رجال حول الرسول و رجال دمو ا الرسول"صلى الله عليه و سلم" - الصفحة 5
صفحة 5 من 26 الأولىالأولى ... 234567815 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 17 إلى 20 من 101

الموضوع: رجال حول الرسول و رجال دمو ا الرسول"صلى الله عليه و سلم"

  1. #17
    كوكب الشبكة الصورة الرمزية الساجدة لله وحده
    تاريخ التسجيل
    Sep 2005
    الدولة
    بلد المليون و نصف مليون شهيد((الجزائر))
    المشاركات
    1,533
    معدل تقييم المستوى
    20
    كان الحذيفة بن اليمان، الخبير بلغة السرائر والقلوب يتهيأ للقاء الله، ويعالج سكرات الموت حين سأله أصحابه الحافون حوله قائلين له" بمن تأمرنا، اذا اختلف الناس"..؟

    فأجابهم حذيفة، وهو يلقي بآخر كلماته:

    " عليكم بابن سميّة.. فانه لن يفارق الحق حتى يمةت"..

    أجل ان عمارا ليدور مع الحق حيث يدور.. والآن نحن نقفو آثاره المباركة، ونتتبع معالم حياته العظيمة، تعلوْا نقترب من مشهد عظيم..

    ولكن قبل أن نواجه هذا المشهد في روعته وجلاله، في صولته وكماله، في تفانيه واصراره، في تفوقه واقتداره، تعالْوا نبصر مشهد مشهدا يسبق هذا المشهد، ويتنبأ به، ويهيئ له...



    كان ذلك اثر استقرار المسلمين في المدينة، وقد نهض الرسول الأمين وحوله الصحابة الأبرار، شعثا لربهم وغبرا، بنون بيته، ويقيمون مسجده.. قد امتلأت أفئدتهم المؤمنة غبطة، وتألقت بشرا، وابتهلت حمدا لربها وشكرا..

    الجميع يعملون في خبور وأمل.. يحملون الحجارة، أو يعجنون الملاط.. أو يقيمون البناء..

    فوج هنا وفوج هناك..

    والأفق السعيد يردد تغريدهم الذي يرفعون به أصواتهم المحبورة:

    لئن قعدنا والنبي يعمل لذاك منا العمل المضلل

    هكذا يغنون وينشدون..

    ثم تتعالى أصواتهم الصادحة بتغريدة أخرى:

    اللهم ان العيش عيش الآخرة فارحم الأنصار والمهاجرة

    وتغريدة ثالثة:

    لا يستوب من يعمّر مسجدا

    يدأب فيها قائما وقاعدا

    ومن يرى الغبار عنه حائدا



    انها خلايا لله تعمل.. انهم جنوده، يحملون لواءه، ويرفعون بناءه..

    ورسوله الطيّب الأمين معهم، يحمل من الحجارة أعتاها، ويمارس من العمل أشقه.. وأصواتهم المغرّدة تحكي غبطة أنفسهم الراضية المخبتة..

    والسماء من فوقهم تغبط الأرض التي تحملهم فوق ظهرها.. والحياة المتهللة تشهد أبهى أعيادها..!!

    وعمار بن ياسر هناك وسط المهرجان الحافل يحمل الحجارة الثقيلة من منحتها الى مستقرّها...



    ويبصره الرحمة المهداة محمد رسول الله، فيأخذه اليه حنان عظيم، ويقترب منه وينفض بيده البارّة الغبار الذي كسى رأسه، ويتأمّل وجهه الوديع المؤمن بنظرات ملؤها نور الله، ثم يقول على ملأ من أصحابه جميعا:

    " ويح ابن سميّة..!! تقتله الفئة الباغية"...



    وتتكرر النبوءة مرّة أخرى حين يسقط جدار كان يعمل تحته، فيظن بعض اخوانه أنه قد مات، فيذهب ينعاه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويفزّع الأصحاب من وقع النبأ.. لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في طمأنينة وثقة:

    " ما مات عمّار تقتله الفئة الباغية"..

    فمن تكون هذه الفئة يا ترى..؟؟

    ومتى..؟ وأي..؟

    لقد أصغى عمّار للنبوءة اصغاء من يعرف صدق البصيرة التي يحملها رسوله العظيم..

    ولكنه لم يروّع.. فهو منذ أسلم، وهو مرشّح للموت والشهادة في كل لحظة من ليل أو نهار...

    ومضت الأيام.. والأعوام..

    ذهب الرسول صلى الله عليه وسلم الى الرفيق الأعلى.. ثم لحق به الى رضوان الله أبو بكر.. ثم لحق بهما الى رضوان الله عمر..

    وولي الخلافة ذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه..

    وكانت المؤمرات ضدّ الاسلام تعمل عملها االمستميت، وتحاول أن تربح بالغدر واثارة الفتن ما خسرته في الحرب..

    وكان مقتل عمر أول نجاح أحرزته هذه المؤامرات التي أخذت تهبّ على المدينة كريح السموم من تلك البلاد التي دمّر الاسلام ملكها وعروشها..

    وأغراها استشهاد عمر على مواصلة مساعيها، فألّبت الفتن وأيقظتها في معظم بلاد الاسلام..

    ولعل عثمان رضي الله عنه، لم يعط الأمور ما تستحقه من الاهتمام والحذر، فوقعت الواقعة واستشهد عثمان رضي الله عنه، وانفتحت على المسلمين أبواب الفتنة.. وقام معاوية ينازع الخليفة الجديد عليّا كرّم الله وجهه حقه في الأمر، وفي الخلافة...



    وتعددت اتجاهات الصحابة.. فمنهم من نفض يديه من الخلاف وأوى الى بيتهخ، جاعلا شعاره كلمة ابن عمر:

    " من قال حيّ على الصلاة أجبته...

    ومن قال حيّ على الفلاح أجبته..

