أسباب السعادة وكيف نحصل عليها
صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 4 من 9

الموضوع: أسباب السعادة وكيف نحصل عليها

  1. #1
    مشرفة الركن الإسلامي الصورة الرمزية ام سارة**
    تاريخ التسجيل
    Sep 2014
    المشاركات
    5,124
    معدل تقييم المستوى
    24

    جديد أسباب السعادة وكيف نحصل عليها




    أسباب السعادة وكيف نحصل عليها
    إن السعادة في هذه الدنيا هي مطلب كل إنسان؛ ولكن ليس كل من طلب السعادة يجدها؟
    هناك من يبحث عن السعادة في المال؛ وهناك من يبحث عنها في الجاه والقوة والسلطان، وهناك من يبحث عنها في الشهرة، وهناك من يبحث عنها في الملذات والشهوات، وفي هذا الدرس بيان لأسباب السعادة، وأنها في طاعة الله وعبادته والعمل الصالح مع شواهد من أخبار الصحابة والتابعين.
    أهمية موضوع أسباب السعادة
    الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيرا، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفةً لمن أراد أن يذَّكر أو أراد شكوراً.
    والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً.. بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين.
    فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
    أمَّا بَعْـد:
    فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
    هذه المحاضرة بعنوان (أسباب السعادة وكيف نحصل عليها).
    ولأنه موضوع طارئ وجد لبعض الأمور، ولكثرة الأسئلة في هذا الباب، وهو موضوعٌ تجدر العناية به؛ فقد كتب عنه المسلمون والكفار، وتكلم به الخطباء، واعتنى به العلماء والأدباء والشعراء؛ وكانت السعادة هدفاً لكل الأممم.. مسلمو الأمم وكافروها.
    وهذه السعادة هدفٌ يطلبها كل الناس.. فمنهم من ظن أن السعادة في الملك؛ فسعى في طلبه، وسفك الدماء للحصول عليه، وحاول كلَّ جهده أن يجعل حياته تحقيقاً لهذا المطلب؛ وكان منهم فرعون الطاغية، الذي لما وصل إلى الملك قال: أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي.
    وظن آخرون أنها في المال فسعوا في طلبه، وبذلوا الأرواح والمهج رخيصةً حتى حصلوا عليه، ولكن ما وجدوا فيه السعادة.. وكان منهم قارون قال تعالى: فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [القصص:79].

    وظن آخرون أنه في كثرة الأولاد، ومنهم الوليد بن المغيرة قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً * وَبَنِينَ شُهُوداً [المدثر:11-13] إلى غير تلك المسالك.
    كتب ومؤلفات عن الموضوع
    وأعرف كتباً كثيرة ألفت في هذا الباب -قديمةً وحديثة- وقد تكلم علماء الإسلام عن هذه السعادة وكيف تحصل.. منهم شيخ الإسلام ابن تيمية في"الفتاوى " وفي غيرها، ومنهم ابن القيم في"مدارج السالكين " وفي" طريق الهجرتين ".
    ومن المحدثين الأستاذ/ محمد الغزالي في كتاب "جدد حياتك " وقد جمع هذا الكتاب وأخذه من كتاب دع القلق وابدأ الحياة " لـدايل كارنيجي.
    ومن آخر ما علمت أنه كتب في هذا الباب الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله رحمةً واسعة وأسكنه فسيح جناته.

