رأيتك تنتقلين من حبيب لحبيب، في الموجة الأولى من شبابك، قبل أن تتكسر على صخرة وجودي. وأراك تتنقلين كالفراشة بين الكتب والجمعيات والنوادي الثقافية، وتقعين في هوى مي زيادة. إني أراك وأرى مي، والزمان يعبث بجمالها وعقلها المنير.
أراك تقرئين في علم النفس، وتكتبين عن أتاتورك، ومارتن لوثر كنج، وتتحدثين في قصصك الأولى عن زهور بيضاء، وشموع بيضاء.
وفي زفافنا كانت الشموع البيض، والزهور البيض، ولكن لم يحضر أحد!
كان هناك كثيرون، ولكني كنت وحدي. معك.
وها أنا أراك الآن بجانبي، كلما تقدمت في العمر سنة زدت طفولة وبراءة.
تصدقين حكاياي عن طفولتك. وكيف كنت أراك طوال الوقت. ولم يكن أحد يصدقني من قبل. الجميع كانوا يعرفون أني أخدعهم، وأنني مؤلف لا أكثر، أعوض بالخيال فقر الواقع.
ولذلك سوف أحكي لك وحدك. وسوف تصدقينني ككل مرة، أليس كذلك؟
لنجرب:
كان يا مكان.. بنت اسمها اسمك. وجسمها جسمك. ثغرها بسام. وسحرها فتان. كان يا ما كان أنها كانت تطعم كل الكائنات: الأسد والنعامة واليمامة، الكلب والقطة والعصفورة، الذئب والحمامة والأرنب، الجمل والحمل. ومن كثرة ما أطعمت وسقت سموها «أم الكائنات». [في الحقيقة هذا اسم أطلقته عليها إحدى زميلاتها في العمل، ولكن لا بأس].
وفي عيد ميلاد «أم الكائنات»، وكان عيدها السابع، اجتمعت مخلوقات الله، الوديعة والشرسة؛ لكي تقول لها «كل سنة وأنت طيبة يا مامتنا»، وتقدم لها هدية عجيبة. قالوا لها:
«لم نعرف ياماما -ونحن حيوانات مسكينة- ماذا نقدم لك على سبيل الهدية، فاقترح أذكانا أن يكون اجتماعنا –الصائد التقليدي وفريسته- دون أن يلتهم الأسد الغزالة، والنمر الوعل، والصقر الحمامة، أن يكون هذا السلام العجيب هو هديتنا لك في يوم عيدك. يوم واحد من السلام في عمر الكرة الأرضية».
ما كدت تبتسمين يا حبيبتي لهؤلاء، حتى انسابت في الشاشة الأنباء: عاجل.. عاجل.. عاجل.. وطرقع الرصاص وابتل الأسفلت.
آسف يا حبيبتي، نهاية حكايتي –حكايتك- حزينة. لقد عكرت عليك عيد ميلادك.
ولكن –على سبيل التعويض- سأحكي لك حدوتة أخرى:
حين كنت أنا في العاشرة، كنت أنت في الخامسة، وكنت تحت بيتكم تشترين خبزًا للعشاء. وكنت أنا في الفرن للسبب نفسه. حين رأيتك أدركت أني سأكون زوجك بعد عشرين عامًا، وبلغت بي الدقة أن حددت يوم الخطوبة، ويوم كتب الكتاب، وليلة الزفاف. وكل شيء تم بالدقيقة والثانية كما حددت.
تسألينني كيف عرفت؟ لأني نظرت في عينيك الصافيتين، كان كل شيء فيهما واضحًا.
مواقع النشر