[align=center]السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
الغضب وكيفية علاجه
في ضوء السنة النبوية
عبدالله حسن الشريف
المقدمة:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره , ونعوذ به تعالي من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا إنه من يهدِ الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاتهِ ولا تموتُن إلا وأنتم مسلمون)(1)(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلُون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا) (2)(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً) (3) أما بعد:
لقد وهب اللّهُ تعالى الإنسانَ من الإمكانات والمواهب والملكات ما استطاع به أن يُحلِّق في الفضاء ،وأن يغوص في أعماق الماء ، وأن يُسخِّرالموجودات ، .... وهو ـ مع هذا كله ـ تستفزُّه كلمة عابرة ،ويثيره خطأ غيرمقصود قد يقع عليه , فيثورويغضب،وتستخفُّه التوافه من الأمور،فيستحمق على عجل، ويحاول أن ينتقم لنفسه ويغضب لها ويثأر,وسرعة الغَضَب آفة خطيرة يفقد المرء فيها السيطرة على نفسه ، وربما اعتدى على غيره بلسانه أو بيده، فيندم.
إن من شأن المسلم ذي الإرادة القوية أن يملك نفسه في المواقف المثيرة ، ويتذرع بخلق الحلم والأناة ، والإسلام لا يُغفل فطرة الإنسان في الرد على الغير عندما يسعى لإذلاله أو إهانته . وإيقافه عند حده فهذا من فطرة الإنسان , ولكنه يوجه النفس إلى الحلم والأناة حتى عند الرد على الخصوم .عندما ينال منها لكي يسمو بها ويرتقي بها في صفات الكمال , حتى يكون الإنسان هو المتحكم بها, فيرشده إلى أقوم الطرق التي يحقق بها الخير والنفع له و للمجتمع .
وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم دليلنا إلى تعلم كيف يسيطر الإنسان على غضبه , ومتى يكون الغضب محموداً ومتى يكون مذموماً, وقد اخترت هذا البحث , نظرا لما يعيشه جزء من مجتمعنا من أزمةً في الأخلاق , وسرعة الغضب على توافه الأمور , وعدم الصبر حتى على صغائر الأمور, ورغبتةً مني في الخوض في هذا الموضوع لمساعدة نفسي أولاً على تعديل وتوجيه سلوك الغضب لدي , ولإخواني من المسلمين .
التعريف:لغةً : غَضِبَ يَغْضَبُ غَضَباً ، قال ابن فارس:(الغين والضاد والباء أصل صحيح يدل على شدة وقوة). (1)
وقال القرطبي - رحمه الله تعالى- «والغضب في اللغة : الشدة ، ورجل غضوب أي شديد الخلق ، والغضوب الحية الخبيثة لشدتها , والغضبة : الدرقة من جلد البعير يطوى بعضها على بعض سميت بذلك لشدتها»(2)
اصطلاحاً: عرفه الجرجاني بأنه : «تغير يحصل عند غليان دم القلب ليحصل عنه التشفي للصدر» (3) ، وعرفه الراغب : «ثوران القلب إرادة الانتقام» (4)، وعرفه الغزالي : «غليان دم القلب بطلب الانتقام»(5).
وعُرَّف الغضب بأنه «ثورانٌ في النفس يحملها على الرغبة في البطش والانتقام»(6). وقد يُعرَّف بأنه «حالةٌ نفسيةٌ انفعالية تُصيب الإنسان»(7)
والمعنى أن الغضب طبعٌ بشريٌ فطريٌ يؤدي بصاحبه إلى الثوران والانفعال ، وعدم القدرة على التحكم في أقواله وأفعاله غالباً .
وجاء في إصلاح المجتمع للبيحاني : «إن الغضبان أول ما يجني على نفسه فتقبح صورته ، وتتشنج أعصابه ، ويفحش كلامه ، ويزيد على ظلمه انتقامه ، وقل أن تراه إلا وهو شعلة من نار يأكل بعضها بعضاً». (8)
والغيْظُ :هو الغَضب، وقيل: الغيظ غضب كامن للعاجز، وقيل: هو أَشدُّ من الغضَب، وقيل: هو سَوْرَتُه وأَوّله.
وقال اللّه تعالى : «تكاد تمَيَّزُ من الغيظ»(1) ؛ أَي من شدَّة الحرِّ.وقوله تعالى : «سمعوا لها تغيُّظاً وزفيراً»(2) ؛ قال الزجاج: أَراد غَلَيان تَغَيُّظٍ أَي صوت غليان(3).
وحقيقة الغضب هي حركة النفس إلى خارج الجسد لإرادة الانتقام والغضب غريزة في الإنسان مهما قصد أو نوزع في غرض ما , اشتعلت نار الغضب وثارت حتى يحمر الوجه والعينان من الدم , لأن البشرة تحكي لون ما وراءها , إذا غضب على من دونه واستشعر القدرة عليه وإن كان ممن فوقه تولد منه انقباض الدم من ظاهر الجلد إلى جوف القلب , فيصفر اللون خوفاً , وإن كان على النظير تردد الدم بين انقباض وانبساط يحمر ويصفر,وفي الجملة أن الغضب هو جماع الشر وأن التحرز منه هو جماع الخير.