    وألخص ما كتبوا إن شاء الله في بنود وعناصر.
    ومن القصص عن أهل القرون السابقة القرن العباسي أن علي بن المأمون والمأمون هذا هو الخليفة العباسي الكبير- كان خليفةً من أعلم الخلفاء، لكن علمه ممزوج.. بالاعتزال والبدعة ما كان علمه سلفياً صافياً، ولذلك اعترض عليه شيخ الإسلام ابن تيمية وقال: إن الله سيسأل المأمون عما أدخل من الفلسفة في بلاد المسلمين، وهو الذي تزعم القول بخلق القرآن، ونشر هذا المبدأ، وجعل هناك تحالفاً بدعياً مع أحمد بن أبي دؤاد وبشر ومحمد بن جهم وأمثالهم، والشاهد أن ابنه علياً كان أميراً من الأمراء، وكان إذا أصبح الصباح خرج في شرفة القصر -في بغداد دار السلام - وقصور بني العباس كانت تلمع مع إشعاع الشمس من جودتها، وسموها، وسمقها، وورد أنهم كانوا يموهونها بماء الفضة؛ فإذا رأتها الشمس لمعت لمعاناً عجيباً، وبهرجاً غريباً، فكان يشرف على الشرفة -شرفة القصر- وينظر إلى الناس في أسواق بغداد ذاهبين وآيبين من دجلة إلى داخل بغداد، ولفت نظره رجلٌ مسكينٌ فقيرٌ، كان يعمل حمالاً يحمل أكياساً ومتاعاً للناس بأجرة، فإذا أتت صلاة الضحى توضأ من ماء دجلة، ثم صلى أربع ركعات، ثم يعود ليعمل إلى قرب الظهر، فإذا اقترب الظهر ذهب فنام؛ فإذا سمع أذان الظهر قام فتوضأ، ثم ذهب إلى المسجد فصلى، فإذا صلى أتى فأخذ قطعةً من الخبز اشتراها من السوق وشيئاً من البقل، فأتى فغسل البقل في نهر دجلة قريباً من قصر الأمير، وأكل هذه القطعة مع هذا البقل، ثم يقوم ويصلى إلى العصر، ثم يعمل بعد العصر، ثم يأخذ شيئاً ويذهب إلى بيته.. فأخذ يلمحه طيلة الأيام؛ وما تغير في سيرته، ولا في برنامجه شيء، فلفت نظره! وقال: أهو سعيد أم شقي؟ وما هي نفسيته؟.. وأراد أن يتساءل معه؛ فأرسل بعض خدمه إليه..
    وقال له: الأمير يدعوك.
    قال: ما لي وللأمير.. أنا ما دخلت في حياتي على أمير من الأمراء، ولا أريد شيئاً من الدنيا، أي: ليس عندي من المشاكل، ولا من الطلبات، ولا من الأمور التي أعلمها شيء، وما تكلمت في أمير، وما أظن أنني أعرف أحداً منهم.
    قال: إنه يريدك لأمر.
    قال:آتيه غداً.
    قال: إنه يريدك اليوم.. فأتى بهيئته، وأسماله البالية، وبثيابه.
    وهذه القصة في التاريخ، ومن ضمن من ذكرها صاحب" رجال من التاريخ "، وصاحب" قصص من التاريخ " الشيخ علي الطنطاوي، وهي موجودة؛ لكنه بسطها بأسلوب أدبي، فهو إذا كتب في هذا المجال أجاد وأفاد، فهو صاحب قلمٍ سيال، وقلمه أحسن من لسانه. فالمقصود أنهم دخلوا بهذا الفقير المسكين على الأمير؛ فأجلسه عنده، فلما رآه قال له الأمير: أأنت سعيد؟ قال: الحمد لله أنا في سعادة ما بعدها سعادة. قال: أتريد شيئاً من الدنيا؟ قال: لا والله ما أريد شيئاً. قال: فإني أعرض عليك شيئاً من هذا المال. قال: أسألك بالله عز وجل إلا تركتني وحالي. قال: فكن عندنا في قصرنا، قال: لا.. لا أريد الشقاء، أريد السعادة فيما أنا فيه. قال: ما هو عملك؟ وما هو دخلك، وأهلك؟ قال: أنا لي زوجةٌ وأخت؛ زوجة مقعدة وأخت عمياء، وليس لي من الدخل إلا ما أقوته في اليوم.. أذهب في الصباح، فأعمل إلى الظهر، ثم أتغدى بهذه الكسرة التي أجدها من العمل، بعد أن أتوضأ وأصلي الضحى، ثم أنام، ثم أصلي الظهر، وبعدها أصلي إلى العصر، ثم أعمل قليلاً لآخذ إفطاراً لزوجتي ولأختي؛ لأنهما تصومان الدهر. قال: وهل تخافُ شيئاً؟ قال: لا والله. قال: هل عليك دينٌ؟ قال: ما عرفت الدَّين. قال: أعندك مشكلةٌ ترفعها إليَّ؟ قال: ما شاكلت أحداً في حياتي. قال: ما تريد؟ قال: أن تتركني. قال: فتركه فنزل.
    فلما نزل أخذ الأمير ينظر إليه متعجباً من هذا الصنيع، وفي آخر المطاف أتى هذا الأمير وكان عاقلاً حازماً، فاستدعى بعض المقربين من إخوانه وعشيرته، وقال: إنني سوف أذهب إلى مكان الله أعلم به، فإن تخلفت فأخبروا أبي أنني ذهبت إلى أرض، وأنني بخيرٍ إن شاء الله، فخلع ثيابه في غداةٍ من الأيام، وأخذ خاتماً بيده، وترك أمواله، وأوصى بكل شيءٍ من ذويه، ثم ركب. قالوا: فنزل واسط وهي بلدٌ في الشمال، فأخذ يعمل، وغير مهنته حمالاً وهذه في ترجمة علي بن المأمون الخليفة العباسي.
    وكان يصلي الليل، ويصوم النهار ويقرأ القرآن، وأخذ المأمون يقلب الدنيا ظهراً لبطن عنه، فما وجده، وما ظن أنه سوف يكون حمالاً، يُمر به ولا يعرفه أبداً. فلما حضرته الوفاة ذهب إلى الذي يعمل عنده، فقال:أنا ابن المأمون الخليفة، فإذا أنا مت فخذ هذا الخاتم، وهذه الدراهم فاشترِ لي بها كفناً، فإنني قد وجدت السعادة في الحياة، وأوصل هذا الخاتم لأهلي.
    فلما توفي غسل وكفن من دراهمه.. وما ترك تركةً، ولا دنياً فقد كان عابداً زاهداً مستقيماً فأتي المأمون بخاتمه بعد أن توفي؛ فبكى وذهب إلى قبره ليزوره، وقال: وجدت السعادة.
    وهذه قصةٌ من قصصٍ سوف تمر معنا إن شاء الله، نقلت في التاريخ والسير، ونستعرض الآن أسباب السعادة، وما هي الأمور التي تقرب السعادة للمؤمن؟