    ومن قال حيّ على قتل أخيك المسلم وأخذ ماله، قلات: لا؟..

    ومنهم من انحاز الى معاوية..

    ومنهم من وقف الى جوار عليّ صاحب البيعة، وخليفة المسلمين..

    ترى أين يقف اليوم عمّار؟؟

    أين يقف الرجل الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم:

    " واهتدوا بهدي عمّار"..؟

    أين يقف الرجل الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم:

    " من عادى عمّارا عاداه الله"..؟

    والذي كان اذا سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته يقترب من منزله قال:

    " مرحبا بالطيّب المقدام، ائذنوا له"..!!



    لقد وقف الى جوار عليّ ابن أبي طالب، لا متحيّزا ولا متعصبا، بل مذعنا للحق، وحافظا للعهد..

    فعليّ خليفة المسلمين، وصاحب البيعة بالامامة.. ولقد أخذ الخلافة وهو لها أهل وبها جدير..

    وعليّ قبل هذا وبعد هذا، صاحب المزايا التي جعلت منزلته من رسول الله صلى الله عليه وسلم كمنزلة هارون من موسى..

    ان عمارا الذي يدور مع الحق حيث دار، ليهتدي بنور بصيرته واخلاصه الى صاحب الحق الأوحد في النزاع.. ولم يكن صاحب الحق يومئذ في يقينه سوى عليّ، فأخذ مكانه الى جواره..

    وفرح علي رضي الله عنه بنصرته فرحا لعله لم يفرح يمئذ مثله وازداد ايمانا بأنه على الحق ما دام رجل الحق العظيم عمّار قد أقبل عليه وسار معه..

    وجاء يوم صفين الرهيب.

    وخرج الامام علي يواجه العمل الخطير الذي اعتبره تمرّدا يحمل هو مسؤولية قمعه.

    وخرج معه عمار..

    كان عمار قد بلغ من العمر يومئذ ثلاثة وتسعين..

    ثلاث وتسعون عاما ويخرج للقتال..؟

    أجل ما دام يتعقد أن القتال مسؤليته وواجبه.. ولقد قاتل أشدّ وأروع مما يقاتل أبناء الثلاثين...!!

    كان الرجل الدائم الصمت، القليل الكلام، لا يكاد يحرّك شفتيه حين يحرّكهما الا بهذه الضراعة:

    " عائذ بالله من فتنة...

    عائذ بالله من فتنة..".

    وبعيد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ظلت هذه الكلمات ابتهاله الدائم..

    وكلما كانت الأيام تمر، كان هو يكثر من لهجه وتعوّذه.. كأنما كان قلبه الصافي يحسّ الخطر الداهم كلما اقتربت أيامه..

    وحين وقع الخطر ونشبت الفتنة، كان ابن سميّة. يعرف مكانه فوقف يوم صفين حاملا سيفه وهو ابن الثالثة والتسعين كما قلنا ليناصر به حقا من يؤمن بوجوب مناصرته..

    ولقد أعلن وجهة نظره في هذا القتال قائلا:



    " ايها الناس:

    سيروا بنا نحو هؤلاء القوم الذين يزعمون أنهم يثأرون لعثمان، ووالله ما قصدهم الأخذ بثأره، ولكنهم ذاقوا الدنيا، واستمرءوها، وعلموا أن الحق يحول بينهم وبين ما يتمرّغون فيه من شهواتهم ودنياهم..

    وما كان لهؤلاء سابقة في الاسلام يستحقون بها طاعة المسلمين لهم، ولا الولاية عليهم، ولا عرفت قلوبهم من خشية الله ما يحملهم على اتباع الحق...

    وانهم ليخادعون الناس بزعمهم أنهم يثأرون لدم عثمان.. وما يريدون الا أن يكونوا جبابرة وملوكا؟...

    ثم أخذ الراية بيده، ورفعها فوق الرؤوس عالية خافقة، وصاح في الناس قائلا:

    " والذي نفسي بيده.. لقد قاتلت بهذه الراية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهأنذا أقاتل بها اليوم..

    والذي نفسي بيده. لو هزمونا حتى يبلغوا سعفات هجر، لعلمت أننا على الحق، وأنهم على الباطل"..

    ولقد تبع الناس عمارا، وآمنوا بصدق كلماته..

    يقول أبو عبدالرحمن السلمي:

    " شهدنا مع عليّ رضي الله عنه صفين، فرأيت عمار ابن ياسر رضي اله عنه لا يأخذ في ناحية من نواحيها، ولا واد من أوديتها، الا رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يتبعونه كأنه علم لهم"..!!

    كان عمّار وهو يجول في المعركة ويصول، يؤمن أنه واحد من شهدائها..

    وقد كانت نبوءة رسول الله صلى الله عليه وسلم تأتلق أمام عينيه بحروف كبرة:

    " تقتل عمّار الفئة الباغية"..

    من أجل هذا كان صوته يجلجل في أفق المعركة بهذه التغريدة:

    "اليوم القى الأحبة محمدا وصحبه"..!!



    ثم يندفع كقذيفة عاتية صوب مكان معاوية ومن حوله الأمويين ويرسل صياحا عاليا مدمدما:

    لقد ضربناكم على تنزيله

    واليوم نضربكم على تأويله

    ضربا يزيل الهام عن مقليه

    ويذهل الخليل عن خليله

    أو يرجع الحق الى سبيله

    وهو يعني بهذا أن أصحاب الرسول السابقين، وعمارا منهم قاتلوا الأمويين بالأمس وعلى رأسهم أبو سفيان الذي كان يحمل لواء الشرك، ويقود جيوش المشركين..

    قاتلوهم بالأمس، وكان القرآن الكريم يأمرهم صراحة بقتالهم لأنهم مشركون..