الفصل الأول : طبيعة الغضب ومنشؤه في ضوء السنة
المبحث الأول : طبيعة الغضب ومنشؤه.
عن أبى سعيد الخدري ــ رضي الله عنه ــ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ألا وإن الغضب جمرة في قلب ابن آدم . أما رأيتم إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه . فمن أحس بشيء فليلتصق بالأرض»(1)
وقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم» (2) وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : «إن الغضب من الشيطان ، وإن الشيطان خلق من النار ، وإنما تطفأ النار بالماء ، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ»(3) وفي حديث عروه عن عائشة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من عندها ليلا. قالت فغرت عليه. فجاء فرأى ما أصنع. فقال "مالك؟ يا عائشة! أغرت؟" فقلت: وما لي لا يغار مثلي على مثلك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أقد جاءك شيطانك؟" قالت: يا رسول الله! أو معي شيطان؟ قال "نعم" قلت: ومع كل إنسان؟ قال "نعم" قلت: ومعك؟ يا رسول الله! قال "نعم. ولكن ربي أعانني عليه حتى أسلم».(4)
هذه الأحاديث تبين طبيعة الغضب ومكامنه فى الإنسان , و الصورة الباطنة والظاهرة لانفعال الغضب الذي يعتري الإنسان ويعرض له في أحواله وتقلباته الدنيوية , وتتحدد هذه الجوانب في انفعال الغضب في التفسيرات الآتية:
أن للغضب طبيعة نارية متوقدة داخل النفس تعبر عن ذلك بمظاهر أقرب ما تكون للنار في حرارتها ولونها ومفعولها وآثارها , وأن له تعبيرات نابعة من هذه الطبيعة يمكن الاستدلال بها عليه , مثل احمرار العين , وانتفاخ الأوداج.
أنه من الشيطان , وأن الشيطان قرين الإنسان الملتصق به , وربما جرى منه مجرى الدم كما في الحديث المذكور سابقاً . والشيطان خلق من نار , فهو ذو طبيعة نارية, يقبس الغضب في نفس الإنسان ويذكيه . وقد قال تعالى عن أصل خلق الشيطان:(وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ )(1) فكون الشيطان من النار وكون الشيطان مقارن للإنسان متابع له , كل ذلك يبين بعضاً من العمليات الداخلية الخفية الدافعة للغضب والمؤثرة فيه.
أن الغضب أمر غريزي , وطبع جبلي, ينشأ عنه و به تغيرات عضوية من حرارة وتقلص في العضلات , وإفرازات غدية , واستعداد للمقاتلة والمواجهة . وأن لهذا حرارة داخلية كامنة , يحسها من اشتد غضبه كما يحس الجائع أو العطشان بجوعه أو عطشه .
والغضب كطبع غريزي واستعداد جبلي يختلف عن العدوان وعن السلوك العدواني , إذ العدوان ليس غريزة عند الإنسان , فالإنسان مفطور على التوحيد والسلامة قال تعالي : ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ) (2).
والمولود يولد على الفطرة وهي التوحيد , فعن أبي هريرة ــ رضي الله عنه ــ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ما من مولود إلا ويولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)(3) .والتوحيد أصل كل خير وبر . وبهذا لا يمكن أن يكون العدوان غريزة وجبلة فيه , بل الجبلة التوحيد ثم تأتي العوامل البيئية لتحرفه عن أصل الخير وتغرس فيه الشر والعدوان وغيرهما .
04 أن الغضب في حال استثارته وشدته يملأ النفس ويستولي عليها , ويأخذ بلبها وأطرافها , ويكاد أن يغطي العقل , ويعمي البصيرة , ويضعف التفكير , ويكون في النفس من الفورة والغليان والتحول والجيشان ما هو قابل للزيادة والنمو , وذلك لما يقوم عليه من استعدادات وقابلية لا ترفض ذلك الجيشان في أصل الطبع , ولهذا جاء وصف إيقاف الغضب ورده بالكظم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه، دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من أي الحور العين شاء ) (1) والكظم يعني الإجتراع (2) وجاء الجزاء على الكظم عظيماً أيضاً , لما فيه من معاناة لكبح , ملك النفس والفوارة.
05 أن للغضب علاقة بالكبر والاستعلاء فهو مشوب ومرتبط بهما , فمنشؤه النار والشيطان وقد بين الله تعالى فى أكثر من موقع فى القران كبرياء الشيطان واستعلاءه , وفخره بأن أصل خلقه من النار ذات البأس والشأن قال تعالى : «قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين . قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين»(3) , فالغضب والكبر طبيعتان مقترنتان في أكثر الأحيان , تغذي إحدهما الأخرى , وذلك لما في أصل الكبر والغضب من التصاحب والتناسب.
