ينقد فنجان إبن رشيد في مجلسه !!!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد
[align=right]أحب في القصص ما جاء بفائدة أو أتى بمأثورة .. قصتنا اليوم عن إنسان تحدى أحد رواد مجلس إبن رشيد لإبن رشيد نفسه ( ونقلا عن الراوية محمد الشرهان أن القصة حدثت إبان حكم طلال إبن رشيد الحاكم الثاني لإمارة آل رشيد والتي أنشأها عبدالله الرشيد بمعاونة أخيه عبيد في جبل حائل وإستمرت لمدة 90 عام أنتهت في سنة 1921 بتسليم الأمير محمد بن طلال الحكم لعبدالعزيز آل سعود ).
بطل هذه القصة شخص من بني عنزة .. إسمه " علّوش بن ظويهر " .. كان رحمه الله ذذواقه للقهوة .. خبير بها وبطريقة صنعها وتبهيرها .. يعرف من عشقه لها إذا خالطها أي طعم غريب يكدر صفوها .. وكان ذلك ..
يزور علوش الأمير طلال بن رشيد بين الفترة والأخرى وهو من أصحابه ومن رواد مجلسه في القصر المشهور المسمى " برزان " وفي أحد زياراته وأثناء حضور الأمير في مجلسه نودي على " القهوجي " الخادم ليقدم القهوة .. فإبتدأ بالأمير ثم بالذين على ميمنته حسب التقاليد والأعراف .. وهكذا إستمر القهوجي حتى وصل إلى علوش .. صب له فنجالا ..أخذه علوش ورشف منه رشفة .. لم يعجبه الطعم .. ففهق المسند الذي وراءه وكب الفنجال .. أثناء سكبه للفنجال وإرجاعه للقهوجي .. رآه الأمير فصاح فيه غاضبا بلهجته ( لإن ما فعل علوش يعتبر في أعراف الضيافة إهانة لصاحب المجلس ) :
الأمير : أراك تسف الفنجان يا علّوش ؟؟ ( أي لماذا سكبته )
علوش ( مترددا .. متلعثما ) هااا .. والله مالي نظر بالقهوة اليوم ( أي ليس لدي رغبة بشرب القهوة اليوم )
الأمير : وشلون مالك نظر !! وأنت كل يوم تشرب من قهوتنا ؟؟
أحس علّوش بالورطة .. وعرف أن الصدق منجاة ولا سبيل له من الخروج من هذه الورطة إلا قول الحقيقة .. فقال :
-عطني الأمان يا طويل العمر
الأمير : لك الأمان .. علمني ليش سفيت الفنجان ؟؟
علوش : يا طويل العمر .. قهوتك صايدة !! ( أي أن القهوة أثناء طبخها خالطها طعم كدر صفوها )
إستغرب الأمير لكلام علّوش وإلتفت على الحاضرين يستطلع رايهم .. قائلا :
تطعمتوا شين بالقهوة ؟؟ ( أي بلهجة أهل الشمال : هل تذوقتم شيئا ما بالقهوة ؟ ) .. فأجاب الحاضرون جميعا بالنفي
أحس علّوش بالحرج حيث أصبحت مصداقية كلامه على المحك .. فقال متحديا وهو واثق مما يقول :
- إذا ما بالقهوة شي .. رقبتي لك رهينة .. ( أي أن رقبتي لك إن لم يصدق ماقلت )
أوقف الأمير القهوجي .. وأمر بإحضار دلة القهوة .. الدلة التي يطبخ بها .. وكانت كبيرة .. يرفعها الرجل الشديد القوي بصعوبة .. وأتوا بقدر كبير وضعوا على فمه ليف ( لتصفية سائل القهوة من البن الذي يتجمع باسفل الدلّة ) وسكبوا محتواها .. فإذا البن يتجمع على الليف ما يعادل الكيلوين تقريبا .. قام علّوش بتحريك البن المتجمع بواسطة عود .. وإذا هو يخرج حشرة صغيرة سوداء أكبر من النملة بقليل تسمى " القعسي " قد إحترقت وغدت كأنها ورقة الشاي !!!
فغر الأمير فاه وقال لعلّوش .. معقولة هالقعسي الصغير يترك طعم بالقهوة ؟؟ أجاب علّوش مفاخرا وقد أثبت وجهة نظره قائلا : نعم يا طويل العمر .. القهوة به حموضة.
