لا تتتردد في الدخول للتعرف على نبيك و شفيعك محمد - الصفحة 5
صفحة 5 من 10 الأولىالأولى ... 2345678 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 17 إلى 20 من 37

الموضوع: لا تتتردد في الدخول للتعرف على نبيك و شفيعك محمد

  1. #17
    عضوة جديدة
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    35
    معدل تقييم المستوى
    12
    دخـــول المدينــــة

    لقد أضاءت المدينة و أنارت أرجاَؤُها بقُدوم النُور الساطع على البشريّة جمعاء نُورُ محمـد ، فبعد مُرورِ أربعةَ عشر يومًا من خُروجه من مكة وصل أخيرا إلى المدينة و هَلّت بوصوله أفراحها و سُرَّ أهلها ، أهلها الذين تَرقبُوا وُصوله على أحرِّ من الجمر ، فلم يبرحوا أماكنهم بالحارة من قُبيل الضحى إلى الظهيرة و ذلك لمدّة خمسة عشر يومًا إلى أن حَلَّ اليوم المشهود ، اليوم الذي اجتمع فيه النبّي بالأنصار و جمع بينهم و بين المُهاجرين فأصبحوا كُتلةً واحدة مَبدؤهم الإسلام و يعلوهُم حبُّ الله ورسوله ، الرسول الذي تجاوز كلّ أخطارَ السفر ووصل سالمًا إلى المدينة المنورة أخيرا مع صاحبه أبي بكر الصديقو دليلهُما أُريقد بصُحبة الزُبير بن العوامالذي مافتئ أن رآهم إلاّ أن سارع إليهم كما سارع كل أهل المدينة عندما لمحوا خُطواته حتى و إن كانت من بعيد ، فقد كان أحداليهودعلى نخلةٍ يترقب مثله مثل باقي أهل المدينة وصول النبّي و عندما رآه صاح بأهل المدينة يُنادي يا معاشر العرب هذا جدّكم نَصيبكم الذي كنتم تنتظرون قد جاء المدينة ، فارتجّت المدينة بالتكبير و التهليل و فُتِحت الأبواب و انطلق الناس لاستقباله و اختلطت الابتسَامات بالدُموع فَرحةً بوصول خير خلق الله إلى المدينة ، المدينة التي أصبح يومها هذا أعظم يومٍ مرَّ بها لدخول النبّي عليها .
    و يقول أنس بن مالكفي ذلك دخل النبّي المدينة يوم الاثنين فأضاء فيها كل شيء و خرج منها يوم الاثنين فأظلم فيها كل شيء، كيف لا وقد تقدّست و ذُكرت لهِجرة النبّي إليها و لو غير ذلك ما كانت لتُذكَر ، فبصول النبّي تعالت الأصوات تُنشدُ
    طلع البدر علينا من ثنيّات الوداع وجب الشكر علينا ما دعى لله داع
    أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع جئت شرفت المدينة مرحباً يا خير داع
    طلع النور المبين نور خير المرسلين نور أمن وسلام نور حق ويقين
    ساقه الله تعالى رحمة للعالمين فعلى البر شعاع وعلى البحر شعاع
    مرسل بالحق جاء نطقه وحي السماء قوله قول فصيح يتحدى البلغاء
    فيه للجسم شفاء فيه للروح دواء أيها الهادي سلاماً ما وعى القرآن واع
    جاءنا الهادي البشير مطرق العاني الأسير مرشد الساعي إذا ما أخطأ الساعي المسير
    دينه حق صُراح دينه ملك كبير هو في الدنيا نعيم وهو في الأخرى متاع
    هات هدي الله هات يا نبي المعجزات ليس للات مكان ليس للعزى ثبات
    وحّد الله ووحد شملنا بعد الشتات أنت ألفت قلوباً شفها طول الصراع
    طلع البدر علينا من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا ما دعى لله داع
    أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع جئت شرفت المدينة مرحباً يا خير داع

    و لحقًا إنّه أعظم تشريف ليثرب في أن تُصبحَ مدينة الرسول و مُنطلَقَ رِسالته في نشر الإسلام.
    فيومها كلّ أهل المدينة تمنوا و أرادوا استقبال النبّي في بُيوتهم و تعلَّقوا بناقته غير أنّ النبّي لم يُرد أن يُفضل بيتًا عن الآخر فقال لهم خَلُّوا سبيلَ الناقة فإنّها مأمورة و أين تبركُ سيسكن النبّي ، و كان ذلك فِعلاً و بركت الناقة أمام دِيار بني النجّار أخوال والد النبّي الذين زارهم و هو في السادسة من عُمره ، فشاءت الأقدار أن يكون مَوضع بُرُوك الناقةمَوضع بيت أخوال آبيه ، و بعدها نادى الرسول بالناس و قال لهم يا معشر المُهاجرين و الأنصار أفشوا السلام بينكم و أطعِموا الطعام و صِلوا الأرحام و صَلُّوا بالليل و الناس نِيام تدخلوا الجنّة بسلام .

