تململت الساعةُ الباردهْ |
على البرج, في الظلمة الخامدهْ |
ومدّتْ يدا من نُحاسْ |
يدًا كالأساطير بوذا يحرّكُها في احتراسْ |
يدَ الرَّجل المنتصبْ |
على ساعة البرج, في صمته السرمديّ |
يحدّقُ في وجْمة المكتئبْ |
وتقذفُ عيناهُ سيلَ الظلامِ الدَّجِيّ |
على القلعة الراقدهْ |
على الميّتين الذينَ عيونُهُمُ لا تموت |
تظَلّ تحدَّقُ, ينطقُ فيها السكوتْ |
وقالتْ يد الرَّجُلِ المنتصِب: |
"صلاةٌ, صلاهْ!" |
** |
ودبّتْ حياهْ |
هناكَ على البُرْج, في الحَرَس المُتْعَبينْ |
فساروا يجرّونَ فوق الثَّرَى في أناهْ |
ظلالَهُمُ الحانيات التي عَقَفَتْها السنينْ |
ظلالَهُمُ في الظلام العميقِ الحزينْ |
وعادتْ يدُ الرجل المنتصِبْ |
تُشير: "صلاةٌ, صلاهْ!" |
فيمتزجُ الصوتُ بالضجّة الداويهْ, |
صدى موكبِ الحَرَسِ المقتربْ |
يدُقّ على كلّ بابٍ ويصرخُ بالنائمينْ |
فيبرُزُ من كلّ بابٍ شَبَحْ |
هزيلٌ شَحِبْ, |
يَجُرّ رَمَادَ السنينْ, |
يكاد الدُّجى ينتحبْ |
على وَجْهِهِ الجُمْجُمِيّ الحزينْ |
** |
وسار هنالكَ موكبُهُمْ في سُكونْ |
يدبّونَ في الطُّرقاتِ الغريبةِ, لا يُدْركونْ |
لماذا يسيرونَ? ماذا عسى أن يكونْ? |
تلوَّتْ حوالَيْهمُ ظُلُماتُ الدروبْ |
أفاعيَ زاحفةً ونُيُوبْ |
وساروا يجرّون أسرارَهُمْ في شُحُوب |
وتهمسُ أصواتهم بنشيدٍ رهيبْ, |
نشيدِ الذينَ عيونُهُمُ لا تموتْ, |
نشيد لذاك الإلهِ العجيبْ |
وأغنيةٌ ليد الرَّجُلِ المنتصبْ |
على البرج كالعنكبوتْ |
يدٌ من نحاسْ |
يحرّكها في احتراسْ |
فترسل صيحَتها في الدياجي |
"صلاةٌ, صلاهْ" |
** |
وفي آخر الموكب الشَّبَحيّ المُخيفْ |
رأى حارس شَبَحَيْن |
يسيرانِ لا يُدْركان متى كان ذاك وأيْن? |
تحُزّ الرّياح ذراعيهما في الظلام الكثيفْ |
وما زال في الشَّبَحينِ بقايا حياهْ |
ولكنّ عينيهما في انطفاءْ |
ولفظُ "صلاة صلاهْ" |
يضِجّ بسَمْعَيْهما في ظلام المساءْ |
** |
"ألستَ ترى" |
"خُذْهما!" |
ثم ساد السكون العميق |
ولم يَبْقَ من شَبَح في الطريق |
** |
وفي المعْبَد البرْهميّ الكبير |
وحيثُ الغموضُ المُثيرْ |
وحيثُ غرابةُ بوذا تلُفّ المكانْ |
يُصلّي الذينَ عيونُهُم لا تموتْ |
ويَرْقُبُهم ذلكَ العنكبوتْ |
على البرج مستغْرَقًا في سكوتْ, |
فيرتفعُ الصوت ضخْمًا, عميق الصدى, كالزمان |
ويرتجفُ الشَّبَحانْ |
** |
"من القلعةِ الرطبةِ الباردهْ" |
"ومن ظُلُمات البيوت" |
"من الشُرَف الماردهْ" |
"من البرجِ, حيثُ يدُ العنبكوتْ" |
"تُشيرُ لنا في سكوتْ" |
"من الطرقات التي َتعْلِك الظُلْمَةَ الصامتهْ" |
"أتيناكَ نسحَب أسرارَنا الباهتهْ" |
"أتيناكَ, نحن عبيدَ الزمانْ" |
"وأسرَاه نحن الذينَ عيونُهُم لا تموتْ" |
"أتينا نَجُرّ الهوانْ" |
"ونسألُكَ الصفْحَ عن هذه الأعين المُذْنبهْ" |
"ترسّبَ في عُمْق أعماقها كلُّ حزْنِ السنينْ" |
"وصوتُ ضمائرِنا المُتعَبَهْ" |
"أجشٌّ رهيبُ الرّنينْ" |
"أتيناكَ يا من يذُرّ السُّهادْ" |
"على أعينِ المُذْنبينْ" |
"على أعينِ الهاربينْ" |
"إلى أمسِهِم ليلوذوا هناك بتلّ رمَادْ" |
"من الغَدِ ذي الأعين الخُضرِ. يا من نراهْ" |
"صباحَ مساءَ يسوقُ الزمانْ" |
"يحدّق, عيناه لا تغفوان" |
"وكفَّاه مَطْويّتانْ" |
"على ألفِ سرٍّ. أتينا نُمرِّغ هذي الجباهْ" |
"على أرض معبدِهِ في خُشُوعْ" |
"نُناديهِ, دونَ دموعْ," |
"ونصرخ: آهْ!" |
"تعِبْنا فدعْنا ننامْ" |
"فلا نسْمع الصوتَ يَهْتف فينا: "صلاهْ!" |
"إذا دقَّتِ الساعة الثانيهْ," |
"ولا يطرق الحَرَس الكالحونْ" |
"على كل باب بأيديهم الباليه" |
"وقد أكلتْها القُرونْ" |
"ولم تُبْق منها سوى كومة من عظامْ" |
"تعبنا... فدعنا ننامْ.." |
"ننامُ, وننسى يد الرجل العنكبوتْ" |
"على ساحة البرج. تنثُرُ فوق البيوتْ" |
"تعاويذَ لعنتها الحاقدهْ" |
"حنانك بوذا, على الأعينِ الساهدهْ" |
"ودعها أخيرًا تموتْ" |
** |
وفي المعبد البرهمي الكبيرْ |
تحرّكَ بوذا المثيرْ |
ومدّ ذراعيه للشبحَيْنْ |
يُبارك رأسيْهما المُتْعَبيْنْ |
ويصرخُ بالحَرَس الأشقياءْ |
وبالرَّجُلِ المنتصبْ |
على البرْج في كبرياءْ, |
"أعيدوهما!" |
ثم لفَّ السكونُ المكانْ |
ولم يبقَ إلا المساءْ, |
وبوذا, ووجه الزمانْ |
مواقع النشر