[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم


خي الحبيب؛ أما وقد أنهيت صيامك، وأتممت شهرك؛ فسل الله قبول طاعتك والزم الاستغفار فإنه ديدن الصالحين بعد كل طاعة، وإياك أن تقل: إنني لست في حاجة إلى استغفار بعد الطاعة، فهذا ظن خاطئ، وفهم قاصر.
فقد يظن كثير من الناس أن الاستغفار إنما هو إثر معصية، أو وقوع في خطيئة، أو تقصير في واجب، أو وقوع في محذور، أو تنح عن الطريق المشروع، أو وقوع في حبائل الشيطان، بارتكاب صغيرة أو كبيرة، ولكن هذا فهم خاطئ وتصور قاصر.
والحق أن العبد في حاجة إلي الاستغفار بعد الطاعة؛ كما هو في حاجة إلى الاستغفار بعد المعصية. هو محتاج إلى الاستغفار بعد الذكر والإحسان، كما أنه محتاج إلى الاستغفار بعد البعد والعصيان؛ فاحتياجه للاستغفار بعد المعصية ليغفرها الله له وليمحها الله من سيئاته، واحتياجه للاستغفار بعد الطاعة إنما ليتقبلها الله منه وليشكر لربه على أن وفقه مع من وفق من عباده الصالحين لمثل هذا الأمر.
يقول ابن القيم: أرباب العزائم والبصائر أشد ما يكونون استغفارا عقب الطاعات لشهودهم تقصيرهم فيها، وترك القيام لله بها كما يليق بجلاله وكبريائه، وأنه لولا الله لما أقدم أحدهم على مثل هذه العبودية ولا رضيها لسيده.
ويضرب ابن القيم أمثلة من الاستغفار بعد الطاعات؛ فيقول: وقد أمر الله تعالى وفده وحجاج بيته بأن يستغفروه عقب إفاضتهم من عرفات، وهو أجل المواقف وأفضلها: ( فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ* ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (البقرة: 198-199). وبعد صلاة الليل ( وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ ) (آل عمران: 17). قال الحسن: مدوا الصلاة إلى السحر ثم جلسوا يستغفرون الله عز وجل.
وبعد الصلاة في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم من الصلاة استغفر ثلاثا ثم قال: " اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام " (رواه مسلم في الصلاة). وبعد أداء الرسالة واقتراب أجله (إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجا* فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابا) (سورة النصر).
ومن هنا فهم عمر وابن عباس رضي الله عنهم أن هذا أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه به فأمره أن يستغفره عقب أداء ما كان عليه. فكأنه أعلمه بأنك قد أديت ما عليك، ولم يبق عليك شيء؛ فاجعل خاتمته الاستغفار.
كما كان بعد الوضوء يقول: " أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين، " (رواه الترمذي في الطهارة). فهذا شأن من عرف ما ينبغي لله ويليق بجلاله من حقوق العبودية وشرائطها (تهذيب مدارج السالكين).
لقد فارقت حرم ربك، وبلد مولاك، وعدت إلى بلدك ودارك. فهل تظن أنك تخفى عن ربك حين تبتعد عن حرمه وبلده؟ أو ليست الأرض كلها ملكه؟ أو ليس الكون كله بيده؟ أو ليس هو القائل:[هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا] (المجادلة: 7). وأسأل الله أن يتقبل منا صيامنا وقيامنا، وأن يعيد علينا رمضان وأيامه ولياليه وقيامه، وتراويحه ومصابيحه. ومسراته وأفراحه


بقلم - اكرم كساب

اسلام اونلاين[/align]