[align=center]الفصل الثاني
1- عمل الرسول في تجارتها رضي الله عنها :
لقد كان من حسن خلق النبي , وصدق حديثه , وابتعاده عن كل أمر لايعنيه , قد زاد من احترامه , وجعل أهل مكة ينزلونه منزلة خاصة .
ومع وصول الرسول سن الخامسة والعشرين حتى ترك رعي الأغنام وأصبح يٌرى في السوق , حيث أنه في تلك الحقبة من الزمن قد تعلم من رحلاته مع عمه أبي طالب في صغره .
وقد ذكر في المصادر في صدد تجارة الرسول في مال خديجة أنه لما بلغ رسول الله خمساً وعشرين سنة , وليس له بمكة اسم إلا الأمين , وقد تكامل فيه خصال الخير , قال له عمه أبو طالب : يا ابن أخي أنا رجل لا مال لي وقد اشتد الزمان علينا , وألحت علينا سنون منكرة , وليست لنا مادة ولا تجارة , وهذه عير قومك قد حضر خروجها إلى الشام , وخديجة بنت خويلد تبعث رجالاً من قومك فلو تعرضت لها .
وقد كانت خديجة بنت خويلد رضي الله عنها امرأة ذات شرف ومال تستأجر الرجال في مالها , وتضاربهم إياه بشيء تجعله لهم , وكانت قريش قوم تجار , فلما بلغها عن رسول الله ما بلغها من صدق حديثه وعظم أمانته , وكرم أخلاقه , بعثت إليه فعرضت عليه أن يخرج في مال لها إلى الشام تاجراً , وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجار مع غلام لها يقال له ميسرة , فقبله رسول الله منها .
وما إن خرج عليه الصلاة والسلام من بيت خديجة رضي الله عنها , حتى اتجه إلى عمه أبي طالب ليخبره بالخبر , فسر عمه بما وصل إليه وشجعه قائلاً : " إن هذا رزق ساقه الله تعالى إليك " .
واستعد عليه الصلاة والسلام في التجارة بمال خديجة رضي الله عنها , حيث اتفقا على أن يسافر لها سفرتين , وكانت السفرة الأولى إلى سوق حباشة وهي سوق من أسواق العرب في الجاهلية , ومدته ثمانية أيام في السنة , ويقام بتهامة , وقد وفق الرسول في هذه الرحلة فباع كل ما كان معه , وابتاع من السوق ما وجد فيه , مما يروج بيعه وشراؤه , حتى انقضت أيام السوق الثمانية ,
ثم رجع عليه الصلاة والسلام إلى مكة ومعه ميسرة , وقد امتلأت نفس هذا الغلام من الحب والإعجاب مما رآه من خٌلق سيد الخلق محمد عليه الصلاة والسلام , وصدقه والخير الذي جاء على يديه , فأسرع إلى سيدته ليخبرها بما رأى وسمع , ويصف لها هذا الرجل العظيم .
فأمرت رضي الله عنها بما سمعته عن أمانة الرسول بسفرة أخرى , وكانت الرحلة الجديدة إلى الشام خارج الجزيرة , وهذه الرحلة يعد لها تجار مكة إعداداً كبيراً , فيحملون معهم كل ما يدر عليهم الربح الكثير , والمال الوفير , وهم يعرفون ما تحتاج إليه تلك البلاد .
ومع سير القافلة كان مع الرسول مولى خديجة رضي الله عنها ميسرة , وقد أمرته سيدته ألا يعصي أمراً لمحمد , وأن يعاونه في كل أموره ويساعده , ولا يخالف له رأياً .
ووصلت القافلة بصرى جنوب الشام , وبدأ التجار في عرض ما معهم من البضائع , ولكن عليه الصلاة والسلام أخذ بالتجوال في السوق ليتعرف على أحوال البيع والشراء , ثم بدأ في عرض ما معه .
ويقال : إن الناس كانوا يسألون عن تجارة خديجة , لما تمتاز به من حسن الصنف وجودته , وبدأت تظهر مواهب الرسول ومقدرته على البيع ولقاء الناس , فقد اختلف رجل من أهل الشام عليه سمات الوقار , أو تعمد أن يختلف معه , فقال له : " احلف باللات والعزى " فرد عليه الرسول قائلاً : " ما حلفت بهما قط وإني لأمر فأعرض عنهما " , فقال الرجل : القول قولك .
