الصمت الفضيلة الغائبة
النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: الصمت الفضيلة الغائبة

  1. #1
    مشرفة الركن الإسلامي الصورة الرمزية ام سارة**
    تاريخ التسجيل
    Sep 2014
    المشاركات
    5,125
    معدل تقييم المستوى
    24

    الصمت الفضيلة الغائبة




    الصمت الفضيلة الغائبة

    العالم لا يتوقف عن الكلام، ولا يُقدّر الصمت، ويُصفّق دائماً لمن يتحدث أكثر، ويصفه بالانفتاح والحضور والاجتماعية وسعة الأفق.. بل أصبحت الانطوائية والميل إلى السكوت مرض يتنصّل منه البعض، وتنهال على صاحبه الأوصاف السوداء تارة والساخرة تارة أخرى من معقد ومغلق ومحدود الفكر وكئيب.. هل نحن في زمن قلب الحقائق وتبدل المفاهيم الراسخة على مر العصور، أم أننا بحاجة إلى مراجعة أنفسنا وذاتنا؟
    أسئلة تطرح نفسها وتحتاج منا إلى إجابات حاسمة كي لا نضل الطريق.




    فضيلة الصمت

    قديما قالوا: "إذا تمَّ العقل نقص الكلام".

    وأثني احدهم علي فضيلة الصمت فقال: "هو زينة بدون حلية، ووهيبة بدون سلطان، وحصن بدون حائط".




    رأيتُ الكلام يزينُ الفتى *** والصَّمتُ خير لمن قد صَمَتْ

    فكم من حروفٍ تجرُّ الحتوفَ *** ومن ناطقٍ ودّ أن لو سَكَتْ



    قال - صلى الله عليه وسلم -: ((من صمت نجا)) [أحمد والترمذي]

    الراوي: عبدالله بن عمرو المحدث:الألباني - المصدر: تخريج مشكاة المصابيح - الصفحة أو الرقم: 4766
    خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح



    أي من صمت عن النطق بالشر، قال الغزالي: "هذا من فصل الخطاب وجوامع كلمه - صلى الله عليه وسلم - وجواهر حكمه، ولا يعرف ما تحت كلماته من بحار المعاني إلا خواص العلماء، وذلك أن خطر اللسان عظيم وآفاته كثيرة من نحو كذب وغيبة ونميمة ورياء ونفاق وفحش ومراء وتزكية نفس وخوض في باطل، ومع ذلك إن النفس تميل إليها لأنها سباقة إلى اللسان ولها حلاوة في القلب وعليها بواعث من الطبع والشيطان، فالخائض فيها قلما يقدر على أن يلزم لسانه فيطلقه فيما يحب ويكفه عما لا يحب، ففي الخوض خطر وفي الصمت سلامة مع ما فيه من جمع الهم ودوام الوقار وفراغ الفكر للعبادة والذكر والسلامة من تبعات القول في الدنيا ومن حسابه في الآخرة".




    عن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: عظني وأوجز، فقال: (( إِذَا قُمْتَ فِي صَلَاتِكَ فَصَلِّ صَلَاةَ مُوَدِّعٍ، وَلَا تَكَلَّمْ بِكَلَامٍ تَعْتَذِرُ مِنْهُ غَدًا، وَاجْمَعْ الْإِيَاسَ مِمَّا فِي يَدَيْ النَّاسِ)) [رواه أحمد]

    الراوي: أبو أيوب الأنصاري المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 742
    خلاصة حكم المحدث: صحيح




    روي أنه التقى أربعة من أذكياء الملوك: ملك الهند، وملك الصين، وملك الفرس، وملك الروم.. فاجتمعوا على ذم الكلام ومدح الصمت، فقال أحدهم: "أنا أندم على ما قلت، ولا أندم على ما لم أقل"
    وقال الآخر: "إنّي إذا تكلمت بالكلمة ملكتني ولم أملكها، وإذا لم أتكلم بها ملكتها ولم تملكني"
    وقال الثالث: "عجيب للمتكلم، إن رجعت عليه كلمته ضرّته، وإن لم ترجع لم تنفعه"
    وقال الرابع: "أنا على ردّ ما لم أقلّ أقدر مني على ردّ ما قلتُ"



    اعمل أكثر مما تتكلم

    الصامتون من خير أهل الأرض.. هم من يصنعون التغيير ويُضيفون كثيراً في عصر الثرثرة.. الفئة النادرة التي تعمل أكثر مما تتكلم.
    يقول زيجلر: "ثُلث ما يتعلمه حاملو درجة الدكتوراه من علم يأتي من خلال دراستهم الأكاديمية فقط، أما الباقي فيكون حصيلة التأمل والمراقبة خلال سنوات عمرهم الباقية، لذا فليس كل متعلم مفكِّر".

    إن الإنجاز لن يولد في الضجيج بل تتشكل ملامحه وسط غابات من الصمت ومن السكون، والانطوائية ليست عيباً، بل دليل نبوغ في أحيانٍ كثيرة.



