صراع الخير والشر في رمضان
النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: صراع الخير والشر في رمضان

  1. #1
    مشرفة الركن الإسلامي الصورة الرمزية ام سارة**
    تاريخ التسجيل
    Sep 2014
    المشاركات
    5,124
    معدل تقييم المستوى
    24

    صراع الخير والشر في رمضان




    صراع الخير والشر في رمضان


    إنَّ الْحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتِغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا، وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ.

    وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ وَخَلِيلُهُ، وَصَفْوَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ صَلَّى اللهُ عليه، وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.

    أمَّا بَعْدُ.. فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ حقَّ التَّقْوَى؛ واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.

    وَاعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ، وَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعِةِ؛ فَإِنَّ يَدَ اللهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ، وَمَنْ شَذَّ شَذَّ فِي النَّارِ.

    عِبَادَ اللهِ، رَبُّنَا -جَلَّ جَلَالُهُ، وَتَبَارَكَ اسْمُهُ، وَتَعَالَى جَدُّهُ-؛ أَرْحَمُ بِنَا مِنْ آبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا، وَمِنَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ، وَلَا يُحِبُّ عَذَابَ عِبَادِهِ؛ وَلَوِ اقْتَضَتْ ذَلِكَ حِكْمَتُهُ وَإِرَادَتُهُ. يَفْرَحُ -سُبْحَانَهُ- بِتَوْبَةِ عِبَادِهِ وَيُرِيدُهَا مِنْهُمْ، وَيُحِبُّهَا لَهُمْ: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ) [النساء: 27]، إِنَّ عَلَى المُؤْمِنَ أَنْ يَتَوَقَّفَ مَلِيًّا عِنْدَ هَذِهِ الْآيَةِ، وَيَتَفَكَّرَ فِيهَا (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ).

    يُرِيدُ مِنَّا التَّوْبَةَ لِئَلَّا يُعَذِّبَنَا؛ وَلِيَجْزِيَنَا عَلَى تَوْبَتِنَا أَعْظَمَ الْجَزَاءِ، فَهُوَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ؛ حَيْثُ قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ) [البقرة: 222]، اللهُ أَكْبَرُ! يَحِبُّ سُبْحَانَهُ مَنْ تَابَ مِنَ الذَّنْبِ مِنْ عِبَادِهِ. سُبْحَانَ اللهِ! نَعْصِيهِ وَنُغْضِبُهُ عَلَيْنَا، فَإِذَا تُبْنَا إِلَيْهِ؛ صِرْنَا مِنْ أَحْبَابِهِ! مَا أَلْطَفَهُ!
    وَمَا أَرْحَمَهُ جَلَّ وَعَلا!


    عِبَادَ اللهِ، يُرِيدُ -عَزَّ وَجَلَّ- مِنَّا التَّوْبَةَ لِنَجَاتِنَا، وَسَعَادَتِنَا، وَفَوْزِنَا، فَهَلْ يَدْعُونَا رَبُّنَا لِشَيْءٍ يُرِيدُهُ مِنَّا، وَيُحبُّهُ وَيَفْرَحُ بِهِ جَلَّ وَعَلَا، وَنَفْعُهُ عَائِدٌ عَلَيْنَا، وَلَا نَمْتَثِلُ أَمْرَهُ، وَلَا نَخْضَعُ لِمُرَادِهِ مِنَّا؟!
    وَنَحْنُ عَبِيدُهُ، وَبِيَدِهِ أَرْزَاقُنَا، وَحَيَاتُنَا، وَمَوْتُنَا، وَإِلَيْهِ مَرْجِعُنَا، وَمَصِيرُنَا وَمَآلُنَا، وَهُوَ مَنْ يَمْلِكُ نَفْعَنَا وَضُرَّنَا، وَسَعَادَتَنَا وَشِقْوَتَنَا.


    • وَإِرَادَتُهُ –سُبْحَانَهُ- أَنْ يَتُوبَ عَلَيْنَا؛ تَضَمَّنَتْ تَعْلِيمَهُ إِيَّانَا التَّوْبَةَ، وَهِدَايَتَنَا لِطَرِيقِهَا، وَغَرْسَهَا فِي فِطْرَتِنَا، وَفَتْحَ أَبْوَابِهَا لَنَا، وَتَرْغِيبَنَا فِيهَا، وَقَبُولَهَا مِنَّا إِنْ نَحْنُ أَتَيْنَا بِهَا؛ وَلَوْلَا أَنَّهُ فَتَحَ أَبْوَابَهَا لَنَا، وَوَعَظَنَا بِهَا حَتَّى لَانَتْ قُلُوبُنَا لَمَا تُبْنَا، ثُمَّ يَرْحَمُنَا –سُبْحَانَهُ- بَعْدَ ذَلِكَ بِقَبُولِهَا مِنَّا مَهْمَا عَظُمَ جُرْمُنَا، وَكَبِرَتْ جِنَايَتُنَا، وَتَعَدَّدَتْ آثَامُنَا.