وحدث في هذه الرحلة أن نزل محمد يستظل تحت شجرة بالقرب من صومعة راهب يدعى " نسطورا" فاطلع الراهب إلى ميسرة فقال : من هذا الرجل الذي نزل تحت هذه الشجرة ؟ فقال له ميسرة : هذا الرجل من قريش من أهل الحرم , فقال له الراهب : ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي .
وقد باع الرسول كل ما معه , واشترى ما طلب منه شراؤه , وما يعتقد أن الإقبال عليه يكثر في أسواق مكة , واستعد للرجوع , وأقبل قافلاً إلى مكة ومعه ميسره , فكان يقال : أنه إذا كانت الهاجرة واشتد الحر نزل ملكان يظلانه من الشمس وهو يسير على بعيره , وكان الناس وميسرة يدهشهم كثرة تجمع الغمام ثم تظليله لمحمد .
ولما وصلت القافلة إلى وادي الظهران بالقرب من مكة , قال له ميسرة : يا محمد انطلق إلى خديجة
فأخبرها بما صنع الله لها على وجهك فتقدم كما تقدم غيره من شباب قريش العائدين مع القافلة , وسارت القافلة حتى أناخت خارج مكة , وخرج رجال قريش كعادتهم لاستقبالها , واعتلت نساء قريش أسطح المنازل حتى ترى كل منهن ذوي قرابتها العائدين من الشام عند دخولهم المدينة .
ودخل الرسول عليه الصلاة والسلام مكة ساعة الظهيرة , وكانت خديجة رضي الله عنها تطل مثل غيرها من النساء من غرفة عالية في بيتها بالبطحاء فرأت محمداً وهو على قعود أحمر , ورأت ما يظلله , فزاد من إعجابها , وعظمت منزلته في قلبها , ولم يعد إليها محمد إلا بعد أن ذهب إلى الكعبة فطاف بها سبعاً , ثم دعا ما شاء له من الدعاء , وحمد الله على الرحلة المباركة , ثم ذهب إلى بيت خديجة رضي الله عنها ليخبرها بشأن التجارة , وما أولاه الله من توفيق عظيم , يتمثل فيما أعطاه الله من الربح والبركة , فأجزلت السيدة خديجة رضي الله عنها للرسول العطاء , وكافأته ضعف ما كانت قد عرضت عليه من أجر .
ودخل على السيدة خديجة رضي الله عنها خادمها ميسرة , وأخذ يروي عليها أنباء هذه الرحلة المباركة , وما جرى فيها من أحداث لم يشهد لها مثيلاً من قبل , وعما قاله راهب بصرى , وما وصف به محمداً , وعن الغمامة التي كانت تظله , ثم عن معاملته وأخلاقه وصفاته .
أصغت السيدة خديجة رضي الله عنها إلى كل ما قاله ميسرة ثم انطلقت إلى ابن عمها ورقة بن نوفل لتخبره بما سمعت من ميسرة , كانت تحدثه وقد غمره السرور والإعجاب , ثم أخبرها بما قرأ في الكتب القديمة المنزلة أن الله سيبعث إلى الناس رسولاً هو خاتم الأنبياء والمرسلين , وأن هذا الرسول من ولد إسماعيل , وسيولد بجوار البيت , وأن ظهوره قد حان .
* * *
2- زواجها رضي الله عنها وأبناءها :
وردت عدة روايات عن زواج الرسول بالسيدة خديجة رضي الله عنها , وكان من أشهر تلك الروايات :
- أوردت المصادر رواية عن محمد بن اسحق : " كانت خديجة امرأة حازمة شريفة لبيبة مع ما أراد الله بها من كرامته , فلما أخبرها غلامها ميسرة بما أخبرها به بعثت إلى الرسول , فقالت فيما يزعمون : يا ابن عم إني رغبت فيك لقرابتك , وسلطتك في قومك , وأمانتك , وحسن خلقك , وصدق حديثك , ثم عرضت عليه نفسها , وكانت خديجة يومئذ أوسط نساء قريش نسباً , وأعظمهن شرفاً , وأكثرهن مالاً , وكل قومها كان حريصاً على ذلك منها لو يقدر عليه , فلما قالت ذلك لرسول الله ذكر ذلك لأعمامه , فخرج معه عمه حمزة حتى دخل على خويلد بن أسد فخطبها إليه فتزوجها " .
