الاختبارات
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: الاختبارات

  1. #1
    عضو محجوب
    تاريخ التسجيل
    May 2005
    الدولة
    مكة مهبط الوحي
    المشاركات
    1,076
    معدل تقييم المستوى
    0

    الاختبارات

    إنَّ المجتمعات المسلمة تعلمُ أنَّه لا نجاةَ لها ولا فلاحَ إلاَّ بتحقيقِ التوحيدِ لله، والإخلاص لوجهه، والصدق معه، وتمام التوكل عليه، أجل إنَّ المسلمين يعلمون ذلك ويُكررون هذه المعاني في ما يقولون ويكتبون، ولكنَّ حياة الأمة مليئة بمشاهد الإخفاق، وشواهدَ العجز عن تطبيقِ هذه المعاني والوصول إليها، وذلك أنَّ الأمة عرفت أنَّ التوحيدَ هو عصمةُ أمرها، ولكنَّها لا تدري كيف تلتزمُ بتطبيقاته، وتتخلصُ من نواقضه، علمت أنَّ الإخلاصَ هو شرطُ نصرها وعزِّها، ولكنَّها لا تملكُ مشروعاً لتربية أبنائها عليه، علمت أنَّ صدق التوكل على الله هو أساس التمكين، ولكنَّها لا تدري كيف تُدرِّب أبناءها عليه، وذلكَ أنَّ العلم المجرد المعزول عن السلوك لا يُغني عن صاحبه شيئاً، بل إنَّه حجة عليه، ودليل على إعراضه وقسوة قلبه، أيَّها لمؤمنون: إنَّ أفضل الفُرص التي يمكن استثمارُها في تربيةِ الأبناءِ على كمال التوحيد، هي فترةُ الاختبارات التي هي بمثابة الأزمة للطلاب والمعلمين، والآباء والأمهات، وإذا كانت كذلك فهي فرصةٌ لبعث معاني العقيدة الصحيحة، والعبودية الحقَّة، إنَّها أيامٌ ملائمةٌ لأن نقفَ مع أبنائنا على مدى قُدرتهم على إخلاص العمل لله، وإخلاص العلم لوجهه عزَّ وجل، فإنَّه ليس في مصائب الأمة أعظم من فقدها الإخلاص في أجلِّ الأعمال، وأشرفِ المساعي، وهو طلبُ العلمِ. وكيف تُعز أمة تغيب شواهد الصدق في معاهدها وجامعاتها ـ إلاَّ ما شاءَ ربُك ـ والله عز وجل يقول: (( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ)) (البينة:5) .

    ويقولُ سُبحانه: (( قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)) (الأنعام:162) .

    أنظروا في تاريخ الأمة المجيد، انظروا كيف قليل العلم مع الإخلاص فيه، يحي مواتها وينشرُ ذكرها، ويحلُّ معضل قضاياها، واليوم على كثرة الشهادات، وتزايد الجامعات، وغُثاءِ الثقافات، لا ترى لذلك أثراً يُذكرُ في حياة الأمة، عن أبيَّ بن كعب قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: (( بشِّر هذه الأمةَ بالسناءِ والدين والرفعةِ والتمكين في الأرض، فمن عملَ منهم عملَ الآخرةَ للدنيا، لمَ لهُ في الآخرة من نصيب)) .

    إنَّ الأعمالَ التامة عن وجه الإخلاص منزوعة البركة، لا ثمرةَ لها في الدنيا ولا في الآخرة، عن أبي هريرةَ- رضي الله عنهُ- قال: قال رسولُ الله- صلى الله عليه وسلم- : (( إنَّ اللهَ لا ينظرُ إلى صُورِكم وأموالِكم، ولكن ينظرُ إلى قلوبكم )) .

    إنَّ اللهَ يزنُ ما وقرَ في هذه القلوبِ من إرادة وجهه ، وقصد رضاه، فإن لم يَكُن فيها شيءٌ من ذلك، باءَ صاحبُها بالخسرانِ في الدنيا والآخرة، حتى وإن كان فقيهاً كبيراً، أو محدثاً عظيماً شهيراً، لقد لوَّحَ اللهُ عزَّ وجل بالفضيحة الكُبرى لأهلِ النوايا المُدخَولة، والمقاصدَ الدنيئةَ فقال: (( وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ )) (محمد:31) .

