ليلة سبع وعشرين
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: ليلة سبع وعشرين

  1. #1
    مشرفة الركن الإسلامي الصورة الرمزية ام سارة**
    تاريخ التسجيل
    Sep 2014
    المشاركات
    5,124
    معدل تقييم المستوى
    24

    ليلة سبع وعشرين



    ليلة سبع وعشرين

    الْحَمْدُ لِلهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ؛ مُنَزِّلِ الرَّحَمَاتِ، وَمُجِيبِ الدَّعَوَاتِ، وَمُقِيلِ الْعَثَرَاتِ، وَبَاسِطِ الْخَيْرَاتِ، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا، فَكَمْ لَهُ عَلَيْنَا مِنْ نِعْمَةٍ؟!
    وَكَمْ عَفَا عَنَّا مِنْ زَلَّةٍ؟!
    وَكَمْ أَقَالَ لَنَا مِنْ عَثْرَةٍ؟!
    وَكَمْ سَتَرَ لَنَا مِنْ غَدْرَةٍ؟!


    وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ لَهُ فِينَا أَلْطَافٌ لَا نَعْلَمُهَا، وَأَغْدَقَ عَلَيْنَا نِعَمًا لَا نَعُدُّهَا، وَدَفَعَ عَنَّا نِقَمًا نَجْهَلُهَا؛ فَهُوَ رَبٌّ لِلْخَلْقِ دَبَّرَهَمُ وَلَمْ يُضَيِّعْهُمْ، سَأَلَهُ المُشْرِكُونَ النَّجَاةَ مِنْ لُجَّةِ الْبَحْرِ فَنَجَّاهُمْ. نَظَرَ إِلَى دُعَائِهِمْ وَاضْطِرَارِهِمْ وَلَمْ يَنْظُرْ إِلَى مَاضِيهِمْ؛ فَسُبْحَانَهُ مِنْ رَبٍّ عَلِيمٍ رَحِيمٍ لَطِيفٍ خَبِيرٍ.

    وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْتِمَاسًا لِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، يَرْجُو فِيهَا الْخَيْرَ وَالْبِرَّ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

    أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -تَعَالَى- وَأَطِيعُوهُ؛ وَرَاقِبُوهُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ هَذِهِ اللَّيَالِي الْعَظِيمَةِ؛ فَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ؛ فَأَحْسِنُوا خِتَامَ الشَّهْرِ بِمُضَاعَفَةِ أَعْمَالِ الْبِرِّ، وَالْتَمِسُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ، وَاحْتَسِبُوا فِيهَا الْأَجْرَ؛ فَإِنَّ «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»؛ فَأَرُوا اللهُ -تَعَالَى- مِنْ أَنْفُسِكُمْ خَيْرًا تَجِدُوا خَيْرًا.

    أَيُّهَا النَّاسُ: تَعَلَّقَتْ قُلُوبُ الْعُبَّادِ المُتَهَجِّدِينَ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَتَمَنَّوْا أَنَّهُمْ عَلِمُوا أَيَّ لَيْلَةٍ هِيَ مِنَ الْعَشْرِ، لَا لِيَخُصُّوهَا بِقِيَامٍ فَهُمْ قَدْ قَامُوا كُلَّ الشَّهْرِ، وَإِنَّمَا لِيُجَاهِدُوا قُلُوبَهُمْ عَلَى الْخُشُوعِ فِيهَا، وَالْفَرَحِ بِهَا، وَاسْتِثْمَارِ كُلِّ لَحْظَةٍ مِنْهَا.

    وَهَذِهِ اللَّيْلَةُ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةٌ عَظِيمَةٌ فَاضِلَةٌ، وَهِيَ مِنَ اللَّيَالِي الَّتِي يُرْجَى أَنْ تَكُونَ هِيَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ؛ بَلْ هِيَ فِي كُلِّ عَامٍ مِنْ أَرْجَى اللَّيَالِي؛ وَذَلِكَ لِكَثْرَةِ الْأَحَادِيثِ فِيهَا، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى كَثْرَةِ مُوَافَقَةِ لَيْلَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ لِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، حَتَّى أَقْسَمَ مُقْرِئُ الصَّحَابَةِ وَفَقِيهُهُمْ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَلَى ذَلِكَ.

