اختكم صبر السنين
-----------------------------------------------
عشرون مفسدة من مفاسد قيادة المرأة للسيارة
ماجد بن سليمان الرسي
الحمد لله رب العالميـن ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسليـن ، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعيـن وبعد :
فلا يخفى على من عنده بصيرة في ديـن الله أن الأصل في الأشياء الإباحة ، فإن أدى ذلك الشيء إلى أمر مكروه أو محرَّم فإنه يأخذ حكم ما أدى إليه ، كراهة أو تحريما .
ولا يخفى أيضا أن من قواعد الشرع العظيمة قاعدة سد الذرائع المفضية إلى الشر ، وقد أورد الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه العظيم » إعلام الموقعيـن عن رب العالمين « تسعة وتسعين دليلا من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، كلها تدل على حجية قاعدة سد الذرائع المفضية إلى الشر .
ولو جئنا لنطبق هذه القواعد على موضوع قيادة المرأة للسيارة لوجدنا أن قيادة المرأة للسيارة في حد ذاتها عمل مباح ، ولكن الناظر للمفاسد الناتجة عن قيادة المرأة للسيارة بموضوعية وتجرد يجد أنها أعظم بكثير من مصالحها ، فعندئذ تأخذ القيادة حكم ما أدت إليه ، ألا وهو التحريم .
وقد تأملت المفاسد المترتـبة على قيادة المرأة للسيارة ، فوجدتها تصل إلى العشرين مفسدة ، أضعها بين يدي القارئ الكريم ، لا سيما في هذه الأزمان التي سمعنا فيها من يقول بأن قيادة المرأة للسيارة أمر لا علاقة له بالشريعة !!! ، فعسى أن تكون في هذه الكُليمات تذكرة للجاهل ومعونة للعاقل :
1. يترتب على قيادة المرأة للسيارة غالبا كثرة خروجها من البيت ، لحاجة ولغير حاجة ، لكون السيارة تحت تصرفها ، تحركها متى شاءت ، وتوقفها متى شاءت ، فستُكثر الخروج للتـنـزه ، ولزيارة صديقاتها ، وارتياد الأسواق ، وربما للاستمتاع بقيادة السيارة أو غير ذلك من الأسباب ، بيـنما المشروع للمرأة هو أن تقر في بيتها ولا تخرج إلا لحاجة ، كما أمر بذلك الله زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ونساء المؤمنين في قوله ]وقرن في بيوتكن[.
ومن السنة : أن النبي صلى الله عليه وسلم رغَّب المرأة في أن تصلي في بيتها ، وأخبر أن ذلك خير لها من الصلاة في المسجد ، فدل ذلك على أن أفضلية الصلاة إنما حصلت بسبب بقائها في بيتها ، كما قال صلى الله عليه وسلم : لا تمنعوا إماء الله مساجد الله .[1]
وفي رواية : لا تمنعوا نساءكم المساجد ، وبيوتهن خير لهن .[2]
قال مقيده عفا الله عنه : فإن كان هذا في حق أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونساء العهد النبوي الذي كان الناس فيه على جانب كبير من العفة والديانة ، فما عسى أن يقال للنساء في العصور المتأخرة ؟
وقال صلى الله عليه وسلم : المرأة عورة ، فإذا خرجت استشرفها الشيطان .[3]
قال المباركفوري : " أي زينها في نظر الرجال . وقيل أي نظر إليها ليغويها ويغوي بها . أو يريد بالشيطان شيطان الإنس من أهل الفسق ". انتهى مختصرا .
ومن اللطيف ذكره أن مجانبة الاختلاط معروف عند من قبلنا ، فإن موسى صلى الله عليه وسلم لما هرب من مصر وتوجه تلقاء مدين أتى على ماء فوجد عليه أمة من الناس يسقون ، ووجد من دونهم امرأتين تذودان غنمهما عن الماء ، فلما سألهما : ما خطبكما ، ولماذا أنتما بمعزل عن الناس ؟ قالتا : لا نسقي حتى يُصدر الرعاء ، أي ينصرف الرعاة عن الماء فنسقي نحن لئلا نختلط بهم .
