غزوة بـــدر
إنّ نجاحَ غزوة بدر كان بِفضلِ التخطيط و التطبيق المُحكَمَين ، و قد حدثت هذه الغزوة بعد سَماعِ الرسول بأنّ قريش قد أخرجت ألف بعير كقافلة أكلت و آخذت فيها أموال الناس ، فخرج الرسول و معه مائة و ثلاثة عشر مُسلم بفرسين و سبعين بعير كل ثلاثةٍ من المسلمين يتبادلون على بعير واحد ، أمّا النبّي فكان يتبادل بعيره مع علّي و مَرفَد ، فاتفقا الاثنان على أن يَركَب النبّي مائة و خمسون كمعِوضَهُما ، فغضب و قال لهما لا والله لا أنتما أقدر مني و لن أترك ثوابي لكما .
ووقتها كانت قريش لاتَزالُ غافلة عن الأمر ، و في تلك الأياّم رأت السيّدة عاتكةعمة النبّيرؤيا أنّه خرج من مكة رجلٌ يقول يا آل غدر مَصرعُكم في ثلاثة أياموهو ينتقل من جبل إلى جبل ، فحكت عاتكة رؤيتها لأخيها العباس ، فقال لها إياك أن تخبري بها أحد وكان لا يزال وقتها على كُفره إلاّ أنّه أخبر الوليدبرؤيةِ عاتكةوأوصاه أن لا يخبر أحدا و لكن الوليد أخبر رجلا آخر و هكذا أخذ الخبر ينتقل إلى أن سمع به أبا جهل وكل أهل مكة ، فقال أبو جهل إن لم تظهر هذه الرؤيا خلال ثلاثة أيامسنُعلِّقٌ كتابًا على باب الكعبة و نقول فيه أنّ آل عبد المطلبأكذب العرب ، فسمع أبو سفيانبالخبر فاخذ القافلة وخرج و أرسل ضمضمليتعقب الأمر وقد قال لهم و هو بالكعبة أنّ الرسول أخذ قَوافِلهم ، فخرجتسع مائة و خمسون رجلابمائتي فرس ، فنزل جبريل على النبّي و أخبره بأنّ قريش قد استعدت لغزوتهم، فجمع النبّي الصحابة و طلب مَشُورَتَهُم، فنهض أبو بكرو قال امضي يا رسول الله فنحن معك ، فأعاد النبّي عليهم السؤال فقام عمر بن الخطابو قال له نفسَ الكلام ، ثم أعاد النبّي السؤال فقال المقداء لو خُضتَ البحر لخُضناهُ معك و إن قال قوم موسى لموسى اذهب و قاتل أنت و ربّك فنقول لك نحن معك نُقاتل من تُقاتل ، فقام كل أهل مكة ، إلا أنّ الرسول كان ينتظر وقتها نُهوضَ أنصاري فإذ بسعد بن مُعاذينهض و يقول خُذ من أموالنا ما شئت و سالم من شئت و عادِ من شئت فوا الله لن تَجدنَا إلا صابرين ، فقال الرسول أبشروا فإناللهوَعَدني إحدى الطائفتين من النصر أو العير ، و وقتها قبض علّي و الزبيرعلى رجلٍ من سُقاةِ عِيَرِ قريشفقالا له أ أنت ساقيقريش ؟ فقال نعم ، فقالوا له لا أنت ساقي عير أبي سفيان ، فقال لا ، فقالوا له بلى ، فسمعهم الرسول فقال لهم إن صَدَقَكُم كذبتموه و إن كَذبكُم صَدقتُمُوه ، فقال الرجل أنا ساقي عِيَرْ قريش ، فسألوه و قالوا أهم كثيرون ؟ فقال نعم ، فقالوا و من فيهم ؟ ، فقال فيهم أبا الحكم ، شيبا بن الربيعة ، أبا عتبة وغيرهم كثير من أسياد قريش ، فقال الرسول هذه قريش قد رَمَت بفَلدَاتِ أكبادها إليكم ، فكبَّرَ المسلمون .
