بسم الله الرحمن الرحيم







المتوسط اونلاين - في خطوة جريئة يبدو أنها ستشكّل منعرجا خطيرا في الأزمة بين مصر ودول حوض النيل، أقدمت الحكومة الأثيوبية على افتتاح سدّ تيكيزي على نهر النيل دون الرجوع إلى القاهرة، الأمر الذي ينذر بأن مياه النيل ستصبح في السنوات القادمة قضية حياة أو موت بين دول حوض النيل وعددها عشر (مصر، السودان، كينيا، أثيوبيا، أوغندا، اريتريا، تنزانيا، رواندا، بورندي، والكونغو الديموقراطية).
ومن المتوقع أن تدفع السابقة الأثيوبية دول الحوض الأخرى إلى أن تحذو حذو إثيوبيا وتقوم بتنفيذ مشروعاتها لإنشاء السدود بها لتخزين المياه، بحجة أنها منبع النيل ومنها يذهب الماء إلى كل من مصر والسودان في حين أنها تعاني الجفاف.
ويقول خبراء، تعليقا على هذه الأزمة، إنه بالرغم من محاولات التهدئة التي تتبناها مصر إلا أن هناك خطورة كبيرة في ظل ما يتردد عن حروب المياه القادمة في المنطقة، مؤكدين أن مبادرات التعاون مع دول حوض النيل ليست سوى مسكنات ومهدئات في ظل تزايد الاحتياج الفعلي من جانب هذه الدول للمياه، إضافة إلى العبث الإسرائيلي والغربي في هذا الملف الاستراتيجي.
وتأزمت الأمور أكثر بعد أن ضربت أثيوبيا بقرار خبراء في مجال المياه عرض الحائط وتجاهلت تحذيرات من أن آثار هذا السد ستكون وخيمة على نصيب مصر من مياه النيل. ويشرح - أستاذ المياه والرئيس الأسبق لجامعة المنوفية- الدكتور مغاوري شحاتة دياب لصحيفة "الدستور" المصرية المستقلة مدى خطورة الوضع مبينا أن بناء السدود، مهما كان الغرض الرئيسي منها، على أي مجرى مائي يؤثر سلبا على مردود المياه بصفة عامة، لذلك فإن إنشاء إثيوبيا لهذا السد على نهر النيل سيؤثر سلبا في حصة مصر من مياه النيل، وستكون نتائج ذلك وخيمة على الشعب المصري. ويؤكد دياب في سياق حديثه أن ما أقدمت عليه حكومة أثيوبيا ببنائها سد تيكيزي وتشغيله يعد سابقة خطيرة تهدد العلاقات بين مصر ودول حوض النيل التي قد تتشجّع على خلفية الخطوة الأثيوبية وتقوم بإنشاء سدود بحجة تخزين المياه بها متجاهلة مصر.
وفي حين ينفي -وزير الموارد المائية والري المصري، الدكتور محمد نصر الدين علام، تأثر حصة مصر من مياه النيل بسبب سد "تيكيزي" الذي هو عبارة عن سد لتوليد الكهرباء، وتم إنشاؤه بعد موافقة مصر، يردّ د. دياب قائلا إنه ليست هناك مشروعات لتوليد الكهرباء وأخرى للمشروعات الزراعية، فكل السدود هي لتخزين المياه وبالتالي فإن تخزين المياه سيؤثر بالسلب في حصة مصر من مياه النيل، وإذا لم يؤثر هذا السد فمؤكد ستؤثر السدود الأخرى التي تطمح أثيوبيا لبنائها، بدعم خارجي، وإسرائيل مشاركة بنسبة كبيرة فيه، حيث تستهدف إنشاء 40 سدا لتوفير ما يقرب من 7 مليارات متر مكعب سنويا.. وأكد دياب أن الأقمار الصناعية ترصد حالياً إقامة مشروعات مائية في دول حوض النيل دون علم مصر، مضيفا أن مصر تتهاون في التعامل مع بعض المشروعات المائية التي ترى أنها لا تؤثر بالسلب في حصة مصر من مياه النيل، رغبة منها في احتواء دول حوض النيل.
ويشاطر خبير المياه الدكتور ضياء الدين القوصي د. دياب في أن هناك مشكلات حقيقية في مجال المياه بين مصر وإثيوبيا، وحلها مقترن بضرورة التعاون بين دول حوض النيل. وأضاف القوصي، لصحيفة "الدستور"، أن إنشاء هذا السد في إثيوبيا سيؤثر بالسلب في حصة مصر من مياه النيل وقد لا يظهر هذا التأثير هذا العام ولكنه سيظهر العام المقبل، موضحاً أن سد تيكيزي يخزن ما يقرب من 5 مليارات متر مكعب سنوياً، مؤكدا أنه تم إنشاؤه دون موافقة مصر. وكانت أثيوبيا قد افتتحت سد تيكيزي، استغرق بناؤه نحو 7 سنوات، ويبلغ ارتفاعه نحو 188 متراً مما يجعله أعلي سد في أفريقيا، لإنتاج 300 ميجاوات من الطاقة الكهربائية بالقوى المائية كجزء من جهودها للتغلب على نقص الطاقة المُزمن، ولكي تصبح واحدة من الدول المُصدرة للطاقة في أفريقيا. وتم تمويل المشروع من قبل مؤسسة هندسة الطاقة المائية الصينية بتكلفة حوالي 350 مليون دولار.
