فرغم أنف امرئ أدرك رمضان.. ولم يغفر له!! قال صلى الله عليه وسلم: «رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ، ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يغْفَرَ لَهُ». [رواه الترمذي (3545)]
فالمحروم حقيقة.. من حرم خير هذا الشهر، والخاسر حقيقة.. من انقضى هذا الشهر ولم يغفر له، وإن لم يغتنم أوقاته ويعمرها بطاعة الله في هذا الشهر، فمتى يغتنمها؟!
لماذا يرتبط رمضان في أذهان البعض بالمسلسلات وغيرها، مما تستعد به القنوات الفضائية، حتى لقد رسخ في أذهان الكثير منهم،
أن رمضان ما هو إلا شهر المسلسلات، وشهر السهرات، وشهر المسابقات، وشهر اللهو واللعب، وارتكاب المحرمات... إلخ..
لماذا يغيب عن البعض الحكمة التي أرادها الله تعالى من فريضة الصيام في شهر رمضان، ألا وهي: تقوى الله
((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ))[البقرة:183].
أين هؤلاء من التقوى.. وهي العمل بطاعة الله، والكف عما حرم الله؟ ألا يجدر بالمؤمن أن يكون عاقلاً حازماً مع نفسه، مترفعاً عن هواها.. قبل أن يندم حين لا ينفع الندم..
فرغم أنف امرئ أضاع رمضان ما بين لعب.. ولهو.. وسهرات.. في غير طاعة الله، حتى انقضى رمضان، ولم يزدد من الله إلا إثماً وبعداً.
رغم أنفه.. ثم رغم أنفه.. ثم رغم أنفه..
وفي الحديث الشريف: أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد المنبر، فقال:
«آمين.. آمين.. آمين.. فسئل صلى الله عليه وسلم عن تأمينه؟ فقال: أتاني جبريل فقال: رغم أنف امرئ ذكرت عنده فلم يصل عليك. قل: آمين. فقلت: آمين..
ثم قال: رغم أنف امرئ أدرك رمضان فلم يغفر له. فقل: آمين. فقلت: آمين.. ثم قال: رغم أنف امرئ أدرك أبويه أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة. فقل: آمين.. فقلت: آمين»..
والمعنى ظاهر، فالجملة الأولى في رجل ذكر عنده النبي صلى الله عليه وسلم فلم يصل عليه، وهذا الحديث يدل على وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر عند الإنسان،
فإن لم يفعل فإنه يستحق أن يدعى عليه بهذا الدعاء رغم أنفه، أي: سقط في الرغام والتراب، وهو كناية عن: ذلة وإهانة.
أما الثاني: فقد أدرك رمضان ولم يغفر له، ويا ندامة من أدركه رمضان فاستحق الدعاء عليه بإرغام أنفه، من أمين وحي السماء، وتأمين سيد الرسل والأنبياء..
وذلك بأن يهمل صيام رمضان وقيامه، وبأن يضيع أوقاته في اللهو واللعب، فضلاً عن أن يرتكب فيه ما حرم الله.. أفلا يعلم ذلك الشقي.. أنه كما تضاعف الحسنات في رمضان، فإن السيئات تضاعف أيضاً..؟
أفلا يعلم ذلك المرغم أنفه:
أن من صام رمضان إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه، وأن من قام رمضان إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه؟ فإذا أهمل وأضاع، فإنه لن يحصل على هذا الثواب العظيم، ويكون قد رغم أنفه.
والثالث: رجل أدرك أبويه أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة، حيث أنه لم يقم ببرهما الذي يكون سبباً لدخول الجنة، فيكون أيضاً ممن دعا عليه جبريل،
وأمن عليه الرسول صلى الله عليه وسلم أن يرغم أنفه، وأن يصاب بالذل والهوان.
فإذا لم يقبل المسلم على الله في رمضان فمتى يقبل عليه؟! إذا لم يغتنم موسم الخير فمتى؟! وإذا لم يبر والديه ولم يحسن إليهما في هذا الشهر فمتى؟!
وإذا لم يصل أرحامه، ويحسن أخلاقه، ويسعى لمرضاة ربه في هذا الشهر فمتى؟! وإذا لم يغتنم المسلم أوقاته ويعمرها بطاعة الله في هذا الشهر، فمتى يغتنمها؟!
فاحذر أيها الأخ الحبيب! أن تكون ممن رغم أنفه، وبادر إلى التوبة والإكثار من أعمال البر والطاعة ما استطعت، واضبط نفسك في هذا الشهر خاصة، وفي سائر الشهور عامة..
فمن يدري! ربما يكون آخر العهد به، والأعمار بيد الله.. لا تكونن ممن رغم أنفه في رمضان، فتندم حيث لا ينفع الندم..
اغتنم أوقاته، وأعمرها بما يرضي ربك عنك ما استطعت إلى ذلك سبيلاً...
وختاماً نقول: لعل مما يعين على التوبة والنجاة من ذلك المآل المحزن.. العزم على التغيير إلى الأفضل قدر المستطاع، وترك العادات السيئة، ومصاحبة الصالحين، وتلاوة القرآن بتدبر وخشوع،
والمطالعة في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وسيرة أصحابه رضوان الله عليهم، وسيرة الصالحين من الأتباع وتابعي التابعين، لنشاهد ونعقل كيف كانوا يعيشون رمضان،
ولنرى كيف كانوا ينأون بأنفسهم للنجاة من موقف الإرغام والمذلة، والإبعاد عن الرحمة والمغفرة..
وفقكم الله وإيانا وكل مسلم لمرضاته.
مواقع النشر