ثم لما سقى لهما وانصرفتا رجعت أحداهما إلى موسى عليه الصلاة والسلام فقالت له {إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا} ، فلما ذهبا إلى بيت أبيها كان بينهما مسافة ، وكان موسى صلى الله عليه وسلم هو المتقدم ، ولم تكن تدله على الطريق بالكلام ، بل جاءت بعض الأخبار بأنها كانت ترمي له بحجر فيقع عن يمينه إشارة إلى أن الطريق ينحرف يمينا ، أو ترمي له بحجر فيقع عن يساره إشارة إلى أن الطريق ينحرف يسارا ، حتى وصلا إلى بيت أبيها ، ولم تسِـر معه إلى جانبه أو أمامه أو حتى تصف له الطريق مشافهةً .
ولفتة ثالثة إلى نبذ الاختلاط عند من قبلنا هي قولها {يا أبت استأجره} ، ففي هذا إشارة إلى رغبتها في القرار في البيت ، وتحميل الرجل الأجير أعباء البيت الخارجية التي تتطلب مخالطة الرجال ، فسبحان من جعل الحياء والقرار في البيت جبلة في قلوب النساء .
2. إن كثرة خروج المرأة من منـزلها يلزم منه كثرة تعرضها لأعيـن الناس المحيطيـن بها وإن كانـت عفيفة ، ومن ثم تعلقهم بها ، ومعرفتهم لها ، كلما دخلت وخرجت ، ونـزلت من السيارة أو ركبت ، وهذا من أعظم أسباب تعرض النساء للشرور ، لا سيما المرأة المتصفة بالزيـنة الظاهرة كالطول ونحوه ، هذا إذا افترضنا أنه لم يخرج منها شيء من زيـنـتها الباطنة كالوجه والكفيـن والقدميـن ونحو ذلك ، فكيف إذا خرج ؟
3. إن في قيادة المرأة للسيارة تسهيلا لبعدها عن عين الرقيب من الأولياء ، فربما زيـن لها الشيطان بذلك الاتصال بمن يحرم عليها الاتصال به ، أو الذهاب إلى أماكن بعيدة لفعل الفاحشة ، وقد لا يكون ذلك في أول الأمر ، ولكن الشيطان يُـزيـن لها ذلك شيئا فشيئا ، لا سيما مع كثرة المغريات والمثيرات لِكِلا الجنسيـن في الوقت الحاضر ، وكثرة الذئاب البشرية اللاهثة وراء الجنس ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم .[4]
4. إن قيادة المرأة للسيارة يلزم منه نـزع حجابها وكشف وجهها لتـتمكن من القيادة ورؤية الطريق ، ومن المعلوم أن الوجه هو عنوان الجمال ، ومحط أنظار النساء والرجال ، وإذا كان الله قد نهى المرأة عن أن تضرب برجلها إن كان في رجلها خلخال لئلا يفتـتـن الرجال بصوته ، فكيف ستكون الفتـنة بمن كشفت وجهها ؟
فإن قال قائل : إنه يمكن لها أن تقود السيارة بدون أن تكشف وجهها ؛ بأن تلبس نقابا أو برقعا ! فالجواب : أنها لو غطت وجهها أثناء القيادة فلا بد من كشفه عند نقاط التفتيش لمطابقة الوثائق الأمنـية !
ثم إن لبسها للنقاب أو البرقع فيه مشقة عليها أثناء القيادة ، وربما سبب لها ذلك اضطرابا أثناء القيادة وصعوبة في الالتفات إلى من هو على جانبي الطريق ، وفي هذا من الخطورة ما فيه ، ولهذا فإن قيادة المنقبة والمبرقعة للسيارة قد مُـنعت رسميا في بعض البلاد! فلم يبق إلا نزعه بالكلية ، والله الهادي .
فإن قيل : يمكن حل هذه المشكلة بتوظيف نساء في قطاع المرور ، ومن ثم لا تضطر قائدة السيارة لكشف وجهها لرجال المرور ! فالجواب : إن هذا حل جزئي ، لأن في إيجاد مثل هذه الأعمال للنساء فتحا لمفسدة أخرى ألا وهي الاختلاط بيـن الرجال والنساء العامليـن في مجال المرور ، ولزوم تواجدهن على مدار الساعة في الشوارع والطرقات صباحا ومساء ، وهذه مفسدة بحد ذاتها .