- أوردت بعض المصادر رواية عن حماد بن سلمة فيما يحسبه ابن عباس : " أن رسول الله ذكر خديجة وكان أبوها يرغب في أن يزوجه , فصنعت طعاماً وشراباً ودعت أباها ونفراً من قريش فطعموا وشربوا حتى ثملوا , فقالت خديجة : إن محمد بن عبد الله يخطبني فزوجني إياه , فزوجها , فخلقته وألبسته, وكذلك كانوا يعملون بالآباء , فلما سرى عنه سكره نظر فإذا هو مخلق وعليه حلّة , فقال : ما شأني , ما هذا ؟! قالت : زوجتني محمد بن عبد الله , فقال : أنا أزوجك يتيم أبي طالب لا لعمري , فقالت خديجة : ألا تستحي تريد أن تسفه نفسك عند قريش تخبر الناس أنك كنت مخموراً , فلم تزل به حتى رضي " .
وفي هذه الرواية شيء من التعليق يمكن أن نقول فيه : أن وصف محمد بيتيم أبي طالب , أو يتيم قريش غير معقول , ولا مقبول بعد أن صار رجلاً رشيداً , واليتيم لا يمتد إلى ما بعد الرشد , واليتيم ليس معّرة , وكان محمد إذ ذاك تاجراً يربح , وفتى من فتيان قريش , ذوى المكانة , و القدر , والنسب , والعقل .
وقال الشيخ محمد أبو زهرة رحمه الله : " إن احتمال أن يعقد رجل من أشراف العرب عقد زواج وهو مخمور يستنكره العرف والعقل , ولا يمكن أن يقدم عليه أبو طالب , وهو كبير ومسن ووكيل النبي في الزواج " , وما ذكره ابن إسحاق أن الذي زوجها أبوها خويلد غير صحيح لأن خويلد قد مات قبل حرب الفجار , وذلك ثابت ومشهور , لأن الخبر الذي يقول إن الذي زوجها هو أبوها تضمن ما يدل على كذبه , وقد روى الطبري عن جبير بن مطعم عن ابن عباس عن عائشة رضي الله عنهم أجمعين قال إن عمرو بن أسد هو الذي انكح خديجة رسول الله وأن خويلدا كان قد هلك قبل الفجار .
- أوردت المصادر روايتين عن الواقدي بسنده عن نفيسة بنت منية : " كانت خديجة بنت خويلد امرأة حازمة جلدة شريفة مع ما أراد الله بها من الكرامة والخير , وهي يومئذ أوسط قريش نسباً وأعظمهن مالاً , وكل قومها حريصاً على نكاحها لو قدروا على ذلك , وقد طلبوها وبذلوا لها الأموال فأرسلتني دسيساً إلى محمد بعد أن رجع عيرها من الشام , فقلت : يا محمد ما يمنعك أن تتزوج ؟ فقال : ما بيدي ما أتزوج به , قلت : فإن كفيت ودعيت إلى الجمال والمال والشرف والكفاءة ألا تجيب ؟ قال : فمن هي؟ قلت : خديجة , قال : وكيف لي بذلك ؟ قلت : علي , قال : فأنا أفعل , فذهبت فأخبرتها فأرسلت إليه أن إتت ساعة كذا وكذا , وأرسلت إلى عمها عمرو بن أسد ليزوجها , فحضر ودخل رسول الله في عمومته فزوجه أحدهم , وتزوجها رسول الله وهو ابن خمسة وعشرون سنة " .
على كل حال ومع تعدد الروايات الكثيرة حول الخطبة والزواج بين رسول الله والسيدة خديجة رضي الله عنها نجد في الروايات جميعاً التي أوردتها والتي لم أوردها أن السيدة خديجة رضي الله عنها هي من رغبت بالزواج من محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم , وأقدمت على خطبته , فالسؤال هنا يطرح نفسه !! هل كان مجتمع مكة يقبل هذه المسألة أي أن تخطب المرأة الرجل ؟ .
