أثبتت الكثير من الدراسات التي قام بها علماء النفس أنه في حالة الانفصال النفسي يتحول الزواج إلى منجم للأمراض النفسية أو العضوية وأكثر الأمراض شيوعاً هو الإرهاق المزمن وأمراض القرحة والقلب وسقوط الشعر والأمراض الجلدية.
كما تشير إحدى الدراسات إلى أن الانفصال النفسي وعدم المشاركة الجدية بين الزوجين هي في حد ذاتها مرض يتولد عنه مضاعفات كثيرة وهو ما يدفع أحدهما أو كليهما إلى ادمان العقاقير وخاصة المهدئات بحثاً عن الراحة التي هي نوع سلبي من الحلول يهرب فيه صاحبه من المشكلة بحجة المرض كما تشير الدراسة إلى أن الحياة الزوجية الفاشلة التي تستمر إجبارياً بين الطرفين لأي سبب تكون مقبرة للصحة ومنجماً للأمراض على كل شكل ولون.
تغيرات كيميائية
ويرجع بعض المختصين تراجع العاطفة بين الزوجين إلى تغيرات كيميائية تجري في الدماغ حيث أجرى الدكتور أنزوا ايمانويل من جامعة بافيا الإيطالية تجربة أثبت من خلالها أن المحبين يملكون مستوى عالياً من بروتين عصبي يدعى (NGF) وهذا البروتين مسؤول عن حث الأعصاب على النمو ورفع نسبة التواصل بين الخلايا الدماغية نفسها وينخفض مستوى هذا البروتين بالتدريج حتى يصل لمستواه الطبيعي بعد عام أو عامين من الزواج مما يفسر هدوء العواطف بعد فترة من الزمن.
ما الطلاق العاطفي (النفسي)?
من المسؤول عنه وما الذي يقترفه الأزواج والزوجات لتصل حياتهم إلى هذا النوع من الحياة?
ما المراحل التي يمر بها الأزواج من النجاح وصولاً إلى هذا الشكل من أشكال الانفصال?
وأين يمكن السيطرة على قطار الزواج المنحدر بقوة وكيف يمكن توقيت استراحة المحارب لإنقاذ ما يمكن انقاذه?
جملة من الأسئلة توجهنا بها إلى الدكتور طلال مصطفى أستاذ علم الاجتماع بجامعة دمشق.
الطلاق العاطفي: هو حالة تعتري العلاقة الزوجية يشعر فيها الزوج والزوجة بخواء المشاعر بينهما والفرق بينه وبين الطلاق الشرعي أنه قرار يتخذ بصمت دون إعلانه والسبب الرئيسي لما تعانيه بعض الأسر من مشكلة الطلاق النفسي والملل والفتور وإنما يرجع أساساً لخطأ الاختيار من البداية فالفتاة قد لا تستطيع الاختيار نتيجة لرغبة الأهل أو أنها تختار على أساس مادي أو منصب اجتماعي دون النظر للأخلاقيات وكذلك نفس الشيء بالنسبة للشاب الذي قد يركز على جمال الفتاة أو مركز الأسرة بغض النظر عن التوافق في الطباع والأفكار هذا بالإضافة إلى أنه بعد الزواج يحاول كل طرف تغيير الآخر ليكون صورة طبق الأصل منه وهذا خطأ كبير حتى عندما تحدث حالة الانفصال الفكري والعاطفي نجد أنه نادراً ما يحاول أي طرف من الزوجين حل هذا الوضع وإنما يتحمل كل منهما الوضع لأسباب أخرى غير الحب والمودة.
ويؤكد الدكتور مصطفى أن الملل والفتور لهما مؤشرات قد يسهل التغلب عليها إذا ما لوحظت قبل استفحال الأمر فيبدأ الملل والصمت والانطواء وعدم الاستماع للطرف الآخر وعدم اهتمام كل طرف بمظهره أمام الطرف الآخر وفي النهاية يختار كل شريك طريقاً مخالفاً لطريق الشريك وتعود هذه الحالة إلى طول العمر والعامل الاقتصادي وإلى نظرة المجتمع إلى المرأة المطلقة حيث إن المجتمع ينظر إليها بعين الشك والريبة ويعتبرها مدانة في معظم الأحيان مما يدفع المرأة لتحمل حياة الطلاق النفسي والخجل من إعلان مشكلتها أمام الآخرين.
آثار مدمرة
ويحذر الدكتور مصطفى من الآثار المدمرة للطلاق النفسي حيث يخلق مشكلات اجتماعية ونفسية كثيرة منها شعور كل طرف بالإحباط إزاء الطرف الآخر ونظرة كل شريك إلى شريكه بعين الريبة غير القادرة على الصبر وتغلغل المعاناة النفسية إلى أعماق الوجدان إضافة إلى المرارة التي يعيشها الأبناء من جراء ملاحظاتهم لوالديهم وهما يعيشان منفصلين فكرياً ووجدانياً.
ويعتبر الدكتور مصطفى أن التجديد والتغيير هو من أبرز الحلول لهذه المشكلة فلذلك يجب أن يغير الزوجان الكثير من عاداتهما وعلى كل طرف أن يحاور نفسه ويناقشها بصراحة في السبب الذي أدى بحياتهما إلى هذا الوضع ثم يتخذ القرار بالعلاج السريع والفعال وبرغبة صادقة في استمرار الحياة الزوجية بدافع من الحب وليس بسبب ضغوط خارجة عن إرادة الشخص وإن لم يستطع الوصول إلى قرار مناسب فعليه أن يلجأ إلى وسائل أخرى كالطبيب النفسي والاخصائي الاجتماعي لمساعدته في تلمس الحلول المناسبة لمشكلته وإلا فإن الطلاق الشرعي هو المخرج الأخير للانفصال النفسي والروحي الذي يعانيه.
غربة...
أزواج ولكن غرباء.. يعيشون تحت سقف واحد ولكن كل واحد منهما يعيش حياته منفصلاً عن الآخر.
حياة صعبة يصعب وصفها بأنها زواج لانعدام مقوماتها كما لا يمكن وصفها بأنها طلاق لوجود ارتباط شكلي مجرد خداع اجتماعي, حقيقة جوهرها زوجان لا تجمع بينهما عاطفة مشتركة وتكاد تعتمد حياتهما على مجرد الوجود المادي وهو تواجد قد تنعدم فيه المشاركة حتى في مجرد اللقاء العادي العابر بينهما وقد يصل هذا الحال إلى الطلاق الشرعي.
والحياة قد تصل أحياناً بين الزوجين إلى طريق مسدود فلا يمكنهما العيش ولا البعد عن بعضهما في حال وجود أطفال لا ذنب لهم وهنا قد يختار الزوجان الصمت والانشغال أو التشاغل كل منهما في عالم منفصل.
مواقع النشر