الكاتب:
د.علي الحمادي
نقلاً عن مجلة الجتمع:
[frame="2 50"]إن مصائب الدنيا كثيرة وهمومها عديدة، ولا يكاد الإنسان يصحو من هم أو ينجو من مصيبة حتى يبتلى بأخرى، وفي ذلك يقول المتنبي:
نعد المشرفية والعوالي
وتقتلنا المنون بلا قتال
رماني الدهر بالأرزاء حتى
فؤادي في غشاء من نبال
فصرت إذا أصابتني سهام
تكسرت النصال على النصال
وهان فما أبالي بالرزايا
لأني ما انتفعت بأن أبالي
يدفن بعضنا بعضاً وتمشي
أواخرنا على هام الأوالي
والمصائب أنواع وألوان، فقد يبتلى الإنسان بفقد صاحب، أو مرض صديق، أو إساءة قريب، أو نكران جميل، أو غيرها.
ولو بقيت هذه الرزايا والآلام في قلوب الناس وذاكرتهم لكان ذلك بلاءً عظيماً، إذ يجتمع همٌّ على همٍّ، وتتراكم مصيبة على مصيبة، فتعظم البلوى، وتشتد الأزمة، وتسوء العاقبة، ولا يسلم منها إلا من يسلمه الله تعالى.
لذا، من فضل الله على عباده أن رزقهم نعمة النسيان، فينسى الإنسان إساءة المسيئين، وجفوة الجافين، بل ويجمل الخلق عند بعضهم ويسمو ليصل إلى أمر أعظم من النسيان وهو الصفح والغفران.
إن نعمة النسيان نعمة عظيمة، فمن أراد راحة البال وحسن العاقبة والمآل فليحاول أن ينسى ما يلقاه من الآخرين، أو ما يُبتلى به من مصائب الدنيا، وليبدأ صفحة جديدة مع من قصر في حقه، فإن ذلك من علو النفس وسمو الهمة.
إنك إن فعلت ذلك فسترى كيف يلتف الناس حولك لأنهم يعلمون أن هذه هي أخلاق القادة العظماء والعلماء العاملين والدعاة الصالحين.
ولكن ينبغي الإشارة إلى أن محاولة نسيان الماضي وعدم تذكر المآسي لا تعني بأي حال من الأحوال ألا يتعظ الإنسان من الحوادث ولا يستفيد من التجارب، فلا يجوز أن يكون اتعاظ الإنسان لحظياً مؤقتاً، كما قال جرير:
تروعنا الجنائز مقبلات
ونلهو حين تذهب مدبرات
كروعة هجمت لمغار ذئب
فلما غاب عادت راتعات
نحن لا ندعو إلى الغفلة، ولا نريد أن يحق علينا قول الله تعالى: ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون (179) (ال).
إن الذي ندعو إليه هو ألا تبقى الذكريات السود المظلمة عالقة في الذهن تفسد على الإنسان حياته وعلاقته مع الآخرين.
إن الذي ندعو إليه.. أن نرتفع عن كل الأحقاد والأضغان، وأن تصفو وتسمو النفوس بين المسلمين عامة وبين الدعاة والصالحين خاصة، وأن يستشعر كل مسلم أن عدوه اللدود ليس أخاه المسلم، مهما حدث بينه وبين إخوته من ظلم وعداوة (لا نرضاها ولا نقبلها)، وأن يكون قدوته في ذلك يوسف عليه السلام حينما نسب ما حدث بينه وبين إخوته إلى الشيطان فقال: من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي (يوسف: 100).
إن المسلمين عامة والدعاة خاصة بحاجة أن يوجهوا جهودهم وتفكيرهم وقلوبهم لمواجهة الذين يتفنَّنون في تدميرهم كالصهاينة اليهود، والمحتلين المتآمرين، وغيرهم ممن لا ينظرون إلى أمتنا إلا من علوٍّ، ولا يتعاملون معها إلا باستخفاف، ولا يعتبرونها سوى سلعة رخيصة مستباحة لا كرامة لها ولا رأي لديها.. هذا هو التحدي الحقيقي.
أقول من التعتب: ليت شعري
أأيقاظ أمية أم نيام
فإن كانوا لحينهم نياماً
فقل قوموا فقد حان القيام [/frame]
مواقع النشر