إن الإعجاب الذي سرى إلى نفس السيدة خديجة رضي الله عنها بأمانة محمد وخلقه الكريم , جعلها لا تتقيد بعادات وتقاليد وضعها مجموعة من الناس وتعارفوا عليها لتلاءم حياتهم في فترة ما , وهذه العادات والتقاليد غير ملزمة لكل المجتمع ,
فهي تطبق بحسب المصلحة ونرى في كثير من الأحيان خروجا عليها , لأن التطبيق فيها نسبي كما هو شأن الكثير من القوانين الوضعية التي تعارف عليها البشر , كذلك فإن الحياة في المجتمع المكي كانت متميزة نوعاً ما عن بقية مجتمعات الجزيرة العربية , فحظيت المرأة بنوع من الحرية نتيجة لما عليه وضع مكة كمدينة أولاً , وكملتقى تجاري يفد إليه كثير من التجار من مناطق متحضرة حاملين معهم ألواناً متعددة من الثقافات , وتبعاً لذلك كان للمرأة الحق في اختيار الزوج .
ونأتي هنا للحديث عن مراسيم الزواج المبارك حيث جاء الرسول معه أعمامه أبو طالب , وحمزة , والعباس , ودخلوا على عم السيدة خديجة رضي الله عنها عمرو بن أسد , وكان معه ابن عمها ورقة بن نوفل , وابن أخيها حكيم بن حزام , وجمع من رؤساء مضر , وكبراء مكة وأشرافها لإتمام العقد , وتكلم أبو طالب باسم محمد , ثم وقف خطيباً وقال : " الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم , وزرع إسماعيل , وضئضئ معد , وعنصر مضر , وجعلنا حضنة بيته , وسواس حرمه , وجعل لنا بيتاً محجوجاً لا يوزن به رجل من قريش إلا رجح به شرفاً ونبلاً وفضلاً , وإن كان في المال قلاً , فإن المال ظلّ زائل , وأمر حائل , وعارية مسترجعة , ومحمد من قد عرفتم قرابته , وقد خطب بنت خويلد , وقد بذل لها من الصداق ما آجله وعاجله من مالي هذا , وهو مع هذا له نبأ عظيم , وخطر جليل " .
فتزوجها وأصدقها عشرين بكرة , وقيل اثنتا عشرة أوقية ذهباً ونشا.
وكان عمره خمسة وعشرين سنة , وكانت عمرها رضي الله عنها أربعين سنة وهذا في أرجح الروايات .
وخطب ورقة بن نوفل , فردّ على أبي طالب , فكان مما قال : الحمد لله الذي جعلنا كما ذكرت , وفضلنا على ما عددت , فنحن سادة العرب وقادتها , وأنتم أهل ذلك كله , لا ينكر العرب فضلكم , ولا يرد أحد من الناس فخركم وشرفكم , ورغبتنا في الاتصال بحبلكم وشرفكم , فاشهدوا عليّ معاشر قريش أني قد زوجت خديجة بنت خويلد من محمد بن عبد الله
فقال أبو طالب : قد أحببت أن يشركك عمها , فقال عمها : اشهدوا عليّ معاشر قريش أني أنكحت محمد بن عبد الله, وشهد على ذلك صناديد قريش " .
وفي ذكر وليمته على خديجة رضي الله عنها أنه ذكر الملا في سيرته أن النبي لما تزوج خديجة رضي الله عنها ذهب ليخرج , فقالت له : إلى أين يا محمد ؟ اذهب وأنحر جزوراً , أو جزورين , واطعم الناس , ففعل ذلك وهي أول وليمة يولمها .
وبعد أن تمت مراسيم الزواج انتقل رسول الله من بيت أبي طالب إلى بيت السيدة خديجة رضي الله عنها القريب من الكعبة , حيث بيوت قريش حافة بها , ويبدوا أن انتقال الزوج إلى بيت الزوجة لم يكن حالة عامة في مكة , بل كان حالة خاصة اقترنت بالرسول بحكم ظروفه الخاصة , وسعة موارد السيدة خديجة رضي الله عنها الاقتصادية , وهذا المنزل ليس غريباً عن الرسول فقد استقبله عدة مرات وهو عائد إلى مكة من سفرته التجارية , لكن هذه المرة استقبله وهو بيته وبين زوجته , حيث تم زواجه من أولى نسائه , ووضع أساس بيته الأول الذي تلقى فيه نفحات السماء , وبركات ربه تبارك وتعالى , فعرف فيه الهدوء والاطمئنان .