    قَالَ تَعَالَى: (قُلْ يَا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر: 53]
    فَأَيُّ كَرَمٍ أَكْرَمَنَا بِهِ -عَزَّ فِي عُلَاهُ، وَتَبَارَكَ فِي مَجْدِهِ، سُبْحَانَهُ وَبِحَمْدِهِ-؛ (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) [الشورى: 25].


    • وَفِي إِرَادَتِهِ سُبْحَانَهُ التَّوْبَةَ مِنْ عِبَادِهِ؛ حِمَايَةٌ لَهُمْ مِنَ الْعُقُوبَاتِ المُرَتَّبَةِ عَلَى الذُّنُوبِ وَالمَعَاصِي، وَمِنْ نَقْصِ الْخَيْرَاتِ، وَنَزْعِ الْبَرَكَاتِ، وَمِنْ حُلُولِ الْخَوْفِ، وَالْجُوعِ، وَالْهَمِّ، وَالْغَمِّ، وَغَيْرِهَا مِنْ آثَارِ الذُّنُوبِ.
    وَفِي إِرَادَتِهِ سُبْحَانَهُ التَّوْبَةَ مِنَّا؛ حِمَايَةٌ لِلْمُجْتَمَعَاتِ مِنَ الشَّرِّ؛ فَإِذَا تَابَ أَهْلُ الْمَعَاصِي؛ تَوَقَّفَ مَا يُحْدِثُونَهُ مِنَ الشَّرِّ فِي النَّاسِ.


    • وَلَكِنَّ لِلشَّيْطَانِ وَجُنْدِهِ مِنَ الإِنْسِ وَالْجنِّ إِرَادَةً أُخْرَى، قَالَ تَعَالَى: (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا) [النساء: 27]، نَعَمْ.. إِنَّ إِرَادَتَهُمْ تَتَمَثَّلُ فِي الْمَيْلِ بِالنَّاسِ عَنْ طَرِيقِ التَّوْبَةِ، وَالْإِصْرَارِ عَلَى الذَّنْبِ، وَالِاسْتِكْبَارِ عَنِ الْحَقِّ.

    • إِنَّهُمْ يُرِيدُونَ مِنَّا الْمَيْلَ عَنْ صِرَاطِ اللهِ الْمُسْتَقِيمِ؛ إِلَى الْأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ الَّتِي تَعْصِفُ بِالْقُلُوبِ، وَتُزْهِقُ النُّفُوسَ، وَتُدَمِّرُ الْمُجْتَمَعَاتِ، وَتُورِدُ الْمَهَالِكَ فِي الدُّنْيَا، وَالْعَذَابَ فِي الْآخِرَةِ.
    مَيْلًا عَظِيمًا يُغَيِّرُ تَرْكِيبَةَ الْمُجْتَمَعِ، وَيَقْلِبُهَا رَأْسًا عَلَى عَقِبٍ، بِحَيْثُ لَوْ عَادَ إِلَيْهِ مَنْ فَارَقَهُ مُنْذُ مُدَّةٍ وَجِيزَةٍ لَا يَكَادُ يُصَدِّقُ مَا يَرَاهُ، وَلَا يَعْرِفُ أَنَّ هَذَا هُوَ مُجْتَمَعُهُ الَّذَي كَانَ يَعْرِفُهُ؛ بِسَبَبِ الْمَيْلِ الْعَظِيمِ الَّذِي حَصَلَ فِيهِ.