إنبهر الأمير وإلتفت على كبار خدامه الذي يقف بجانبه .. وقال : ( يقصد علّوش ) كم له بالضيافة عندنا ؟؟ فرد عليه الخادم : له يومين .. فأسرع الأمير وقال له .. خله يقعد لا يروح.
إجتمع الأمير مع جماعته الخاصة ليرى كيف يمكن أن يثبت عجز علّش عن إكتشاف أي طعم غريب ممكن أن يضاف إلى القهوة ظناً منه أن علّوش قد إكتشف تغير الطعم في قهوته بالصدفه فأشار عليه الحاضرين بأن يضيف إضافات عديدة منها ( نبات أو ثمرة العرفج ، نبات النينخا .. إلخ )
قام الأمير بإتباع رأيهم فكان في كل مرة يضيف شيئا مما إقترحوا .. ويبهر القهوجي القهوة بعدها ويصب .. وعندما يصل الفنجال لعلّوش كان يجيب عندما يسأله الأمير : هاااااه يا علّوش وشلون قهوتنا .. به طعم شين اليوم ؟؟ فيرد علّش بثقة متناهية .. نعم يا طويل العمر .. به طعم عرفجة أو نينخا !!
إقترح أحد خاصة الأمير .. وقد قدم حديثا من الحجاز ومعه مسواك حديث بأن يخلط كسرة من قشر المسواك ( الراك ) ويضيفه للهيل .. وكان ذلك .. وقدم الفنجال لعلّوش .. فقال بعد رشفه والتمعن بالطعم : به طعم راك !!!
آخر ما إهتدى له الأمير .. أن يأمر بإضافة فنجالا من البن المحروق وآخر من البن النيء الأخضر الغير محموس للقهوة قبل طبخها .. وتطبخ وتبهر .. فكان ذلك .. وقدم الفنجال لعلّوش فقال منتقدا القهوة : به طعم نيات وبه طعم حرق ( بلهجة أهل الشمال به طعم بن نيء وبن محروق ) !!!!!!!
عندها أدرك الأمير وإقتنع بمعرفة علّوش بن ظويهر وخبرته بالقهوة وتمييز ما قد يخالطها من طعم غريب .. فقال له مكرما له :
إسمع يا علّوش .. كل ما يصير القمر مثل الباكورة .. وجهك وأشوفه وكل ما يلزمك من قهوة ومعاميل لقهوتك علي .
كان ممن حضروا هذه القصة شاعر إسمه محمد أبا الروس الذويبي من قبيلة حرب ، خلد هذه الرواية بالأبيات التالية :
تستاهل الكيف الحمر يا بن وايل ... أنت الذي تستاهـل الكيف كله
يللي نقدته ...وسط ديوان حايل ... لولاك يا علوش محدن فطن له
بدلال من يجعد صغا كل عايل ... الضيغمي .. ريف اليدين المقلة
الضيغمي مردا المهار الأصايل ... يا ما أنقطع في ساقته من سجله
يا بن ظويهر ما بها قول قايل ... تستاهل الفنجان ... لا جا محله
يا ناقـد الدلال .. بحكم الدلايل ... يا ريف هجنن ..والمزاهب مقلة
ربعك بني وايــل مجاز القبـايل ... أهل الجموع الراسية ... والمظلة
زبن الدخيل اللي توطاه طايل ... الجمع دونه .. والرمك مردف له
معاني بعض الكلمات التي وردت بالقصيدة :
الكيف الحمر : القهوة يميل لونها للإحمرار بعد طبخها وإضافة البهار لها.
بن وايل : نسبة إلى أصل قبيلة عنزة ربيعة بن وائل.
يجعد صغا : يردع ويؤدب.
الضيغمي : الضياغم بمعنى الأسود لقب إطلق على آل رشيد ومفرده الضيغمي.
ريف اليدين المقلة : أي مكرم ومعطي ذوي العازة الفقراء.
أهل الجموع الراسية : إشارة لكثرة عدد بني وايل ( قبيلة عنزة ).
زبن الدخيل : مجيرو وحماة الدخيل الذي يلجأ إليهم هاربا.
الرمك : الخيل ويقصد بالكلمة الخيل التي تطارد اللآجيء.
أرجوا أن أكون قد وفقت في نقل الرواية كما سمعتها من الراوية المشهور محمد بن علي الشرهان ( أبوخالد ) وأن أكون قد قدمت شيئا يستفيد منه القاريء .. تقبلوا جميعا تحياتي وإلى لقاء آخر في قصة ومواعظ أخرى[/align]
رد مع اقتباس
مواقع النشر