الفصل الثاني : أنواع الغضب ودرجاته في ضوء السنة
المبحث الأول: الغضب المحمود (الواجب):
وهو ما كان لله- تعالى- عندما تنتهك محارمه ، وهذا النوع ثمرة من ثمرات الإيمان إذ أن الذي لا يغضب في هذا المحل ضعيف الإيمان , فا النبي - صلى الله عليه وآله وسلم- لا يُعرف غضبه إلا إذا نتُهيكة محارم الله تعالى- فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت : ما ضرب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - شيئا قط بيده ، ولا امرأة ، ولا خادما إلا أن يجاهد في سبيل الله ، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله -عز وجل-(1).
ومن ذلك ما رواه عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما- قال : خرج رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - على أصحابه وهم يختصمون في القَدَر فكأنما يفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب فقال : ( بهذا أمرتم ؟ أو لهذا خلقتم ؟ تضربون القرآن بعضه ببعض بهذا هلكت الأمم قبلكم) فقال عبد الله بن عمرو : ما غبطت نفسي بمجلس تخلفت فيه عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ما غبطت نفسي بذلك المجلس وتخلفي عنه .(2)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : دخل عليِ رسول الله صلى الله عليه وسلم , وقد سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل , فلما رآه هتكه , وتلون وجهه وقال : يا عائشة : أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يضاهئون بخلق الله)(3) القرام : الستر الرقيق.
ومن ما يدل على الوعيد الشديد لمن لا يغضب عندما تنتهك حرمات الله , قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي ثم يقدرون أن يغيروا فلا يغيروا إلا يوشك أن يعمهم الله بعقاب)(1).
والغضب المحمود، علامة على قوة الإيمان ، وهو ثمرة لحفظ الأوطان ،وسلامة الأبدان ، وتظهر ثمرة الغضب بالأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، والرد على الشبهات أما السكوت المطبق مع القدرة على التغيير فسبب للهلاك فعن زينب بنت جحش ـ رضي الله عنها - أن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- استيقظ من نومه وهو يقول : ( لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه) - وحلق بأصبعه وبالتي تليها - قلت : يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال :(نعم إذا كثر الخبث)(2).
وكذلك من الغضب المحمود : الغضب لما يحدث للمسلمين من سفك للدماء ، وانتهاك للأعراض ، واستباحة للأموال ، وتدمير للبلدان بلا حق ,ويتضح من هذه الأحاديث إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغضب وفي الوقت نفسه لا يغضب إلا إذا انتهكت حرمات الله ؛ ولهذا الغضب حدود لا يُخرِجُ الإنسانَ عن وضعه الطبيعي حال هدوئه و إلا نتقل هذا الغضب من كونه محموداً إلى كونه مذموماً.
المبحث الثاني :الغضب المذموم:
وهو ما كان انتقاماً للنفس , وهذا الغضب يترتب عليه نتائج خطيرة على الإنسان ذاته وعلى مجتمعه , وهو الذي حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه الذي رواه أبو هريره رضي الله عنه قال : إن رجلاً قال للنبي صلي الله عليه وسلم أوصني قال : (لا تغضب , فردد مراراً :لا تغضب) (3)
المبحث الثالث : الغضب المباح وهو الغضب في غير معصية الله ـ تعالى- ولم يتجاوز حدَّه كأن يجهل عليه أحد , وكظمه هنا خير وأبقى قال تعالى (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)(1) .
قال ابن حبان –رحمه الله تعالى- " والخلق مجبولون على الغضب ، والحلم معا ، فمن غضب وحلم في نفس الغضب فإن ذلك ليس بمذموم ما لم يخرجه غضبه إلى المكروه من القول والفعل على أن مفارقته في الأحوال كلها أحمد " ا.هـ (2)
المبحث الرابع درجات الغضب:
هي التفريط ، والإفراط ، والاعتدال(3)،ونأتي إلى بيان كل درجة منها بإيجاز :
أولاً : التفريط : وهو أن يفقد قوة الغضب أو ضعفها ، وهذا مذموم ، وهو الذي يقال فيه : إنه لا حَمِيَّة له ، ولذلك قال الشافعي : « من اُستُغْضِبَ فلم يغضبْ فهو حمار » ، فهذا قد فَقَدَ معنى الغَيْرَة والعِزَّة ، ورضي بقلة الأنفة واحتمال الذل .
ثانياً : الإفراط : وهو أن تغلب هذه الصفة حتى تخرج عن سياسة العقل والدين وطاعته ، ولا يبقى للمرء معها بصيرة ، ولا نظر ، ولا فكرة ، ولا اختيار ، وسبب غلبته أمور غريزية ، وأمور اعتيادية .
ثالثاً : الاعتدال : وهو الغضب المحمود ، بأن ينتظر إشارة العقل والدين ، فينبعثَ حيث تجبُ الحَمِيَّةُ ، وينطفئُ حيث يَحْسُنُ الحلمُ وحفظُهُ على حد الاعتدال والاستقامة التي كلف الله تعالى بها عباده وهو الوسط .
يتبع[/align]
مواقع النشر