[align=center]
مع كل نسمة هواء نستنشقه في حياتنا الزوجية.. ومع كل تمايل أغصان الفرح في محيط أحلامنا ومستقبلنا.. تشرق علينا شمس الأمل بأشعتها الناعمة.. وتغيب عنا بإشاراتها الناعسة.. لترسم لنا طبيعة حياتنا التي تعبر عن واقعنا المتقلب بين تأجج الحيوية وجمود العاطفة.
ومع تكرار مشاعرنا اليومية بين نشوة المحبة، وتجلـّد المودّة، ينشأ الملل بين الزوجين.. الذي لا بدّ لهما من إعادة النظر سريعاً في طريقة ونمط حياتهما، حتى لا يسيطر شبح الملل عليهما.. والتفكير جدياً لفعل شيء لتأجيج تلك المشاعر المدفونة، والبحث في أسباب ما آلت إليه هذه الحالة.
أسباب الملل
للملل في حياتنا الزوجية أسباب يتوجـّب على علماء الأسرة أن يبحثوا عنها بجديّة وهي مستنبطة من تجاربنا اليومية ومحطاتنا الزوجية، فتتجه أصابع الاتهام إلى الزوج، لأنه يملك قدرة تفجير الملل بكثرة خروجه من المنزل، فيأتي منهكاً، متوتر الأعصاب، صامتاً.
وهذا السلوك المتكرر يغذّي الملل في حياته وحياة زوجته، بينما الزوج المرح يعطي الفرصة لزوجته كي تتجاوب وتستجيب لنداءاته المفعمة بالضحك والمرح، فتتفاعل مع كلماته العاطفية وإشاراته الحانية.
وما أصعب لحظات الزوجة التي تكتم أحزانها وآلامها عندما ترى زوجها مع خلانه. ضاحكاً.. مبتسماً.. ولكنه يدفن تلك المشاعر بمجرد أن تطأ قدماه المنزل.. فتقول بصمت:
متى تسقي أغصاننا البريئة بالمرح والفرح؟
ومن يقنع زوجي بأننا أكثر حاجة لابتساماته من خلانه وأصدقائه؟
إنّ حياتنا الزوجية عندما تسير على وتيرة واحدة ينتج عنها حالة من الجمود والركود، فتغيب السعادة الزوجية، وتتلاشى كلمات المرح، وتتوقف الإشارات الإيجابية بين الزوجين، ويسبب ذلك ألماً وحسرة ولوعة اشد من الأمراض الحسية.
وقد تكون الزوجة وراء حدوث هذه الحالة من الملل، إذا كانت صورتها متشابهة دائماً أمام زوجها .. بمعنى أن لا تجديد ولا تغيير ولا ابتكار في طريقة حياتها . فقائمة الطعام لديها لا تتغير، ملابسها ومكياجها بالأمس كاليوم، أي لا إبداع و لا ابتكار في معايير الزينة والجمال، وهذا السلوك يخلق حالة من الرتابة والملل، مما يؤثر على سير الحياة الزوجية.
ومن ناحية أخرى تقول بعض الآراء: إنّ انخراط الزوجة في مجال العمل الوظيفي جعلها تشعر بنقص أنوثتها وجمالها، فمتى ستتزين لزوجها؟ ومتى ستعدّ له الطعام؟ وهي تعود متعبة، تقضي وقتها مع زوجها وهي تتحدث عن مشاكلها ومشاحناتها مع زملائها.. وما يجري في مقر عملها.. وهذا السلوك بالتأكيد ينمّي الخلافات الزوجية.. ويقوّي الأزمة العاطفية.. ومن ثم يسبّب الملل القاتل.
الملل والمرح
لقد أدرك الباحثون وعلماء النفس أنّ حياتنا المجرّدة من دقائق اللهو المفيد والضحك والمرح تزيد من تعقيد الحياة.. وتقيّد طاقاتنا التي لا تفوح إلا بالغضب والتعاسة..
فهل تعلم أن الملل يحوّل العشّ الآمن إلى حفر مليئة بالكراهية.. وطريق مفروش بالأشواك؟
وماذا ينتظر الزوجان من هذه الحياة التي تحجب الرؤية.. وتعيق عجلة المحبة.. مسكينة تلك الزوجة التي تصرخ دائماً في خلوتها وهي تصارع نفسها: لماذا لا أسمع من زوجي تلك الكلمات المضحكة، والقصص المسلية التي تعيد لحياتنا طعمها وحلاوته.
