الفصل الثاني
""ليس لدي عمر اعيشه من دونك""
في مكان اخر في المدينه...
في احد الاحياء الراقيه...
عجوز تحاول وضع الكثير من اكياس التسوق في سيارتها...
وجسدها المستهلك لم يعد يساعدها...
جاءها طفل صغير يذوب القلب من جماله...
وقالها برقه خالطتها ابتسامه...
_"سيدتي الرقيقه...هل تسمحين لي بمساعدتك على نقل هذه الاكياس الى سيارتك"
_"لو كان لدي ابن حنون مثلك..لما خرجت وحدي الى السوق..."
_"لا بأس ياسيدتي"
ثم بدأ الطفل بنقل الاكياس الى السياره ...
وعندما انتهى حضن العجوز...وهي تقبله بعينيها من اعجابها به....
_"كم هو لطف منك يا بني...ارجوك خذ هذه العشرين ورقه كهديه...سيدة عجوز مثلي ليس لديها ما تقدمه لملاك جميل مثلك"
رفض الطفل اخذ النقود ولكن العجوز اصرت علي حتى أخذها...
عاد الطفل الى منزله...فوجد والده مستلق على فراشه ...
نظر اليه الوالد بوحشيه وقال له:
_"لماذا عدت مبكرا...مالذي احضرته معك؟؟"
جاءت الام على صوت الصراخ...وحضنت ابنها ...
_" امي ...ابي...انظروا ماذا احضرت..."
نظر الوالدين الى يدي الصغير
و اذا بهما اسوارة ذهبيه و عشرين ورقه...
برقت عيني الوالد الجشع فرحا بما جاء به الصغير...
فدروس النصب و النشل لم تذهب هباءا
امسك الوالد بكتف الصغير الذي كان سعيدا بإنجازه...و قام بجره نحو الباب...
_" اذهب و احضر المزيد...مازال الوقت مبكرا جدا"
_" ولكني جائع يا أبي..جائع جدا"
_" ليس لدينا طعام , اذهب و احضر طعاما لنا ولك"
وقفت (سنا) تنظر الى ( حمدي)...وهو يضرب (يامن)...
و يطرده...ويطلب منه احضار الطعام له...
ينظر (يامن) الى الام الوحيدة التي عرفها ...
ولكنه يعلم انه ليس بيدها حيله...
فهي لاتستطيع كف بطش زوجها عن نفسها او عنه..
.
خرج يامن بائسا...يجول بنظره بحثا عن فريسة او طعام...
و اذا برائحة الخبز الساخن تشج انفه و تزيد من جوعه اللذي وصل حده...
دخل الى المخبز...ينظر يمنة و يسره الى انواع الخبز والكعك...
لم يجد اي وسيلة للحصول على بعض الخبز سوى ان يتوسل الى الخباز ان يعطيه رغيفا...
له و لأمه البائسه...
وبينما هو هائم يفكر في طريقة لأخذ رغيف من الخبز...
وقعت عيناه على شاب كان قد وضع للتو بعض النقود الورقية في جيبه الخلفي...
و كانت اطرافها خارجه جيبه...
شعر يامن ان سرقتها ستكون سهلة جدا عليه...ولن يلاحظ احد...
اقترب يامن من الشاب بهدوء...
وقف خلفه و جعل ينظر الى رفوف الخبز و الى الزبائن...
وعندما شعر انها اللحظة المناسبه مد يده بخفة وامسك بالنقود
و بينما كان يسحبها ....
امسك الشاب بيد يامن...
وهي في جيبه...نظر كلاهما للآخر...
تملك يامن خوف رهيب...لقد انتهى امره...
شعر يامن ان الزمان قد تجمد...ماذا الان...شرطه...سجن...!!!!
اخرج الشاب يد يامن من جيبه بهدوء عجيب...
و تركها...لم يحرك يامن ساكنا...
بقي متجمدا مكانه...نظر اليه الشاب مطولا...وقال له:
_" لماذا لم تطلب بعض النقود ان كنت تريدها؟؟"
_" لم اقصد ان اسرق...كنت اريد ثمن رغيف واحد...ارجوك ارجوك...سامحني لن اكررها ابدا ..."
_" يا صغير...لن افعل لك اي شئ..."
ثم قام الشاب بشراء الخبز ليامن ...
و اعطاه له...شعر يامن انه محظوظ جدا لان الرجل لم يتصل بالشرطه...
نظر اليه و قال:
_" شكرا جزيلا لك يا سيدي"
_" بني...ان كنت متشردا و تريد مأوى ...فأنا اعيش وحدي في الجوار...ما رأيك ان تعيش معي..."
_" لا يا سيدي...انا...انا...لدي مأوى و عائله...و..."
_" صدقني سأجعلك تعيش حياة جميلة كالاحلام...سأمنحك كل شئ..."
نظر اليه يامن و غادر مسرعا و خائفا و هو يردد لنفسه
"لدي عائله...لدي مأوى...لست متشردا" ...
عاد يامن الى البيت جائعا ينتظر ان يأكل بعض الخبز مع والدته...