    ثم أخذ أبو أيوب الأنصاري متَاعَ النبّي ليستقبله عنده في بيته ، فدخل النبّي البيت المُتكوّن من دورين فقال له أبو أيوب يا رسول الله أنت تسكن فوقي لأننّا لا نرضى أن تكون أقدامنا فوقك ، فردّ عليه النبّي و قال له يا أبا أيوب أنا رجلٌ تأتيه الناس و إنّ لك زوجة فلا أريد أن أزعجك ، فاقتنع أبو أيّوب برأي النبّي و اتفق معه على أن يسكن و زوجته في الأعلى و النبّي في الأسفل ، غير أنّ زوجة أبا أيوب لم تكن ترضى أن تُصدرَ صوتًا في البيت حتى لا تُزعج به النبّي ، و ذات يوم بينما كانت تمشي على أطراف أناملها كسرت الجربة فتبلل لِحافُها الذي لم يكن لديها غيره للصلاة ، فطلب أبو أيوبمن النبّي أن يتبادلا موقع السكن هم في الأسفل و النبّي في الأعلى فاتفقا على ذلك ، ومرّة كانا الزوجان يجلسان مع النبّي إلى مائدة العشاء و كان بالأكل ثوم فأبى النبّي أن يأكله لأنّه يُناجي ربّه و يأتيه جبريل فيتأذى من رائحة الثوم .
    ثم قام النبّي بالتقريب بين المهاجرين و الأنصار ، كما ساهم في بناء أوّل مَسجدٍ بالمدينة ليكونَ مُجَمَّعًا لهم و مكان شُورَتهم و مَنبرًا لرسالتهم ، فشارك الجميع في بناءه رِجالا و شُيوخا مُهاجرينَ و أنصارًا ، فحتى النبّي و هو ذو خمسة و خمسين سنة أبى إلاّ أن يُشاركهم البناء ، فغلب على الجوّ التآلف و التراحم و التعاون ، فجاء عثمان بن مضغون و الحِجارة تلُّفُ كتفيه فاتسخت ثيابه فأخذ يمسح الوسخ من على مَلابسه فرآه علّي بن أبي طالب فأطلق فيه شِعرًا ليُغيضَه مُمَازحًا له فقال فيه لا يستوي من يعمر المساجد يذهب فيها قائمًا و قاعدًا و من يُرى عن الغبار حائلاً؟، فعمار بن ياسر سَمِع هذا الشِعر فأعجبه فبدأ يُرددّه ، فأخذ الصحابة يضحكون ، فغضب عثمان بن مضغون و قال لعمار يا ابن سميّة إن لم تصمت لأضربنّك في هذه الجِلدة وأشار إلى مابين عينه و أنفه ، فانزعج النبّي و قال له يا عثمان ألا تعلم أنّ عمار جلدة بين عيني و أنفي ، فبكى عمار و بكى عثمان و بكى علّي .
    و ذات مرة مرّ النبّي بصُهيب فوجده مَهموم يأكل التمر و بعينه رمدُ فقال له ما هذا يا صُهيب أتأكل التمر و بعينك رمد؟ ! فابتسم صُهيب و قال له لا تخف يا رسول الله إني آكل على شقي السليم .
    و مرّة كان مع علّي يأكلان التمر معًا فأخذ علّي يأكل التمر و يضع النوى في جهة الرسول ، فقال له ما شاء الله يا رسول الله أ أكلت كل هذا التمر؟ ! فقال له النبّي و أنت أ أكلت التمر بنواه ؟ !!.
    فهكذا كان التحام المُهاجرين و الأنصار لأنَّ الأُخوّة ازدادت بينهم و خاصةً لمّا تَشاَركُوا السَكن و لُقمة العيش و تبادلوا الحِرفَ و المعارفَ ، فهذه الصّفات و الأخلاق تعالت على بِيئتهم فأعزتها أجلُّ عِزّة .
    فجعل النبّي من مُسلمي قريش و يثرب و مَن تَبعهم فلحق بهم أمّة واحدة في الحُقوق و الواجبات ، كما جعل يهود بني عوف و يهود الأوس من يهود المدينة أمّة مع المؤمنين و عليهم نفقتهم كما على المسلمين نفقتهم ،و سمح لهم بالنُصح بينهم و البرّ دون الإثم و منحَ كل منهم دينه و منعهم من الخروج من المدينة بقتال ،كما منعهم إيواء أعدائه دون اللّجوء إليه ، فحمل بذلك المسلمين و اليهود على التعايش في بلدٍ واحدٍ رغم اختلاف الدين و تباين العادات

  2. #18
    عضوة جديدة
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    35
    معدل تقييم المستوى
    12
    غزوة بـــدر