5. وفضلا عن انكشاف محاسن المرأة ، فإنها ستضطر للحديث مع الرجال عند محطات الوقود أو عندما تـتعطل سيارتها في الطريق أو في ورش صيانة السيارات ، أو في الحجز إذا نُقلت إليه بسبب المخالفات المرورية ، وحُجزت المدة القانونـية وراء القضبان ، بيـنما المرأة اللازمة بيتها قد كفاها الله ذلك كله ، والمعصوم من عصمه الله عز وجل .
وقد رتب أحد الشعراء مراحل الغواية بقوله :
نظرة فابتسامة فسلام *** فكلام فموعد فلقاء
ولو تأملنا أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لوجدنا فيها نهي المرأة عن الاختلاط بالرجال في أماكن الصلاة ، فما سواها من الأماكن من باب أولى وأحرى ؟ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها ، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها .[5]
قال الإمام النووي في شرح هذا الحديث : وإنما فُضِّل آخر صفوف النساء الحاضرات مع الرجال لبعدهن من مخالطة الرجال ورؤيتهم وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم وسماع كلامهم ونحو ذلك ، وذُم أول صفوفهن لعكس ذلك . انـتهى .
وعن حمزة بن أبي أسيد الأنصاري عن أبيه ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو خارج من المسجد فاختلط الرجال مع النساء في الطريق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء : استأخرن ، فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق[6] ، عليكن بحافات الطريق . فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به .[7]
وعن هند بنت الحارث أن أم سلمة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم قام النساء حين يقضي تسليمه ومكث يسيرا قبل أن يقوم .
قال ابن شهاب : فأرى ، والله أعلم ، أن مكثه لكي ينفذ[8] النساء قبل أن يدركهن من انصرف من القوم .[9]
وعن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو تركنا هذا الباب للنساء . قال نافع : فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات .[10]
6. إن اعتياد المرأة للخروج من المنـزل سيـنشأ منه تدريجياً عدم اكتراث الزوج من خروج زوجته وتطبُّعه على ذلك ، لأن وجود السيارة مدعاة لكثرة الخروج كما أسلفنا ، وسيسأم الزوج من سؤال امرأته كلما خرجت أين خرجت ، وعند حصول عدم الاكتراث من الزوج فلا تسأل عن انفتاح أبواب الشر أمام المرأة .
7. إن قيادة المرأة للسيارة ينشأ عنه غالبا اعتماد الرجل على زوجته في قضاء حاجيات البيت ؛ كتوصيل الأولاد إلى المدرسة وشراء الأغراض المنـزلية ونحو ذلك ، بل ربما تطلب منها الأمر السفر إلى المدن المجاورة لاستكمال شراء الحاجيات الغير متوفرة في بلدها ، كما هو مشاهد في بعض المجتمعات ، وفي هذا من إرهاق المرأة بالواجبات المنـزلية وتحميلها واجبات غيرها ما لا يخفى .
وهنا قد يقول قائل : إن المرأة في بيتها مدبرة لشؤون حياتها الزوجية ، ألا يستدعي هذا السماح لها بقيادة السيارة لقضاء حاجياتها المنـزلية من الخارج ؟
فالجواب : إن هذا الاقتضاء غير صحيح ، فإن المرأة إن كانـت ذات زوج ؛ فزوجها مسؤول عن تأميـن حاجيات المنٍِِِزل ، مباشرة ، أو عن طريق خادم يقوم بتلبية طلبات المنـزل من خارجه ، قال تعالى {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم} ، وإن لم تكن ذات زوج فأقاربها وجيرانها مسؤولون عن ذلك .
8. أن في اعتماد الرجال على النساء في قضاء حاجيات البيت ضرر على الرجال أنفسهم ، من جهة أن في ذلك إذابة لشخصياتهم أمام الأولاد وأمام المرأة أيضا ، وعدم هيبتهم لهم ، ونقص الغَيرة والرجولة ، فينعدم جانب القدوة في البيت ، إذ أن رب البيت ليس عنده صلابة وقوامة ، بخلاف ما لو كان الرجل هو القائم على شئون البيت الداخلية والخارجية ، فإنه سيكون له مكانة وهيبة ، وسينعكس ذلك إيجابيا على الانضباط في البيت ، والشعور بوجود الأب وعظيم مكانته ، والله المستعان .