  2. #2
    مشرفة الركن الإسلامي الصورة الرمزية ام سارة**
    تاريخ التسجيل
    Sep 2014
    المشاركات
    5,124
    معدل تقييم المستوى
    24

    الإيمان بالله عز وجل

    فإن الكافر لا سعادة له مطلقاً بإجماع العلماء والعقلاء، فالكافر لا سعادة له، والفاجر لا طمأنينة ولا سكينة له، كما قال سبحانه: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى [طه:124-126]

    وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في المؤمن: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97].

    فالحياة الطيبة في الإيمان والعمل الصالح؛ والناس يتفاوتون بحسب إيمانهم وعملهم الصالح درجات، وبحسبها تكون السعادة، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ الأنعام:125].


    ويتكلم ابن تيمية عن بعض المناطقة الفلاسفة أهل الشك والريبة، الذين شكوا في قدرة الباري سُبحَانَهُ وَتَعَالَى فأصابهم الله بغمٍ، وهمٍ، وظلامٍ، وقلق، واضطراب، حتى كادوا أن يموتوا.

    قيل لأحدهم: بماذا تشعر؟
    قال: أشعر أن قلبي ظلمات بعضها فوق بعض.
    قالوا:يقول العلماء:ليس لك علاج إلا العبادة.
    قال: لا أستطيع العبادة.وهذا هو الخذلان، والعجيب أن بعض الناس يؤلف في السعادة؛ ولا يدرك السعادة، فإن دايل كارنيجي الأمريكي الذي ألف" دع القلق وابدأ الحياة "
    الكتاب الذي ترجم إلى تسعٍ وخمسين لغة في العالم، وهو من أكثر كتب الكفار انتشاراً، هذا في آخر عمره أخذ سكيناً ونحر نفسه؛ لأنه ما عرف الطريق إلى السعادة، وما عرف الإيمان، فهؤلاء دلُّوا على طريق العبادة فقالوا: لا نستطيع العبادة، فأعظم الناس سعادةً المؤمن الذي يعمل الصالحات.


    وفي صحيح مسلم عن صهيب أنه صلى الله عليه وسلم قال: {عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير؛ إن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وليس ذلك إلا للمؤمن}.

    قال عمر رضي الله عنه: [[والله ما أبالي أيهما ركبت: مطية الفقر أو مطية الغنى، إن كان فقراً فصبرٌ وأجر، وإن كان غنى فشكرٌ وأجر]].

    وقال ابن مسعود: [[والله ما أصبح لي من سعادة، إلا أن أتلمح القضاء والقدر، ففي أي موقع يقع القضاء والقدر فهي السعادة]].

    وقال عمر بن عبد العزيز وهو ينظر إلى أبنائه كأنهم الدنانير أمامه: [[والله الذي لا إله إلا هو ما أصبح لي من سعادة إلا في القضاء والقدر، ولو استلب هؤلاء من بين يدي؛ ما شعرت بقلق في أمر الله عز وجل]]

    ولهذا بلغوا منزلةً عظيمة في الإسلام، ولذلك حاول الناس في الحصول على السعادة، ونجح منهم من حصل على الإيمان.