    أما اليوم، وان يكونوا قد أسلموا، وان يكن القرآن الكريم لا يأمرهم صراحة بقتالهم، الا أن اجتهاد عمار رضي الله عنه في بحثه عن الحق، وفهمه لغايات القرآن ومراميه يقنعانه بقتالهم حتى يعود الحق المغتصب الى ذويه، وحتى تنصفئ الى البد نار التمرّد والفتنة..

    ويعني كذلك، أنهم بالأمس قاتلوا الأمويين لكفرهم بالدين والقرآن..
    [align=center][/align]
    [align=center][/align]

    [glow1=#FF0000][align=center]تسلم إيدك اختي نايدا على التوقيع الرائعة و جزاك الله خيرا[/align][/glow1]

  2. #18
    كوكب الشبكة الصورة الرمزية الساجدة لله وحده
    تاريخ التسجيل
    Sep 2005
    الدولة
    بلد المليون و نصف مليون شهيد((الجزائر))
    المشاركات
    1,533
    معدل تقييم المستوى
    20
    واليوم يقاتلون الأمويين لانحرافهم بالدين، وزيغهم عن القرآن الكريم واساءتهم تأويله وتفسيره، ومحاولتهم تطويع آياته ومراميه لأغراضهم وأطماعهم..!!



    كان ابن الثالثة والتسعين، يخوض آخر معارك حياته المستبسلة الشامخة.. كان يلقن الحياة قبل أن يرحل عنها آخر دروسه في الثبات على الحق، ويترك لها آخر مواقفه العظيمة، الشريفة المعلمة..

    ولقد حاول رجال معاوية أن يتجنبوا عمّار ما استطاعوا، حتى لا تقتله سيفهم فيتبيّن للناس أنهم الفئة الباغية..

    بيد أن شجاعة عمار الذي كان يقتل وكأنه جيش واحد، أفقدتهم صوابهم، فأخذ بعض جنود معاوية يتحيّنون الفرصة لاصابته، حتى اذا تمكّنوا منه أصابوه...



    **



    كان جيش معاويبة ينتظم من كثيرين من المسلمين الجدد.. الذين أسلموا على قرع طبول الفتح الاسلامي في البلاد الكثيرة التي حررها الاسلام من سيطرة الروم والفرس.. وكان أكثر هؤلاء وقود الحرب التي سببها تمرّد معاوية ونكوصه على بيعة علي.. الخليفة، والامام، كانوا وقودها وزيتها الذي يزيدها اشتعالا..

    وهذا الخلاف على خطورته، كان يمكن أن ينتهي بسلام لو ظلت الأمور بأيدي المسلمين الأوائل.. ولكنه لم يكد يتخذ أشكاله الحادة حتى تناولته أيد كثيرة لا يهمها مصير الاسلام، وذهبت تذكي النار وتزيدها ضراما..

    شاع في الغداة خبر مقتل عمار وذهب المسلمون يتناقل بعضهم عن بعض نبوءة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي سمعها أصحابه جميعا ذات يوم بعيد، وهم يبنون المسجد بالمدينة..

    " ويح ابن سمية، تقتله الفئة الباعغية".

    وعرف الناس الآن من تكون الفئة الباغية.. انها الفئة التي قتلت عمّارا.. وما قتله الا فئة معاوية..



    وازداد أصحاب عليّ بهذا ايمانا..

    أما فريق معاوية، فقد بدأ الشك يغز قلوبهم، وتهيأ بعضهم للتمرد، والانضمام الى عليّ..

    ولم يكد معاوية يسمع بما حدث. حتى خرج يذيع في الناس أن هذه النبوءة حق ، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم تنبأ حقا بأن عمّارا ستقتله الفئة الباغية.. ولكن من الذي قتل عمّارا...؟ ثم صاح في الناس الذين معه قائلا:

    " انما قتله الذين خرجوا به من داره، وجاؤا به الى القتال"..

    وانخدع بعض الذين في قلوبهم هوى بهذا التأويل المتهالك، واستأنفت المعركة سيرها الى ميقاتها المعلوم...



    **



    أمّا عمّار، فقد حمله الامام علي فوق صدره الى حيث صلى عليه والمسلمون معه.. ثم دفنه في ثيابه..

    أجل في ثيابه المضمّخة بدمه الزكي الطهور.. فما في كل حرير الدنيا وديباجها ما يصلح أن يكون كفنا لشهيد جليل، وقدّيس عظيم من طراز عمّار...



    ووقف المسلمون على قبره يعجبون..

    منذ ساعات كان عمّار يغرّد بينهم فوق أرض المعركة.. تملؤ نفسه غبطة الغريب المضنى يزف الى وطنه، وهو يصيح:

    " اليوم ألقى الأحبة، محمدا وصحبة"..!!

    أكان معهم اليوم على موعد يعرفه، وميقات ينتظره...؟؟!!

    وأقبل بعض الأصحاب على بعضهم يتساءلون...

    قال أحدهم لصاحبه: أتذكر أصيل ذلك اليوم بالمدينةونحن جالسون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وفجأة تهلل وجهه وقال:

    " اشتاقت الجنة لعمّار"..؟؟

    قال له صاحبه نعم، ولقد ذكر يومها آخرين منهم علي وسلمان وبلال..

    اذن فالجنة كانت مشتاقة لعمّار..

    واذن، فقد طال شوقها اليه، وهو يستمهلها حتى يؤدي كل تبعاته، وينجز آخر واجباته..

    ولقد أدّاها في ذمّة، وأنجزها في غبطة..

    أفما آن له أن يلبي نداء الشوق الذي يهتف به من رحاب الجنان..؟؟

    بلى آن له أن يبلي النداء.. فما جزاء الاحسان الا الاحسان.. وهكذا ألقى رمحه ومضى..