9. إن قيادة المرأة للسيارة وما يلحق ذلك من كثرة الخروج من المنـزل يترتب عليه أيضا تفريط في حق البيت والأولاد بقدر ما تخرج ربته منه ، وبالتالي فلن يشعر الأولاد بأن لوالدتهم كبير دور أو عظيم مكانة بينهم ، لا سيما والتربية والحضانة أضحت في بيوت كثير من الموظفات من مهمات الخدم ، الذين غالبهم من الأعاجم الذيـن لا يحسنون تربية الأولاد ، وربما كانوا من النصارى أو الوثنـييـن ! فكيف إذا كان الخروج لغير حاجة ؟ فهنا تكون المصائب الثلاث :
الأولى : أن الأب لا يقوم بشؤون بيته ، والثانية أن الأم لا تقوم بشؤون منـزلها ، والثالثة أن الأولاد بيد الخدم ، ومن ثم فلا تسأل عن حال البيت . والحق أن لزوم البيت هو الأولى لربته ، وأن العناية بشئون البيت هو الوظيفة الأساسية للمرأة المسلمة .
10. إن كثرة خروج المرأة مدعاة لحصول الشكوك بيـن الزوجيـن ، إذ إن الزوج لن يأمن أن تكون زوجته على اتصال بغيره لسهولة وقوع ذلك لما صار أمر خروجها صار بيدها ، وتتأكد تلك الشكوك كلما حصل تأخير في رجوع المرأة إلى البيت ، أو خروج بدون إذنه ، أو إذا خرجت متزيـنة . وإذا وقعت الشكوك بيـن الزوجيـن فلا تسأل عن العلاقة بيـنهما كيف تصير ، بل ربما صارت قيادة المرأة للسيارة رافداً قوياً وسبباً جديداً من أسباب الطلاق في المجتمع ، بخلاف المرأة اللازمة بيتها فإن زوجها آمن عليها ، مطمئن لها .
11. إن كثرة خروج المرأة من المنـزل سبب في سقوطها من أعيـن الناس المحافظيـن على ديـنهم وقيمهم ، فلن يرغب بها الرجال الأخيار ، ولو رغبوا فيها فالغالب أن العلاقة بيـنهما لا تستمر ، لأنها ستكون مسترجلة ، تشعر بإمكانـية استقلالها عن زوجها ، واستغنائها عنه ، فبمجرد أن تحصل على دخل شهري ، فستشعر أنها ليست بحاجة له ، لأنها صارت مثله تماما ، تقضي حاجياتها بنفسها ، وهو الأمر المؤدي غالبا إلى الطلاق ، لأن الرجل بفطرته يريد أن تكون له المرجعية في البيت ، وهي تعتبر قوامته عليها نقصا في قدرها ، وحطا من مكانتها ، ولهذا فإن نسبة الطلاق في البلاد التي يكثر فيها خروج النساء عالية جدا .
12. إن في كثرة خروج المرأة من بيتها إذهاباً لحياء المرأة وأنوثتها ، وخروجاً لها عن طبيعتها ، فإنك ترى المرأة الخرَّاجة الولاَّجة قليلة الحياء ، عالية الصوت ، لا تشبه بنات جنسها في حيائها وعفتها ، بخلاف المرأة القليلة الخروج من بيتها ، القليلة الاحتكاك بالرجال ، فإنك تراها حيية ، خافضة الصوت ، قاصرة الطرف . ولهذا قرن الله الآيات الآمرة بالعفاف بالآيات الآمرة بالقرار في البيت وذلك في سورة الأحزاب في قوله تعالى { وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى } ، لأنه لا يحصل هذا إلا بهذا .
13. أن انفراد المرأة بسيارتها يعرضها لضعاف النفوس بإغوائها ومعاكستها ، أو التخطيط لوقوعها في قبضتهم كرهاً أو اختيارا ، مستغليـن ضعفها ، وبعدها عمن هي في حفظه وعنايته ، لا سيما في هذه الأزمان التي وصل الحال ببعض قليلي المروءة والحياء إلى أن يتحرشوا بالمرأة وهي مع محرمها ، أو بيـن الناس في الأماكن العامة والأسواق ! فكيف إذا كانـت في السيارة وحدها أو مع أبنائها منصرفة من استراحة أو برٍٍّ آخر الليل ؟
ومن ذلك أيضا ما يحدث بعد اللقاءات الرياضية من اعتداء بعض السفهاء وبشكل هستيري مستمر على أصحاب السيارات ، وذلك بفتح أبواب السيارات على من فيها من النساء ، يحدث ذلك أمام محافل عظيمة من البشر ، ووسط الشوارع المكتظة بالمارة ، بدون أدنى حياء من الله أو من الناس ، وقد يكون معهن بعض محارمهن ، فكيف إذا لم يكن في السيارة إلا صاحبتها ؟!