    وبلال رضي الله عنه وأرضاه يوم ذاق حلاوة الإيمان، كان يسحب على الصخور وهو يقول: [[أحدٌ أحد.. أحدٌ أحد]].


    أحدٌ هتفت بها بصوتٍ صارخٍ تثني بقولتها لكل معطل

    وهو يوم يسحب على الرمال، ويجر على وجهه، يقول:أحدٌ أحد؛ لأنه ذاق حلاوة الإيمان، وارتفع الإيمان في قلبه إلى درجة أنه لا يشعر بالعذاب.

    و خبيب بن عدي أخذوه على مشنقة فرفعوه ثم أخذوا يضربونه بالسيوف، فقالوا له: أتحب أنَّ محمداً مكانك في مكة، وأنك في أهلك ومالك؟ قال: [[والله ما أحب أني في أهلي ومالي، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم تصيبه شوكة]] ثم لما رفعوه قال:
    ولست أبالي حين أُقتل مسلماً على أي جنبٍ كان في الله مصرعي
    وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أشلاء شلو ممزع

    أتي بـعبد الله بن حذافة الصحابة الشباب -فأخذ أسيراً إلى بلاد الروم فقال ملك الروم:أخرجوا إلي أسرى المسلمين.

    فأخرجوه.
    قال: هاتوا زيتاً وأغلوه في قدور، فغلوا الزيت حتى أصبح له أزيز في القدور؛ فأمر بالأسرى، وأخذ يوقعهم مكتفين في القدور، فينفصل اللحم عن العظم، فقال الملك لـعبد الله بن حذافة أتريد أن تعود عن دينك، وأعطيك نصف ملكي؟!

    قال: والله الذي لا إله إلا هو لو أعطيتني ملكك وملك آبائك وأجدادك على أن أترك دين محمدٍ صلى الله عليه وسلم طرفة عين ما تركته قال: خذوه إلى القدور، وألقوه في القدر، فذهبوا به وهو مكتوف الأيدي، فلما رأى الأسارى تغلي بهم القدور وقد انفصل العظم عن اللحم، بكى!
    فأعادوه وظنوا أنه سوف يذعن لأمر الملك؛ فقال: مالك تبكي؟
    قال: والله ما بكيت جزعاً من الموت، وما أتيت أقاتلكم إلا لطلب الشهادة، لكن أبكي لأنه ليس عندي إلا نفس واحدة، وأحب أن لي بعدد شعر رأسي نفوساً تعذب في سبيل الله.. فعجب منه!
    قال: لا أُطْلِقُكَ حتى تقبل رأسي، وأطلق معك الأسارى جميعاً -الذي بقي منهم- فاقترب منه، وأوهمه أنه قبل رأسه، وقد تفل على رأسه؛ فأطلق معه الأسارى، فلما وصل إلى المدينة؛ لقيه عمر، فعانقه وعمر يبكي، وقال:حقٌ على كل مسلم أن يقبل رأس عبد الله بن حذافة، فقال عبد الله، وكان مزاحاً: أتريد أن يكون رأسي من كثرة التقبيل أصلع كرأسك؟

    فقام الناس يقبلونه، وكان أولهم عمر رضي الله عنه وأرضاه (حقٌ على كل مسلم أن يقبل رأس عبد الله بن حذافة.


    ودخل ابن تيمية على أحد السلاطين السلاجقة في دمشق، وكان هذا السلطان إما ابن قطلوبك أو سلطان آخر، فقال له ابن قطلوبك يا ابن تيمية: الناس يقولون: إنك تريد ملكنا، وملك آبائنا وأجدادنا، فضحك ابن تيمية -ضحك المستعلي الشجاع المتحدي- وقال: والله الذي لا إله إلا هو ما ملكك وملك آبائك وأجدادك يساوي عندي فلساً، إني منذ عقلت رشدي أريد جنةً عرضها السماوات والأرض.. فلما سجنوه؛ أخذه السجان فأغلق عليه باب السجن، فتبسم ابن تيمية، وهو يقول: فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ
    ثم يقول: " ماذا يفعل أعدائي بي؟!
    أنا جنتي وبستاني في صدري -القرآن والذكر والتسبيح والتهليل والمناجاة-
    أنا جنتي وبستاني في صدري، أنّى سرت فهي معي، أنا قتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة، وسجني خلوة، ثم قال: المأسور من أسره هواه والمحجوب من حجب عن ربه ".