    إنّ نجاحَ غزوة بدر كان بِفضلِ التخطيط و التطبيق المُحكَمَين ، و قد حدثت هذه الغزوة بعد سَماعِ الرسول بأنّ قريش قد أخرجت ألف بعير كقافلة أكلت و آخذت فيها أموال الناس ، فخرج الرسول و معه مائة و ثلاثة عشر مُسلم بفرسين و سبعين بعير كل ثلاثةٍ من المسلمين يتبادلون على بعير واحد ، أمّا النبّي فكان يتبادل بعيره مع علّي و مَرفَد ، فاتفقا الاثنان على أن يَركَب النبّي مائة و خمسون كمعِوضَهُما ، فغضب و قال لهما لا والله لا أنتما أقدر مني و لن أترك ثوابي لكما .
    ووقتها كانت قريش لاتَزالُ غافلة عن الأمر ، و في تلك الأياّم رأت السيّدة عاتكةعمة النبّيرؤيا أنّه خرج من مكة رجلٌ يقول يا آل غدر مَصرعُكم في ثلاثة أياموهو ينتقل من جبل إلى جبل ، فحكت عاتكة رؤيتها لأخيها العباس ، فقال لها إياك أن تخبري بها أحد وكان لا يزال وقتها على كُفره إلاّ أنّه أخبر الوليدبرؤيةِ عاتكةوأوصاه أن لا يخبر أحدا و لكن الوليد أخبر رجلا آخر و هكذا أخذ الخبر ينتقل إلى أن سمع به أبا جهل وكل أهل مكة ، فقال أبو جهل إن لم تظهر هذه الرؤيا خلال ثلاثة أيامسنُعلِّقٌ كتابًا على باب الكعبة و نقول فيه أنّ آل عبد المطلبأكذب العرب ، فسمع أبو سفيانبالخبر فاخذ القافلة وخرج و أرسل ضمضمليتعقب الأمر وقد قال لهم و هو بالكعبة أنّ الرسول أخذ قَوافِلهم ، فخرجتسع مائة و خمسون رجلابمائتي فرس ، فنزل جبريل على النبّي و أخبره بأنّ قريش قد استعدت لغزوتهم، فجمع النبّي الصحابة و طلب مَشُورَتَهُم، فنهض أبو بكرو قال امضي يا رسول الله فنحن معك ، فأعاد النبّي عليهم السؤال فقام عمر بن الخطابو قال له نفسَ الكلام ، ثم أعاد النبّي السؤال فقال المقداء لو خُضتَ البحر لخُضناهُ معك و إن قال قوم موسى لموسى اذهب و قاتل أنت و ربّك فنقول لك نحن معك نُقاتل من تُقاتل ، فقام كل أهل مكة ، إلا أنّ الرسول كان ينتظر وقتها نُهوضَ أنصاري فإذ بسعد بن مُعاذينهض و يقول خُذ من أموالنا ما شئت و سالم من شئت و عادِ من شئت فوا الله لن تَجدنَا إلا صابرين ، فقال الرسول أبشروا فإناللهوَعَدني إحدى الطائفتين من النصر أو العير ، و وقتها قبض علّي و الزبيرعلى رجلٍ من سُقاةِ عِيَرِ قريشفقالا له أ أنت ساقيقريش ؟ فقال نعم ، فقالوا له لا أنت ساقي عير أبي سفيان ، فقال لا ، فقالوا له بلى ، فسمعهم الرسول فقال لهم إن صَدَقَكُم كذبتموه و إن كَذبكُم صَدقتُمُوه ، فقال الرجل أنا ساقي عِيَرْ قريش ، فسألوه و قالوا أهم كثيرون ؟ فقال نعم ، فقالوا و من فيهم ؟ ، فقال فيهم أبا الحكم ، شيبا بن الربيعة ، أبا عتبة وغيرهم كثير من أسياد قريش ، فقال الرسول هذه قريش قد رَمَت بفَلدَاتِ أكبادها إليكم ، فكبَّرَ المسلمون .
    ثم أتىالحبّاب إلى النبّي و قال له يا رسول الله أهذا مُنزَلٌ أم هذه حَرب و مَكيدة ؟ ! فلما لا نَردُم الآبار كلها و نترك واحد فقط نشرب منه نحن؟ ، ففعلوا ذلك ، ثم أنام الله الجيش لكي يأمنوا و أنزل عليهم الماء ليتوضؤا .
    و من ثم استعمل النبّي خُطَّةً جديدة و هي الوُقوف وٍفق صفٍ واحد ليضربوهم بالنِبال ثم يتراجعوا ، يضربوهم بالنبال مُجددًا ثم يتراجعوا حتى يُنزلوا بذلك من مَعنَويَاتِهم فيهاجمُوهم دفعة واحدة .
    و هكذا بدأ الاستعداد للمعركة ووقتها أتى رجل اسمه سواد و أخذ يُكثِرُ الحِراك فكفَّه النبّي عن فِعلِ ذلك إلا أن الرجلَ واصل في حركته فغضب منه النبّي ووخزه بغُمدِه في بطنه ، فقال له الرجل أتفعل ذلك يا رسول الله !، فقال له النبّي هاكَ بطني و اقتص منه ، فانهال الرجل على بطنِ النبّي يُقبِّلُه بكلِّ تَفاخُرٍ و هو يقول لقد كنت أتمنى أن يُلامسَ جسمي جسمك ثم أموت بعدها .
    و بعدها استُقِيمَت الصُفُوف و قبل المُباشَرة بالقتال استشهد الحارثبنَبلٍ لم يُعرف مَصدرُه فسمعت أمّه بمَصرَعِ ابنها فجرت إلى النبّي و قالت له يا رسول الله هل أهَلِّلْ لِمَقتل الحارث أم أبكيه فلست أدري إن كان شهيدا و تنتظره الجنّة أم لا ؟ فقال لها الرسول هَلِلِي فهو لا تنتظره جنّة و إنما جِنَان و هو بها الآن .
    ثم بدأت المُواجهة فخرج عمّ الرسول حمزةو ابني عميه ، فقُتِل ابن عمّه فأخذه الرسول ووضعه على فخذيه فسأل النبّي و قال له أ أنت راضٍ عني يا رسول الله ؟ فقال الرسول أشْهِدُ الله أني راض عنك .
    ووقتها غفى النبّي غَفوةً رأى فيها ألفُ من الملائكةمُدعَّمِين بأحصنتهم و هم يشاركون بالمعركة مع 113 مسلممُتفاوتة أعمارهم ، من بينهم مُعاذ و مُعيذعُمرهما أربعة عشرو خمسة عشرة سنةدخلا المعركة و في نِيَّتهم قتلُ أبي جهل، فطلبا من أحد الصحابة أن يَدلّهما عليه فاستضغرهما الصحابي في باديء الأمر و لكن بإلحاحهما عليه أشار على أبي جهل ، فانطلقا الأخوان إليه و هما مُتفقان على أن يضرب مُعيذ قوائم الحصان و أن يقتل مُعاذ أبا جهل ، ففعلا ذلك و نجحا في قتل أبي جهل فهللا و سارعا إلى النبّي ليُبشِّرانِه فتبعهما عكرمة و ضرب مُعاذ بسيفه فقطع له كتفه ، فلم يهتم معاذ لكتِفِه المَقطوعة و أخذ يُسابق أخاه معيذ للقاء النبّيإلاّ أنّ كَتِفه أبطأته فوضعها تحت رجليه و نزعها ثم واصل مع أخيه لمُلاقاةِ النبّي و هما يُردِّدان لقد قتلنا من سبَكَ يا رسول الله .

    و هكذا انتهت المعركة بنُصرَةِ الإسلام و المسلمين و بهَزيمةِ الكُفاّر و المُشركين أمام جيشٍ صغيرٍ جدا قائدهُ اللـه .

  3. #19
    عضوة جديدة
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    35
    معدل تقييم المستوى
    12
    تشديـد الخناق علـى النبّي فـي غزوة أحــد