    وحين كان تراب قبره يسوّى بيد أصحابه فوق جثمانه، كانت روحه تعانق مصيرها السعيد هناك.. في جنات الخلق، التي طال شوقها لعمّار...!
    [align=center][/align]
    [align=center][/align]

    [glow1=#FF0000][align=center]تسلم إيدك اختي نايدا على التوقيع الرائعة و جزاك الله خيرا[/align][/glow1]

  3. #19
    كوكب الشبكة الصورة الرمزية الساجدة لله وحده
    تاريخ التسجيل
    Sep 2005
    الدولة
    بلد المليون و نصف مليون شهيد((الجزائر))
    المشاركات
    1,533
    معدل تقييم المستوى
    20
    [align=center]خباب بن الأرت - أستاذ فنّ الفداء [/align]

    ويستوعبهم خبّاب بنظراته الشاردة الحالمة ويقول:

    هل رأيتموه..؟ هل سمعتم كلامه..؟

    وينظر بعضهم لبعض في دهشة وعجب..

    ويعود أحدهم فيسأله في خبث:

    هل رأيته أنت يا خبّاب..؟؟

    ويسخر خبّاب من مكر صاحبه، فيردّ عليه السؤال قائلا:

    من تعني..؟

    ويجيب الرجل في غيظ: أعني الذي تعنيه..؟

    ويجيب خبّاب بعد اذ أراهم أنه أبعد منالا من أن يستدرج، وأنه اعترف بايمانه الآن أمامهم، فليس لأنهم خدعوه عن نفسه، واستدرجوا لسانه، بل لأنه رأى الحق وعانقه، وقرر أن يصدع به ويجهر..



    يجيبهم قائلا، وهو هائم في نشوته وغبطة روحه:

    أجل... رأيته، وسمعته.. رأيت الحق يتفجر من جوانبه، والنور يتلألأ بين ثناياه..!!

    وبدأ عملاؤه القرشيون يفهمون، فصاح به أحدهم:

    من هذا الذي تتحدث عنه يا عبد أمّ أنمار..؟؟

    وأجاب خبّاب في هدء القديسين:

    ومن سواه، يا أخا العرب.. من سواه في قومك، من يتفجر من جوانبه الحق، ويخرج النور بين ثناياه..؟!

    وصاح آخر وهبّ مذعورا:

    أراك تعني محمدا..

    وهز خبّاب رأسه المفعم بالغبطة، وقال:

    نعم انه هو رسول الله الينا، ليخرجنا من الظلمات الى االنور..

    ولا يدري خبّاب ماذا قال بعد هذه الكلمات، ولا ماذا قيل له..

    كل ما يذكره أنه أفاق من غيبوبته بعد ساعات طويلة ليرى زوّاره قد انفضوا.. وجسمه وعظامه تعاني رضوضا وآلاما، ودمه النازف يضمّخ ثوبه وجسده..!!



    وحدّقت عيناه الواسعتان فيما حوله.. وكان المكان أضيق من أن يتسع لنظراتهما النافذة، فتحمّل على آلامه، ونهض شطر الفضاء وأمام باب داره وقف متوكئا على جدارها، وانطلقت عيناه الذكيتان في رحلة طويلة تحدّقان في الأفق، وتدوران ذات اليمين وذات الشمال..انهما لا تقفان عند الأبعاد المألوفة للناس.. انهما تبحثان عن البعد المفقود...أجل تبحثان عن البعد المفقود في حياته، وفي حياة الناس الذين معه في مكة، والناس في كل مكان وزمان..

    ترى هل يكون الحديث الذي سمعه من محمد عليه الصلاة والسلام اليوم، هو النور الذي يهدي الى ذلك البعد المفقود في حياة البشر كافة..؟؟

    واستغرق خبّاب في تأمّلات سامية، وتفكير عميق.. ثم عاد الى داخل داره.. عاد يضمّد جراح جسده، ويهيءه لاستقبال تعذيب جديد،

    وآلام جديدة..!!



    ومن ذلك اليوم أخذ خبّاب مكانه العالي بين المعذبين والمضطهدين..

    أخذ مكانه العالي بين الذين وقفوا برغم فقرهم، وضعفهم يواجهون كبرياء قريش وعنفها وجنونها..

    أخذ مكانه العالي بين الذين غرسوا في قلوبهم سارية الراية التي أخذت تخفق في الأفق الرحيب ناعية عصر الوثنية، والقيصرية.. مبشرة بأيام المستضعفين والكادحين، الذين سيقفون تحت ظل هذه الراية سواسية مع أولئك الذين استغلوهم من قبل، وأذاقوهم الحرمان والعذاب..

    وفي استبسال عظيم، حمل خبّاب تبعاته كرائد..

    يقول الشعبي:

    " لقد صبر خبّاب، ولم تلن له أيدي الكفار قناة، فجعلوا يلصقون ظهره العاري بالرضف حتى ذهب لحمه"..!!

    أجل كان حظ خبّاب من العذاب كبيرا، ولكن مقاومته وصبره كانا أكبر من العذاب..

    لقد حوّل كفار قريش جميع الحديد الذي كان بمنزل خبّاب والذي كان يصنع منه السيوف.. حولوه كله الى قيود وسلاسل، كان يحمى عليها في النار حتى تستعر وتتوهج، ثم يطوّق بها جسده ويداه وقدماه..

    ولقد ذهب يوما مع بعض رفاقه المضطهدين الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا جوعين من التضحية، بل راجين العافية، فقالوا:" يا رسول الله.. ألا تستنصر لنا..؟؟" أي تسأل الله لنا النصر والعافية...



    ولندع خبّابا يروي لنا النبأ بكلماته:

    " شكونا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد ببرد له في ظل الكعبة، فقلنا: يا رسول الله، ألا تستنصر لنا..؟؟

    فجلس صلى الله عليه وسلم، وقد احمرّ وجهه وقال:

    قد كان من قبلكم يؤخذ منهم الرجل، فيحفر له في الأرض، ثم يجاء بمنشار، فيجعل فوق رأسه، ما يصرفه ذلك عن دينه..!!

    وليتمّنّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء الى حضرموت لا يخشى الله الله عز وجل، والذئب على غنمه، ولكنكم تعجلون"..!!



    سمع خبّاب ورفاقه هذه الكلمات، فازداد ايمانهم واصرارهم وقرروا أن يري كل منهم ربّه ورسوله ما يحبّان من تصميم وصبر، وتضحية.

    وخاض خبّاب معركة الهول صابرا، صامدا، محتسبا.. واستنجد القرشيون أم أنمار سيدة خبّاب التي كان عبدا لها قبل أن تعتقه، فأقبلت واشتركت في حملة تعذيبه..

    وكانت تأخذ الحديد المحمى الملتهب، وتضعه فوق رأسه ونافوخه، وخبّاب يتلوى من الألم، لكنه يكظم أنفاسه، حتى لا تخرج منه زفرة ترضي غرور جلاديه..!!



    ومرّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما، والحديد المحمّى فوق رأسه يلهبه ويشويه، فطار قلبه حنانا وأسى، ولكن ماذا يملك عليه الصلاة والسلام يومها لخبّاب..؟؟

    لا شيء الا أن يثبته ويدعو له..

    هنالك رفع الرسول صلى الله عليه وسلم كفيه المبسوطتين الى السماء، وقال:

    " اللهم أنصر خبّابا"..

    ويشاء الله ألا تمضي سوى أيام قليلة حتى ينزل بأم أنمار قصاص عاجل، كأنما جعله القدر نذيرا لها ولغبرها من الجلادين، ذلك أنها أصيبت بسعار عصيب وغريب جعلها كما يقول المؤرخون تعوي مثل الكلاب..!!

    وقيل لها يومئذ لا علاج سوى أن يكوى رأسها بالنار..!!

    وهكذا شهد رأسها العنيد سطوة الحديد المحمّى يصبّحه ويمسّيه..!!



    **



    كانت قريش تقاوم الايمان بالعذاب.. وكان المؤمنون يقاومون العذاب بالتضحية.. وكان خبّاب واحدا من أولئك الذين اصطفتهم المقادير لتجعل منهم أساتذة في فن التضحية والفداء..

    ومضى خبّاب ينفق وقته وحياته في خدمة الدين الذي خفقت أعلامه..

    ولم يكتف رضي الله عنه في أيام الدعوة الأولى بالعبادة والصلاة، بل استثمر قدرته على التعليم، فكان يغشى بيوت بعض اخوانه من المؤمنين الذين يكتمون اسلامهم خوفا من بطش قريش، فيقرأ معهم القرآن ويعلمهم اياه..



    ولقد نبغ في دراسة القرآن وهو يتنزل آية آية.. وسورة، سورة حتى ان عبدالله بن مسعود، وهو الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من أراد أن يقرأ القرآن غصّا كما أنزل، فليقراه بقراءة ابن أم عبد"..

    نقول:

    حتى عبد الله بن مسعود كان يعتبر خبّابا مرجعا فيما يتصل بالقرآن حفظا ودراسة..



    وهو الذي كان يدرّس القرآن لـ فاكمة بنت الخطاب وزوجها سعيد بن زيد عندام فاجأهم عمر بن الخطاب متقلدا سيفه الذي خرج به ليصفي حسابه مع الاسلام ورسوله، لكنه لم يكد يتلو القرآن المسطور في الصحيفة التي كان يعلّم منها خبّاب، حتى صاح صيحته المباركة:

    " دلوني على محمد"...!!



    وسمع خبّاب كلمات عمر هذه، فخرج من مخبئه الذي كان قد توارى فيه وصاح:

    " يا عمر..

    والله اني لأرجوا أن يكون الله قد خصّك بدعوة نبيّه صلى الله عليه وسلم، فاني سمعته بالأمس يقول: اللهم أعز الاسلام بأحبّ الرجلين اليك.. أبي الحكم بن هشام، وعمربن الخطاب"..

    وسأله عمر من فوره: وأين أجد الرسول الآن يا خبّاب:

    " عند الصفا، في دار الأرقم بن أبي الأرقم"..

    ومضى عمر الى حظوظه الوافية، ومصيره العظيم..!!



    **

    شهد خبّاب بن الأرت جميع المشهد والغزوات مع النبي صلى الله عليه وسلم، وعاش عمره كله حفيظا على ايمانه ويقينه....

    وعندما فاض بيت مال لمسلمين بالمال أيام عمر وعثمان، رضي الله عنهما، كان خبّاب صاحب راتب كبير بوصفه من المهاجرين لسابقين الى الاسلام..

    وقد أتاح هذا الدخل الوفير لخبّاب أن يبتني له دارا بالكوفة، وكان يضع أمواله في مكان ما من الدار يعرفه أصحابه وروّاده.. وكل من وقعت عليه حاجة، يذهب فيأخذ من المال حاجته..

    ومع هذا فقد كان خبّاب لا يرقأ له جفن، ولا تجف له دمعة كلما ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه الذين بذلوا حياهم للله، ثم ظفروا بلقائه قبل أن تفتح الدنيا على المسلمين، وتكثر في أيديهم الأموال.

    اسمعوه وهو يتحدث االى عوّاده الذين ذهبوا يعودونه وهو رضي الله عنه في مرض موته.

    قالوا له:

    أبشر يا أبا عبدالله، فانك ملاق اخواتك غدا..

    فأجابهم وهو يبكي:

    " أما انه ليس بي جزع .. ولكنكم ذكّرتموني أقواما، واخوانا، مضوا بأجورهم كلها ام ينالوا من الدنيا شيئا..

    وانّا بقينا بعدهم حتى نلنا من الدنيا ما لم نجد له موضعا الا التراب"..

    وأشار الى داره المتواضعة التي بناها.

