إله إلا الله .
رددتها عليه عدة مرات حتى قالها ..
ففاضت روحه إلى بارئها بين يدي ..
ضممته إلى صدري ..
وظللت أبكي وأبكي ،
ثم جلست أذكر الله وأحمده أن هيأ لأخي أن ينطق بالشهادة قبل أن يتوفى ..
وضعته في مكانه ..
وأخذت أفكر ماذا أفعل به يا ترى ..
كيف أدفنه ؟
ولا أدري كيف خطر على بالي في تلك اللحظات
أبو سالم
كيف أنه مات بين الذئاب وأنه مات على ضلاله ،
وكيف كانت خاتمته سيئة ..
ومصيره إن لم يرحمه الله ..
فدعوت الله أن يغفر له ويرحمه ..
وجاء في خاطري حال أخي أبي فهد وكيف أن الله قد رحمه بأن اهتدى وتاب ..
وكيف أنه نطق بالشهادة قبل وفاته ..
فسألت الله أن يحسن خاتمتي ويغفر لأخوي ..
عاهدت الله بعد أن رأيت كل هذا ..
عاهدته أن ألتزم بكل ما أمرني به سبحانه
وأن أدعو الناس إليه وأدلهم وأرشدهم إلى كل ما ينفعهم في الدنيا والآخرة ..
وأن أبدأ بنفسي أولاً ..
تذكرت أخي أبا فهد رحمه الله ،
فقلت : كيف أستطيع دفنه ..
فأنا لا أعرف ذلك بالإضافة إلى أنه ليس معي ما أحفر به ..
وكان الجوع والعطش قد أفقداني توازني ..
فسقطت مغشياً عليَّ ..
مواقع النشر