الدرس الرابع من شرح اذكار الصباح والمساء سورة الناس
بسم الله الرحمن الرحيم
{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} [سورة الناس].
تفسير الشيخ محمد بن صالح العثيمين
{قل أعوذ برب الناس} وهو الله عز وجل، وهو رب الناس وغيرهم، رب الناس، ورب الملائكة، ورب الجن، ورب السموات، ورب الأرض، ورب الشمس، ورب القمر، ورب كل شيء، لكن للمناسبة خص الناس.
{ملك الناس} أي الملك الذي له السلطة العليا في الناس، والتصرف الكامل هو الله عز وجل.
{إله الناس} أي مألوههم ومعبودهم، فالمعبود حقًّا الذي تألهه القلوب وتحبه وتعظمه هو الله عز وجل.
{من شر الوسواس الخناس. الذي يوسوس في صدور الناس. من الجنة والناس} {الوسواس} قال العلماء: إنها مصدر يراد به اسم الفاعل أي: الموسوس.
والوسوسة هي: ما يلقى في القلب من الأفكار والأوهام والتخيلات التي لا حقيقة لها.
{الخناس} الذي يخنس وينهزم ويولي ويدبر عند ذكر الله عز وجل وهو الشيطان.
ولهذا إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان له ضراط حتى لا يسمع التأذين، فإذا قضي النداء أقبل حتى إذا ثوب للصلاة أدبر، حتى إذا قضي التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه، يقول: اذكر كذا، اذكر كذا، لما لم يكن يذكر حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى(208).
ولهذا جاء في الأثر: «إذا تغولت الغيلان فبادروا بالأذان»(209)
والغيلان هي الشياطين التي تتخيل للمسافر في سفره وكأنها أشياء مهولة، أو عدو أو ما أشبه ذلك فإذا كبر الإنسان انصرفت.
وقوله: {من الجنة والناس} أي أن الوساوس تكون من الجن، وتكون من بني آدم، أما وسوسة الجن فظاهر لأنه يجري من ابن آدم مجرى الدم، وأما وسوسة بني آدم فما أكثر الذين يأتون إلى الإنسان يوحون إليه بالشر، ويزينونه في قلبه حتى يأخذ هذا الكلام بلبه وينصرف إليه.
هذه السور الثلاث: الإخلاص، والفلق، والناس كان النبي صلى الله عليه وسلّم إذا أوى إلى فراشه نفث في كفه ومسح بذلك وجهه، وما استطاع من بدنه(260)
وربما قرأها خلف الصلوات الخمس(261).
فينبغي للإنسان أن يتحرى السنة في تلاوتها في مواضعها كما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وبهذا نختم آخر جزء من القرآن وهو جزء النبأ. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(208) أخرجه البخاري كتاب الأذان ، باب فضل التأذين (608) ومسلم كتاب الصلاة باب فضل الأذان وهروب الشيطان عند سماعه (385) (83) .
(209) أخرجه الإمام أحمد في المسند (14277) .
(260) أخرجه البخاري كتاب فضائل القرآن باب فضل المعوذات (5017) .
(261) أخرجه أبو داؤود كتاب الوتر باب في الاستغفار (1523) والنسائي كتاب السهو باب الأمر بقراءة المعوذات بعد التسليم من الصلاة (1337) والحاكم (1/253) وصححه على شرط مسلم .
سورة الناس بصوت الشيخ مشارى العفاسى
http://cleanutube.com/play-1eRTJT0mbKg
فضل المعوذتين
سورة الفلق نزلت هي وسورة الناس معاً، واصطلح أهل التفسير وعلماء القرآن على تسميتهما بالمعوذتين، وقد وردت أحاديث في فضلهما معاً، ومن ذلك: ما رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: (ألم تر آيات أنزلت الليلة لم ير مثلهن قط ؟ قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس).
الراوي: عقبة بن عامر المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 814
خلاصة حكم المحدث: صحيح
وروى الإمام أحمد من حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال: بينا أنا أقود برسول الله صلى الله عليه وسلم في نقب من تلك النقاب إذ قال لي: يا عقبة ! ألا تركب؟ قال: فأجللت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أركب مركبه، ثم قال: يا عقيب ! ألا تركب؟ قال: فأشفقت أن تكون معصية، قال: فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وركبت هنية، ثم ركب، ثم قال: يا عقيب ! ألا أعلمك سورتين من خير سورتين قرأ بهما الناس؟
قال: قلت: بلى يا رسول الله! قال: فأقرأني (قل أعوذ برب الفلق)، و(قل أعوذ برب الناس)، ثم أقيمت الصلاة، فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ بهما، ثم مر بي، قال: كيف رأيت يا عقيب ؟! اقرأ بهما كلما نمت، وكلما قمت).
الراوي: عقبة بن عامر المحدث: الألباني- المصدر: صحيح النسائي - الصفحة أو الرقم: 5452
خلاصة حكم المحدث: إسناده حسن
وروى الإمام البخاري عن أمنا عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى نفث على نفسه بالمعوذات ومسح بيده، فلما اشتكى وجعه الذي توفي فيه، طفقت أنفث على نفسه بالمعوذات التي كان ينفث، وأمسح بيد النبي صلى الله عليه وسلم عنه) لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بلغ به الوجع والمرض أنه لا يستطيع أن يحرك يديه، فكانت أمنا عائشة رضي الله عنها هي التي تقرأ، وهي التي تنفث، ولكن من أدبها أنها لم تكن تمسح بيديها، وإنما كانت تأخذ يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فتمسح بهما؛ لأنها تعلم أنه لا أبرك ولا أفضل ولا أكرم منهما.
فإن سورتا المعوذتين من أفضل سور القرآن الكريم، فقد روى مسلم في صحيحه عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: ألم تر آيات أنزلت الليلة لم ير مثلهن قط : قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس. وفي رواية لغيره : تعوذ بهما فما تعوذ متعوذ بمثلهما، وسمعته يؤمنا بهما في الصلاة .
وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى قرأ على نفسه بالمعوذتين ... الحديث.
قال أهل التفسير: في السورتين تعليم للعباد أن يلتجئوا إلى الله تعالى ويحتموا به ويستعيذوا بجلاله وعظيم سلطانه من شر مخلوقاته.
ففي سورة الفلق يأمر الله عزوجل نبيه صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة بالله رب الفلق وهو ما انفلق من كل شيء عن أي شيء كما قال تعالى :( فَالِقُ الْإِصْبَاحِ) {الأنعام:96}
وقال تعالى:( إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى) {الأنعام:95}
من شر كل ذي شر من مخلوقاته، ومن شرالليل إذا أظلم لما يصيب النفوس فيه من الوحشة ولما ينتشر فيه من الأشرار والفجار، ومن شر كل ساحر ينفث سحره في عقده ليضر به غيره، ومن كل شر حاسد يتمنى زوال النعمة عن غيره فيصيبه بعينه الحاسدة ونفسه الخبيثة، والسورة تثبت حقيقة العين والحسد والسحر وضررها .
وفي سورة الناس يأمر بالالتجاء والاحتماء والاستجارة بالله تعالى رب الأرباب ومالك الملك وخالق الناس من شر أعدى الأعداء إبليس العدو الأول للإنسان، والذي يخنس ويختفي عند ذكر الله تعالى، ويوسوس في صدر العبد إذا غفل عن ذكرربه، ومن شر أعوانه وأتباعه من شياطين الإنس والجن الذين يزينون للناس الشر ويقبحون لهم الخير ويغوونهم بأنواع الإغواء والضلال.
مواقع النشر