    والصمت يمنحك طاقة قوية للتفكير بعمق في كل ما يحصل حولك والتركيز بعقلانية على إجابتك..
    قال د. عبد الوهاب المسيري - رحمه الله -: «لا أقبل شيئاً على علاته، وهذا ما أصابني بداء التأمل».



    لكل حالة لبوسها

    جعل الله - تعالى -الصمت ستراً على الجاهل، وزيناً للعالم.. روي أن رجلاً كان يجلس إلى أبي يوسف، تلميذ أبي حنيفة، ويطيل الصمت، فقال له أبو يوسف يوماً: ألا تتكلم؟
    فقال بلى: متى يفطرُ الصائم؟
    فأجابه: إذا غابت الشمس، فقال: فإن لم تغب إلى نصف الليل؟
    فضحك أبو يوسف، وقال: لقد أصبت في صمتك وأخطأت أنا في طلبي لنطقك، ثم قال:


    عجبتُ لأزراءِ العيي بنفسهِ *** وصمتُ الذي كان بالصمتِ أعلما

    وفي الصمتِ سترٌ للعيي *** وإنما صحيفةُ لبّ المرءِ أنْ يتكلّما
    فالصمت ليس محموداً على الإطلاق والكلام أيضاً.. بل يبقى لكل مقام مقال، ولكل حالة لبوسها، ولو كان الصمت فضيلة بإطلاق لماتت النصائح الصادقة وغاب التوجيه السديد وفقدنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي ميز هذه الأمة وقامت عليه خيريتها.. تعيش الكلمةُ الصادقة ويُخلد صاحبها، ويبقى في وجدان الناس ويسكن ذاكرة قلوبهم، أما الضجيج الكاذب فربما يبقى قليلا لكن سيظل هشا مُهمشاً في زاوية الصخب.. سيعيش نكرة ويمضي نكرة، ويموت في جوف الفراغ سراباً بلا معنى.



    إن الصمت وإن صاحبه سلامة مؤقتة لكنه مسمار يُدَقُ في نعش الفضيلة، قال - تعالى -: ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ) [المائدة: 78-79]


    قال - صلى الله عليه وسلم -: ((رحم الله امرءا تكلم فغنم أو سكت فسلم)) [صحيح الجامع: 3492]

    الراوي: أبو أمامة الباهلي المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 3497
    خلاصة حكم المحدث: حسن


    وأفهم بذلك أن قول الخير خير من السكوت لأن قول الخير ينتفع به من يسمعه والصمت لا يتعدى صاحبه.



    - ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت)) [متفق عليه]

    قال القرطبي: "معناه أن المصدق بالثواب والعقاب المترتبين على الكلام في الدار الآخرة لا يخلو إما أن يتكلم بما يحصل له ثواباً أو خيراً فيغنم أو يسكت عن شيء فيجلب له عقاباً أو شراً فيسلم، وعليه فـ «أو» للتنويع والتقسيم، فيسن له الصمت حتى عن المباح لأدائه إلى محرم أو مكروه، وبفرض خلوه عن ذلك فهو ضياع الوقت فيما لا يعنيه، و((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)).



    وأفاد الخبر أن قول الخير خير من الصمت لتقديمه عليه.
    وأنه إنما أمر به عند عدم قول الخير.. قال القرطبي: "وقد أكثر الناس الكلام في تفصيل آفات الكلام وهي أكثر من أن تدخل تحت حصر وحاصله أن آفات اللسان أسرع الآفات للإنسان وأعظمها في الهلاك والخسران فالأصل ملازمة الصمت إلى أن يتحقق السلامة من الآفات والحصول على الخيرات، فحينئذ تخرج تلك الكلمة مخطومة وبأزمة التقوى مزمومة".




    قال ابن القيم - رحمه الله -: ".. وأي دين وأي خير فيمن يرى محارم الله تنتهك، وحدوده تضاع، ودينه يترك، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - يرغب عنها وهو بارد القلب ساكت شيطان أخرس، كما أن المتكلم بالباطل شيطان ناطق، وهل بلية الدين إلا من هؤلاء الذين إذا سلمت لهم مآكلهم ورياستهم فلا مبالاة بما جرى للدين، وخيارهم المتحزن المتلمظ، ولو نُوزع في بعض ما فيه غضاضة عليه في جاهه أو ماله بذل وتبذَّل وجد واجتهد، واستعمل مراتب الإنكار الثلاثة بحسب وسعه، وهؤلاء مع سقوطهم من عين الله ومقت الله لهم قد بُلوا في الدنيا بأعظم بليه تكون وهم لا يشعرون، وهو موت القلوب، فإن القلب كلما كانت حياته أتم كان غضبه لله ورسوله أقوى وانتصاره للدين أكمل".



    وقال أحدهم: "الصمت عن الخنا، أفضل من الكلام بالخطا".