    كَمَا فِي حَدِيثِ زِرِّ بنِ حُبَيْشٍ -رَحِمَه اللُه تَعَالى- قَالَ: «سَأَلْتُ أُبيَّ بنَ كَعْبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَقُلْتُ: إِنَّ أَخَاكَ ابْنَ مَسْعُودٍ يقولُ: مَنْ يَقُمِ الحَوْلَ يُصِبْ لَيْلَةَ القَدْرِ، فَقَالَ: -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- أَرَادَ أَنْ لَا يَتَّكِلَ النَّاسُ، أَمَا إِنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّها فِي رَمَضَانَ، وَأَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ، وأَنها لَيْلَةُ سَبْعٍ وعِشْرينَ، ثُم حَلَفَ لا يَسْتَثْنِي أَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وعِشْرينَ، فَقُلْتُ: بِأَيِّ شَيْءٍ تَقُولُ ذَلكَ يَا أَبَا المنْذِرِ؟ قَالَ: بالْعَلامَةِ أَوْ بِالآيَةِ الَّتي أَخْبَرنَا رَسُولُ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَنَّها تَطْلُعُ يَوْمَئذٍ لا شُعَاعَ لها» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

    وَفِي رِوَايَةٍ لأَحْمَدَ: «أَنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ غَدَاةَ إِذْ كَأَنَّها طَسْتٌ لَيْسَ لَها شُعَاعٌ». وَفِي رِوَايةٍ لِلتِّرْمِذِيِّ قَالَ أُبَيٌّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: «وَاللهِ لَقَدْ عَلِمَ ابنُ مَسْعُودٍ أَنَّها في رَمَضَان، وأَنَّها لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرينَ، ولَكِنْ كَرِهَ أَنْ يُخبِرَكُمْ فَتَتَّكِلُوا».

    فَمَذْهَبُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وَعَلَى ذَلِكَ أَقْسَمَ، وَتَبِعَهُ فِي ذَلِكَ تِلْمِيذُهُ زِرُّ بْنُ حُبَيْشٍ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- حَتَّى قَالَ: «لَوْلَا سُفَهَاؤُكُمْ لَوَضَعْتُ يَدَيَّ فِي أُذُنَيَّ فَنَادَيْتُ: أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ، نَبَأُ مَنْ لَمْ يَكْذِبْنِي، عَنْ نَبَأِ مَنْ لَمْ يَكْذِبْهُ، يَعْنِي: أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-» (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ).

    وَقَالَ زِرٌّ أَيْضًا عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ: «كَانَ عُمَرُ، وَحُذَيْفَةُ، وَنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَا يَشُكُّونَ أَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، تَبْقَى ثَلَاثٌ» (رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ).

    وَمِمَّنْ رَوَى أَحَادِيثَ فِي لَيْلَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ تُثْبِتُ أَنَّهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ: مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-:
    فَأَمَّا مُعَاويَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَرَوَى عَن النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَوله: «لَيْلَةُ القَدْرِ لَيْلَةُ سَبْعٍ وعِشْرينَ» (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ).

    وَأَمَّا ابْنُ عَبّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- فَرَوَى أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «يَا نَبيَّ الله، إِنّي شَيْخٌ كَبيرٌ عَلِيلٌ يَشُقُّ عَلَيَّ القِيَامُ، فَأْمُرْني بِلَيْلَةٍ لَعَلَّ الله يُوَفِّقُنِي فيهَا لَيْلَةَ القَدْرِ، قالَ: عَلَيْكَ بالسَّابِعَةِ» (رَوَاهُ أَحْمَدُ).

    وَدَعَا عُمَرُ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَأَلَهُمْ عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فَاجْتَمَعُوا أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقُلْتُ لِعُمَرَ: إِنِّي لَأَعْلَمُ أَوْ إِنِّي لَأَظُنُّ أَيَّ لَيْلَةٍ هِيَ، قَالَ عُمَرُ: فَأَيُّ لَيْلَةٍ هِيَ؟ فَقُلْتُ: سَابِعَةٌ تَمْضِي، أَوْ سَابِعَةٌ تَبْقَى مِنَ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، -يَعْنِي ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ أَوْ سَبْعًا وَعِشْرِينَ-.

    قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: "النَّفْسُ أَمْيَلُ إِلَى أَنَّهَا فِي الْأَغْلَبِ لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ، أَوْ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: إِنَّهَا سَابِعَةٌ تَمْضِي، أَوْ سَابِعَةٌ تَبْقَى، وَأَكْثَرُ الْآثَارِ الثَّابِتَةِ الصِّحَاحِ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ".

    وَأَمَّا أَبُو هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فقَالَ: تَذَاكَرْنَا لَيْلَةَ الْقَدْرِ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «أَيُّكُمْ يَذْكُرُ حِينَ طَلَعَ الْقَمَرُ، وَهُوَ مِثْلُ شِقِّ جَفْنَةٍ؟» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

    قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْفَارِسِيُّ: أَيْ: لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ؛ فَإِنَّ الْقَمَرَ يَطْلُعُ فِيهَا بِتِلْكَ الصِّفَةِ.