وعاش النبي خمسة عشر عاماً في بيت السيدة خديجة رضي الله عنها قبل أن يوحى إليه , عيشة راضية هانئة هيأتها له زوجته , فكانت له نعم الزوجة البارة , والأخت والأم , والصدر الحنون الذي وضع محمد رأسه عليه , فكانت الرابطة التي ربطه بها روحية جعلته لا يقترن بأي من بنات حواء سواها , وظل الحب الوحيد له طوال بقائها معه حتى توفيت وتركته وحيداً حزيناً على فراقها , فأصبحا في حياتهما شخصاً واحداً , فلم ترهقه بما عرف عن بنات حواء من كثرة الثرثرة , بل تركته لتأملاته وخلواته الروحية , وكانت خديجة بما امتزج في شخصيتها من العقل والجمال , مثالاً للزوجة المخلصة الحريصة على إرضاء زوجها , فلم تدخر وسعاً في إدخال السرور على نفسه , فكانت تكرم وفادة مرضعته حليمة السعدية , وجاريته بركة , وكانت السيدة الشريفة أطوع لرسول الله من بنانه , ما تكاد تلمح منه الرغبة إلى أمر إلا ابتدرته , اشترت يوماً زيد بن حارثة ,
واهدته إلى النبي لما رأت ميله إليه , فكانت هي السبب فيما امتاز به زيد رضي الله عنه من السبق إلى الإسلام , وكانت رضي الله عنها شديدة التعظيم للنبي , والتصديق لحديثه قبل البعثة وبعدها , وهي بذلك أصبحت عنواناً للنساء ومصدر فخر لهن , فانفردت من بين نسائه بأنها عاشت معه رجلاً قبل أن يكون رسولاً .
ونأتي للحديث عن أبناء الرسول من السيدة خديجة رضي الله عنها , فنجد أن الروايات اتفقت على أن السيدة خديجة رضي الله عنها أنجبت جميع أبناء الرسول عدا إبراهيم الذي ولدته السيدة مارية القبطية رضي الله عنها , ولم يلد له من أزواجه سواها , ففي رواية قتادة بن دعامة : " ولدت له غلامين وأربع بنات القاسم وبه كان يكنى , وعاش حتى مشى , وعبد الله مات صغيراً , ومن النساء فاطمة , وزينب , ورقية , وأم كلثوم " .
- القاسم بن رسول الله :
لم يشذ أحد من الرواة في أنه أكبر أولاده من الذكور والإناث , وذهبت روايات أخرى أنه ولد بعد زينب , وتبعاً للاختلاف في ولادته نشأ اختلاف في وفاته , أما مقدار عمره فقد ذهبت الكثير من الروايات أنه مات قبل أن يكمل رضاعه أي قبل أن يبلغ العامين من عمره , وفي بعض الروايات أنه مات بعد ليال من ولادته , لكن هناك روايات تذكر أنه بلغ أربع سنين أو بلغ ركوب الدابة والنجيبة .
- عبد الله ابن رسول الله :
ذكرت الروايات ابناً آخر لرسول الله وهو عبد الله أو الطيب أو الطاهر , أو أن هذه الأسماء الثلاثة لولد واحد أو لأثنين ثم اختلفوا في وفاته , وذكر بعض الرواة أن السيدة خديجة رضي الله عنها ولدت بعد القاسم ولداً اسمه عبد الله فسمي الطاهر والطيب لولادته في الإسلام , وجاء ذلك عن طريق هشام بن محمد الكلبي , والواقدي , ومصعب الزبيري , والزبير بن بكار .
