كانت قوات كبيرة من شرطة الاحتلال تقتحم ودون سابق إنذار باحات المسجد الأقصى، وتبدأ بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع وقنابل الصوت تجاه المصلين بشكل استفزازي، كما اعتدت على العشرات منهم بالضرب المبرح، مما أوقع بحسب حصيلة نهائية خمسين إصابة متنوعة جراء تعرضهم للإصابة بالرصاص المغلف بالمطاط، والغاز المسيل للدموع.
تزامن هذا مع إغلاق شرطة الاحتلال لكافة مداخل المسجد الأقصى، وحشد المئات من أفرادها على بوابة المغاربة، كما انتشرت بكثافة في باحات الحرم وحاصرت المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة، تمهيدا لعملية اقتحام واسعة.
وامتدت المواجهات في ما بعد إلى شوارع البلدة القديمة، في حي باب حطة داخل الأسوار، وفي حي راس العامود خارجها، وبلدة العيسوية شمال شرقي المدينة.
مدير الأوقاف الإسلامية في القدس الشيخ عزام الخطيب عبّر عن استيائه وقلقه من تدخل الشرطة، مؤكدا أن "هذا التصعيد من قبل الشرطة يعد مؤشراً خطيراً، ففي كل احتجاج أو ضرب حجر تدخل قوة معززة من الشرطة ووحدات خاصة وحرس الحدود" إلى الباحة.
المفاوضات و"كنيس الخراب":
إضافة لهذا، فأحداث الحرم القدسي وقعت بعد يوم على قرار لجنة المتابعة العربية بالموافقة على إجراء مفاوضات غير مباشرة بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي برعاية أمريكية مدة 4 اشهر.. كبادرة حسن نية عربية جديدة تجاه إسرائيل ورسالة غير ذات معنى أو قيمة للمجتمع الدولي تؤكد تمسك العرب بعملية التسوية، ومحاولة لإنزال المفاوض الفلسطيني عن الشجرة التي صعد إليها بقدميه عندما أعلن رفضه إجراء مفاوضات مباشرة مع إسرائيل إلا بعد إعلانها عن وقف الاستيطان الشامل بالضفة الغربية وهو ما لم يحدث منذ تسلم حكومة نتنياهو زمام الأمور قبل عام ونيف من الآن.
كما أننا إذا أردنا إن نربط بما حدث يوم الجمعة بما جرى قبله على المستوى المحلي والعربي والإقليمي والدولي فإن الحديث يطول.. وهو ما يؤكد أن الاقتحام "المباغت والمفاجئ" لقوات كبيرة من شرطة الاحتلال وهي مدججة بالسلاح لباحات الحرم القدسي لم يكن مباغتا ولا مفاجئا لمن يقرا الواقع ويدرك مجريات الأمور وارتباطها يبعضها البعض.
الأهم والأخطر من ذلك، أن أحداث الجمعة في المسجد الأقصى يعدها المحللون تجربة لما سيقوم به المحتلون من مصائب.. فبعد أيام قليلة وتحديدا في السادس عشر من الشهر الجاري سيعلنون افتتاح ما يسمونه بـ"كنيس الخراب" الذي يقع على بعد أمتار من الحائط الغربي للمسجد الأقصى، وهذا الكنيس يعني أنه بداية فعلية لما يسمّونه الهيكل الثالث المزعوم، وقد أعلنوا أنّ الظروف باتت مهيأة، وكل ما هو مطلوب موجود من أجل فرض الأمر الواقع بتقسيم المسجد الأقصى، على غرار ما فعلوه بالمسجد الإبراهيمي بالخليل.
صفعة لنهج المفاوضات:
نواب المجلس التشريعي الفلسطيني عن حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في الضفة الغربية استنكروا الأحداث الأخيرة، مؤكدين أنها بمثابة "صفعة للسلطة الفلسطينية والدول العربية التي وافقت على استمرار نهج المفاوضات، وهي تأكيد من الكيان الصهيوني على أنه ماضٍ في سياسته التهويدية والقمعية دون أن يأخذ بالاعتبار أي اتفاقات أو التزامات".
وأوضحوا أن أحداث الأقصى والحرم الإبراهيمي "دليل على أن التنازل لدولة الكيان وما يسمى باللجنة الرباعية يفهم من جانب المحتل بأنه ضعف عربي وفلسطيني ويرد عليه بمزيد من الاعتداءات والغطرسة الصهيونية والتي ظهرت من خلال التعدي على المقدسات والمصلين المتواجدين فيها". مطالبين الدول العربية والسلطة بدعم المقاومة والتخلي عن خيار المفاوضات والعودة لأحضان الشعب من خلال قرارات تستهدف مصلحة الأمة ولا تعين أعداءها عليها، داعين الجماهير والمواطنين لنجدة المقدسات والدفاع عنها بصدورهم العارية.
أين الضفة مما يجري في القدس!!
وإذا كان النواب الإسلاميون قد ألمحوا بطريقة غير مباشرة إلى ضعف ردة الفعل الداخلية على ما يتعرض له المسجد الأقصى والمقدسات من تهويد متواصل، فإن الشيخ رائد صلاح دعا الفلسطينيين في الضفة الغربية إلى القيام بدورهم في التواصل مع المسجد الأقصى المبارك، قائلا "نحن مطالبون في الداخل الفلسطيني أن نواصل تسيير حشودنا إلى المسجد الأقصى حتى تكون بمثابة حماية بشرية، وأقدم هنا اقتراحاً أخوياً لأهلنا في الضفة الغربية، أن يكون لهم دور لتجسيد دورهم وتواصلهم مع المسجد المبارك، فرغم كل معاناتهم أؤكد أن هناك إمكانية للتواصل مع الأقصى، خصوصاً إذا أعطت السلطة الفلسطينية الضوء الأخضر على ذلك".
حاتم عبد القادر مسئول ملف القدس في حركة فتح فجر مفاجأة عندما قال إن التاريخ يسجل لحظة المأساة في تاريخ الشعب الفلسطيني عندما يُمنع أصحاب الدار من حماية مقدساتهم.. وهو ما تقوم به أجهزة السلطة خلال هذه الأيام بمنع أية مظاهرات تقوم بها المنظمات الفلسطينية نصرة للقدس، واصفا ما يجري في الشارع الفلسطيني في الضفة الغربية بـ"التخاذل المقصود"، وبحسب عبد القادر فإن السبب في هذا التراجع هو "الحكومة الفلسطينية التي باتت تحدد النقاط الساخنة للتضامن معها.
ووافقه الرأي القيادي في حركة حماس في الضفة الغربية والنائب عنها في المجلس التشريعي د. عمر عبد الرازق الذي أكد أن أجهزة أمن السلطة تمنع أي تحرك شعبي أو أية مسيرات تنظم هبة للمقدسات الإسلامية والمسجد الأقصى، مستهجنا ذلك ومتسائلا في ذات الوقت عمن سيفدي المسجد الأقصى في ظل منعنا من الهبة الضرورية لنصرة القدس وإنقاذها من براثن الأعداء.
* صحفي فلسطيني، ومراسل قناة القدس في مدينة نابلس.
"حقوق النشر محفوظة لموقع "قاوم"، ويسمح بالنسخ بشرط ذكر المصدر"
نقلت هذا لكم باختصار ..
مواقع النشر