في أواخر العهد الأموي تعرضت بيت المقدس لزلزال قوي هدم المسجد الأقصى ،
وذلك سنة سنة 130هـ/ 748م في حين بقي مسجد قبة الصخرة على حاله.
وفي سنة 132هـ/ 750م انتقلت الخلافة من الأموييـن في دمشق الى الخلفاء العباسـيين في بغـداد.
فبعد نجاح العباسيين في انتزاع الحكم من الأمويين ، اتخذوا مدينة بغداد عاصمة لخلافتهم،
ومنذ ذلك التاريخ خضعت فلسطين لحكمهم ومن ضمنها مدينة بيت المقدس.
ولكن الاهتمام بالقدس ومكانتها اسـتمر مميزاً في العصر العباسـي
ويبدو أن زيارة القدس حينئذ كانت قد صارت عملا معتادا عند العامة والخاصة،
للمنزلة الخاصة لهذا البلد، والأبنية الرائعة التي أقامها الأمويون هناك،
فكان الزائر يقصد بعمله أجر الصلاة في المسجد الأقصى وزيارة أبنية الأمويين الجميلة.
وقد ولّى بعض خلفائهم مدينة القدس وماتحتويه من مقدسات عناية خاصة دون غيرها من المدن الشامية.
تولى أبو جعفر المنصور الخلافة في الفترة (136هـ / 754م ـ 158هـ / 775م).
وهو ثاني الخلفاء العباسيين وقد اهتم بمدينة بيت المقدس والحرم القدسي الشريف اهتمامًا بالغًا
فقد قام بزيارة بيت المقدس ،وهو عائد من أداء فريضة الحج سنة مئة وأربعين للهجرة،
فصلى في مسجدها، وفي هذه الزيارة عاين المنصور الدمار الكبير
الذي أصاب المسجد الأقصى، بسبب الزلزال الذي تعرضت له المنطقة سنة 130هـ،
وأثر في بناء المسجد الأقصى ،
وفي وقت كان الصراع فيه محتدما بين العباسيين والأمويين، لم يكن هنالك من الاستقرار
لما يسمح بترميم المسجد العظيم، فأمر المنصور بذلك بعد الزيارة والمشاهدة،
وحين وجد أن هذا المشروع يحتاج إلى نفقات كبيرة، أمر بقلع الصفائح الذهبية والفضية
التي كانت على الأبواب فقلعت وضربت دنانير ودراهم وأنفقت على عمارة المسجد
حتى تم سنة 154هـ /771م
وقيل أنّه لما قيل له إن كل ما في بيت المال لا يفي برد المسجد إلى ما كان عليه،
أرسل إلى أمراءه وسائر قواده بأن يتولى كلّ منهم بناء رواقا من أروقة المسجد،
وجاء المنصور في السنة التالية لزيارته .
عند تولى المهدي بن منصور خلافة المسلمين في الفترة (158هـ /775م ـ 169هـ / 785م).
وقع زلزال آخر في مدينة بيت المقدس أدى إلى تهدم بناء المسجد الأقصى
الذي أقامه أبو جعفر المنصور، كما تسبب هذا الزلزال في انقطاع المصلين عن ارتياد المسجد
للصلاة فيه لمدة طويلة،
فأمر المهدي بإعادة بناءه بعد زيارة القدس سنة مئة وستين للهجرة .
وقد ذكر الحنبلي ذلك في كتابه قائلا :
(رث هذا المسجد وطال وخلا من الرجال، أنقصوا من طوله، وزيدوا من عرضه)
فتم البناء في خلافته سنة 163هـ / 780م).
أما المقدسي فقد قال : (بنى المسجد هذه المرة بعناية فائقة وأنفقت عليه أموال طائلة،
وكان البناء يتكون من رواق أوسط كبير يقوم على أعمدة من رخام،
وتكتنفه من كل جانب سبعة أروقة موازية له وأقل منه ارتفاعا.
تمت إعادة البناء في ثلاث سنوات ،عاد بعدها المهدي إلى زيارة بيت المقدس والمسجد الأقصى
الذي استحدث فيه توسيعا في البلاطة الوسطى ،بعد الاستغناء عن صف من الدعامات ،
كان يتوسط بيت الصلاة ، وغطاها بسقف جملوني ضخم، يعلوه منور لإدخال الضوء،
وبنى قبة خشبية مزدوجة مغلفة بصفائح الرصاص من الخارج ومزينة بالجبس من الداخل .
وجاءت التعديلات التي استحدثها الخليفة المهدي في بناء المسجد الأقصى
متأثرة بالمزايا المعمارية لقبة الصخرة .