    لقد وَقعتْغزوة أُحُدْبتاريخ 7 شوال 3هجريلأنّ قريش أرادت استرجاعَ قُوّتها و مَكانتها بين القبائل بعد هَزيمَتِها في غزوة بَدْرْ ، و في تلك الأيام رأى النبّي رُؤيا أنّ ذِراعَهُ الحَصينة بها كسر و رأى بقرٌ يُذبح فأَوّل النبّي الدِرعْ الحَصينة بالمدينةو الكَسر بموتِ أحد أقربائه و البقر المذبوح بأصحابِه المَذبُوحين ، لهذا أراد النبّي أن تَكونَ المعركة في المدينة لكي لا يخرجُوا منها حتى يُقاتلهم الرجال داخلها والنساء من فَوقِ الأسطُح ، غير أنّه امتنع عن إخبار الصحابةبرُؤيته لمُشاورتِهم حتى لا يفرض بذلك رأيه عليهم .
    فقامَ بجمعِ الصحابة و بدأ الحِوارُ بينهم فاتفق أغلبيتُهم على أن تكونَ المعركة خارج المدينة ،فأخذ النبّي برَأيهِم وارتدى لِباسَ الحرب وخرج معه ألف مقاتل ، فخرج المنافق عبد الله بن سالوس و قال لهم لقد اتبع محمد الغِلمان فنجح في تغيير رَأيِ ثلاثُ مائة مقاتل، فلم يخرج مع النبّي سِوى سَبعُ مائة مقاتلوعندما وصلوا إلى جبل أًًًًَُحُد قال لهم النبّي إنّه لجبل من الجنّة و نحن نُحبّه و هو يُحبّنا وسنلقاهُ بإذن اللـه في الجنة ، ولإنّي قد وَقفتُ عليه مرّة أنا و أبا بكر الصديقوعمر بن الخطابوعثمان بن عفانفاهتزا لجبل، فنزلت إليه و قلت له أثبُت أُحُدْ فإنّمن فوقِكَ نبّي و صِّديق وشَهيدين ، فثبت الجبل نفسه الذي أُقيمَت قُربَه المعركة و ذلك في منطقة الحَرَّة .
    و قد اختار النبّي الحرّة لأنّ بها مَدخل وحيد و بذلك تُجبرُ الصحابة على مُقابلة أهل قريشوَجهًا لوجه دون مُحاصرتِهم لأنّ جيش قريش عُدَّتُه ثلاثة ألاف .
    و لقد حَرِصَ النبّي على وضع الجنود من جبل أُحُدإلى جبل الرُماة لكي يَغلِقَ كلّ الثغرات، كما قام بتجنيد خمسين راميًافوقالجبل بقيادة عبد الله بن جابرلحماية أظهر جيش المسلمينمن العدوانو قد أوصاهم بعدَمِ النُزُول من على الجبل من دون إذنه حتى و إن أدركوا النصر.
    و بالمقابل قسّم أبو سفيانجيشهإلىسبع مائة مقاتل بالميمنةبقيادة عِكرمةو ثلاث مائة مقاتل بالميسرةبقيادة خالد بن الوليدأمّا في قلب الوسطفقد وزَّعألفي مقاتلبقيادته ، وبالتالي فقد فَرضَ النبّي الحصار على كلٍ من عِكرمة و خالد بن الوليد و أجبر أبا سفيان على مُواجهتِه وَجهًا لوجه .
    فبدأت المعركة و ولى النبّي مُصعبالقيادة و جدّد تَوصِيتَه للرُّماة و قال لهم إن رأيتمونا ننتصر و نأخذ الغنائم فلا تنصرونا و إن رأيتمونا نُقطَّع وتأكلنا الطيور فلا تنصرونا لأنّ الثغرة سوف تُفتح .
    ثم قال من يُحارب بسيفي هذا ؟ ! فكل الجيش صاح دُفعةً واحدة أنا أنا ، فقال لهم النبّي من يأخذه بحقه ؟ فقال له أبا دُجانةأنا يا رسول الله ، فوضع عصابة حمراء وضرب كلّ من اعترض طريقه إلاّ امرأة ، كما وضع حمزة رِيشةً و أخذ يتبختر بها بين الصُفوف ، فقال له النبّي إنّ الله يكره هذه المِشية إلاّ في هذا المَوضِع .
    ثم حَمل أهل عبد الدارالراية فقُتل منهم الأوّل فالثاني ، ثم انتصر المسلمون فقال الرُّماة لقد انتصر الجيش سننزل من على الجبل ، فكَفَّهم أحد الصحابة و ذَكَّرهُم بوصيّة النبّي إلاّ أنّهم لم يُعيروه اهتمامًا وخالفوا أمره ، فنزل أربعونَ راميًا من فوق الجبل فرآهم خالد بن الوليدو انتبه لانفِتاَحِ الثغرة فصاح خالد و قال أعلو هُبَل ، فَفهِم أبو سفيانأنّ بالأمر ريب فرجع و معه جيشه المُنسحب .
    فاشتدت المعركة مُجددًا فحاول أحد الكفرة وهو ابن حمئةأن يَقتُلَ قائد جيش المسلمين مُصعبحتى تسقط راية المسلمين على الأرض ، فضربه على كتفه اليمنى فقطعها له فالتقط مصعبالراية بيده اليسرى فقطعها له أيضًا ،فاحتضنها مصعب فقتله ابن حمئة و صاح لقد قتلتُ محمد .
    فعَمَّ الهلع جيش المسلمين و ضنوا أنّ الرسول قد قُتلْ فتركوا المعركة وهرعوا إلى المدينة ، فبقي النبّي وحيدا في المعركة بصُحبَةِ عشرينَ مقاتلاً فقط ، كلّ منهميحاول الإحاطة به من كلِّ جانب ليمنعوا تَرَبُّصَ أهل قريش به ، فبدأت السِهام تتهاطلُ على النبّي من كل جانب ، فرآه أبو دجانةفأسرعَ إليهو احتضنه ، فباغتت السِهام أبا دُجانة واخترقت ظهره بدلاً من ظهر الرسول، فثبت عن السُقوط و تصدى لغالبية السِهام حتى أصبح ظهره كالقنفذ من كثرتها .
    فرآه سعد بن أبي وقاصفسارع هو أيضًا لِحماية النبّي، فقال له النبّي فِداكَ أبي و أمي يا سعد، و لم يقُلها لأحد قبله ، فرُمِي سعدحتى قُتل ، ثم أتى طلحة فقال للنبّي أخفِضْ رأسك يا رسول الله نَحرِي من نَحرك ، فوضع يده على وجه الرسول فأصابت السهم يده فشَلَّته ، فقال له الرسول ما أنصفنا أصحابنا فمن يَدفَعُهم عني وله الجنة؟ ، ثم أتى يزيد بن السكنو معه عشرة مقاتلينفدافع عنه و قتلهم الواحد تلو الأخر فأخذت الدماء تتفجر منه و هو ثابت كأنه لم يُصب، ثم سقط على الأرض و تعفر وجهه في التراب ، فقال النبّي للصحابة ارفعوا وجهه عن التراب ، فمسح عنه التراب ثم رفع يديه إلى السماء و قال يا رب أُشهدكَ أني راضِ على يزيد بن السكن.
    ثم ازداد تكاثُر المشركين فظهر بن خلف ذلك الذي سَمَّنَّ حِصانه ليقتل به الرسول ، فلما رآه النبّي أخذ رُمحًا و رَشق به بن خلف على خُوذتِه فأخذ يصيح قتلني محمد قتلني محمد ،فقالوا له لم يُصبكَ حتى ! فقال لهم إنّه توعدني بالقتل و إن بزق عليّ فقط لقتلني ، فأخذ يركض هاربًا فسَقطَ من فوق الجبل و مات .
    أمّا أشجع الشُجعان فكانت امرأة أم عُمارةالتي دافعت عن النبّي عندما أحاط به ابن حمئةمُحاولاً قتله فأشهرت سيفها في وجهه فتجنبها في أوّل الأمر لأنه عَيبٌ قتل امرأة في عَهدهم ، ولكنّ أم عُمارةلم تترك له السبيل ليَصِلَ للنبّي فضربها فطيّر السيف من يدها فثبتت في مَكانها ، فضربها على كتفها بسيفه فلم تتحرك من مكانها حتى ظهرت عِظامُ كتفها فسقطت في مكانها فرأت ابنها حبيب بن الزبيريجري إليها ، فقالت له دعني دعني و أدرك رسول الله ، فقال لها النبّي أتطيقين كلّ هذا ؟ ! فقالت له أُطيق و أطيق و أطيق ، فرفع النبّي يديه إلى السماء و قال اللهم اغفر لأمّ عمارة و أهلها .