    ثم أشار مرة أخرى الى المكان الذي فيه أمواله وقال:

    " والله ما شددت عليها من خيط، ولا منعتها من سائل"..!

    ثم التفت الى كنفه الذي كان قد أعدّ له، وكان يراه ترفا واسرافا وقال ودموعه تسيل:

    " أنظروا هذا كفني..

    لكنّ حمزة عم الرسول صلى الله عليه وسلم لم يوجد له كفن يوم استشهد الا بردة ملحاء.... اذا جعلت على رأسه قلصت عن قدميه، واذا جعلت على قدميه قلصت عن رأسه"..!!



    **



    ومات خبّاب في السنة السابعة والثلاثين للهجرة..

    مات أستاذ صناعة السيوف في الجاهلية..

    وأستاذ صناعة التضحية والفداء في الاسلام..!!



    مات الرجل الذي كان أحد الجماعة الذين نزل القرآن يدافع عنهم، ويحييهم، عندما طلب بعض السادة من قريش أن يجعل لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما، وللفراء من أمثال :خبّاب، وصهيب، وبلال يوما آخر.

    فاذا القرآن العظيم يختص رجال الله هؤلاء في تمجيد لهم وتكريم، وتهل آياته قائلة للرسول الكريم:

    ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه، ما عليك من حسابهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا: أهؤلاء منّ الله عليهم من بيننا؟! أليس الله بأعلم بالشاكرين واذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا، فقل سلام عليكم، كتب ربكم على نفسه الرحمة)..





    وهكذا، لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يراهم بعد نزول الآيات حتى يبالغ في اكرامهم فيفرش لهم رداءه، ويربّت على أكتافهم، ويقول لهم:

    " أهلا بمن أوصاني بهم ربي"..

    أجل.. مات واحد من الأبناء البررة لأيام الوحي، وجيل التضحية...



    ولعل خير ما نودّعه به، كلمات الامام علي كرّم الله وجهه حين كان عائدا من معركة صفين، فوقعت عيناه على قبر غضّ رطيب، فسأل: قبر من هذا..؟

    فأجابوه: انه قبر خبّاب..

    فتملاه خاشعا آسيا، وقال:

    رحم الله خبّابا..

    لقد أسلم راغبا.

    وهاجر طاءعا..

    وعاش مجاهدا..
    [align=center][/align]
    [align=center][/align]

    [glow1=#FF0000][align=center]تسلم إيدك اختي نايدا على التوقيع الرائعة و جزاك الله خيرا[/align][/glow1]

  4. #20
    كوكب الشبكة الصورة الرمزية الساجدة لله وحده
    تاريخ التسجيل
    Sep 2005
    الدولة
    بلد المليون و نصف مليون شهيد((الجزائر))
    المشاركات
    1,533
    معدل تقييم المستوى
    20
    [align=center]أبو عبيدة بن الجرّاح - أمين هذه الأمة [/align]


    أسلم على يد أبي بكر الصديق رضي الله عنه في الأيام الأولى للاسلام، قبل أن يدخل الرسول صلى الله عليه وسلم دار الرقم، وهاجر الى الحبشة في الهجرة الثانية، ثم عاد منها ليقف الى جوار رسوله في بدر، وأحد، وبقيّة المشاهد جميعها، ثم ليواصل سيره القوي الأمين بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم في صحبة خليفته أبي بكر، ثم في صحبة أمير المؤمنين عمر، نابذا الدنيا وراء ظهره مستقبلا تبعات دينه في زهد، وتقوى، وصمود وأمانة.



    **



    عندما بايع أبو عبيدة رسول الله صلى الله عليه وسلم، على أن ينفق حياته في سبيل الله، كان مدركا تمام الادراك ما تعنيه هذه الكلمات الثلاث، في سبيل الله وكان على أتم استعداد لأن يعطي هذا السبيل كل ما يتطلبه من بذل وتضحية..



    ومنذ بسط يمينه مبايعا رسوله، وهو لا يرى في نفسه، وفي ايّامه وفي حياته كلها سوى أمانة استودعها الله اياها لينفقها في سبيله وفي مرضاته، فلا يجري وراء حظ من حظوظ نفسه.. ولا تصرفه عن سبيل الله رغبة ولا رهبة..

    ولما وفّى أبو عبيدة بالعهد الذي وفى به بقية الأصحاب، رأى الرسول في مسلك ضميره، ومسلك حياته ما جعله أهلا لهذا اللقب الكريم الذي أفاءه عليه،وأهداه اليه، فقال عليه الصلاة والسلام:

    " أمين هذه الأمة، أبو عبيدة بن الجرّاح".



    **



    ان أمانة أبي عبيدة على مسؤولياته، لهي أبرز خصاله.. فففي غزوة أحد أحسّ من سير المعركة حرص المشركين، لا على احراز النصر في الحرب، بل قبل ذلك ودون ذلك، على اغتيال حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، فاتفق مع نفسه على أن يظل مكانه في المعركة قريبا من مكان الرسول..

    ومضى يضرب بسيفه الأمين مثله، في جيش الوثنية الذي جاء باغيا وعاديا يريد أن يطفئ نور الله..



    وكلما استدرجته ضرورات القتال وظروف المعركة بعيدا عن رسول الله صلى اله عليه وسلم قاتل وعيناه لا تسيران في اتجاه ضرباته.. بل هما متجهتان دوما الى حيث يقف الرسول صلى الله عليه وسلم ويقاتل، ترقبانه في حرص وقلق..

    وكلما تراءى لأبي عبيدة خطر يقترب من النبي صلى الله عليه وسلم، انخلع من موقفه البعيد وقطع الأرض وثبا حيث يدحض أعداء الله ويردّهم على أعقابهم قبل أن ينالوا من الرسول منالا..!!