وفي عهد الخليفة المأمون بن المهدي الذي تولى الخلافة في الفترة (198هـ / 813م / 218هـ / 833م)
أدت زلزلة ثالثة إلى تهدم المسجد الأقصى جزئياو أصاب قبة الصخرة شيء من الخراب،
فأمر الخليفة المأمون بإعادة بناءه ،موزعا تكاليف البناء على أمراء الأطراف وسائر القادة،
وتولى البناء قائد جند المأمون عبد الله بن طاهر ، وشرع في البناء بعد عام 210 للهجرة ،
وعام 215هـ / 830م جاء المأمون لزيارة بيت المقدس فأمر بترميم قبة الصخرة
فجرى إدخال تزيينات بالخط العربي على زخرفة القبة ،
نفّذت بواسطة الفصوص المذهبة على أرضية زرقاء من زخارف الفسيفساء ،
تتضمن آيات قرآنية . فتم ذلك وانتهى سنة 216هـ / 831م،
لكن الصناع أرادوا أن يتزلفوا له، فاستبدلوا اسم الخليفة عبد الملك بن مروان
بكتابة اسمه على الفسيفساء الموجود على القبة،ولكنهم غفلوا عن تغيير السنة
التي حدث فيها هذا الترميم .
وفي ربيع سنة 216هـ / آيار 831م أمر الخليفة المأمون ببناء الأبواب الشرقية والشمالية
للحرم القدسي الشريف.
وفي عهده زار الإمام الأعظم محمد بن إدريس الشافعي بيت المقدس،
كما زارها عدد كبير من العلماء وأهل الفضل، وبلغ العلم في عهده مبلغًا عظيمًا.
تعكس أعمال الترميم والبناء هذه اهتمام الخلفاء العباسيين ببيت المقدس ،
فهم وإن صرفوا جهدا كبيرا في تقوية المدن الساحلية والحصون
وإقامة الرباطات لمراقبة الأساطيل المعادية ،
فقد قاموا أيضا بالبناء في بيت المقدس .
وفضلا عما تقدم ذكره ،فقد قاموا ببناء عدد من البوائك منها
البائكة الجنوبية ، والبائكة الشرقية، والبائكة الغربية.
والبائكة هي عبارة عن واجهة بناء مكونة من مجموعة عقود مرتكزة على مجموعة أعمدة
تنتهي هذه الواجهة بشكل حجري معين، وعادة ما تبنى عند انتهاء الدرج وفي أعلاه.
وتتكون هذه البوائك من دعامات حجرية بينها أعمدة رخامية تعلوها أقواس حجرية مدببة الشكل.
ومن هذه البوائك:
البائكة الجنوبية
وهي أقدم بوائك الحرم ويصعد إليها بدرجات سلم وقد شيدت في العصر العباسي,
ربما أثناء أعمال الخليفة المهدي لإعادة بناء المسجد الأقصى أو وقت الترميمات
التي قام بها الخليفة المأمون في قبة الصخرة بعد الزلزال المدمر الذي أصاب القدس
في القرن الثالث الهجري هـ (1893م)
وهي عبارة عن ثلاثة أعمدة أسطوانية في الوسط،
تحفها عن اليمين واليسار ركبتان عظيمتان، ارتفاعها 6.5م.
ويصل ساحة المسجد بصحن الصخرة درج حجري درجاته عشرون..
وهذه البائكة الجنوبية للناظر من صحن الصخرة
وتعد أكبر البوائك حول صحن الصخرة، حيث تتكون من ركبتين عظيمتين،
وأربعة أعمدة أسطوانية رخامية الصناعة.
ويصل ساحة المسجد الشرقية بصحن الصخرة اثنتان وعشرون درجة،
وثلاث درجات أخريات. وارتفاعها 6.5م.
وأغلب الظن أنها شيدت بعد البائكة الجنوبية نظراً لاهتمامها بالتوزيع المتوازن للعقود
بحيث يصبح العقد الأوسط محورا تتوزع من حوله العقود الأربعة الباقية بترصيف وتوازن
هو من أهم خصائص فن العمارة الإسلامية بعد نضجه المبكر في العصر العباسي
فضلاً عن العناية بزخرفة أعلى البائكة بمربعات حجرية غائرة
وهذه البائكة الشرقية للناظر من صحن الصخرة
تقع في منتصف الحد الغربي لصحن الصخرة المشرفة الواقعة في قلب المسجد الأقصى المبارك.
يعود بناؤها المعروف حالياً إلى عام 340هـ - 951م.
