الفصل الأول.




-"قلت لك أبعد يدك عني اليكس، حاول تجنبي هذه الفتره"
-"ليزا ... الآن او فيما بعد، أنت ستكونين زوجتي رغما عنك، وانت تعرفين هذا"

تنهدت ليزا بقلة صبر وفتحت باب السيارة ... ما كادت تخرج رجلها حتى أمسك ذراعها مرة أخرها ليقول بنبرة متهكمه:

-"اسمعي، سأعطيكِ مهلة لنهاية الشهر، بعد ان اعود من اجتماع روسيا...سنتزوج، شئتِ ام أبيتِ"

نظرت له بتكبر واشمئزاز ثم سحبت يدها بعنف من يده ونزلت من السياره...ضربت الباب بقوة خلفها وتقدمت بخطوات ثابتة نحو منزلها الكبير...فتح الحرس البوابات على اوسعها وهم يتهامسون في الميكروفونات الصغيرة الممتدة من آذانهم الى افواههم ويرمقونها بنظرة ترقب...
لم تأبه لهم كعادتها ودخلت المنزل ... رمت حقيبتها على الخادمه واكملت طريقها الى غرفة المائدة حيث كانت اصوات طقطقة الملاعق بالصحون تملأ المكان بسبب الهدوء والصمت المريبين اللذان يحتلان المنزل منذ عدة سنين...
دخلت بهدوء دون ان تلقي السلام وهي ترمق والدها بنظرات الكره والبرود والذي تعود عليها فرانسيس اصلا...جلست الى يساره تقابلها والدتها التي تلتزم الصمت ولم ترفع رأسها .... تنفست ليزا بعمق ثم قالت بنبرة متهكمه:

-"ضربتها مرة أخرى إذن؟!"

رفعت الام (بريانكا) رأسها بنظرات مترجية .. تطلب من ابنتها ان لا تتدخل..بينما هناك هالة بنفسجية تحيط عينها...لم تهتم ليزا لنظرات امها وامسكت كأس الماء ورشقته على ملابس فرانسيس الذي لم يحرك ساكنا وهو ينظر اليها بنفس النظرات...قربت وجهها منه بينما تركي يديها الى الطاولة وقالت بنبرة مشمئزة:

-"لا مشكلة يا فرانسيس...اقترب الوقت كثيرا"

ثم تغير تعبير وجهها لابتسامة ساخرة وعادت تقف بعدما اوقعت مقعدها للخلف ... رمت الكأس الذي في يدها على الأرض لتنتشر اشلاءه في كل مكان واكملت بنبرة ساخره:

-"صحيح، ان أليكس يوصل لك سلامه"

نظر اليها فرانسيس وهو يرفع حاجبه ... مسحها بنظره من الأعلى الي الأسفل ثم اخذ المنديل من امامه ومسح الماء عن وجهه وارخى ظهره للخلف ثم قال:

-"آن الأوان لتقولي (زوجي أليكس) فبجميع الأحوال ستكونين له في نهاية الشهر"

ضحك بسخرية واكمل:

-"اقنعت والدتك بهذا يوم امس ... لكنني لا أريد اقناعك بنفس الطريقه"

زادت نظراتها حدة وهي تنذر بالخطر، هو يعلم انها تحرم عليه لمس والدتها بسوء..وهذا هو اكثر شيء يغيظها، بدأت تتمرد عليه كثيرا في آخر سنتين ... ربما حان الوقت لتأديبها!...وقف بتكاسل ونظر الى بريانكا باشمئزاز واعاد نظره الى ليزا التي تشد على يديها بغيظ ... اقترب منها ووضع يده على كتفها ليهمس بهدوء:

-"ليزا...انتِ تعرفين انك غالية على قلبي ولا أريد أذيتك، لهذا لا تجبريني على ذلك .. اما والدتك فحاولي ان تنسيها حسنا...فهي ستكون نقطة ضعف لك"