    ثم أتى أبو عمر الفاسقو حفر حُفرةً للنبّي فسقط فيها على وجهه والتطم بحجرة فانكسرت رُباعيته و انفجر وجهه بالدماء ، فحاول الخُروج من الحفرة فأتى ابن حمئةو ضربه بسيفه على الخوذة فدخلت الخُوذة في وجه الرسول ،فحاول أصحابه إدراكه لانتزاع الخُوذة منه فلم يستطيعوا الوُصول إليه لكثرة الكفّار عليهم وقلة عددهم الذي لم يتجاوز العشرة بعد تخلي أصحابهم لهم بفرارهم إلى المدينةأين التقوا في طريقهم بابن مالكالذي سألهم عن استعجالهم فقصوا عليه القصة فقال لهم أتركتم النبّي وحيدًا في المعركة لا تعرفون أهو حيّ أو ميّت ؟ فلِما عيشكم بعده إذن !عودوا إلى معركتكم فإن مازال حيّا أدركتموه و قاتلتم معه و إن مات فموتوا لأجله ، فأّّثّر هذا القول على مَسمَعِهم وعادوا أدراجهم إلى المعركة ليلحقوا بالنبّي الذي وجدوه في الحُفرة ، فأخذوا يبكون لأنّهم خذلوهُ ، ثم أتى أبو عُبيدة بن الجراحو قال لأبي بكرأقسمت عليكَ أن تتركني أُخرج الخُوذة من على وجه الرسول ، فأخرجها أبو عُبيدة بأسنانه فانكسرت وانفجر وجه النبّي بالدماء فقال له أحد الصحابة أدعوا عليهم يا رسول الله ، فأجابه النبّي و قال لم آتِ لَعانًا وإنّما جئتُ رحمةً للعالمين ، ثم رفع يديه إلى السماء فظنّ الصحابة أنّه سيدعو عليهم إلاّ أنّه قال يا رب اهدهم واغفر لهم فإنّهم لا يعلمون .
    ثم أتى علي بن أبي طالبو سَكبَ الماء على وجهِ النبّي فازداد الدم غزارة ثم كُوِيَ النبّي .
    وحينها اشتدت المعركة و استشهد الكثير من المسلمين من بينهم :
    أنس بن النضرذلك الذي بقى مع الرسول عندما فرّ الجميع ، فسأله أحد الصحابة إلى أين فقال إلى الجنة وربّ النضر تحت جبل أحد ، فوجدوه الصحابة شهيدا تحت جبل أحُد فلم يعرفوه من كثرة الطعون إلاّ أنّ أخته تعرفت عليه من خلال أصبعه المقطوع .
    و منهم أيضًا حنضلةذلك الذي كان يوم زواجه يسبق المعركة بساعات ، فعندما سمع بالخُروج إلى المعركة سارع للمشاركة و مات شهيدا ، فرآه النبّي بين السماء و الأرض و الملائكةُ تُغسِّلُه في قِسطٍ من ذهب، فاستغرب النبّي ذلك لأنّ الشُهداء لا يُغسلون، فسأل النبّي زَوجةَ حنضلة ، فقالت له أنّه كان نائما معها و لم يلحق أن يغتسل .
    و من بينهم أيضًا عـمر بن الجاموحفقدكان أعرجا و كان له أربعة أولادلم يتركوه يخرج لأنّه أعرج ، فخرج و قال لهم آهٍ لرائحة الجنّة و دعا ربّه وقال اللهم لا تُرجعني ، فاستشهد في المعركة ، فقال النبّي للصحابةإني أرى عـمر بن الجاموح في الجنّة بِعَرجَتِهِ .
    ومن بينهم أيضًا عبـد الله بن حـرامذلك الذي كان له ابن و تِسعة بنات، فشارك في المعركة و قُتلَ و مَثَّلَّ به الكُفار فبكاه ابنه ، فقال له النبّي ابكه أو لا تبكه فمازالت الملائكة تُضَلِّلُه فأبشر يا جابرما كَّلم الله أحدا من غير حجاب و كلّم أبوك و سأله عن أمنيته فقال أبوك أريد أن أعود إلى المعركة وأقاتل مع الرسول و أموت شهيدًا ، فقال له لا تستطيع الرجوع فقال يا رب بلّغ أهل الأرض ما نحن عليه من سعادة فنزل قوله۝۝﴿ و لاَ تَحْسِبنّ الذينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الله أمواتًا بَلْ أحْيَاءُ عِنْدَ ربِّهِمْ يُرزَقُونً
    و من بينهم أيضًا عبد اللـه بن جحشذلك الذي دعا ربّه أن يرزُقه رجلاً كافر شديد القوة فيُقاتله فيقتله ،ثم يرزقه رجلا شديد القوة فيُقاتله فيقتله ،ثم يرزقه رجلا أشد قوة فيُقاتله فيقتل الرجل عبد الله فيقبُرُ بطنه و يجدع أنفه و يقطع أذنه فيأتي ربّه على هذا النحو، فكان له ذلك و مات بنفس الطريقة التي تمناها لأنّه صَدَقَ ربّه فصدقه .
    و منهم أيضًا سـعد بن الربـيعذلك الذي وجده أحد الصحابة يلفظُ أنفاسه الأخيرة ، فقال له إنـي وجدت ما وعدني النبّي حقًا فبَلِّغه مني السلام و قُل له جزاك الله خيرا ما جازى عنه نبيّا و قُل للأنصار لا عُذرَ لكم إن وصلوا للنبّي و لكم رِمشٌ يتحرك .
    ومن بينهم كذلك عـمّ الرسول حمزةذلك الذي أراد أن يذهب إلى الجبل حتى يُعيدَ الرُماة إلاّ أنّ وحشيترصًّد له لقتله طَلبًا من هندزوجة أبي سفيان ، فركز وحشي حَربَته على حمزة فوقعت على ظهره و خرجت من بين أحشائه ، فالتفت حمزة إليه فعرف وحشي أنّه لو وصل إليه لقتلَهُ فما استطاع وحشي أن يتحرك من مكانه خوفًا من حمزة و لكنّ حمزة سقط لأنّ جُرحه تغلب عليه فمات ، فأتت هندو شقت بطنَ حمزة و أخرجت كبده وأخذت تلوكه فضحك أبو سفيان،ثم أتى أحد المشركين و أخذ حِربةً ووضعها في فمّ حمزة، فأتى النبّي و رأى عمّه مَقتولاً بأبشع الطُرُقِ فبكاه و انتحب ، ثم دُفِنَ حمزة في مَكانِه و بعد مرور أربعين سنةأغرق المنطقة سيلٌ عَرِمْ فأمر أمـير المؤمنين بنقل الشهداء فوجدوا حمزة على حاله و لحمه ما زال طريّا .
    و كل هؤلاء و غيرهم كانوا شهداء غزوة أحدالتي دفَعَ ثَمنها كثيرٌ من المسلمين بسبب غلطةِ و تقاعُسِ ثلاثين أو أربعين نفرًا نزلوا من أمكنتهم لجمع الغنائم ، و لكنّ اللـه سترَ و نجَّا النبّي و الصحابة الذين انتقلوا إلى جبل أحُدْ فنجاهم تَجويف الجبل ، أمّا قريش فقد تمركزوا في أسفل الجبل و على رأسهم أبا سفيانالذي أخذ يصرخُ أعلو هُبل ، فقال النبيّ للصحابة ألا تجيبوه ؟ ! فقالوا بما يا رسول الله ؟ فقال لهم قولوا له بل اللـه مولانا و لا مولى لكم ، فقال أبو سفيان هذه واحدةُ أحُدْ بواحدةِ بَدْرْ ، فقال لهم النبّي قولوا له ليس الأمر سَوَاء فقَتلاَنا في الجـنة وقَتلاكُم في النار ، فأدرك أبو سفيانأنّ النبّي لم يَمُتْ لأنّ هذا القول ليس إلاّ قوله .