وتنوي الحكومة إنشاء عدد من السدود الكبرى خلال السنوات العشر القادمة، ونظرا لأن طاقة السد على حجز المياه تبلغ 9 مليارات متر مكعب سيستخدم لإنتاج أكثر من 10 أنواع من الأسماك والتماسيح، بالإضافة إلي ري مايزيد علي 60 ألف هكتار من الأراضي، وقد بدأ السد في حجز أقوى لمياه من نهر تيكيزي، أحد روافد نهر النيل، في شمال إثيوبيا.
وتصاعدت حدة الجدال بين دول حوض النيل بعد أن رفضت مصر الموافقة على توقيع الإطار القانوني والمؤسسي لمبادرة مياه النيل دون وجود بند صريح يحافظ على حقوقها التاريخية في مياه النيل. واشترطت للتوقيع على الإطار القانوني والمؤسسي أن تتضمن الاتفاقية نصاً صريحاً يتضمن عدم المساس بحصة مصر وحقوقها التاريخية في مياه النيل، وأن يتضمن البند الخاص بالإطار المسبق عن أي مشروعات تقوم بها دول أعالي النيل، اتباع إجراءات البنك الدولي في هذا الشأن صراحة وأن يتم إدراج هذه الإجراءات في نص الاتفاقية وليس في الملاحق الخاصة بها. وأشار إلى أن مصر اشترطت أيضا في اجتماع دول حوض النيل بالكونغو أن تكون جميع القرارات الخاصة بتعديل أي من بنود الاتفاقية أو الملاحق بالإجماع وليس بالأغلبية، وفي حالة التمسك بالأغلبية فيجب أن تشمل دولتي المصب (مصر والسودان) لتجنب انقسام دول الحوض ما بين دول المنابع التي تمثل الأغلبية ودولتي المصب اللتين تمثلان الأقلية.
ورغم أن أزمة مياه نهر النيل ليست بالأمر الجديد إلا أنها اتخذت منحى جديدا وبدأت تحدث ضجة كبيرة على خلفية التغيرات البيئية والسكانية من جهة والتغييرات الإستراتيجية والسياسية بسبب دخول جهات أخرى أجنبية في اللعبة. حيث تشير التقارير والدلائل إلى تورّط الجانبين الأمريكي والإسرائيلي في هذه "الحرب الصامتة" من خلال تحريضها للدول التي تنبع منها مياه النيل من خلال تبني شركاتها إقامة مشاريع إنمائية فيها وإقامة السدود بتقديمها مساعدات فنية ومالية ضخمة.
وكان وزير الخارجية الإسرائيلي افيغدور ليبرمان، قد اختار إثيوبيا وكينيا وأوغندا، وغانا ونيجيريا، كمحطات لجولته الإفريقية التي استغرقت 10 أيام اختتمها، الجمعة 11 أيلول- سبتمبر الماضي. وحسب المصادر الإسرائيلية فإن ليبرمان بحث سبل إنشاء مشاريع مياه. وقالت إن الدول التي زارها الوزير تعاني من مشاكل مياه، وإن إسرائيل لها تجربة جيدة، في مجال تحلية المياه، وعرضت خدماتها على مسؤولي تلك الدول.. وإذا واصلت مصر غض الطرف على هذه المشروعات التمويلية الجديدة فإن سياستها ستؤدي إلي فتح الباب على مصراعيه أمام المغامرين والمستثمرين من كل العالم (دولا وشركات) ليجعلوا من أثيوبيا سلاحا يلون به ذراع مصر.
وبدأت بعض دول النيل تعترض علنا على الاتفاقيات التي تعطي مصر النصيب الأكبر من مياه النيل، بحجة أن هذه الاتفاقيات تم إبرامها في ظل الحقبة الاستعمارية لدول الحوض حين كانت إرادتها مقيدة ومغيبة، بل هددت بعض الدول بتنفيذ مشاريع مستقلة على مجرى النهر، في ظل حاجتها لموارد مائية متزايدة، خاصة مع توقعات تقرير مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء في يناير/ كانون الثاني 2009 بارتفاع عدد سكان دول حوض النيل من 387.4 مليون نسمة عام 2007 إلى نحو 654.3 مليون نسمة عام 2030. وتحصل مصر بموجب اتفاقية توزيع مياه النيل التي وقعت عام 1929، على 48 مليار متر مكعب في العام، فيما يحصل السودان على نحو 18.5 مليار متر مكعب، في وقت تطالب فيه دول إفريقية تقع على حوض النيل، بزيادة حصتها الضئيلة من المياه.
بوادر "حرب المياه" بدأت تظهر على السطح بشكل كبير بعد أن اتسعت رقعتها، وتمرّدت دول حوض النيل "الصامتة" كأثيوبيا على البروتوكولات الموقعة بين الدول التي تشترك معها في مياه النيل، وهي مؤشرات نذر بمستقبل قاتم للبشرية أشد خطورة من كل الحروب التي مرت بها، فالماء إكسير الحياة.