- زينب بنت رسول الله :
ولدت رضي الله عنها في السنتين الأولى من زواج النبي , ولم تذكر المصادر المتقدمة تحديد دقيق لولادتها رضي الله عنها , وتزوجت رضي الله عنها من أبي العاص بن الربيع وهو ابن خالتها هالة بنت خويلد , وولدت منه بنتاً , وفي رواية أنها ولدت لأبي العاص ابناً مات وهو صغير , وعندما جاء الإسلام أسلمت زينب مع أمها , " وفي رواية أنه بعد أن أعلن النبي الدعوة جاءت لأبي العاص وجوه قريش فقالوا : أردد على محمد ابنته , ونحن نزوجك أي امرأة أحببت من قريش , فقال : لا والله لا أفارق صاحبتي فإنها خير صاحبة " , أي أنها بقيت بمكة بعد الدعوة وهجرة الرسول , وبعد معركة بدر بفترة هاجرت زينب رضي الله عنها إلى المدينة , وبقي أبو العاص على الشرك , ثم أسلم بعد قصة تجارته بمال قريش , أسلم وهاجر إلى النبي في محرم سنة سبعة من الهجرة , فرّد عليه رسول الله زينب رضي الله عنها , وبقيت زينب رضي الله عنها مع أبي العاص فترة من الزمن ثم توفيت سنة ثمان من الهجرة , وغسلتها أم أيمن زوجة زيد بن حارثة مولاة رسول الله , وسودة بنت زمعة , وأم سلمة أزواج النبي رضوان الله عليهن .
- رقية بنت رسول الله :
ولدت رضي الله عنها بعد زينب , في السنة الثالثة والثلاثين من عمر الرسول , وذكرت الروايات أنها تزوجت من عتبة بن أبي لهب قبل الإسلام , وطلقها عندما جاء الإسلام , فتزوجها عثمان بن عفان , وهاجرت معه إلى الحبشة , ثم عادت بعد فترة مع زوجها إلى مكة , ثم هاجرا إلى المدينة , وبقيت فترة من الزمن في المدينة حتى خرج رسول الله إلى معركة بدر , وكانت رضي الله عنها مريضة , فأمر الرسول عثمان بن عفان بالبقاء بجوارها بسبب مرضها حيث كانت مصابة بالحمى وتوفيت نتيجة لذلك , وعندما عاد الرسول من المعركة وجدها قد ماتت ودفنت رضي الله عنها وأرضاها .
- أم كلثوم بنت رسول الله :
هي البنت الثالثة لرسول الله , ولم تذكر لها الروايات اسماً غير هذا , تزوجت أم كلثوم رضي الله عنها من عتيبة بن أبي لهب , وطلقها بعد مجيء الإسلام , وهاجرت إلى المدينة مع المسلمين , وبقيت مع أبيها حتى السنة الثالثة من الهجرة , فتزوجها عثمان بن عفان بعد وفاة أختها رقية رضي الله عنها , فلقب بذي النورين , وكما هو الحال مع أختها رقية رضي الله عنها لم أجد روايات كثيرة عنها تبين لنا ولادتها أو حياتها مع الرسول , والسيدة خديجة رضي الله عنها في مكة , أو حياتها مع أبيها بعد الهجرة إلى المدينة , وذكرت الروايات أنها توفيت في السنة التاسعة للهجرة .
- فاطمة الزهراء بنت رسول الله :
رابع بنات الرسول , وتقول الروايات أنها ولدت بعد البعثة , وعاشت في كنف أبيها وأمها , ثم فقدت رضي الله عنها أمها في سنين طفولتها الأولى فتعلقت بأبيها , وهاجرت مع المسلمين إلى المدينة , وبقيت مع رسول الله في بيته , وبعد معركة بدر تزوجت علي بن أبي طالب , فأنجبت لعلي الحسن والحسين رضي الله عنهما اللذان كانا قرة عين رسول الله , وبقيت فاطمة رضي الله عنها مع علي بن أبي طالب مدة تصل إلى عشر سنوات , حيث أنها الوحيدة من بنات الرسول التي بقيت بعد وفاته , ففي رواية عن عائشة رضي الله عنها قالت : " أقبلت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشية رسول الله , فقال : مرحباً بابنتي , ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله , ثم أسرّ لها حديثاً فبكت , ثم أسر لها حديثاً فضحكت , فقلت : ما رأيت كاليوم فرحاً أقرب إلى حزن , فسألتها عما قال لها , فقالت : ما كنت لأفشي سرّ رسول الله , فلما قبض سألتها , فأخبرتني أنه أسر إلي فقال : إن جبريل كان يعرضني بالقرآن في كل سنة مرة واحدة , وإنه عارضني هذا العام مرتين , وما أراه إلا وقد حضر أجلي , وإنك أول أهلي لحوقاً بي , ونعم السلف أنا لك فبكيت , فقال : ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين فضحكت " .
* * *
يتبع في ملف آخر
[/align]
مواقع النشر