وعندما اقترب من الباب الرث...
سمع صوت أنين امه ...حاول فتح الباب ليدخل ولكنه كان مغلقا...
ثم اتجه الى النافذه...نظر...فإذا بإمه ملقاة على الارض ...
مغطاة بالدماء...
صرخ يامن بدون وعي " امي امي"...
ثم دخل من النافذة ...اتجه الى امه...
فإذا هي مصابة بعيار ناري...ثم سمع صوت والده يصرخ...
_" اين هي ؟؟ اين وضعتها ؟ هل كنت تنوين سرقتها!!!"
ثم اتجه نحو يامن و امسك بعنقه و هو يصرخ:
_" اين ذهبت بالسوار الذهبي؟؟ من اين جئت بكل هذا الخبز النظيف؟ هل بعتها؟"
لم يستطع يامن الكلام...فقد كان والده يمسك بعنقه بشده...
بقي يامن يحاول افلات عنقه...حتى تركه...
_" لم اسرق اي شئ يا ابي...لقد اعطيتها لك و غادرت...و امي لم تسرق ايضا...لا يمكن لها ان تسرق"
حاول يامن ان يبعد ذاك الجشع عن والدته بكل قوه...
و يتوسل اليه ان يتركها...
نظر يامن الى والدته فشعر انها تلفظ انفاسها الاخيره...
و الوالد السكير المدمن...يأبى ان يتركها...
وقعت انظار يامن على السوار الذي كان قد سقط من جيب والده...
ابتعد عنهما ليحضر السوار...وقال لوالده
_"ها هو...قلت لك امي لم تسرقه...يبدو انه وقع من جيبك"
ولكن حمدي الذي كان فاقدا للعقل من كثرة الشرب...
ابى ان يتركها حتى تعب...
تركها و كأنه انتهى من نشوة القتل...
اركى رأسه في احدى زوايا الغرفه و صمت...
نظر اليه يامن و تقدم نحوه...وضع السوار بيده...
و ذهب الى امه...
حضنها و ابعد شعرها الناعم عن جبينها ...
قبل تلك الجبهة التي تعذبت كثيرا وماتت الف مره كي يحيى هو...
نظر الى جسدها الهزيل المنهك الذي ذاق شتى انواع العذاب...
لا يوجد في جسدها شبر سلم من ضربات ذاك المفترس...
لم يمر يوم بدون الم...
بدون جوع...
بدون ذل...
ناداها مرة اخيره علها لم تمت بعد...
_" امي...امي...ارجوكي يا امي...
ارجوكي عودي الى الحياة من اجلى كما كنت تفعلين كل يوم...
انت قوية جدا ...
تستطيعين النجاة دائما...
ليس لدي عمر لأعيشه من دونك يا امي...
انت فقط من كنت اعيش لأجله...لا استطيع العيش بدونك....امي...."
و لكن (سنا) لم تحرك ساكنا...
غادرته الى الابد...
تركته ليصارع الحياة وحده...
اتم اربعة عشره خريفا من عمره امام عينيها...
وهاهي قد اغمضت للابد...
نظر يامن الى والده...كان ساكنا هو الاخر...
لكنه صرخ بوجه يامن متغاضيا عن كل ماحدث...
_" ابتعد عنها لقد ماتت تلك الساقطه...لقد استحقت كل ماحدث لها..."
ثم قام حمدي باخراج بعض حبوب المخدر من جيبه...
و بينما هو منهمك بابتلاعها سحب يامن مسدسه الذي كان ملقى على الارض بجانبه...وقال له:
_" هل قتلت امي بهذا المسدس؟ ! "
نظر اليه حمدي باستهزاء و استخفاف...
_" نعم , فلتقتلني به...
انا ...لست خائفا من الموت ولامن اي شئ...
هيا افعل...تلك المراءة ماتت وهي تدافع عنك...
فهل ستكون غبيا مثلها...ان لم تقتلني..
ساقتلك حالما امسك بالمسدس...
أ ليس من المضحك أن يكون اول شخص تقتله
هو من علمك استخدام هذا الشئ"
يامن اللذي شاخ قلبه مبكرا...
وعاش عمرا مؤلما صعبا...
اغلق عينيه وهو يبكي بحرقه...
يشم رائحة دماء امه و يبكي...بكاء مريرا...
القى بالمسدس جانبا...
فهو ليس ذو قلب حجري حتى يسلب شخصا روحه...
ولكن الوالد المدمن كان قد زاد جرعة المخدر كثيرا...
بدأ بالصراخ من شدة الالم...يستنجد بيامن...
_" ارجوك ساعدني, اشعر بانني اموت...لا استطيع التنفس..."
لم يحرك يامن ساكنا, اكتفى بالنظر اليه والبكاء...
رمى جسده الضخم على ارضية الغرفة الاسمنتيه...
شهق...شهق...ثم سكن...
سكن الى الابد...ماذا الان؟؟
للحكاية تتمه/ بقلمي
منارة السَنه
مواقع النشر