    وَأَمَّا ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- فقال: رَأَى رَجُلٌ أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ أَوْ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْبَوَاقِي فِي الْوِتْرِ مِنْهَا» (رَوَاهُ أَحْمَدُ).

    وَلِأَجْلِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْكَثِيرَةِ كَانَتْ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ هِيَ أَرْجَى اللَّيَالِي أَنْ تَكُونَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مِنْ كُلِّ عَامٍ، وَيَلِيهَا فِي ذَلِكَ لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَلَيْلَةُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ؛ فَقَدْ جَاءَ فِيهِمَا نُصُوصٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا كَانَتَا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي بَعْضِ السَّنَوَاتِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَلَكِنْ مَا جَاءَ مِنَ النُّصُوصِ فِي لَيْلَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ أَكْثَرُ مِنْهُمَا.

    وَلِذَا كَانَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- أَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وَرِوَايَةٌ فِي مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-، وَهُوَ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ عَمَلُ المُسْلِمِينَ فِي عُمُومِ الْأَمْصَارِ فِي زَمَنِنَا هَذَا؛ فَإِنَّ المَسَاجِدَ تَمْتَلِئُ بِالمُصَلِّينَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ المُبَارَكَةِ تَحَرِّيًا لِلَيْلَةِ الْقَدْرِ.

    بَلْ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ النَّصْرَانِيَّةِ اسْتَقَرَّ عِنْدَ النَّصَارَى وَغَيْرِهِمْ أَنَّ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةٌ مُعَظَّمَةٌ عِنْدَ المُسْلِمِينَ، وَذَلِكَ مِنْ شِدَّةِ حَفَاوَتِهِمْ بِهَا، حَتَّى وُجِدَ فِي بَعْضِ الْبُلْدَانِ اسْتِخْفَاءُ النَّصَارَى وَدُخُولُهُمْ مَعَ المُسْلِمِينَ فِي المَسَاجِدِ لِإِحْيَاءِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ؛ لِمَا يَرْجُونَهُ مِنْ بَرَكَتِهَا.

    وَقَدْ بَالَغَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فِي الِاحْتِفَاءِ بِلَيْلَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ مُبَالَغَاتٍ غَيْرَ مَحْمُودَةٍ، وَصَلَتْ بِهِمْ إِلَى الْبِدْعَةِ المَذْمُومَةِ، وَذَلِكَ مِنَ الِاحْتِفَالِ بِهَا، وَجَعْلِهَا عِيدًا، وَصُنْعِ الْأَطْعِمَةِ وَالْحَلْوَى فِيهَا، وَتَوْزِيعِ الْهَدَايَا؛ وَذَلِكَ لِجَزْمِهِمْ أَنَّهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ؛ وَاحْتِفَالًا بِلَيْلَةِ نُزُولِ الْقُرْآنِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَرِدْ فِي الشَّرْعِ، وَهُوَ مِنَ الْبِدَعِ المَذْمُومَةِ، وَلَوْ كَانَتْ لَيْلَةُ نُزُولِ الْقُرْآنِ مَعْلُومَةً لمَا سَاغَ الِاحْتِفَالُ بِهَا، وَلَا اتِّخَاذُهَا عِيدًا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ، وَلَا صَحْبُهُ الْكِرَامُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-، وَلَا التَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَلَا الْأَئِمَّةُ المَتْبُوعُونَ.

    وَالمَشْرُوعُ فِي لَيْلَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ إِحْيَاؤُهَا كَسَائِرِ لَيَالِي الْعَشْرِ بِالصَّلَاةِ وَالْقُرْآنِ وَالدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ، مَعَ رَجَاءِ أَنَّهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ، وَعَدَمُ تَجَاوُزِ ذَلِكَ إِلَى مَا لَمْ يُشْرَعْ مِنَ الْبِدَعِ المَنْهِيِّ عَنْهَا.

    أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) [سورة القدر].

    بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ...


    الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

    الْحَمْدُ لِلهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

    أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -تَعَالَى- وَأَطِيعُوهُ، وَاسْتَثْمِرُوا بَقَايَا هَذَا الشَّهْرِ الْكَرِيمِ؛ فَلَعَلَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِيمَا بَقِيَ مِنْ لَيَالِيهِ (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) [الدخان: 3- 4].

    أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: شَرَعَ اللهُ -تَعَالَى- لَنَا فِي خِتَامِ شَهْرِنَا صَدَقَةَ الْفِطْرِ، وَهِيَ زَكَاةُ أَبْدَانِنَا بِأَنْ أَبْقَانَا اللهُ -تَعَالَى- حَوْلًا كَامِلًا نَتَمَتَّعُ بِقُوَانَا، فَلَهُ الْحَمْدُ وَالشُّكْرُ عَلَى مَا أَعْطَانَا. وَلِأَنَّ الْبَدَنَ يَقُومُ بِالطَّعَامِ فَإِنَّ زَكَاتَهُ كَانَتْ مِنَ الطَّعَامِ، وَهِيَ كَذَلِكَ تَطْهِيرٌ لِمَا اجْتَرَحْنَاهُ فِي صِيَامِنَا، كَمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: «فَرَضَ رسولُ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ» (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ).

    وَهِيَ صَاعٌ مِنْ طَعَامٍ، تُؤَدَّى قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ، وَيَجُوزُ تَقْدِيمُهَا قَبْلَ الْعِيدِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ؛ كَمَا فَعَلَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- قَال: «فَرَضَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالحُرِّ وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ المسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بها أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلى الصَّلاةِ» (رَوَاهُ الشَّيْخَان).

    وَفي رِوَايَةٍ لِلْبُخَاري قَالَ نَافِعٌ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالى-: «فَكَانَ ابْنُ عَمَرَ يُعْطِي عَنِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ حَتَى إِنْ كَانَ يُعْطِي عَنْ بَنِيَّ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- يُعْطِيهَا الَّذِينَ يَقْبَلُونَهَا، وَكَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَين».

    وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...

    الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل وفقه الله




  2. #2
    إدارية ومشرفة الركن الإسلامي
    تاريخ التسجيل
    Jan 2010
    المشاركات
    19,702
    معدل تقييم المستوى
    10
    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

    جزاك الله خيرا وجعله في ميزان حسناتك ياغاليه والشيخ الكريم
    دخول متقطع ،، ارجو المعذره ،،
    نسأل الله العفو والعافيه في الدنيا والاخره
    (رحمك الله ياأبتاه وغفر لك وجعل مأواك جنة الفردوس الاعلى وجمعنا بك فيها )

    للمحتشمات ( أعجبني )
    هذا البهاءُ الذي يزدانُ رونقُـــــــهُ
    فيكن من يا تُرى بالطهـر حلاه ؟
    هل مثلكن نساء الارض قاطبـة
    أم خصكن بهذي الفتنــــةِ الله ؟
    (د. فواز اللعبون )


  3. #3
    مساعدة ادارية الصورة الرمزية Miss.Reem
    تاريخ التسجيل
    Sep 2007
    الدولة
    حضرموت نبض قلبي و جدة أنفاس صدري
    المشاركات
    45,067
    معدل تقييم المستوى
    10







المواضيع المتشابهه

  1. خمسة وعشرين طريقة لربط طفلك بالقران
    بواسطة توتة2010 في المنتدى حواء وطفلها
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 05-01-2010, 09:43 PM
  2. الي داخلة مدرسة الواحد وعشرين بالرياض تدخل
    بواسطة _السنيورة_ في المنتدى أخواتي , ساعدوني,النجده ,help me
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 23-09-2009, 10:05 AM
  3. تصدقة بميتين ورجعتلي خمسه وعشرين الف ريال
    بواسطة جميل الصدفه في المنتدى منتديات اسلامية,( على منهج أهل السنة والجماعة)
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 03-08-2009, 01:20 AM
  4. شخص ماعمره غسل شعره لمدة سته وعشرين سنه بل صور
    بواسطة تتيانا في المنتدى صورXصور
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 20-07-2007, 12:02 PM
  5. سحب واحد وعشرين دواءً من الأسواق
    بواسطة آسية في المنتدى المجلس العام
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 18-01-2005, 06:31 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

مواقع النشر

مواقع النشر

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

أهم المواضيع

المطبخ

من مواقعنا

صفحاتنا الاجتماعية

المنتديات

ازياء | العناية بالبشرة | رجيم | فساتين زفاف 2017 | سوق نسائي | طريقة عمل البيتزا | غرف نوم 2017 | ازياء محجبات | العناية بالشعر | انقاص الوزن | فساتين سهرة | اجهزة منزلية | غرف نوم اطفال | صور ورد | ازياء اطفال | شتاء | زيادة الوزن | جمالك | كروشيه | رسائل حب 2017 | صور مساء الخير | رسائل مساء الخير | لانجري | تمارين | وظائف نسائية | اكسسوارات | جمعة مباركة | مكياج | تسريحات | عروس | تفسير الاحلام | مطبخ | رسائل صباح الخير | صور صباح الخير | اسماء بنات | اسماء اولاد | اتيكيت | اشغال يدوية | الحياة الزوجية | العناية بالطفل | الحمل والولادة | ديكورات | صور حب | طريقة عمل القرصان | طريقة عمل الكريب | طريقة عمل المندي |