    (يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا) [النساء: 28]
    وَهَذِهِ نِعْمَةٌ أُخْرَى مِنَ اللهِ تَعَالَى، بِأَنَّهُ إِنَّمَا شَرَعَ الشَّرَائِعَ لِلتَّخْفِيفِ عَنِ الْإِنْسَانِ وَضَبْطِهِ لِئَلَّا يَطْغَى، وَلِئَلَّا تَمِيلَ بِهِ شَهْوَتُهُ فَيَرْدَى، وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ التَّخْفِيفِ:


    • أَبَاحَ لَنَا مَا يُغْنِي عَنِ الشَّهَوَاتِ الْمُحَرَّمَةِ، وَيَسُدُّ مَسَدَّهَا، وَبَدِيلٌ عَنْهَا؛ فَأَبَاحَ لَنَا النِّكَاحَ وَوَطْءَ الْحَلِيلَةِ وَالتَّعَدُّدِ، وَإِغْلَاقُ كُلِّ الطُّرِقِ الَّتِي تُؤَدِّي إِلَى الزِّنَا، فَحَرَّمَ عَلَيْنَا السُّفُورَ وَالْعُرْيَّ وَالِاخْتِلَاطَ وَالْخَلْوَةَ بِالْأَجْنَبِيَّةِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ.

    • فَلْنَكُنْ –عِبَادَ اللهِ- مَعَ مُرَادِ اللهِ تَعَالَى لَنَا بِالتَّوْبَةِ النَّصُوحِ مِنَ الذُّنُوبِ، وَلْنُجَانِبْ مُرَادَ أَهْلِ الشَّهَوَاتِ، الَّذِينَ أَوْبَقُوا أَنْفُسَهُمْ، وَوَدُّوا لَوْ أَوْبَقُوا النَّاسَ أَجْمَعِينَ.

    • هَذِهِ الْآيَةُ الْعَظِيمَةُ، الَّتِي فِيهَا أَنَّ اللهَ -تَعَالَى- يُرِيدُ التَّوْبَةَ مِنْ عِبَادِهِ، وَأَنَّ أَهْلَ الشَّهَوَاتِ لَا يُرِيدُونَ التَّوْبَةَ مِنَ النَّاسِ، وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ الْمَيْلَ الْعَظِيمَ؛ آيَةٌ يَجِبُ أَنْ يَتَدَبَّرَهَا الْمُؤْمِنُ كُلَّ حِينٍ، وَيُذَكِّرَ بِهَا نَفْسَهُ، وَأَهْلَ بَيْتِهِ، وَإِخْوَانَهُ المُؤْمِنِينَ؛ لِأَنَّهَا تَصِفُ الْوَاقِعَ الَّذِي نَعِيشُهُ بِدِقَّةٍ مُتَنَاهِيَةٍ.

    وَبِمَا أَنَّ رَمَضَانَ شَهْرٌ لِلتَّوْبَةِ عَظِيمٌ، يَكْثُرُ فِيهِ التَّائِبُونَ وَالمُقْبِلُونَ عَلَى اللهِ تَعَالَى، وَتَتَنَوَّعُ فِيهِ الْعِبَادَاتُ، وَيَنْتَشِرُ فِيهِ الْخَيْرُ؛ فَإِنَّ أَهْلَ السُّوءِ وَالشَّهَوَاتِ لَا يُعْجِبُهُمْ ذَلِكَ أَبَدًا، وَيُرِيدُونَ أَنْ يَمِيلُوا بِالنَّاسِ مَيْلًا عَظِيمًا عَنْ مَنْهَجِ الْإِسْلَامِ؛ وَلِذَا يَنْشَطُونَ فِي رَمَضَانَ فِي فَضَائِيَّاتِهِمْ بِالْبَرَامِجِ الْمُحَرَّمَةِ أَكْثَرَ مِنْ نَشَاطِهِمْ فِي غَيْرِهِ مِنَ الشُّهُورِ، وَيُقَدِّمُونَ فِيهِ شَتَّى أَنْوَاعِ التَّرْفِيهِ الْمُحَرَّمِ، مِنْ مُسَلْسَلَاتٍ مَاجِنَةٍ، يُسْتَهْزَأُ فِي بَعْضِهَا بِآيَاتِ اللهِ تَعَالَى، وَأَحْكَامِهِ الَّتِي أَنْزَلَهَا، وَبِشَعَائِرِ دِينِهِ الَّتِي شَرَعَهَا.

    • وَمُسَابَقَاتٍ تَقُومُ عَلَى الْقُمَارُ الَّذِي حَرَّمَهُ اللهُ -تَعَالَى- وَهُوَ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ.