    و هكذا انتهت المعركة بالحِيَادْ و العِبرَةُ التي التمسناها من هذه الغَزوة هي لابد من الانصياع لأوامِر النبّي مهما كانت و بلغت

  4. #20
    عضوة جديدة
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    35
    معدل تقييم المستوى
    12
    السنــــة الرابعـــة للهجــرة


    إنّ غزوةَ أُحُدْ كانت تجربةً صعبةً و دَرسًا قاسيًا جدّا قد أطاحَ بالصحابة و كَلّفهم الكثير بسبب مُخالفتهم لتعاليم الرسول ووصياه لهم ، فبعد انهزامهم في الغزوة رجع بهم النبّي إلى المدينة ، غير أنّ انهزامهم هذا تَعدى مِن أن يُحصرَ في انهزامٍ مع قريش بل تَجاوزَهُ ليصير أقوى انهزام للنفس و الثِقة ، فألسُنُ المنافقين الحادة لم ترحمهم بل سَعت إلى التشكيك في قُدراتهم ومُؤهلاتهم و بالتالي انفتح أوّل بابٍ للسؤال و التشكيك ! فتساءل الصحابة عن نُصرة الملائكة لهم و عن إصابة النبّي و عن نتيجة مَشُورَتهِم الخاطئة التي أوصلتهم إلى حَتفهم هذا ، غير أنّ اللهلم يتركهم طُعمًا لوسَاوسِهم و لأقاويل المنافقين بل جَبَرَ بهم و أنزل لهم سورة آل عمران و قوله۝۝﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَو قوله ﴿إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ

    و في صلاة الفجر جمع النبّي الصحابة و المسلمين و قال لهم من كان يُؤمن منكم بالله و اليوم الآخر فإني خارجٌ الآن لمُلاقاةِ قريش فليخرج معي من خرج منكم بالأمس ، فخرج النبّي و الصحابة ووصلوا حمراء الأسد حيث كان جيش قريش يستريحُ ، فسمع أبو سفيان بخبر قُدوم النبّي إليهم فارتعب و أرسل برسولٍ له إلى الرسول ليُخَوِّفه و أمره أن يقول للنبّي أنّ قريش قد لَبِسَتْ جُلودَ النمور لمقاتلاتهم ، فقال له النبّي أعِدْ على الصحابة ما قُلتَه لي فأعاده الرجل عليهم ، فقال لهم الرسول قولوا له حسبنا الله و نِعم الوكيل ، فارتجّ الجيش كله يصيح حسبنا الله و نعم الوكيل .

    و في نفس الوقت خرج مَعْبَد بن أبي مَعبد لمُلاقاة قريش و هو يتظاهر بعدم إسلامه فأتى أبو سفيان و قال له يا أبا سفيان إنّ أصحاب محمد يتحرقون عليكم تحرقًا شديدًا و قد جمعوا لمحاربتكم أضعاف ما جاؤوكم به في الأمس ، فخاف أبو سفيان و جمع جيشه ولاذا بالفرار فارتحلوا ، و بالتالي استرجع النبّي كَرامته و كرامة المسلمين في حمراء الأسد.

    فتَكَالُبُ قريش على النبّي و المسلمين شَجّعَ بالمُوازاة بقيّة القبائل فزادت من شِّدة و وَتيِرَةِ تَكالُباتها ، فقد قام خالد بن سفيان بتحريض قبيلته على غزو المدينة غير أنّ النبّي كان مُتيّقِّضًا له ، فأرسل له الصحابي عبد الله بن أُنيس ليقتله في رَحلِهِ حتى يُنهي بذلك الحرب قبل بدايتها ، و بالتالي أمر الرسول عبد الله أن يتغلغل في الجيش و يبحث عن قائدهم خالد فيقتله ، فسأل عبد الله النبّي عن مُواصفاته ، فقال له النبّي يا عبد الله إنّك إذا رأيته تذكرت الشيطان ووجدت في نفسك قشعريرة ، فخرج عبد الله قاصدًا جيش خالد بن سفيان و عند وُصوله رأى تجهيزات الجيش فخاف غير أنّه شجّع نفسه و دخل بين الجيش ليُحمِسهم على مُحاربة النبّي كأنّه ألّدُ أعدائه حتى يكسب ثِقة خالد فكان له ذلك ، فقد انطلت حيلته على خالد و أُعجب به و بكراهيته للنبّي فجعله حارسًا عليه ، هذا ما جعل عبد الله بن أُنيس ينتهز أوّل فُرصةٍ أتته لقتله فقتله في خيمته و فَرّ بعد ذلك إلى الجِبال و مَكَث ما يُقارب الثلاثة أيّام و بالرغم من أنّ الطعام قد استنفذ منه و لم يجد سِوى ورق الأشجار بديلاً إلاّ أنّه صَبرَ و لم يَبْرَح مَكانه إلى أن تأكد من أنَّ جيش خالد بن سفيان قد تفرق و رجعوا عن فِكرة مُحاربتهم للنبّي ، وقتها فقط انطلق عبد الله بن أنيس إلى المدينة المنورة ليُبشرهم بأقصى سُرعة ، و عندما وصل إلى المدينة و جد النبّي قَلِقًا جدا ، فقال له أ أفلح الوجه؟ ! فقال عبد الله نعم يا رسول الله لقد فعلتها فَفَرِح النبّي و كبَّرَ ثم قال له تَعاَلَ معي لأني أريد أن أكافئك ، فقال بما يا رسول الله ؟ ! فقال انتظر فدخل النبّي بيته ثم خرج و بيده عصَا فأعطاها لعبد الله و قال له هذه هي المُكافآة ، فقال أهذه هي المكافآة يا رسول الله ؟ ! فقال نعم خُذها و رُدّها لي يوم القيامة أُدخلُك بها الجنّة ، ففرح عبد اللهفرحًا عظيمًا ، و يقول عبد الله في ذلك و الله ما فرحت بشيء كفرحتي بتلك العصا و و الله ما غادرتني العصا من يومها و ما كنت أخرج من دونها فحتى إذا نِمتُ أخذتها إلى صدري و لقد أمرت من هم حولي أن يدفنوها معي في قبري حتى إذا قامت القيامة و خرجتُ من مقامي في قبري أقول للنبّي هذه هي العصا فأدخلني بها الجنّة .