    يقول القاضي الزبيري:
    خذوا كل دنياكم واتركوا لي فؤادي حراً طليقاً غريبا
    فإني أعظمكم ثروة وإن خلتموني وحيداً سليبا

    وسعيد بن المسيب سيد التابعين، والإمام الكبير للسُنة في عهد التابعين، الذي كان من أعظم عباد الله عبادة، بقي يبكي في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام من كثرة التلاوة والعبادة حتى ذهبت عينه اليمنى، فقالوا: نخرج بك إلى العقيق -و العقيق وادٍ وارف الظلال، وبستان أخضر حول المدينة - علَّ بصرك أن يعود إليك، ثم قال: أتخرجون بي لتفوتني صلاة بألف صلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم؟
    لا والله، ما بقي لي من لذة إلا البكاء من خشية الله، وإلا المشي في الظلمات!!

    وقال: [[الحمد لله ما فاتتني تكبيرة الإحرام مع الإمام، وما نظرت إلى قفا إنسان غير الإمام أربعين سنة]].

    كان رضي الله تعالى عنه وأرضاه سعادته في سماع الأذان!
    أتته سكرات الموت، فتلي عليه حديث من أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال: أجلسوني.
    قالوا: أنت في سكرات الموت.
    قال:سبحان الله! يذكر الحبيب ولا أجلس، وأنا مضطجع.. والله لأجلسن.. فأجلسوه، ثم أضجعوه، فمات رضي الله عنه وأرضاه.

    ولذلك قال إبراهيم بن أدهم وكان زاهداً عابداً، وما كان يجد إلا كسرة الخبز قال: نحن في عيش لو علم به السلاطين لجالدونا عليه بالسيوف، يعني عيش السعادة، والاطمئنان، والإيمان والرضا بما عنده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
    فمن لا إيمان له، ولا عمل صالح فهو في عيشةٍ ضنك، ولو ملك من القصور ما ملك، من الدور ومن العمارات والفلل والمناصب ومن الأموال فوالله إنه في ضنك، وفي عنت، وفي مشقة! لأنه ما اهتدى إلى طريق الإيمان.


    العمل الصالح
    ومن أسباب السعادة: العمل الصالح:

    فعمل الصالحات هو من أكبر الأمور التي تحصل لك السعادة، وهي قرة العين، فقد كان عليه الصلاة والسلام إذا حزبه أمر قال: {أرحنا بالصلاة يا بلال!}
    وكان يقول:{وجعلت قرة عيني في الصلاة}
    يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ [البقرة:45]
    قال سيد قطب رحمه الله: إذا انتهى مدد الصبر وطاقة الصبر أتت الصلاة لتكون معيناً وطاقةً وزاداً، فالصبر ينتهي، ولكن تزيده الصلاة.

    وفي ترجمة الحافظ ابن حجر أنه خرج للنزهة، فطوقه لصوص يريدون سلبه وقتله، فتوضأ وقام يصلي، فتبدد اللصوص وخافوا وهربوا، فلما سلم قال له تلاميذه: مالك هربت إلى الصلاة. فقال: يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ [البقرة:45].

    ولذلك كان عباد الله يفزعون إلى الصلاة، ويفرون إلى طاعة الله إذا حزبهم أمر.
    ومن أعظم ما يسهل الخاطر، ويزيل الهموم والغموم عمل الصالحات -كما قلت- ومن أجلِّها: الصدقة، وجرب ذلك.
    مَرضَ كثير من الصالحين فتصدقوا، فكشف الله مرضهم؛ وأصابتهم كرب فتصدقوا، فأزاح الله كربهم؛ ولذلك عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {مثل البخيل والمتصدق مثل رجلين عليهما جبتان من حديد، قد اضطرت أيديهما إلى تراقيهما، فكلما هم المتصدق بصدقته اتسعت عليه حتى تعفي أثره، وكلما هم البخيل بالصدقة انقبضت كل حلقة إلى صاحبتها، وتقلصت عليه وانضمت يداه إلى تراقيه، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فيجتهد أن يوسعها فلا تتسع}.

    والبخيل بالمال، والبخيل بالجاه، والبخيل بالبسمة وبالكلمة الطيبة من أضيق الناس نفساً، ومن أسوئهم خلقاً، ومن أقلقهم حياةً؛ لأنه ما عرف سبيل السعة.


    ولذلك كان الكرماء أوسع الناس صدوراً، وجرب ذلك!.. فإنك لا تفعل خيراً للمسلمين إلا ويرزقك سُبحَانَهُ وَتَعَالَى سعةً في الصدر، فإنه غفور شكور -سُبحَانَهُ وَتَعَالَى- غفور يغفر الذنب، وشكور يشكر على الحسنات في الدنيا والآخرة.