    • وَحِوَارَاتٍ يُسْتَرْخَصُ فِيهَا دِينُ اللهِ –تَعَالَى-، وَتُعْرَضُ شَرَائِعُهُ الْمُحْكَمَةُ لِلنِّقَاشِ وَالتَّدَاوُلِ، وَالنَّقْدِ وَالتَّصْوِيتِ، وَكَأَنَّهَا مُجَرَّدُ آرَاءٍ تَقْبَلُ الصَّوَابَ وَالْخَطَأَ، وَلَيْسَتْ أَحْكَامًا مُحْكَمَةً أَنْزَلَهَا الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ!!
    كُلُّ هَذَا الْخَبَالِ، وَالضَّيَاعِ، وَالِانْحِرَافِ؛ يُعْرَضُ عَلَى الصَّائِمِينَ فِي رَمَضَانَ، وَتَتَشَرَّبُهُ قُلُوبُ بَعْضِهِمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ؛ لِيَمِيلَ بِهِمْ أَهْلُ الشَّهَوَاتِ الْمُحَرَّمَةِ عَنْ جَادَّةِ التَّوْبَةِ، وَلِيُهْدِرُوا مَا اكْتَسَبُوا مِنْ حَسَنَاتٍ عِظَامٍ بِالصِّيَامِ، وَالْقِيَامِ، وَالصَّدَقَةِ، وَالْقُرْآنِ وَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ.. يُهْدِرُوهَا خَلْفَ الشَّاشَاتِ.


    • إِنَّ مَنْ يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ الْعَظِيمَةَ: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا) [النساء: 27]، ثُمَّ يُشَاهِدُ وَاقِعَ بَعْضِ النَّاسِ فِي رَمَضَانَ؛يَجِدُ أَنَّ أَهْلَ التَّوْبَةِ وَالتَّقْوَى فِي الْمَسَاجِدِ، لَا يَكَادُونَ يُبَارِحُونَهَا، وَيَجِدُ أَنَّ المُنْصَرِفِينَ عَنِ التَّوْبَةِ وَالتَّقْوَى أَمَامَ الشَّاشَاتِ لَا يُفَارِقُونَهَا إِلَّا قَلِيلًا، قَدْ مَالَ بِهِمْ أَهْلُ الشَّهَوَاتِ عَنْ رَمَضَانَ مَيْلًا عَظِيمًا.

    • فَهَلْ نَعِي مَا يُرِيدُهُ مِنَّا رَبُّنَا -جَلَّ فِي عُلَاهُ-؛ لِيَغْفِرَ لَنَا، وَيَتُوبَ عَلَيْنَا، وَيَرْضَى عَنَّا، وَمَا يُرِيدُهُ أَهْلُ الشَّهَوَاتِ بِنَا، وَبِبِيُوتِنَا وَأُسَرِنَا مِنَ الْمَيْلِ الْعَظِيمِ؟!
    فَهَلْ نُطِيعُ خَالِقَنَا وَرَازِقَنَا، وَالْمُنْعِمَ عَلَيْنَا؟
    أَمْ نُطِيعُ أَقْوَامًا تَنَكَّبُوا طَرِيقَ الْهِدَايَةِ، وَرَكِبُوا الْغِوَايَةَ، وَعَجَزُوا عَنِ التَّقْوَى وَالتَّوْبَةِ، وَيُرِيدُونَ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ أَنْ يَفْشَلُوا فِي التَّوْبَةِ كَمَا فَشِلُوا هُمْ فِيهَا، وَيُرِيدُونَ مِنْهُمْ أَنْ يَرْكَبُوا مَرْكَبَهُمُ الَّذِي يُورِدُهُمْ دَارَ السَّعِيرِ، وَقَدْ قِيلَ: وَدَّتِ الزَّانِيَةُ أَنْ تَزْنِي النِّسَاءُ جَمِيعُهُنَّ. وَقَانَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ النَّارَ، وَرَزَقَنَا الْحُسْنَى وَزِيَادَةً.


    جَعَلَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنَ المقبولِينَ، ونَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِالقرآنِ العظيمِ.
    أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.


    الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

    الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَخَلِيلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً.

    أمَّا بَعْدُ.. فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ حَقَّ التَّقْوَى، وَاِسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.