    وفي احدى جولاته تلك، وقد بلغ القتال ذروة ضراوته أحاط بأبي عبيدة طائفة من المشركين، وكانت عيناه كعادتهما تحدّقان كعيني الصقر في موقع رسول الله، وكاد أبو عبيدة يفقد صوابه اذ رأى سهما ينطلق من يد مشرك فيصيب النبي، وعمل سيفه في الذين يحيطون به وكأنه مائة سيف، حتى فرّقهم عنه، وطار صواب رسول الله فرأى الدم الزكي يسيل على وجهه، ورأى الرسول الأمين يمسح الدم بيمينه وهو يقول:

    " كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيّهم، وهو يدعهم الى ربهم"..؟

    ورأى حلقتين من حلق المغفر الذي يضعه الرسول فوق رأسه قد دخانا في وجنتي النبي، فلم يطق صبرا.. واقترب يقبض بثناياه على حلقة منهما حتى نزعها من وجنة الرسول، فسقطت ثنيّة، ثم نزع الحلقة الأخرى، فسقطت ثنيّة الثانية..

    وما أجمل أن نترك الحديث لأبي بكر الصدسق يصف لنا هذا المشهد بكلماته:

    " لما كان يوم أحد، ورمي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخلت في وجنته حلقتان من المغفر، أقبلت أسعى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانسان قد أقبل من قبل المشرق يطير طيرانا، فقلت: اللهم اجعله طاعة، حتى اذا توافينا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، واذا هو أبو عبيدة بن الجرّاح قد سبقني، فقال: أسألك بالله يا أبا بكر أن تتركني فأنزعها من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم..

    فتركته، فأخذ أبو عبيدة بثنيّة احدى حلقتي المغفر، فنزعها، وسقط على الأرض وسقطت ثنيته معه..

    ثم أخذ الحلقة الأخرى بثنية أخرى فسقطت.. فكان أبو عبيدة في الناس أثرم."!!



    وأيام اتسعت مسؤوليات الصحابة وعظمت، كان أبو عبيدة في مستواها دوما بصدقه وبأمانته..

    فاذا أرسله النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الخبط أميرا على ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا من المقاتلين وليس معهم زاد سوى جراب تمر.. والمهمة صعبة، والسفر بعيد، استقبل ابو عبيدة واجبه في تفان وغبطة، وراح هو وجنوده يقطعون الأرض، وزاد كل واحد منهم طوال اليوم حفنة تملا، حتى اذا أوشك التمر أن ينتهي، يهبط نصيب كل واحد الى تمرة في اليوم.. حتى اذا فرغ التمر جميعا راحوا يتصيّدون الخبط، أي ورق الشجر بقسيّهم، فيسحقونه ويشربون عليه الامء.. ومن اجل هذا سميت هذه الغزوة بغزوة الخبط..

    لقد مضوا لا يبالون بجوع ولا حرمان، ولا يعنيهم الا أن ينجزوا مع أميرهم القوي الأمين المهمة الجليلة التي اختارهم رسول الله لها..!!



    **



    لقد أحب الرسول عليه الصلاة والسلام أمين الأمة أبا عبيدة كثيرا.. وآثره كثيرا...

    ويوم جاء وفد نجلاان من اليمن مسلمين، وسألوه أن يبعث معهم من يعلمهم القرآن والسنة والاسلام، قال لهم رسول الله:

    " لأبعثن معكم رجلا أمينا، حق أمين، حق أمين.. حق أمين"..!!

    وسمع الصحابة هذا الثناء من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتمنى كل منهم لو يكون هو الذي يقع اختيار الرسول عليه، فتصير هذه الشهادة الصادقة من حظه ونصيبه..

    يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه:

    " ما أحببت الامارة قط، حبّي اياها يومئذ، رجاء أن أكون صاحبها، فرحت الى الظهر مهجّرا، فلما صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر، سلم، ثم نظر عن يمينه، وعن يساره، فجعلت أتطاول له ليراني..

    فلم يزل يلتمس ببصره حتى رأى أبا عبيدة بن الجرّاح، فدعاه، فقال: أخرج معهم، فاقض بينهم بالحق فيما اختلفوا فيه.. فذهب بها أبا عبيدة؟..!!

    ان هذه الواقعة لا تعني طبعا أن أبا عبيدة كان وحده دون بقية الأصحاب موضع ثقة الرسول وتقديره..

    انما تعني أنه كان واحدا من الذين ظفروا بهذه الثقة الغالية، وهذا التقدير الكريم..

    ثم كان الواحد أو الوحيد الذي تسمح ظروف العمل والدعوة يومئذ بغيابه عن المدينة، وخروجه في تلك المهمة التي تهيئه مزاياه لانجازها..

    وكما عاش أبو عبيدة مع الرسول صلى الله عليه وسلم أمينا، عاش بعد وفاة الرسول أمينا.. بحمل مسؤولياته في أمانة تكفي أهل الأرض لو اغترفوا منها جميعا..



    ولقد سار تحت راية الاسلام أنذى سارت، جنديّا، كأنه بفضله وباقدامه الأمير.. وأميرا، كأن بتواضعه وباخلاصه واحدا من عامة المقاتلين..

    وعندما كان خالد بن الوليد.. يقود جيوش الاسلام في احدى المعارك الفاصلة الكبرى.. واستهل أمير المؤمنين عمر عهده بتولية أبي عبيدة مكان خالد..



    لم يكد أبا عبيدة يستقبل مبعوث عمر بهذا الأمر الجديد، حتى استكتمه الخبر، وكتمه هو في نفسه طاويا عليه صدر زاهد، فطن، أمين.. حتى أتمّ القائد خالد فتحه العظيم..

    وآنئذ، تقدّم اليه في أدب جليل بكتاب أمير المؤمنين!!