    الرضا بالقدر
    ومن أسبابها كذلك الرضا بالقضاء والقدر:

    ذكر عن ابن قتيبة أنه قال: ما كان يتسلى الجاهليون في جاهليتهم وأهل الشرك في شركهم إلا بالقضاء والقدر، تموت ناقة المشرك فيقول: قضاء وقدر، يموت ابنه فيقول:قضاء وقدر.

    قال بعض العلماء: من يؤمن بالقضاء والقدر يتسلى بأجر!
    وقد قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ الحديد:22-23].

    وهذا عروة بن الزبير وكان عابداً زاهداً من العلماء والفقهاء السبعة، فقرروا قطع رجله من الفخذ، فقالوا: نسقيك كأساً من الخمر علَّ عقلك أن يذهب، فقال: والله لا أذهب عقلاً منحنيه الله، ولكن إذا توضأت ودخلت في صلاتي وناجيت ربي؛ فاقطعوا رجلي.. فلما دخل في الصلاة، أخذوا المناشير فبتروا رجله، فإذا هو مغمىً عليه!
    وبقي يوماً كاملاً، فلما استفاق، قالوا له: أحسن الله عزاءك في رجلك، وأحسن الله عزاءك في ابنك؛ فقد رفسته دابة من دواب الخليفة فمات.. فرفع طرفه وقال: اللهم لك الحمد!
    إن كنت أخذت فقد أعطيت، وإن كنت ابتليت فقد عافيت.. أعطيتني أربعة أبناء وأخذت ابناً واحداً، وأعطيتني أربعة أطراف، وأخذت طرفاً واحداً، فلك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا.

    يقول وهو يتمثل:
    لعمرك ما مديت كفى لريبةٍ وما حملتني نحو فاحشةٍ رجلي
    ولا دلني فكري ولا نظري لها ولا قادني سمعي إليها ولا عقلي
    وأعلم أني لم تصبني مصيبةٌ من الله إلا قد أصابت فتىً قبلي

    ومرض عمران بن حصين أحد الصحابة الأخيار ثلاثين سنة، فما شكى ولا بكى ولا تذمر، حتى كانت الملائكة تصافحه عند السحر بأيمانها.. وهذا في الإصابة لـابن حجر.

    ومرض أبو قلابة حتى قطعوا أطرافه الأربعة، أصابه مرض الآكلة في أطرافه -في رجليه ويديه- حتى قطعوها، وكان يتبسم حمداً لله وشكراً!

    قال ابن الجوزي في" صفة الصفوة " مروا بمولى أسود وهو مريض، وهو في زقاق من زقاق المدينة المنورة، وهو يتبسم، فقال له الناس: نمر عليك وأنت تذكر الله وتتبسم وأنت في مرض وفي حالة لا يعلمها إلا الله، فقال: أنا في سعادة، وكلما أصابني قليل بجانب الإيمان الذي أعطانيه الله عز وجل والعمل الصالح.

    وذكروا عن أيوب عليه السلام أنه لما ابتلي بالمرض في جسمه قال:اللهم أبق علي قلبي ولساني، قلبي أشكرك به، ولساني أذكرك به.. فكل شيءٍ دخل فيه المرض إلا لسانه وقلبه، فما كان لسانه يفتر من ذكر الله، وما كان قلبه يفتر من شكر الله.


    الرضا بالقضاء والقدر، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ التغابن:11].

    قال ابن عباس رضي الله عنه: [[هو العبد تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من عند الله، فيرضى ويسلم؛ فيهدي الله قلبه]].



  3. #3
    مشرفة الركن الإسلامي الصورة الرمزية ام سارة**
    تاريخ التسجيل
    Sep 2014
    المشاركات
    5,124
    معدل تقييم المستوى
    24
    الإحسان إلى الناس بالقول والفعل

    ومن أسبابها الإحسان بالبسمة، وبلين الكلمة، والشفاعة الحسنة، والصدقة، والبر، والصلة، والزيارة، وبمساعدته بأي نوع من المساعدة.. كلها تدخل عليك الطمأنينة، في الدنيا، وقد سلف شيء من هذا.

    النظر في الدنيا إلى من هو أدنى


    ومن أسبابها: النظر إلى من هو دونه في الحظوظ الدنيوية؛ لأن الحياة قليلة وزهيدة.
    قالوا: " الحياة قصيرة، فلا تقصرها بالهموم والغموم ".