فالواجب هو طرح التوقعات الأسوأ والاحتمالات الأخطر ، والتي لولا افتراضها لما كنا بحاجة إلى وجود جهاز أمني متكامل ؟
وهنا قد يقول قائل : إن فتاة الغرب لا يتعرض لها أحد أثناء قيادتها للسيارة !
فالجواب : لو سلمنا بصحة هذه المعلومة فإن ما يراد من الفتاة الغربية قد حصل ، فلا حاجة إلى مراودتها أثناء قيادتها للسيارة ، فما يراد منها يحصل بسهولة خارج السيارة ، بل صارت هي التي تركض وراء الرجال ، نسأل الله العافية والسلامة .
14. إن في قيادة المرأة للسيارة فتحاً لباب مسدود أمام النساء المنحطات في ديـنهن وخلقهن لزيادة الشر والرذيلة في المجتمع لما سهُل عليهن التجول في طول البلاد وعرضها ، وفي منعهن عن القيادة تضييق عليهن ، وهو الواجب ، لقوله صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده ؛ لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه ، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم .[11]
15. إن مطالبة بعض النساء هداهن الله لقيادة السيارة ليس نابعا من حاجتهن لذلك ، وإنما هو تقليد للغرب الكافر ، أو بحال النساء في بعض البلدان التي تأثرت بالاستعمار طويلا ، أو بدافع الإعجاب بالنفس وحب الظهور والتفاخر أمام بنات جنسهن ، فالدافع هو اتباع الهوى ليس إلا ، وقد نهى الله عموم الناس عن اتباع الهوى فقال {ولا تـتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله}.
بينما الواجب أن يكون الإنسان معتزا بدينه ، وبعاداته التي ليس فيها مخالفة للشريعة ، وألا يكون ذنبا لغيره ، فهذا ضعف وخور ، وذل وتبعية .
16. إن مما لا شك فيه أن حوادث السيارات أمر منـتشر كثيرا في المدن ، وفي قيادة المرأة للسيارة مضاعفة لتلك الحوادث لأن عدد السيارات سيزيد تلقائيا ، والمرأة ضعيفة السيطرة على نفسها ، لا سيما إذا حدث أمر مفزع ، كانفجار إطار أو اعتراض شخص أو سيارة أمامها ، فإذا داهمها الخطر ربما عجزت عن التصرف ، فهلكت أو أهلكت ، ناهيك عما يحصل في الحوادث من انكشاف العورات ، والله الحافظ .
17. إن قيادة المرأة للسيارة سيترتب عليها زيادة أعباء مالية على كاهل الأسرة بدون ضرورة ، وذلك بقيمة السيارة وما يلحق ذلك من مصاريف الوقود والصيانة ونحو ذلك . بل ربما كلما ظهر طراز جديد من السيارات أصرت المرأة على شرائه ولو كلفها ذلك مالاً كثيراً ، لا سيما والمرأة بطبيعتها تحب الكمال والجمال في كل حاجاتها ، فتقع في الإسراف والديون التي لا تنتهي ، كما وقع فيها بعض الرجال من قبل . والحق أن الواجب هو الاقتصاد في الإنفاق كما قال تعالى {والذيـن إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بيـن ذلك قواما} .
وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : وأسألك القصد في الفقر والغنى .[12]
18. أن زيادة الأعباء المالية على الأسرة ربما اضطرت المرأة إلى البحث عن وظيفة لتجد منها دخلا يسد الأعباء المالية الجديدة ، وهذا فيه زيادة أعباء مالية وبدنـية على المرأة ، كما أن فيه تفريطاً بحقوق البيت الذي تركته للخدم بدون حاجة ماسة ، ثم الطامة الكبرى وهي الاختلاط بالرجال في ميادين العمل إن كانت في بلاد تسمح باختلاط الرجال بالنساء ، نسأل الله العافية .