نظرت اليه بنظرة لا يعرف تفسيرها الا هو وأليكس ... اجل، انهم اهتموا بها جيدا طوال فترة حياتها وسينقلب هذا ضدهم... لن تهدأ أبدا قبل ان تفعل ما برأسها...ذلك الكلام الذي قاله لها قبل 4 سنين لن تنساه ابدا .. مهما طال الزمن...
تأمل عينيها الناعستين بقلة حيلة ثم خرج من الغرفة...وما ان اقفل الباب خلفه حتى اسرعت ليزا الى والدتها التي بدأت تبكي وتقول لها بترجي:

-"ارجوك...ارجوك يا ليزا...ارجوك..لا تتحدي والدك ولا أليكس...لا أريدهما ان يؤذوك!...استغلي حب والدك لك...ارجوك يا ليزا...تصرفي بذكاء ولا تقلبي الطاولة ضدك"

ابتسمت ليزا وهي تمسح دموع والدتها وتحتضنها بحزن لتقول:

-"انه لا يحبني يا أمي، انه يحب ما قد اقدمه له فقط...ولن اعطيه له ابدا حتى لو قتلت نفسي"

ثم ابعدتها عن حضنها لتنظر الى مكان الضربة وتقول بحقد:

-"صدقيني سيدفع ثمن كل مرة ضربك بها...سأجعله يندم"

زاد بكاء بريانكا واحتضنت ليزا بقلة حيلة...لا يمكنها ردع ابنتها...حتى لو كانت صاحبة حق...لكنها ابنة فرانسيس ميكاي .. واي شيء يصدر من هذان الاثنان لا يحمد عقباه!


~~**~~**


في اليوم التالي ... استيقظت ليزا على صوت المنبه ... فتحت عينيها بكسل ورمت الهاتف بعيدا لينفصل الغطاء والبطارية عنه ثم وقفت ومددت يديها بالهواء...نظرت الى الكتب التي قد نامت بجانبها يوم امس بضجر ... يجب عليها ان تدرس بشكل اكبر...دراستها هو الشيء الوحيد الذي قد يفيدها ... ابعدت عينيها ذوات الشكل الناعس عن الكتب لتتجه نحو الشرفه...فتحتها على وسعها ليتخلل الغرفة نسيم عليل يطرد بقايا الدخان الذي دخنته ليزا بالامس ويملأ رئتيها بالانتعاش...رسمت ابتسامة لا تكاد تظهر على شفتيها وتقدمت للأمام...وضعت يديها على سور الشرفة لتنظر للأسفل حيث يحيط الحرس المنزل بأكمله ... همست لنفسها:

-"رؤيتكم تسبب لي المغص"

حركت رأسها مع استدارتها نحو الباب الذي فتح خلفها ليتطاير شعرها الطويل معها ... دخلت امها بابتسامة لطيفة وبيدها كأس حليب ساخن ... بادلتها ليزا الابتسامة لتأخذ من يدها كأس الحليب وتقول بعتاب:

-"لماذا استيقظتي ؟!...يجب ان ترتاحي يا أمي "
-"لا يمكنني أن ارتاح يا عزيزتي، يجب ان أرك كل يوم... فلا اضمن ان اظل على قيد الحياة حتى تعودين"
-"لن يتجرأ أحد على الاقدام على هذا ما دمت انا موجوده"

اتكأت بريانكا على السور وقالت بتنهيدة حزينه:

-"ألم يحاول فرانسيس من قبل؟!"
-"كنت وقتها غبية جدا ولم ارسم الحدود له"

صمتت بريانكا بقلة حيلة وهي ترمق ليزا بنظرات غريبه... لم تهتم ليزا لنظراتها وارتشفت قليلا من الحليب لتعود للداخل حتى تغير ملابسها وتستعد للجامعه، كانت والدتها تراقب تحركاتها بصمت ... بعد ان خرجت ليزا من الحمام توجهت الى خزانتها...سحبت منها بنطلون واسع وبلوزة دانتيل مبطنة وارتدتهما على عجلة ثم وقفت امام المرآة وتجمع شعرها بيدها لربطه...لكنها تركته عندما لامست يديها يدي امها وهي تمسك الفرشاة لتمشطه ولمعة الدموع في عينيها...استسلمت ليزا لطلب امها الصامت بتمشيط شعرها وهي تنظر الى انعكاس صورتها الحزينة في المرآة ... لم تتجرأ بريانكا على رفع عينيها والنظر في عيني ليزا...بل ظلت منسجمة في تمشيط شعرها وعلى وجهها ابتسامة منكسرة متألمة حزينة...انزلت ليزا نظرها بحزن هي الأخرى وهي تستمتع بلمسات امها ... قالت بريانكا بصوت منخفض:

-"مر وقت طويل جدا عن آخر مرة قصصت لك فيها شعرك!...لقد طال كثيرا ليطول آخر ظهرك"

رفعت ليزا رأسها ووضعت يدها على شعرها ثم ابتسمت وقالت:

-"اجل...بدأ يضايقني اصلا، سأقصه قريبا"
-"لا تفعلي"

قالت كلمتها لتلتقي عينيها بعيني ليزا فأكملت:

-"انه يذكرني بك عندما كنتِ صغيرة جدا...كان شعرك طويل ولم تقبلي ابدا بقصه"

ضحكت ليزا بدون نفس وهي تتذكر تلك الأيام وتحاول تناسيها ... جدلت والدتها شعرها فوقفت واخذت حقيبتها وكتبها ثم قبلت رأس برياكنا وقالت بهدوء:

-"اعتني بنفسك امي، وحاولي ان لا تصطدمي بأبي أبدا"
-"ماذا ستفعلين بشأن زواجك من أليكس؟"
-"لا تقلقي...ببالي خطة جيدة ستلهيهم عني لمدة طويلة"

قالت جملتها وجمعت قطع هاتفها عن الأرض وخرجت بسرعة ... ركضت على الدرج دون ان تنتبه لخطواتها وهي تعيد تركيب القطع ... فتح لها الحرس باب المنزل وخرجت تمشي بسرعة في الشارع ... وضعت هاتفها في حقيبتها ونظرت للأمام ... رأت سيارة أليكس قادمة فأسرعت بخطاها ... لكن أليكس عارضها عندما اوقف السيارة بطريقة مجنونة امامها وهو يقول من النافذة:

-"اصعدي"
-"لا أريد أن أصاب بالغثيان من أول اليوم...سأذهب بالمواصلات"
-(وهو يشد على اسنانه)"قلت لك اصعدي"
-(بلا مبالاة)" اغرب عن وجهي...عد إلي بعد الدوام"

واكملت مشيها دون ان تلتفت ... ضرب أليكس المقود بغضب وحرك سيارته بجنون وهو متجه الى منزل فرانسيس..دخل بسرعة الى مكتب فرانسيس وهو يصرخ بغضب:

-"لم أعد احتمل ليزا اكثر من هذا...انها لا تعطيني أي احترام...لم تعد ليزا هي ذاتها"
-"اهدأ، انها غاضبة لانني ضربت والدتها يوم أمس...انسى الأمر...بعد الزواج سوف تستطيع اجبارها على كل شيء...ثم خطوة بخطوة ستقتنع هي وتصير مثلنا ... بل أفضل"

جلس على الكرسي وهو يحاول تهدئة نفسه ثم قال:

-"لا تلمني ان ضربتها في بداية الأمر"

نظر اليه فرانسيس ببرود وهو يقول:

-"ان لمست شعرة منها سوف اكسر يدك...يجب ان نرغبها اكثر من ترهيبها...هي لا تستجيب للعنف ابدا...بل تزداد عناد"
-"حسنا، سنرى الى أين ستقودنا خططك"

اكمل فرانسيس عمله بهدوء دون الاكتراث لتذمر أليكس...

أما في الجامعة ... كانت ليزا تركض بسرعة نحو قاعة المحاضرة لانها تأخرت كثيرا عنها ... فتحت الباب بقوة ليلفت اليها الطلاب باستغراب...كانت تتنفس بصعوبة فقال الدكتور:

-"آنسة ليزا...لم أنت متأخرة اليوم"
-"واجهتني مشكلة في قدومي...لم اعثر على سيارة اجرة بسهولة...هل ادخل؟"