    كان الفُضيلُ بن عياض يقرأُها ويقول: اللهُمَّ إنَّك إن بلوت أخبارَنا فضحتنا، وهتكت أستارَنا وأنتَ أرحمُ الراحمين، فماذا يقولُ المسلم إذا قيلَ لهُ : لم تعلمت ؟ لم سهرتَ الليل، وابتدرتَ البُكور ؟ لم أنفقتَ تلك الأموال، وفيمَ ذهبت تلك الأوقات والجهود ؟ هل يستطيعُ أبناءَنا أن يقولوا لوجه الله الكريم ؟!! أم هل نستطيع نحن القول إنَّ حثَّنا لهم وجُهدنا معهم كان خالصاً لله ؟! أم كانت أطماع الدنيا ومقاصدها تناوشُ قلوبنا وقلوبهم ؟!

    قال سهل بن عبد الله التستري: نظر الأكياس في تفسير الإخلاص، فلم يجدوا غير هذا : أن تكون حركته وسكونه في سره وعلانيتهِ لله لا يمازجه شيء، لا نفسٌ ولا هوى ولا دنيا.

    وقال ابن عباس: إنَّما يحفظ الرجل على قدرِ نيته، في مثل أيام الاختبارات هذه، إذا استطعنا أن نبعث في قلوبنا وقلوب أبناءِنا معاني الإخلاص، فإنَّه سيقومُ في نفوسهم معلم آخر من معالمِ العبودية الحقَّة لله، وهو رجاء العون من الله، وصدق التوكل عليه، واللجوء إليه، وذلك ناشيءٌ عن الإيمان الراسخ بعظيم قدرته، وواسع رحمته، وبالغ حكمته، (( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً)) (الطلاق:3) .

    فالتوكل على الله هو بوابة النجاح، ومعراج الفلاح، وما استدفعت بمثله الخطوب، ومن غير الله لتفريج الكُروب، إنَّ للمؤمن أن يمتحن قلبهُ بالشدة والخوف، فعلى قدر توكله يكون إيمانه، وعلى قدر إيمانه يكون توكُله، ((وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ*فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ )) (يونس:85،84) .

    ولئن كان الناسُ ينظرون إلى اجتياز الاختبارات، وحيازة الشهادات على إنَّها مصادر رزق، وضمانات عيشٍ، فليس الأمر ـ لعمر الحقَّ ـ كما يظنُون، فكم ذي شهادةٍ لم تُغني عنه شيئا، وإنَّما يُستنزل الرزق من عند مالكه، بالتوكل عليه، وعلى قدر التوكل يأتي الرزقُ، ورغد العيش " يقولُ رسولُ الله- صلى الله عليه وسلم- : (( لو أنَّكم توكلتم على اللهِ عزَّ وجل حقَّ توكلهِ لرزقكم كما يرزقُ الطير، تغدُو خماصاً وتروحُ بطاناً)).

    فإذا علمنا حقيقة ذلك وعلَّمناه أبناءَنا، اطمأنت نُفُوسهم إلى خالقها، وسكنت قُلوبهم إلى بارئها، وعلموا أنَّه عزَّ وجل هو الذي بيده الرزقُ، ومن لدنه الفهمُ والعلم، ولقد كان- صلى الله عليه وسلم- يعيش التوكل في كل أحواله ومقاماته، عن ابن عباسٍ- رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: (( اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت، وبك خاصمت، وأعوذُ بعزتك، لا إلهَ إلا أنت الحيُّ الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون )) .

    ولا يصحُ لنا ولأبنائنا توكل إلا إذا رسخت قُلوبنا في مقام التوحيد، وحسن الظن بالله، فإنَّ العبد متى التفت لغير الله، أخذ ذلك الالتفات شعبةً من شُعب قلبه، فنَقُص من توكله على الله، بقدر نقص ذهاب الشعبة . فالاتكال على الله، والاعتماد عليه، ليس كلمة تُقال بالأفواه والقلوب عنها ذاهلة،

    قال بِشر الحافي: يقول أحدهم توكلتُ على الله، يكذب على الله، لو توكلَ على اللهِ لرضي بما يفعله الله به .