19. أن في قيادة المرأة للسيارة فتح باب لشرور كثيرة أخرى تأتي تبعا ! كفقدان الاستقرار البـيتي ، والسفر بدون محرم ، والخلوة بالرجال الأجانب ، ولن يستطيع أحد أن يضبط ذلك كله ، لا أهل الحسبة ولا رب البيت ولا حتى ولي الأمر ، بخلاف المرأة اللازمة بيتها فإن أولادها سيشعرون بدفء الأمومة وجمال الاستقرار الأسري ، وتربيتهم على العفة والحياء ، وشعورهم بمكانة والدهم في البيت ، ووجود الترابط فيما بيـنهم لكثرة اجتماعهم في البيت ، بخلاف الأسرة التي كلما دخل واحد خرج الآخر .
20. أن في المطالبة بقيادة المرأة معصية لولاة الأمور وهم الأمراء والعلماء ، فأما الأمراء فإن ولاة الأمر في هذه البلاد حرسها الله منذ إنشائها قد أغلقوا هذا الباب ، فقد بيـَّن وزير الداخلية ، رجل الأمن الأول ، أن هذا الأمر مرفوض في مجتمعنا ، وليس عند الحكومة أدنى توجه لذلك .
وأما العلماء ؛ فقد أفتى السادة العلماء ، أئمة الديـن ، ولعلم والخبرة ، والعدل والغيرة ، وبُعد النظر في عواقب الأمور ، والحرص على حماية أديان الناس وأعراضهم ، أفتوا بتحريم ذلك ، فالواجب طاعتهم لأنهم أمروا بطاعة الله ، كما قال تعالى {ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذيـن يستـنبطونه منهم} .
وقال تعالى {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} .
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن يطع الأمير فقد أطاعني ، ومن يعص الأمير فقد عصاني .[1
شبهات والجواب عليها
وخلاصة القول ستة أمور :
1. إن قيادة المرأة للسيارة تعد وسيلة عظيمة لحصول الشرور ، وخطوة أولى من خطوات تحرير المرأة من تعليمات الشريعة ، إذ به ينهار خلق القرار في البيت الذي جبل عليه النساء ، وينفتح الباب أمام الأشرار لمطاردة المرأة بعيدا عن بيتها الذي كانت تستتر به ، ناهيك عن التشتت الأسري ، وأمور أخرى تقدم ذكرها ، فقيادة المرأة للسيارة فخ شيطاني ، وحبة أولى في عقد إذا انفرط تلتها باقي الحبات ، والله الحافظ .
والواجب على المسلم أن يحرص على ما فيه سعادته في الدنيا والآخرة ، وأن يحذر من الوقوع مما يقربه إلى النار ، لقول ربنا تبارك وتعالى { يا أيها الذيـن آمنوا لا تـتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبيـن} ، وقوله صلى الله عليه وسلم : فمن اتقى الشبهات فقد استـبـرأ لديـنه وعرضه ، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام ، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه .[15]
2. إن واقع النساء في البلاد التي تقود فيها المرأة السيارة خير شاهد على ما حصول المفاسد التي قررنا آنفا ، فالواجب الحذر ، وألا يجعل الإنسان نفسه محطة تجارب ربما أوبقت دنـياه وآخرته ، وكانـت عاقبتها سيئة على سمعته وعرضه ، والسعيد من اتعظ بغيره لا من اتعظ بنفسه .