    قال: هشام بن عبد الملك الخليفة الأموي، لأحد أصحابه:ما رأيك نعد الأيام التي سعدنا فيها، ولم يأتنا أمر مكدر.. فعد الأيام -وكان عمره ما يقارب ستين سنة- فما وجد فيها إلا ثلاثة عشر يوماً ذكر ذلك الذهبي، قالوا: عدوا أيامه في حياته التي سلم فيها من الهم والغم والكدر؛ فما وجدوها إلا ثلاثة عشر يوماً، وأما البقية فكانت هماً وغماً وكدراً.. فالحياة قصيرة، فلا تقصرها بالهم والغم والكدر.
    فمن أسباب السعادة النظر إلى من هو دونك في الحظوظ الدنيوية فلا في الحظوظ الدينية، لا تنظر إلى من هو دونك في الدين والاستقامة، وقيام الليل، وتلاوة القرآن، والعلم، والتحصيل، والذكر، والصيام، بل ينبغي أن تنظر إلى من هو فوقك؛ لكن انظر إلى من هو دونك في الرزق والمال والصحة والسكن والمعيشة، لترى نعمة الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عليك ولا تزدريها.


    يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: (كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً * انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً [الإسراء:20-21].


    وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [هود:15-16].

    وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ [الزخرف:33-35].


  4. #4
    مشرفة الركن الإسلامي الصورة الرمزية ام سارة**
    تاريخ التسجيل
    Sep 2014
    المشاركات
    5,124
    معدل تقييم المستوى
    24
    السعادة في طاعة الله
    استدعى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه سعيد بن عامر أحد الصحابة الفقراء الشباب المجاهدين العُبـَّاد، وما كان له من المال شيئاً... كان له صحفة يأكل ويغسل منه ثوبه؛ وعنده إبريق يغتسل فيه، ويتوضأ فيه؛ وعنده عصا، وعنده شملة يفترشها؛ فاستدعاه عمر وسعيد بن عامر هذا من المهاجرين الكبار، قائم لليل صائم للنهار، فاستدعاه عمر، وقال له: [[يا سعيد بن عامر: إني فكرت في أمر حمص وحمص بلدٌ في الشام في سوريا، وفكرت من أولي عليها أميراً، فما وجدت إلا أنت، فقد أرسلتك عليها أميراً. قال: يا أمير المؤمنين اعفني، لن أتولى، فدمعت عين عمر، قال: تجعلون الخلافة في عنقي، ثم تتركونني، وتتركوها لي، والله لتعينني عليها قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، فأرسله أميراً، ثم أعطاه عطاءه- لا أدري ثلاثة آلاف درهم، أو ثلاثة آلاف دينار- فأخذ هذا العطاء، وجمع بعض المال معه، وقال لزوجته: ما رأيك في هذا المال.. نعطيه شريكاً يعطينا، في الدرهم عشرة دراهم وزيادة، فقالت: وهل تجد من يعطيك هذا، قال: نعم، قالت: هذا مالي مع مالك.. وتاجر فيه ما دام أنه يعطينا ضعفه؛ فأخذه فأنفقه في سبيل الله مرة واحدة، ثم ذهب بصحفته وشملته وإبريقه وعصاه، ووصل إلى أهل حمص ودخل عليهم في نسك وخشوع لا يعلمه إلا الله، فلما رأوه قالوا: من أين أتيت؟ قال: من المدينة، مدينة الرسول عليه الصلاة والسلام، قالوا: هل رأيت أميراً، أرسله عمر سمعنا أنه سوف يصل، قال: هو أنا، قالوا:لست أنت أميرنا، وما هيئتك أنك أمير! قال:إن شئتم أن أدخل دخلت المدينة، وإن شئتم أن أخرج خرجت، قالوا: ادخل؛ فدخل، فاستمر في إمرته..
    فما مرت الأيام حتى جلس عمر بن الخطاب يتتبع أخبار الأمراء، وكان يحاسبهم كل سنة والعصا بيده.