ومن المرجح إن الآمر بإنشاء هذه البائكة هو الأمير أبو القاسم أنوجور بن الإخشيد
وذلك في وقت لاحق لإنشاء البائكة السابقة .وقاعدة هذه البائكة مؤلفة من ثلاثة أعمدة رخامية
على جانبيها من الخارج دعامتان حجريتان مبنيتان وهي جميعاً تحمل أربعة عقود حجرية مدببة
وقد زخرف أعلى البائكة بزخارف من مربعات حجرية غائرة تشبه الموجودة في البائكة الشرقية
وهي عبارة عن ركبتين عظيمتين في الأطراف، وثلاثة أعمدة أسطوانية في الوسط،
سلمها تبلغ درجاته أربعا وعشرين درجة، توصل الصاعد إلى صحن الصخرة من ساحة المسجد الغربية.
وهذه البائكة الغربية للناظر من صحن الصخرة
دام العصر العباسي أكثر من خمسة قرون شهدت الكثير من التقلبات في قوة مركز الخلافة ببغداد .
وعادة ما يميز الباحثون بين عصرين عباسيين الأول والثاني،
وكان طبيعيا أن تتأثر فلسطين ، وبيت المقدس .
وقد حرص الخلفاء العباسيون على تولية أمير عباسي ، أو مقرب مخلص ولاية فلسطين ،
التي كثيرا ما جمع حكمها إلى دمشق أو مصر ، ومن ولاتها :
عبد الله بن علي، وأخيه صالح بن علي ،ثم عبد الوهاب بن إبراهيم الإمام،
والعباس بن محمد بن علي زمن المنصور وإبراهيم بن صالح بن علي ، ومحمد بن إبراهيم .الإمام زمن المهدي ،ثم موسى بن عيسى العباسي
وصالح بن سليمان العباسي ،
وإبراهيم بن المهدي زمن الرشيد ، وعبد الملك بن صالح العباسي زمن الأمين ،
والمعتصم زمن المأمون.
سنة مئتين وأربع وستين ،سيطر على فلسطين الطولونيون ،
فأصبحت داخلة في حكم الأسرة الطولونية المتمركزة في مصر .
وقد أبدى الطولونيون اهتماما كبيرا ببيت المقدس ،
وكانت أكثر إقامة زعيمهم خمارويه في فلسطين.
بعد الصلح بين مركز الخلافة وآل طولون تم تثبيت هؤلاء في فلسطين حتى عام 292
للهجرة ،
وعندما عمد مركز الخلافة إلى استرداد فلسطين ومصر من بين أيديهم ،
عادت فلسطين لتتبع مركز الخلافة مباشرة ، ويتم تعين الولاة من قبلها .
ومن عمليات الترميم التي أجريت على قبة الصخرة في عهد العباسيين،
هو ما أمرت به أم الخليفة المقتدر بالله حوالي سنة 301هـ / 913م بإصلاح قبة الصخرة
وأمرت بتزويد كل باب من أبوابها بمدخل خشبي فخم(من خشب التنوب).
وقد استمر هذا الوضع حتى سنة 323 للهجرة ،
وهي السنة التي شهدت تأسيس الأسرة الأخشيدية التي حكمت مصر وجنوب الشام كله.
استمر حكم الإخشيدين خمسا وثلاثين سنة شاع الاستقرار في بداياتها ،ثم عم الاضطراب
حتى انه جرى تشكيل وحدات للدفاع الذاتي في المدن ومنها القدس .
طوال هذه الفترات من التقلب ،ظلت مكانة القدس حاضرة ،
وحرص كل أصحاب العهود على العناية والاهتمام بها ،
وفيها بنى الأخشيديون تربة لأمرائهم ، ودفن فيها "أبو بكر بن طغج الأخشيدي سنة 334هـ
وأبو القاسم أنوجور بن محمد سنة 349هـ
وأبو الحسن على بن حمد سنة 355هـ
ويكتب من وصفوا بيت المقدس في الفترة العباسية الأولى ،
أنه كان عليها حض له ثمانية أبواب من الحديد ،بنيانها حجر،
ولا أتقن من بنائها ولا أنظف من أسواقها ،
ولا أكثر من مساجدها .
ومع نهاية حكم الأخشيد انتهت الفترة العباسية الأولى
في حكم بيت المقدس وفلسطين اللتين انتقلتا إلى حوزة الفاطميين.
إضافة:
اكتشاف آثار تعود للعهد العباسي بالقدس:
عثرت دائرة الآثار الاسرائيلية في مدينة القدس
على اثار اسلامية تعود للعهد العباسي،
حيث تم العثور عليها اثناء حفريات تقوم بها دائرة الاثار.
المسجد الاقصى في العهد العباسي( مشاركتي في مجلة حملة الاقصى في قلوبنا )
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الفجر الواعد
مواقع النشر