4. أن المطالبين بقيادة المرأة للسيارة يطلون علينا في كل مرة بوجه مختلف ، ويلبسون دعواهم جلبابا متلونا ، فتارة إنسانيا ، وتارة دينيا ، وأخيرا اقتصاديا ![16] ، وغالبهم – إن لم يكن كلهم - ليسوا من أهل الديـن والاستقامة والحسبة ، بل هم إما علمانـيون منافقون يظهرون الإسلام ويبطنون التمرد على أحكام الشرع ، أو فساق يريدون التمتع بمفاتـن المرأة ، أو جهال حسنوا النوايا ، لا يقدرون عواقب الأمور ، قد طحنـتهم عجلة التقليد ، وبهرهم زخرف القول بوجوب التجديد ، يمشون وراء كل ناعق بحجة التحضر والتمدن – زعموا - ، وكل هؤلاء في عمى أو تعامي ، عما خص الله به المرأة من خصائص تميزها عن الرجل ، وعماًِ أيضا عما وصل إليه المجتمع الغربي الذي يقتدون به إلى انحدار خلقي ، وتفكك أسري ، ومستوى منحط في التفسخ والتبرج ، والخروج عن إطار الحشمة والوقار والاحترام ، حتى صارت المرأة عندهم وسيلة إغراء وافتـتان ، وواجهة إعلامية لترويج منـتجات المصانع وتسويقها ، والمتاجرة في الأعراض والفواحش ، واستخدامها في مجالات النصب والإرهاب ، كل هذا بسبب إخراجها من البيت بطريقة أو بأخرى ، وإقحامها في أوساط الرجال ، وما ظنك برجال بينهم امرأة
فالحق أن أولئك الأوغاد يريدون حرية الوصول إليها ، والتمتع بجسدها ، معترضيـن بذلك على شرع الله المنـزل ، وما جبلت عليه المرأة من العفة والحياء ، وما اتفق عليه العلماء ، أئمة الديـن في هذه البلاد وغيرها .
ولست بمفش سرا إذا قلت إن المرأة في بعض البلدان الإسلامية والعربية قد وصلت إلى ما يريدون ، فتراها في بعض البلاد الإسلامية قد تمردت على الحجاب والحشمة والوقار حيـنما أُطلق لها العنان لمزاحمة الرجال في أعمالهم الخاصة والعامة ، وأصبح أمرها في المـُخادنة والمصادقة والتعامل مع الرجال بمختلف مستوياتهم في التفكير والسن والثقافة أمراً عادياً ، وصار حالها مقاربا في الغالب لحال امرأة الغرب .
فإن قيل : إنه لا يزال هناك فارق !
فالجواب أن عوامل الانحلال واستمرارية البعد عن الضوابط الشرعية كفيلة بإذابة هذا الحاجز ، ومن سار على الدرب وصل ، نسأل الله لنا ولهم العافية والسلامة .
5. أن الواقع خير دليل على بطلان دعوى المطالبة بقيادة المرأة للسيارة ، فالنساء كن ولا زلن ، في غنى عن قيادة السيارة ، وسيظللن إن شاء الله على ذلك .
6. أن الفتاة السعودية ، والتي تتعرض الآن لهجمة شرسة لإلحاقها بركب النساء المستغربات ، تمتاز بحمد لله بما يوفر الثقة بها بنـتاً وزوجة وأماً ومربية ، وتمتاز بقدرتها على التعلم بلا حدود تعليمية ، دون أن يكون ذلك مؤثراً على وقارها وحشمتها ، ولم تكن قيادة السيارة عائقا معينا لها ولا عائقا أمامها دون الحصول على ذلك كله .
لهذا وغيره ، فإن دعاة الباطل ينظرون للفتاة السعودية على أنها صعبة الوصول إليها ، فكرسوا جهودا عظيمة للمكر بها ، والإيقاع بعفتها ، يريدون بذلك كما أسلفت سهولة افتراسها والتمتع بها ، حتى إذا افترسوها وقضوا وطرهم منها وذبل عودُها ؛ رموها جانبا كما رموا غيرها ، قد فاتها قطار الزمن ، فلا هي التي حفظت عفتها ، ولا هي التي سلمت من تأنـيب ضميرها ، ولا هي التي ظفرت بحياة أسرية سعيدة عفيفة مع زوج وأولاد ، ولا هي التي قامت بما أمرها الله به ، فخسرت دنياها وآخرتها ، ونظرة سريعة على الحياة الاجتماعية الغربية تشهد لهذا كله ، والعاقل من اتعظ بغيره لا من اتعظ بنفسه ، فليخسأ أذناب الغرب ، أتباع كل ناعق .
فالواجب عليـنا معشر المسلميـن عموما ، وفي هذه البلاد خصوصا ، ألا نفرط بذلك الكنـز الذي طالما بذلنا جهدا للحصول عليه ، وأن نحصن فتياتنا من الوقوع في شراك أهل الباطل ، وإن وقع فيه كثير من الناس ، فأكثر الناس ليسوا على الهدى المستقيم ، كما قال تعالى {وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله } ، وقال تعالى { وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين } .
------------------------------------------
منقوول
مواقع النشر