هز رأسه بعدم اهتمام واكمل الشرح...جلست ليزا بجانب جيني...تلك العدوة الصديقة لليزا...ليستا على وفاق ابدا...لأن جيني تريد أليكس وذلك الاخير لا يهتم الا لليزا...بينما ليزا لا تهتم الا بكون جيني ابنة عم أليكس وهذا سيفيدها كثيرا...كون جيني تسكن مع أليكس بنفس المكان بحجة أن أهلها في فرنسا طردوها...لكن في الحقيقة هي من افتعلت المشكلة لتعيش مع عائلة أليكس وتكون بقربه....قالت جيني بهدوء:

-"كيف حالك اليوم؟"
-"مثل كل يوم...وأنت؟"
-"اشعر بالملل"

صمتت ليزا وبدأت بكتابة الملاحظات وببالها فكرة واحدة .. (اتمنى يا جيني ان تستفيقي وتعرفي من هو أليكس قبل فوات الأوان) .. لم تدم المحاضرة الا ربع ساعة...او بالأحرى هذا ما استطاعت ليزا حضوره من المحاضرة بسبب تأخرها...جمعت اغراضها وخرجت من القاعة برفقة جيني التي تتكلم بمواضيع عديدة لطرد الملل...استدرات اليها جيني وهي تعقد حاجبيها وتقول :

-"على فكرة...لون عينيك تغير في الفترة الأخيرة، كان لونها عسلي ولكن الآن بني!"
-"هذا لأننا نقف في الظل يا ذكية"
-"ولقد ازداد السواد تحت عينيك...ألا تهتمين بنفسك أبدا!"
-"آخر همي"
-"كيف حال أليكس...هل رأيته اليوم؟...خرج من المنزل باكرا"
-(باندفاع قالت)"إلى أين ذهب وفي أي ساعة؟"

قطبت جيني حاجبيها بغيظ لانها ظنت ان ليزا تسأل هذه الأسئله لانها تهتم بأمر أليكس...هي صحيح انها تهتم له...ولكن بغير الطريقة التي تظنها جيني...اجابت الأخيره بتهكم:

-"إلى الشركة طبعا .. ربما في السادسة او السابعة"

ثم شهقت بغير تصديق وهي ترى رجل يمشي بين حارسين ... توقفت عن السير لتصطدم بها ليزا التي كانت شاردة في ماهية الامر الذي قد يكون أليكس ذهب لرؤيته...قالت بانزعاج:

-"لم توقفتي؟!"

ابتسمت جيني بعدم تصديق وصفقت بيديها وهي تركض نحو ذلك الرجل...رفعت ليزا حاجبها باستغراب وهي تنظر الى ذلك الرجل...سرعان ما تلاشى استغرابها بعدما ادركت ان ذلك الرجل لم يكن سوى (نيكولاس بيتر فيندار) اشهر رجل أعمال في البلاد ومعذب قلوب العذارى...رغم ان عمره تعدى ال7 الا انه لم يتزوج بعد وهذا ما يجعل الفتيات ما زلن يأملن بأن يقع في حبهن...حركت رأسها بقلة حيلة وهي تهمس:

-"وكأن جيني لا تمتلك حبيب مثلا؟!"

مشت نحو اجتماع الناس حول نيكولاس ... بمجرد ان انتبه الطلاب لتواجده حتى كونوا حلقة حوله...بينما الحراس يحاولون ابعادهم...امسكت ليزا بيد جيني وهي تقول بعصبيه:

-"امشي الآن...تقفين مثل البلهاء هنا...لا تكوني متخلفة مثل هؤلاء المجتمعين حوله"

سحبت جيني يدها بعدم اهتمام وصارت تسأل نيكولاس اسئلة عدة وهو يقطب حاجبيه بغضب ويهمس بشيء ما للحراس...وقع نظره على ليزا التي قالت بغضب وهي تحمل حقيبتها عن الارض:

-"متخلفون وستظلون دوما متخلفون...رجل غبي مثل هذا يحبونه!..ألا يعلمون ان نصف ارباح الشركات بسبب الموظفين وليس بسبب المالكين!؟"

كانت تمتم بغضب وهي تحدج جيني بغضب...ثم استدارت وارادت الذهاب لولا يد نيكولاس التي امسكتها وهو يقول ببرود:

-"هل نعتني بالغبي منذ لحظات؟!"