ثم أتىالحبّاب إلى النبّي و قال له يا رسول الله أهذا مُنزَلٌ أم هذه حَرب و مَكيدة ؟ ! فلما لا نَردُم الآبار كلها و نترك واحد فقط نشرب منه نحن؟ ، ففعلوا ذلك ، ثم أنام الله الجيش لكي يأمنوا و أنزل عليهم الماء ليتوضؤا .
و من ثم استعمل النبّي خُطَّةً جديدة و هي الوُقوف وٍفق صفٍ واحد ليضربوهم بالنِبال ثم يتراجعوا ، يضربوهم بالنبال مُجددًا ثم يتراجعوا حتى يُنزلوا بذلك من مَعنَويَاتِهم فيهاجمُوهم دفعة واحدة .
و هكذا بدأ الاستعداد للمعركة ووقتها أتى رجل اسمه سواد و أخذ يُكثِرُ الحِراك فكفَّه النبّي عن فِعلِ ذلك إلا أن الرجلَ واصل في حركته فغضب منه النبّي ووخزه بغُمدِه في بطنه ، فقال له الرجل أتفعل ذلك يا رسول الله !، فقال له النبّي هاكَ بطني و اقتص منه ، فانهال الرجل على بطنِ النبّي يُقبِّلُه بكلِّ تَفاخُرٍ و هو يقول لقد كنت أتمنى أن يُلامسَ جسمي جسمك ثم أموت بعدها .
و بعدها استُقِيمَت الصُفُوف و قبل المُباشَرة بالقتال استشهد الحارثبنَبلٍ لم يُعرف مَصدرُه فسمعت أمّه بمَصرَعِ ابنها فجرت إلى النبّي و قالت له يا رسول الله هل أهَلِّلْ لِمَقتل الحارث أم أبكيه فلست أدري إن كان شهيدا و تنتظره الجنّة أم لا ؟ فقال لها الرسول هَلِلِي فهو لا تنتظره جنّة و إنما جِنَان و هو بها الآن .
ثم بدأت المُواجهة فخرج عمّ الرسول حمزةو ابني عميه ، فقُتِل ابن عمّه فأخذه الرسول ووضعه على فخذيه فسأل النبّي و قال له أ أنت راضٍ عني يا رسول الله ؟ فقال الرسول أشْهِدُ الله أني راض عنك .
ووقتها غفى النبّي غَفوةً رأى فيها ألفُ من الملائكةمُدعَّمِين بأحصنتهم و هم يشاركون بالمعركة مع 113 مسلممُتفاوتة أعمارهم ، من بينهم مُعاذ و مُعيذعُمرهما أربعة عشرو خمسة عشرة سنةدخلا المعركة و في نِيَّتهم قتلُ أبي جهل، فطلبا من أحد الصحابة أن يَدلّهما عليه فاستضغرهما الصحابي في باديء الأمر و لكن بإلحاحهما عليه أشار على أبي جهل ، فانطلقا الأخوان إليه و هما مُتفقان على أن يضرب مُعيذ قوائم الحصان و أن يقتل مُعاذ أبا جهل ، ففعلا ذلك و نجحا في قتل أبي جهل فهللا و سارعا إلى النبّي ليُبشِّرانِه فتبعهما عكرمة و ضرب مُعاذ بسيفه فقطع له كتفه ، فلم يهتم معاذ لكتِفِه المَقطوعة و أخذ يُسابق أخاه معيذ للقاء النبّيإلاّ أنّ كَتِفه أبطأته فوضعها تحت رجليه و نزعها ثم واصل مع أخيه لمُلاقاةِ النبّي و هما يُردِّدان لقد قتلنا من سبَكَ يا رسول الله .
و هكذا انتهت المعركة بنُصرَةِ الإسلام و المسلمين و بهَزيمةِ الكُفاّر و المُشركين أمام جيشٍ صغيرٍ جدا قائدهُ اللـه .
مواقع النشر