    فكان لتدبير الرسول و تطبيق عبد الله بن أُنيس في إنهاء الحرب التي شنّها عليه خالد بن سفيان و قبيلته .

    و ليس خالد بن سُفيان هو الوحيد الذي سعى إلى مُحاربة النبّي و المسلمين بل عِدّة قبائل مُجاورة تجرأت على النبّي و من بين هذه القبائل قبيلة مُجاورة للمدينة المنورة طلبت من النبّي أن يُرسل لها من يُعلّم قومها القرآن و تعاليم الإسلام ، فأمَّنَّ لهم الرسول و استجاب لطلبهم و أرسل لهم ستة من الصحابة من بينهم مَرثد بن أبي مَرثد _خُبيب بن عدّي _ زيد بن دثنة _ عبد الله بن طارق _ عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح و خالد بن بكير ، فخرج الستة و في طريق خُروجهم غدرت بهم هُذيل فقيّدوهم ليبيعوهم لقريش ، فدافع الستة على أنفسهم غير أنّهم لم يستطيعوا مُجابهة الجميع فقُتل ثلاثة منهم بمن فيهم مرثد بن أبي مرثد و خالد بن بكير و عاصم بن ثابت ذلك الذي توعدته سُلافة بن سعد لَإنْ أتَوها برأسه لشربت فيه الخمر ، غير أنّ الله حَالَ بينها و بين أن يُدَنَّسَ رأس صحابي فسلَّط على القوم الدَبابير و النحل فلم يَقربوه في النهار و في الليل أرسل لهم سيلاً أخذت الرأس بعيدا عنهم .

    و بقتل الثلاثة استسلم الثلاثة المتبقين فقيّدوهم و أثناء ذلك تكلّم عبد الله بن طارق و قال لهم هذا هو أوّل الغَدر فقتلوه هو أيضًا ، و أبقوا على زيد بن دثنة و الخُبيب بن عدّي، ثم انطلقوا بالاثنين إلى مكة و عند وُصولهم رآى صفوان بن أميّة زيد بن دثنة الذي قتل والده أميّة بن خلف فقتله به ثأرا و غِلاّ و انتقامًا ، فلم يبقى سِوى خُبيب بن عدي ذلك الذي حاولوا قتله هو أيضا إلاّ أنّ الشهر الحرام أدركهم و بَاشرهم فاستعصم عليهم قتله فربطوا عليه الحديد و أخذوه إلى بيت ماوية لتُراقبه ، و تقول ماوية في ذلك كنت أدخل عليه لأعطيه الطعام فأجده يأكل قِطاف من العنب و أقسم بالله أني لم أكن أعطيه العِنب و لم تكن توجد عنبة بمكة ، و تقول أيضا نادى عليّ يوما و طلب مني أن أعطيه حديدة كسكين فسألته لما ؟ فقال لي لأقص الأظافر و أُهذّب الشارب و أحلق الإبط حتى ألقى ربّي و أنا في خير حال ، فأتيت له بالسكين و عندما رجعت لأسترده منه وجدت ابني في حجره و السكين بيده ففزعتُ فزعة عرفها خُبيب ، فقال لي أتخافين أن أقتل ابنك ؟ فسكتُ ، فقال لي ما كان لي أن أفعل ذلك و أنا من أصحاب الرسول ، فردّه لي وأسلمت يومها .

    ثم أتى أهل قريش إليها و أخذوه و عَلَّقوه بنخلة بمنطقة التنعيم و حرّضهم أبو سفيان على إطلاق السِهام على يديه و رجليه حتى يُعذّبوه أكثر انتقامًا منه ، فآتاه أبو سفيان و قال له يا خُبيب أصدقني القول أ تحبُ أن يكون محمـد مكانك الآن و تكون أنت في بيتك لا يمسّك سوء ؟ فرد عليه خُبيب و قال و الله ما أُحبّ أن يكون رسول الله جالسَا في بيته فتُصيبه شوكة و أنا في أهلي فكيف بي أُحبّ أن يكون مكاني ؟ ! فقلَّبَ أبو سفيان كَفَيْه و قال ما رأيت أحدًا يُحب أحدًا كحُبِ أصحاب محمد لمحمد ، و أثناءها رقَّ أبو سفيان لخبيب و سأله إن كان يُريد شيئًا قبل قتله ، فقال نعم أريد أن أصلي ركعتين ، فتركه أبو سفيان يُصلي و عندما أكمل قال يا أبا سفيان و الله لولا أنّكم قد تظنوا بي أني قد أخاف الموت لأطلت صلاتي ما شاء الله لي أن أُطِيل و لكن فكرت أن تظنوا بي أني قد أخاف الموت و أنا بي أحب لقاء الله .

    ثم أخذوه فربطوه فرفع خُبيب يديه لربّه و قال اللهم أحصهم عددا و اقتلهم بِددا و لا تُغادر منهم أحدا ، فمن شِدّة قوة دُعائه انبطح أهل قريش أرضًا تخوفًا من استجابة دُعائه ، ثم أطلقوا عليه السهام فأطلق شِعرا فيهم و قال :

    لا أبالي حين أقتَلُ مسلماَ و على أي جنبٍ في الله مصرعي ...و ذلك و في ذات الإله و ان يشأ يبارك على أوصالي يتلوه جسد مُمَزع ، ثم قال اللهم إني قد بلغت رسالة رسولك فبلّغ مني نبيّك السلام ، فإني أحبّ أن أبلغه مني السلام قبل الموت ، و أثناءها نزل جبريل على النبّي و بلّغه بسلام خُبيب و بمصيره الموعود بالقتل فتحرَّق النبّي غضبًا على القبيلة الغادرة .