    ويسأله خالد:

    " يرحمك الله يا أبا عبيدة.ز ما منعك أن تخبرني حين جاءك الكتاب"..؟؟

    فيجيبه أمين الأمة:

    " اني كرهت أن أكسر عليك حربك، وما سلطان الدنيا نريد، ولا للدنيا نعمل، كلنا في الله اخوة".!!!



    **



    ويصبح أبا عبيدة أمير الأمراء في الشام، ويصير تحت امرته أكثر جيوش الاسلام طولا وعرضا.. عتادا وعددا..

    فما كنت تحسبه حين تراه الا واحدا من المقاتلين.. وفردا عاديا من المسلمين..

    وحين ترامى الى سمعه أحاديث أهل الشام عنه، وانبهارهم بأمير الأمراء هذا.. جمعهم وقام فيهم خطيبا..

    فانظروا ماذا قال للذين رآهم يفتنون بقوته، وعظمته، وأ/انته..

    " يا أيها الناس..

    اني مسلم من قريش..

    وما منكم من أحد، أحمر، ولا أسود، يفضلني بتقوى الا وددت أني في اهابه"..ّّ

    حيّاك الله يا أبا عبيدة..

    وحيّا الله دينا أنجبك ورسولا علمك..

    مسلم من قريش، لا أقل ولا أكثر.

    الدين: الاسلام..

    والقبيلة: قريش.

    هذه لا غير هويته..

    أما هو كأمير الأمراء، وقائد لأكثر جيوش الاسلام عددا، وأشدّها بأسا، وأعظمها فوزا..

    أما هو كحاكم لبلاد الشام،أمره مطاع ومشيئته نافذة..

    كل ذلك ومثله معه، لا ينال من انتباهه لفتة، وليس له في تقديره حساب.. أي حساب..!!



    **



    ويزور أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الشام، ويسأل مستقبليه:

    أين أخي..؟

    فيقولون من..؟

    فيجيبهم: أبو عبيدة بن الجراح.

    ويأتي أبو عبيدة، فيعانقه أمير المؤمنين عمر.. ثم يصحبه الى داره، فلا يجد فيها من الأثاث شيئا.. لا يجد الا سيفه، وترسه ورحله..

    ويسأله عمر وهو يبتسم:

    " ألا اتخذت لنفسك مثلما يصنع الناس"..؟

    فيجيبه أبو عبيدة:

    " يا أمير المؤمنين، هذا يبلّغني المقيل"..!!



    **



    وذات يوم، وأمير المؤمنين عمر الفاروق يعالج في المدينة شؤن عالمه المسلم الواسع، جاءه الناعي، أن قد مات أبو عبيدة..

    وأسبل الفاروق جفنيه على عينين غصّتا بالدموع..

    وغاض الدمع، ففتح عينيه في استسلام..

    ورحّم على صاحبه، واستعاد ذكرياته معه رضي الله عنه في حنان صابر..

    وأعاد مقالته عنه:

    " لو كنت متمنيّا، ما تمنيّت الا بيتا مملوءا برجال من أمثال أبي عبيدة"..



    **

    ومات أمين الأمة فوق الأرض التي طهرها من وثنية الفرس، واضطهاد الرومان..

    زهناك اليوم تحت ثرى الأردن يثوي رفات نبيل، كان مستقرا لروح خير، ونفس مطمئنة..

    وسواء عليه، وعليك، أن يكون قبره اليوم معروف أو غير معروف..

    فانك اذا أردت أن تبلغه لن تكون بحاجة الى من يقودك اليه..

    ذلك أن عبير رفاته، سيدلك عليه..!!
    [align=center][/align]
    [align=center][/align]

    [glow1=#FF0000][align=center]تسلم إيدك اختي نايدا على التوقيع الرائعة و جزاك الله خيرا[/align][/glow1]

صفحة 5 من 26 الأولىالأولى ... 234567815 ... الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. " كنية الرسول صلى الله عليه وسلم " م5* اللايكات3-3
    بواسطة لمسة قشطة في المنتدى فداك يارسول الله ,5
    مشاركات: 25
    آخر مشاركة: 17-03-2020, 02:22 PM
  2. *ما الحكمة من كثرة زواج الرسول "صلى الله عليه وسلم"
    بواسطة تآج راس زوجي.. في المنتدى فداك يارسول الله ,5
    مشاركات: 14
    آخر مشاركة: 14-12-2011, 10:48 PM
  3. آخر وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم " تُدمع العين "
    بواسطة اطلالة الربيع في المنتدى منتديات اسلامية,( على منهج أهل السنة والجماعة)
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 17-05-2010, 01:43 AM
  4. الرسول"صلى الله عليه و سلم" يهان في اغاني في هذا الموقع
    بواسطة الساجدة لله وحده في المنتدى المجلس العام
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 05-08-2006, 02:42 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

مواقع النشر

مواقع النشر

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

أهم المواضيع

المطبخ

من مواقعنا

صفحاتنا الاجتماعية

المنتديات

ازياء | العناية بالبشرة | رجيم | فساتين زفاف 2017 | سوق نسائي | طريقة عمل البيتزا | غرف نوم 2017 | ازياء محجبات | العناية بالشعر | انقاص الوزن | فساتين سهرة | اجهزة منزلية | غرف نوم اطفال | صور ورد | ازياء اطفال | شتاء | زيادة الوزن | جمالك | كروشيه | رسائل حب 2017 | صور مساء الخير | رسائل مساء الخير | لانجري | تمارين | وظائف نسائية | اكسسوارات | جمعة مباركة | مكياج | تسريحات | عروس | تفسير الاحلام | مطبخ | رسائل صباح الخير | صور صباح الخير | اسماء بنات | اسماء اولاد | اتيكيت | اشغال يدوية | الحياة الزوجية | العناية بالطفل | الحمل والولادة | ديكورات | صور حب | طريقة عمل القرصان | طريقة عمل الكريب | طريقة عمل المندي |