فوائد الضحك
عندما ندرك أهمية الضحك والمرح في حياتنا الزوجية سنسعى لتسخير الواقع بقالب ممتع يخلو من الاعتيادية، فما أجمل كلماتنا وحركاتنا المضحكة التي تذيب جليد الملل.. وتفتــّت صخور الرتابة.. وتنبت في حياتنا ثمار الفرح والسرور والسعادة.
ذكر الأطباء أنّ الضحك والمرح يطيلان العمر.. ويفيدان الجسم والأعضاء، وأثبتت الدراسات العلمية في الولايات المتحدة أنّ الضحك يوسّع الضلوع.. ويفتح خياشيم الأنف.. ويوسّع الشرايين.. وينشــّط جلد الوجه والرأس.. ويزيد من بريق العينين.. وينشّط الكبد والطحال.. كما أنه ينظف الحنجرة والبلعوم.. ويداوي الإمساك والريح.. ويخفّف من الربو.. وينشّط الطاقة الجنسية.
قال تعالى: (( وأنه هو أضحك وأبكى )) /النجم: 43/.
الضحك المتوسط المعتدل بلسم للهموم ومرهم للآلام، وله أثر مباشر وقوة عصبية في فرح الروح والوجدان. فقد كان النبي يضحك حتى تبدو نواجذه، فالضحك قمة الانشراح، وذروة الانبساط، وبداية الفرح، ولكنه ضحك بلا إسراف، فإن كثرة الضحك تميت القلوب يقول ا تعالى: (( فتبسّم ضاحكاً من قولها )) /النمل: 19/.
ولا ضحك الاستهزاء والسخرية حيث يقول ا تعالى:
(( فلمّا جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون)) /الزخرف: 47/.
فالإسلام يشع نورا بسبب الوسطية المعتدلة، فلا عبوس مخيف قاتم قاتل، ولا قهقهة مستمرة هازلة عابثة.
نماذج من التاريخ
تتجلّى معالم حضارتنا وروعة فطرتنا البريئة والصافية عندما نرى رسولنا وهو يضرب لنا نماذج من الفرح والمرح مع زوجته عائشة رضي اللّه عنها كما جاء في الحديث الصحيح، حدّثنا عمر أبو حفص المـُعيْطـِيّ قال حدّثنا هشام عن أبيه عن عائشة قالت: خرجتُ مع النبيّ في بعض أسفاره وأنا جارية (آي حديث السن) لم أحمل اللحم ولم أبدُنْ فقال للنـّاس تقدّموا فتقدّموا، ثم قال لي تعالَىْ حتى أسابقك فسابقته فسبقتــــُهُ فسكت عنـّي حتـــّى إذا حملتُ اللحمَ وبدنت ونسيت خرجتُ معه في بعض أسفاره فقال للنّاس تقدّموا فتقدّموا ثم قال تعالَىْ حتّى أسابِقـَكِ فسابقـتـــُهُ فسبَقـَني فجعل يضحك وهو يقول هذه بتلك).
إنّه موقف يقف له الوجود منبهراً لعظمته وروعته، لم ينس الحبيب أن يداعب زوجته حتى في أدقّ لحظات حياته.. فهل يستطيع الملل أن يجد له منفذاً ومقرّاً في حياته .
علاج الملل
حتى يتم القضاء على الملل، وأبعاد شبحه عن بيوتنا، يجب أن نغير في نمط حياتنا، وطريقة معيشتنا، ولعل أول هذه الطرق التوجه إلى الله عز وجل، والعمل بما يرضيه في كل أمور حياتنا.
كذلك على الزوجين تخصيص يوم لتناول الطعام خارج المنزل، ويوم آخر لزيارة الأقارب، ويوم للتسوق أو التنزه أو ممارسة الرياضة، كما على الزوجة تغيير لمسات جمالية الديكور وأثاث المنزل من وقت لآخر، كما يجب عليها الاهتمام بأنوثتها شكلاً وموضوعاً، وعليها استقبال زوجها عند عودته إلى المنزل بالفرح والابتسامة.
كما يجب على الزوج الاهتمام بطلبات ورغبات زوجته، وتحقيق ما أمكن منها، ولا يغيب على الزوج العاطفي الكلمات الحلوة، والعبارات اللطيفة، والثناء والتقدير لزوجته.
متعة الحياة
ستكون حياتنا الزوجية أكثر متعة .. وانسيابية.. عندما نغير حياتنا المملــّة ونحولها إلى عالم وردي جميل.. تشرق من خلاله شمس الأمل.. وتغيب وهي تحمل معاني الفرح والمرح والسعادة في حياتنا.
م/ن[/align]
رد مع اقتباس
مواقع النشر