    و قُتلَ خُبيب أيضَا و لَقِيَ مَصرعَه مِثله مثل أصحابه الستة ، فكانت هذه الحادثة أوّل الغدر غير أنّها لم تنتهي عندها بل تزايد و تضاعف مع قبيلة نجَدْ من نفس السنة ، فهي أيضًا طلبت من الرسول أن يبعث لها من يُعلّمهم الدين فأمّنَ لهم الرسول و بعث لهم سبعين صحابي غرّرُوا بهم جميعًا و قتلوهم .

    فقد خرج السبعون بقيادة المُنذر بن عمر و عند وُصولهم إلى نجد قصد حِرًام بن مِلحان قائد نجد الطُفيل بن مالك و أخذ يُحدثه عن الإسلام فغمز الطُفيل لجبار فضربه بحِرابٍ على ظهره فصاح حِرام قائلا فُزت و ربّ الكعبة ، فاندهش جبّار من كلامه و تساءل عن فوزه الذي تحدث عنه و هو يلفظ أنفاسه الأخيرة ، فقصد النبّي و أخبره بما جرى معه ، فقال له النبّي لقد فاز بالجنّة و حكى له عن قُصورها و قِطافِها ، فقال جبّار و الله لرجل يموت بتلك الميتة و يتذكر الجنّة لإنّه صادق و لإنّك صادق يا محمد فأشهد أنّ لا إله إلاّ الله و أنّ محمدا رسول الله .

    فهكذا قُتِلَ حِرام بن مِلحان أمّا بقية السبعين فقد خرجت لهم قبيلة نجد و قتلتهم جميعًا إلاّ عمر بن أميّة ذلك الذي خرج لقضاء حاجة له و عندما عاد وجد الطير تحوم بمنطقة أصحابه فتأكد أنّ بالأمر خطبْ ، فوجد أصاحبه قتلى فرجع إلى النبّي ليخبره ، فغضب النبّي أشدّ غضب و ظلّ يدعو عليهم شهرًا كاملاً ، فنزل قوله۝۝ ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ * وَلِلَّهِ مَا فِي السموات وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ، فتوقف النبّي عن الدعاء عليهم .

    ووقتها انتهزت يهود بني النظير ظروف النبّي فكاتبت قريش و تأعلمتها بالمُستجدات ، في بادئ الأمر لم يتفطن الرسول لنوايَا يهود بني النظير خُصُوصَا لما طلب منهم دِيَّة قَتلِهِم لأثنين من المسلمين لم يُعارضوا ذلك و قبلوه فورًا ،غير أنّ نيّتهم كانت قتل النبّي و حاولوا أن يضربوه بالحِجارة على رأسه إلاّ أنَّ جبريلنزل على النبّي و نبّهَهُ .

    و في نفس الوقت سقطت مُكَاتَبات و افشاءات يهود بني النظير لقريش في يد النبّي ، فبعث لهم الرسول بخِطاب مُنكِرًا فيه عليهم غَدرهُم فأمرهم بالخُروج من المدينة و أجّلَهُمْ شهرا حتى يجمعوا رِحالهم ، فاشتروا الإبل في بادئ الأمر حتى يُحملوا عليها أموالهم و كُنوزهم إلاّ أنّ المنافق عبد الله بن سلام حرّضهم على النبّي ووعدهم بالمساعدة و جعل بين يديهم سبع مائة مُقاتل هذا ما غَرّهم و جعلهم يتقوّون على الرسول و يمتنعون عن الخروج من المدينة ، فأثار هذا الأمر غضب النبّي فخرج لمحاصرتهم و دام حِصاره لهم خمسة عشرة يومًا ، و انتهى الحِصار بانتصار المسلمين و انهزام يهود بني النظير فخرجوا من المدينة دون رِحالهم و كان هذا نصيب من يُتاجرُ بالغدر مع الرسول .



صفحة 5 من 10 الأولىالأولى ... 2345678 ... الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. سالتي إليكِ يا فتاة كوني كما أرادكِ الله فلا تتبرجي
    بواسطة عبيـر* في المنتدى اسرار البنات
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 29-01-2012, 09:50 PM
  2. كل ما تريدينه عن نبيك محمد
    بواسطة miss.manoor في المنتدى اسرار البنات
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 18-07-2009, 06:40 AM
  3. قرانك شفيعك
    بواسطة يمنى عبدالعزيز في المنتدى منتديات اسلامية,( على منهج أهل السنة والجماعة)
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 16-04-2009, 08:17 AM
  4. سلسله موضوعات اعرفى نبيك صلى الله عليه وسلم ( اعرفى نبيك )
    بواسطة ملك الاموره في المنتدى منتديات اسلامية,( على منهج أهل السنة والجماعة)
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 14-06-2007, 10:54 PM
  5. انصر نبيك محمد صلى الله عليه وسلم
    بواسطة tamooh في المنتدى منتديات اسلامية,( على منهج أهل السنة والجماعة)
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 03-02-2006, 01:03 AM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

مواقع النشر

مواقع النشر

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

أهم المواضيع

المطبخ

من مواقعنا

صفحاتنا الاجتماعية

المنتديات

ازياء | العناية بالبشرة | رجيم | فساتين زفاف 2017 | سوق نسائي | طريقة عمل البيتزا | غرف نوم 2017 | ازياء محجبات | العناية بالشعر | انقاص الوزن | فساتين سهرة | اجهزة منزلية | غرف نوم اطفال | صور ورد | ازياء اطفال | شتاء | زيادة الوزن | جمالك | كروشيه | رسائل حب 2017 | صور مساء الخير | رسائل مساء الخير | لانجري | تمارين | وظائف نسائية | اكسسوارات | جمعة مباركة | مكياج | تسريحات | عروس | تفسير الاحلام | مطبخ | رسائل صباح الخير | صور صباح الخير | اسماء بنات | اسماء اولاد | اتيكيت | اشغال يدوية | الحياة الزوجية | العناية بالطفل | الحمل والولادة | ديكورات | صور حب | طريقة عمل القرصان | طريقة عمل الكريب | طريقة عمل المندي |