    وقال شمس الدين السفاريني: "المعتمد أنَّ الكلام أفضل؛ لأنَّه من باب التحلية، والسكوت من التخلية، والتحلية أفضل، ولأنَّ المتكلم حصل له ما حصل للساكت وزيادةٌ، وذلك أنَّ غاية ما يحصل للساكت السلامة، وهي حاصلةٌ لمن يتكلم بالخير مع ثواب الخير".

    د - خالد سعد النجار




  2. #2
    المشرفة العامة محررة مبدعة الصورة الرمزية قلب راض
    تاريخ التسجيل
    Feb 2009
    الدولة
    مع الراحلين بقلبي.
    المشاركات
    23,349
    معدل تقييم المستوى
    169
    ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت)) [متفق عليه]

    منهاج راق جدا في التعامل

    والتروي في الكلام خير من التسرع فيه, هذا مفروغ من صوابه

    والصمت حكمة في كثير من المواطن,

    ومشكورة على الموضوع الذي يذكّر بفضيلة يسمو من تحلّى بها,,




    اللهم صلِّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم, إنّك حميد مجيد،
    اللهم بارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم, إنك حميد مجيد.
    .




  3. #3
    إدارية ومشرفة الركن الإسلامي
    تاريخ التسجيل
    Jan 2010
    المشاركات
    19,702
    معدل تقييم المستوى
    10
    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

    مقال قيم راقي .. يحسن بنا ان نتأمل فيما نريد ان ننطق به فإن كان خيرا نطقنا وان كان شرا او سوءا سكتنا ,, لكن لا تخلو اجتماعاتنا للاسف من ثرثرات لاقيمة لها بل هي اقرب الى الاثم من الاجر ,, والى التدخل في امور لاتعنيه وكأنه مصلح اجتماعي يصلح هذا وهذا ونسي نفسه وما فيها من عيوب يحتاج لتقويمها واصلاح شأنه ,,

    اشكرك ياغاليه على حسن الانتقاء ..
    ودي لك ..
    دخول متقطع ،، ارجو المعذره ،،
    نسأل الله العفو والعافيه في الدنيا والاخره
    (رحمك الله ياأبتاه وغفر لك وجعل مأواك جنة الفردوس الاعلى وجمعنا بك فيها )

    للمحتشمات ( أعجبني )
    هذا البهاءُ الذي يزدانُ رونقُـــــــهُ
    فيكن من يا تُرى بالطهـر حلاه ؟
    هل مثلكن نساء الارض قاطبـة
    أم خصكن بهذي الفتنــــةِ الله ؟
    (د. فواز اللعبون )


  4. #4
    مشرفة الركن الإسلامي الصورة الرمزية ام سارة**
    تاريخ التسجيل
    Sep 2014
    المشاركات
    5,125
    معدل تقييم المستوى
    24
    اثريتم الموضوع بحضوركم القيم ومروركم العذب يالغاليات
    جزاكم الله خير

المواضيع المتشابهه

  1. اسباب الصمت ومتى يكون الصمت افضل من الكلام؟
    بواسطة Miss.Reem في المنتدى المجلس العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 21-06-2016, 09:16 PM
  2. الى ابنتي الغائبة عني
    بواسطة حياه ! في المنتدى قصائد , خواطر , لـــــ لمنقول ( مما راق لي )
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 19-08-2009, 01:55 AM
  3. [ فرع ( حملات الفضيلة ) إشراقة جديدة من حملة الفضيلة ]
    بواسطة سفيرة الفضيلة في المنتدى المجلس العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 26-07-2009, 08:15 PM
  4. الفريضة الغائبة ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
    بواسطة سماء الخريف في المنتدى منتديات اسلامية,( على منهج أهل السنة والجماعة)
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 11-03-2006, 03:10 PM
  5. الشمس الغائبة ..
    بواسطة نسمات1425 في المنتدى استراحة
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 25-06-2005, 04:09 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

مواقع النشر

مواقع النشر

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

أهم المواضيع

المطبخ

من مواقعنا

صفحاتنا الاجتماعية

المنتديات

ازياء | العناية بالبشرة | رجيم | فساتين زفاف 2017 | سوق نسائي | طريقة عمل البيتزا | غرف نوم 2017 | ازياء محجبات | العناية بالشعر | انقاص الوزن | فساتين سهرة | اجهزة منزلية | غرف نوم اطفال | صور ورد | ازياء اطفال | شتاء | زيادة الوزن | جمالك | كروشيه | رسائل حب 2017 | صور مساء الخير | رسائل مساء الخير | لانجري | تمارين | وظائف نسائية | اكسسوارات | جمعة مباركة | مكياج | تسريحات | عروس | تفسير الاحلام | مطبخ | رسائل صباح الخير | صور صباح الخير | اسماء بنات | اسماء اولاد | اتيكيت | اشغال يدوية | الحياة الزوجية | العناية بالطفل | الحمل والولادة | ديكورات | صور حب | طريقة عمل القرصان | طريقة عمل الكريب | طريقة عمل المندي |