    فكان يجمع عوام الناس وأعيان الناس وأعيانهم وعلمائهم وكبراءهم، ويجمع الأمراء، فلما سأل عن سعيد قال: ماذا تنقمون عليه، وماذا ينقم عليكم؟! فقالوا:يا أمير المؤمنين والله ما أخذنا عليه شيئاً، فقد كان من أحسن الناس سيرة وجهداً وعبادة، إلا أربعة أمور، قال: ما هي؟ وقال عمر في نفسه: اللهم لا تخيب ظني فيه، فإني ما علمته إلا من خيرة أصحاب رسولك صلى الله عليه وسلم، قالوا: أما الأمر الأول فما يخرج إلينا حتى يتعالى النهار فيجلس إلينا أي ما يخرج إلينا إلا ضحى.
    وأما الأمر الثاني: فإن له يوماً في الأسبوع لا نراه ولا يرانا.
    وأما الأمر الثالث: فإنه يغمى عليه أحياناً فيصرع في مجالسنا.
    وأما الأمر الرابع: فلا يخرج إلينا في الليل مهما طرقنا.
    فقال عمر: أجب عن نفسك يا سعيد! قال: اعفني يا أمير المؤمنين! -لا يريد أن عمله وأوراقه تعلن أمام الناس- قال: والله لتجيبن قال: اللهم إنك تعلم أني ما قمت رياءً.. أما قولهم: إني لا أخرج حتى يتعالى النهار، فأنا رجلٌ امرأتي مريضة منذ سنوات، فأنا أصلح طعامي، وأجهزه وأهيئه، ثم أفطر، ثم أكنس البيت، ثم أخرج إليهم. قال: هذه واحدة -ودموع عمر تسيل على لحيته- قال: والثانية؟ قال: أما قولهم: لا أخرج بليل.. فقد جعلت النهار لهم، والليل لربي، فما أصلي العشاء، إلا وأقوم وأتنفل حتى صلاة الفجر، قال: واليوم الذي لا تخرج فيه؟
    قال: وأما اليوم الذي لا أخرج فيه؛ فليس لي خادم وامرأتي مريضة، فأنا أغسل ثيابي وثياب أهلي يوماً في الأسبوع. قال:وما لك تصرع ويغمى عليك في المجلس؟ قال:يا أمير المؤمنين! إني حضرت قتل خبيب بن عدي في مكة، وأنا مشرك يوم قتل خبيب بن عدي فحضرت قتله، فلما رفع التفت إلينا جميعاً، وقال: اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحدا، فما ذكرت ذاك الموقف لأني ما نصرته إلا أغمي عليَّ، فبكى عمر حتى كاد يغمى عليه، وقال: الحمد لله الذي لم يخيب ظني فيك]].


    ذاك الطراز الرفيع الذي أخرجه عليه الصلاة والسلام، من مثل هذا الرجل فرضي الله عنهم، وأرضاهم، وألحقنا بهم في دار كرامته.


صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. أسباب الحسد، وكيف يتقيه الإنسان
    بواسطة ام سارة** في المنتدى منتديات اسلامية,( على منهج أهل السنة والجماعة)
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 23-06-2019, 11:09 PM
  2. ما هي السعادة الحقيقية ؟؟...وكيف نَجِدها؟؟؟......
    بواسطة اسماء وهدان في المنتدى المجلس العام
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 17-10-2016, 11:21 PM
  3. أسباب السعادة...
    بواسطة اسماء وهدان في المنتدى المجلس العام
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 10-10-2016, 11:39 AM
  4. ::: أسباب السعادة
    بواسطة المجـــــــاهدة في المنتدى المجلس العام
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 25-06-2005, 09:52 AM
  5. عندما نقضي على أسباب التعاسة نحصل على السعادة
    بواسطة نوره2000 في المنتدى المجلس العام
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 24-11-2003, 12:15 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

مواقع النشر

مواقع النشر

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

أهم المواضيع

المطبخ

من مواقعنا

صفحاتنا الاجتماعية

المنتديات

ازياء | العناية بالبشرة | رجيم | فساتين زفاف 2017 | سوق نسائي | طريقة عمل البيتزا | غرف نوم 2017 | ازياء محجبات | العناية بالشعر | انقاص الوزن | فساتين سهرة | اجهزة منزلية | غرف نوم اطفال | صور ورد | ازياء اطفال | شتاء | زيادة الوزن | جمالك | كروشيه | رسائل حب 2017 | صور مساء الخير | رسائل مساء الخير | لانجري | تمارين | وظائف نسائية | اكسسوارات | جمعة مباركة | مكياج | تسريحات | عروس | تفسير الاحلام | مطبخ | رسائل صباح الخير | صور صباح الخير | اسماء بنات | اسماء اولاد | اتيكيت | اشغال يدوية | الحياة الزوجية | العناية بالطفل | الحمل والولادة | ديكورات | صور حب | طريقة عمل القرصان | طريقة عمل الكريب | طريقة عمل المندي |