    عِبَادَ اللهِ، فِي رَمَضَانَ تُسَلْسَلُ شَيَاطِينُ الْجِنِّ، فَلَا تَخْلُصُ فِيهِ إِلَى مَا كَانَتْ تَخْلُصُ إِلَيْهِ فِي غَيرِ رَمَضَانَ مِنَ التَّسَلُّطِ عَلَى المُؤْمِنِينَ، وَلَكِنَّ شَيَاطِينَ الْإِنْسِ تَنْشَطُ فِي رَمَضَانَ أَكْثَر مِنْ غَيْرِهِ؛ لِإِفْسَادِ الشَّهْرِ عَلَى المُؤْمِنِينَ، فَحَذَارِ -عِبَادَ اللهِ- مِنْ طَاعَةِ أَهْلِ الشَّهَوَاتِ، وَاتِّبَاعِهِمْ فِيمَا يُرِيدُونَ؛ فَإِنَّهُمْ لَا يَزِيدُونَ أَتْبَاعَهُمْ إِلَّا خَبَالًا وَضَيَاعًا وَإِغْضَابًا للهِ تَعَالَى، وَلَا يُورِدُونَهُمْ إِلَّا مَوَارِدَ الْهَلَكَةِ وَالْخُسْرَانِ، وَيَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يَزْرَعُونَ الْبَسْمَةَ عَلَى الصُوَّامِ، وَهُمْ مِنْ أَكْذَبِ النَّاسِ لِأُمُورٍ، مِنْهَا:

    1- إِنَّ الْفَرْحَةَ الْحَقِيقِيَّةَ للصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَعِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ، فَمَا صَامَ مِنْ حُزْنٍ وَهَمٍّ، بَلْ صَامَ فَرِحًا رَاغِبًا؛ لِيَرْضَى عَنْهُ رَبُّهُ. وَلَيْسَ فَرْحَةً بِمُشَاهِدَةِ مَا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ.

    2- هَذِهِ الْمُسَلْسَلَاتُ، وَالْبَرَامِجُ الْمُحَرَّمَةُ الَّتِي عَجَّ بِهَا الْفَضَاءُ، تُعْرَضُ -فِي الْغَالِبِ- بَعْدَ الإِفْطَارِ، وَبَعْدَ الشَّبَعِ، وَقَدْ فَرِحَ الصَّائِمُ وَاِبْتَسَمَ، بَعَدَمَا أَكَلَ وَشَرِبَ؛ فَلِمَاذَا الْكَذِبُ الْفَاضِحُ، وَالدَّجَلُ الْوَاضِحُ، لِعِلَّةِ تَقْدِيمِهِمْ لِهَذِهِ الْبَرَامِجِ الْمُحَرَّمَةِ.
    وَهُمْ يَعْرِفُونَ أَنَّ الصَّائِمَ لَا تَسْمَحُ نَفْسُهُ بِمُشَاهَدَةِ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ وَهُوَ صَائِمٌ، وَلَا يُحَبِّذُ النَّاسُ مُشَاهَدَةِ الْبَرَامِجِ مِنْ غَيْرِ أَكْلٍ فِي الْغَالِبِ؛ فَهُمْ يَكْذِبُونَ بِدَعْوَاهُمْ هَذِهِ.


    إِنَّكَ لَتَتَعَجَّبُ مِمَّنْ يَسْتَطِعُ أَنْ يَكْبَحَ جِمَاحَ شَهْوَتَهُ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَلَا يَسْتَطِيعُ كَبْحَهَا عَنِ الْمُحَرَّمَاتِ، عَبْرَ الْقَنَوَاتِ الْفَضَائِيَّةِ، وَمَوَاقِعِ الْإِنْتَرْنِتِ، وَغَيْرِهَا.

    عِبَادَ اللهِ: إِنَّ قِيمَةَ رَمَضَانَ لَيْسَتْ فِي نَهَارِهِ فَحَسْبُ؛ بَلْ إِنَّ لَيْلَهُ أَعْظَمُ؛ وَلِذَا قَالَ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

    وَتِلَاوَةُ الْقُرْآنِ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ أَفْضَلُ مِنْ نَهَارِهِ؛ وَلِذَا كَانَ جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- يُدَارِسُ النَّبِيَّ، -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-، الْقُرْآنَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِيهِ" (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ).

    وَهَذِهِ الْبَرَامِجُ وَالشَّهَوَاتُ تُعْرَضُ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ؛ فَتَشْغَلُهُم عَنِ الْعِبَادَةِ وَالطَّاعَةِ، وَالْقِيَامِ بِمَا يَجِبُ الْقِيَامُ بِهِ، وَاِسْتِثْمَارِ وَاِغْتِنَامِ رَمَضَانَ.

    اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُ إِلَى وَجْهِكَ.
    الَّلهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا، وَلَا تَجْعَلْ فِينَا وَلَا بَيْنَنَا شَقِيًّا وَلَا مَحْرُومًا، الَّلهُمَّ اِجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ، اللَّهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ مِنَ الفِتَنِ وَالمِحَنِ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن.


    اللَّهُمَّ اِحْفَظْ لِبِلَادِنَا أَمْنَهَا وَإِيمَانَهَا وَاِسْتِقْرَارَهَا، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَاِجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا، وَأَصْلِحْ بِهِ الْبِلَادَ وَالْعِبَادَ، الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَاِقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَوَلِّ عَلَيْهِمْ خِيَارَهُمْ وَاِكْفِهِمْ شَرَّ شِرَارِهِمْ.

    اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي إِلَيْهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.

    اللهُمَّ أَكْثِرْ أَمْوَالَ مَنْ حَضَرُوا مَعَنَا، وَأَوْلَادَهُمْ، وَأَطِلْ عَلَى الْخَيْرِ أَعْمَارَهُمْ، وَأَدْخِلْهُمُ الْجَنَّةَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

    سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.
    وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.

    الشيخ صالح بن مقبل العصيمى وفقه الله




  2. #2
    إدارية ومشرفة الركن الإسلامي
    تاريخ التسجيل
    Jan 2010
    المشاركات
    19,702
    معدل تقييم المستوى
    10
    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

    آمين يارب ..

    خطبة قيمة نفع الله بها واجزل للشيخ الثواب ..
    شكر الله لك وغفر لك ياغاليه ..
    دخول متقطع ،، ارجو المعذره ،،
    نسأل الله العفو والعافيه في الدنيا والاخره
    (رحمك الله ياأبتاه وغفر لك وجعل مأواك جنة الفردوس الاعلى وجمعنا بك فيها )

    للمحتشمات ( أعجبني )
    هذا البهاءُ الذي يزدانُ رونقُـــــــهُ
    فيكن من يا تُرى بالطهـر حلاه ؟
    هل مثلكن نساء الارض قاطبـة
    أم خصكن بهذي الفتنــــةِ الله ؟
    (د. فواز اللعبون )


  3. #3
    مشرفة
    تاريخ التسجيل
    Nov 2015
    المشاركات
    60,653
    معدل تقييم المستوى
    69
    يعطيك الف عافية

  4. #4
    مساعدة ادارية الصورة الرمزية Miss.Reem
    تاريخ التسجيل
    Sep 2007
    الدولة
    حضرموت نبض قلبي و جدة أنفاس صدري
    المشاركات
    45,067
    معدل تقييم المستوى
    10
    جزاك الله خيرا غاليتي

المواضيع المتشابهه

  1. هل الضمير صنع بشري ؟ وأين موقعه بين الخير والشر؟
    بواسطة حلم وواقع في المنتدى المجلس العام
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 26-09-2016, 01:50 PM
  2. مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 08-09-2012, 10:54 PM
  3. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 12-07-2011, 04:46 PM
  4. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 12-08-2009, 11:35 PM
  5. رمضان الخير...
    بواسطة ^*ديم المحبة*^ في المنتدى رمضانيات,7
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 24-09-2006, 02:46 AM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

مواقع النشر

مواقع النشر

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

أهم المواضيع

المطبخ

من مواقعنا

صفحاتنا الاجتماعية

المنتديات

ازياء | العناية بالبشرة | رجيم | فساتين زفاف 2017 | سوق نسائي | طريقة عمل البيتزا | غرف نوم 2017 | ازياء محجبات | العناية بالشعر | انقاص الوزن | فساتين سهرة | اجهزة منزلية | غرف نوم اطفال | صور ورد | ازياء اطفال | شتاء | زيادة الوزن | جمالك | كروشيه | رسائل حب 2017 | صور مساء الخير | رسائل مساء الخير | لانجري | تمارين | وظائف نسائية | اكسسوارات | جمعة مباركة | مكياج | تسريحات | عروس | تفسير الاحلام | مطبخ | رسائل صباح الخير | صور صباح الخير | اسماء بنات | اسماء اولاد | اتيكيت | اشغال يدوية | الحياة الزوجية | العناية بالطفل | الحمل والولادة | ديكورات | صور حب | طريقة عمل القرصان | طريقة عمل الكريب | طريقة عمل المندي |