{شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن}[البقرة:185] ..
كان النبي صلى الله عليه وسلم يعارض جبريل القرآن كل رمضان مرة، وآخر رمضان مرتين، فجميل أن تختم في شهر القرآن القرآن أكثر من ختمة، والأجمل لو كانت كل ختمة تتسم بتدبرك معاني الآيات وهداياتها، وتذكر قول ابن عباس:"لأن أقرأ البقرة فأرتلها أحب إلي من أن أهذ القرآن كله" رواه البيهقي.
اعتاد كثير من قراء القرآن تتبع الكلمات بالبصر دون تحريك اللسان ؛ ولذا فهم سريعا ما يقلبون الصفحة تلو الصفحة فيختمون ، ولكن هم بهذا الفعل لا يدركون أجر التلاوة ؛ فالتلاوة تحريك باللسان على كل حرف مر به القارئ فعليك أن تسمع الآية حتى تتحقق من أنك قرأت ، ومثل هذا يقال في قراءة الفاتحة في الصلاة.
قال بعض العلماء: إن ثواب قراءة الترتيل والتدبر أجل وأرفع قدراً. وإن ثواب كثرة القراءة أكثر عدداً. فالأول كمن تصدق بجوهرة عظيمة أو أعتق عبداً قيمته نفيسة جداً، والثاني كمن تصدق بعدد كثير من الدراهم أو أعتق عدداً من العبيد قيمتهم رخيصة.
{كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب} [ص:29] .. على كل مصل أن يجتهد في إحضار قلبه والتفكر فيما يتلو من القرآن، وما يستمع منه، وكان رسولنا صلى الله عليه وسلم، لا تمر عليه آية فيها رحمة إلا وقف عندها وسأل الله، ولا تمر عليه آية فيها عذاب إلا وقف عندها واستعاذ بالله، ولنا في رسول الله أسوة حسنة.
{وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون} [البقرة:184] .. لترك اللذائذ مشقة؛ تتحول بإخلاصك لله في تركها لذة قال ابن القيم: "إنما يجد المشقة في ترك المألوفات والعوائد من تركها لغير الله، أما من تركها مخلصا من قلبه فإنه لا يجد في تركها مشقة إلا في أول وهلة؛ ليمتحن أصادق هو في تركها أم كاذب؟ فإن صبر على ترك المشقة قليلا استحالت لذة".
{أياما معدودات}[البقرة:184] .. تأمل وصف الله عز وجل لشهر رمضان {أياما معدودات}، فهو موسم فاضل، سريع الرحيل! .. ومشقة الاجتهاد في العبادة سرعان ما تذهب عنك ، ويبقى الأجر، وشرح الصدر بإذن الله تعالى، أما المفرط فساعات لهوه وغفلته تذهب سريعا أيضا، ولكن تبقى حسرتها وتبعاتها وأوزارها غصة في حلق صاحبها إلا أن يتوب.
{...والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما} [الأحزاب:35] اجعل أيام رمضان غرة بيضاء في جبين أيام عمرك!.. قال سليمان بن موسى:(إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم،ودع أذى الخادم،وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك،ولا تجعل يوم صومك،ويوم فطرك سواء!).
{فإذا فرغت فانصب}[الشرح:7] .. النصب هنا اجتهاد في العمل وتعب فيه ومواصلة، سواء كان مشروعا أو مباحا، وقيل :هو اجتهاد في دعاء الله وطلب الحاجات منه، وإن صلاة التهجد وطول القيام والركوع والسجود وترك النوم؛ ثقيل على النفس متعب للجسد، لكن عندما تتذكر أن ذلك كله محبوب لله تعالى، فسيطمئن قلبك وتفرح نفسك بمحبة ما يحبه الله تعالى.
{كانوا قليلا من الليل ما يهجعون}[ص:29] هذه صفة السابقين بالخيرات قلة النوم؛لكثرة الصلاة، كان الربيع بن خثيم يطيل الصلاة، فقيل له: لو أرحت نفسك؟ قال:راحتها أريد!" فلتجد أخي في هذه الليالي بالنفس والنفيس؛ لتحصيل غايتك،وتحقيق بغيتك فالمكارم منوطة بالمكاره، والمصالح لا تنال إلا بحظ من المشقة، ولا يعبر إليها إلا على جسر من التعب.
{الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله}[الزمر:23] .. فلنحضر القلب ليقشعر الجسم ويلين القلب قال أبو سليمان الداراني: ربما أقمت في الآية الواحدة خمس ليال، ولولا أني أدع التفكر فيها ما جزتها، وقال: إنما يؤتى على أحدكم من أنه إذا ابتدأ السورة أراد آخرها.
{والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون}[المؤمنون60] .. "الوجل" استشعار الخوف من الله، كم هو جميل أن يصاحب طاعتك خوف الله وخشية رد العمل وعدم قبوله ؛ فهو أدعى لإخلاص العمل وترك الإعجاب به، يقول الحسن البصري: إن المؤمن جمع إحسانا وشفقة، وإن المنافق جمع إساءة وأمنا
{إنه هو التواب الرحيم}[البقرة:37] .. "التواب" الذي يقبل التوبة عن عباده حالا بعد حال، ومرة بعد مرة، ومن الدعاء الثابت:(رب أغفر لي وتب علي، إنك أنت التواب الرحيم)وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يكررها في المجلس الواحد مائة مرة.
{وهو الولي الحميد}[الشورى:28] .. "الولي" المتولي لأمور خلقه، القائم على تدبير ملكه، ومن الدعاء الثابت:(يا ولي الإسلام وأهله، ثبتني حتى ألقاك) وفي رواية:(يا ولي الإسلام وأهله مسكني بالإسلام حتى ألقاك عليه).
{المهيمن العزيز الجبار المتكبر}[الحشر:23] .. "الجبار" الذي يجبر حوائج خلقه، فهو يجبر الفقر بالغنى والمرض بالصحة، والخوف بالأمن، وهو الجبار في علوه على خلقه،
ونفاذ مشيئته في ملكه، فلا غالب لأمره، ولا معقب لحكمه، ومن الدعاء الثابت:(اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني واهدني وارزقني، سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة)
{هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس}[الحشر:23] .. "القدوس" المنفرد بأوصاف الكمال، الذي لا تضرب له الأمثال، فهو المنزه المطهر الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه ومن الدعاء الثابت باسمه "القدوس"قول النبي صلى الله عليه وسلم في الركوع والسجود:(سبوح قدوس رب الملائكة والروح)رواه مسلم
{العزيز الجبار المتكبر}[الحشر] "المتكبر" العظيم ذوالكبرياء، المتعالي القاهر لعتاة خلقه إذا نازعوه العظمة، وهو الذي تكبر عن كل سوء، وتكبر عن ظلم عباده، وتكبر عن قبول الشرك في العبادة، فلا يقبل منها إلا ما كان خالصا لوجهه، ومن الدعاء دعاء موسى عليه السلام:{إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب}[غافر:27]
{وإن ربك لهو العزيز الرحيم}[الشعراء:122] .. "العزيز" الغالب الذي لا يغلبه شيء على أمره ، فلا يرد قضاؤه ، والعز إزاره، والكبرياء رداؤه، ومن الدعاء قوله صلى الله عليه وسلم :(اللهم إني أعوذ بعزتك، لا إله إلا أنت؛ أن تضلني، أنت الحي الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون، اللهم إني أسألك بعزتك أن تنجيني من النار) متفق عليه.
{فإن الله شاكر عليم}[البقرة:158] .. "الشاكر" الذي يجازي العباد على أعمالهم، ويضاعف لهم من أجورهم، فيقابل شكرهم بزيادة النعم في الدنيا وواسع المغفرة في الآخرة، ومن الدعاء الثابت:(اللهم أعنا على شكرك وذكرك وحسن عبادتك).
{هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن} [الحشر:23] .. "المؤمن" الذي أمن الناس ألا يظلم أحدا منهم، وهو المجير الذي يجير المظلوم ويؤمنه من الظالم، وهو الذي يصدق المؤمنين ويشهد لهم إذا وحدوه، وهو الذي يصدق في وعده وهو عند ظن عبده، ومن الدعاء الثابت:(.. اللهم إني أسالك النعيم يوم العيلة، والأمن يوم الخوف..).
{هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام} [الحشر:23] .. "السلام" أنه تعالى سالم من كل نقص ومن كل تمثيل، الموصوف بكل كمال، المنزه عن كل عيب ونقص، وهو وحده المسلم لغيره مما يكره، ويدعو به صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته فيقول :(اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت ذا الجلال والإكرام)وفي رواية :(يا ذا).رواه مسلم .
{فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم} [المؤمنون:116] .. "الملك" ورد 4 مرات ، وهو المالك لجميع الأشياء، المتصرف فيها بلا ممانعة ولا مدافعة، من له الأمر والنهي في مملكته، ومن الدعاء به دعاء الاستفتاح :(اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا..)رواه مسلم.
{وهو الغفور الودود}[البروج:14] .."الودود" الذي يحب أولياءه، ويتودد إليهم بالمغفرة والرحمة، فيرضى عنهم، ويوددهم إلى خلقه، فيحبب عباده فيهم، ومن الدعاء الثابت:(اللهم ذا الحبل الشديد، والأمر الرشيد، أسألك الأمن يوم الوعيد، والجنة يوم الخلود، مع المقربين الشهود، الركع السجود، الموفين بالعهود، إنك رحيم ودود، وأنت تفعل ما تريد).
{والله غني حليم}[البقرة:263] .. "الحليم" الصبور الذي يمهل ولا يهمل، بل يتجاوز عن الزلات، ويعفو عن السيئات، ويؤخر العقوبة، ومن الدعاء الثابت:(اللهم عافني في جسدي، وعافني في بصري، واجعله الوارث مني، لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، والحمد لله رب العالمين).
{إنه سميع قريب}[سبأ:50] "القريب" الذي يقرب من خلقه كما شاء، وهو من فوق عرشه أقرب إلى عبده من حبل الوريد، ومن الدعاء الثابت:(اللهم إني أسألك حبك، وحب من يحبك، وحب عمل يقرب إلى حبك) وكذلك:(اللهم إني أسالك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، وأسألك أن تجعل كل قضاء قضيته لي خيرا)
{إن ربي قريب مجيب}[هود:61] .. "المجيب" الذي يقابل السؤال والدعاء بالقبول والعطاء، الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويغيث الملهوف إذا ناداه، ويكشف السوء عن أوليائه، ويرفع البلاء عن أحبائه، ومن الدعاء الثابت:(اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، وعلم لا ينفع، ودعوة لا يستجاب لها).
{وإن الله لهو الغني الحميد}[الحج:64] .. "الغني" المستغني عن الخلق بذاته وصفاته وسلطانه، والخلق جميعا فقراء إلى إنعامه وإحسانه، ومن الدعاء الثابت:(اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الغني، ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغا إلى حين).
توفيق الله لك بإكمال صيام الشهر على الوجه الصحيح نعمة عظيمة ، ينبغي أن توقظ شعور كل لبيب بشكرها ؛ ولذا ختمت آيات الصيام حين تكمل العدة بالتكبير والشكر في قوله:{ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون} [البقرة:185] ولو لم يكن من النعم إلا أن أبقاك الله إلى هذا الشهر الفضيل لكفى!.
{وإذ يرفع القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم}[البقرة128] فادع بقبول عملك الصالح ولو كنت في أثناءه وهو لم ينته بعد ، واقتد بإبراهيم الخليل ، عسى الله أن يشملنا جميعا فيغفر لنا الذنب ويعتقنا من النار، وكان ابن مسعود إذا انقضى رمضان يقول:(من هذا المقبول منا فنهنيه؟!.. ومن المحروم منا فنعزيه؟!).
من رساله جوال
مواقع النشر