    وما مظاهر الغشِّ والتزوير والقلق البالغ، إلا شواهد على إخفاقنا وإخفاق أبناءنا، ومؤسساتنا في امتحان التوكل على الله، وإنَّ مما يجدرُ بنا رعايته في مثل هذه الأيام، أن نربي أبناءَنا على صدق الدعاءِ، والتضرع للهِ ، واستغلال فاضل الأوقات والأحوال، فإنَّ انصرافهم إلى الجدِّ، وانقطاعهم لطلب النجاح يُشعرهم بالحاجة إلى عون الله وتوفيقه، فلنُعلمهم كيف يطرقون أبواب السماء، وكيف يستجلبون التفوق والتوفيق .

    قال- صلى الله عليه وسلم-: (( ادعوا اللهَ وأنتم مُوقِنون بالإجابةِ واعلموا أنَّ اللهَ لا يستجيبُ دعاءً من كلِّ غافلٍ لاهٍ )) .

    واعلموا أنَّ قوة العقل، وصفاءَ الذهن، وقدرة الذاكرة، وملكة الفهم، لها ارتباط وثيق بالطاعاتِ والقُربات لله عزَّ وجل، تجلب صحة النفس، وعافية القلب، فتتضاعف قوى الإنسان على الفهم والاستيعاب، يقول الله عزَّ وجل: ((وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ)) (البقرة:282).

    فنقُول لأبنائنا الحريصين على الفهم، الساعين لمضاعفة قدرتِهم على الحفظ والتذكر، نقولُ لهم إنَّ أدواتكم لذلك هي الأبصار والأسماع والقلوب، فإنَّها منافذُ الإدراك، فاحفظوها من أن تلتاث بالخطايا، فهي تغش الأبصار، وتختم على الأسماع، وتطمس القلوب، حتى لا تكادُ تفقهُ شيئاً، فاللهُ عزَّ وجل قد جعل لنا في المنافقين عبرة وعظة، فهم فئة محرومة من الفهم الصحيح، والعقل السليم، يقول عزَّ وجل : ((فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ)) (المنافقون:3).

    وقال: ((وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ)) (المنافقون:7) .

    (( وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ )) (المنافقون:8) .

    فهم عاجزون عن إدراك الحقائق، لأن قلوبهم مطموسة، ويقول عز وجل: (( وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَاباً مَسْتُوراً * وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً )) (الإسراء:46،45) .

    فحافظوا على صفاءِ قلوبكم بالطاعات، وقوة عقولكم بحفظ جوارحكم عن الموبقات، فالإخفاق يأتي أحياناً كنتيجة للتفرِّيط في ذات الله، يقولُ عزَّ وجل: (( فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا)) (النساء: 88) .

    وانظروا إلى تطبيقات ذلكَ في سلف الأمة، أحدُهم يؤلف المجلدات من البدائع، وهو على ظهر سفينته، أو على قتب بعير، وآخر ينطقه الله بالحقِّ في أعقد المسائل، وثالث يُؤلف آلافَ الكُتب ما يعجز عن عُشرها فرقاء المختصين في مثل عصرنا، تلك تقوى الله والصدق، ليس لبركتها حُدود.


    الشيخ / عبدالله بن عبدالعزيز المبرد

  2. #2
    عضوة قمة
    تاريخ التسجيل
    Aug 2005
    المشاركات
    248
    معدل تقييم المستوى
    19
    (( اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت، وبك خاصمت، وأعوذُ بعزتك، لا إلهَ إلا أنت الحيُّ الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون ))

    باارك الله فيك وحمااك,,
    [align=center]تالله ما الدعوات تهـزم بالأذى.. أبـدا وفي التاريخ بر يميني
    ضع في يدي القيد ألهب أضلعي .. بالسوط ضع عنقي على السكين
    لن تستطيع حصار فكري ساعة .. أو نزع إيماني ونور يقينـي
    فالنور في قلبي، وقلبي في يدي .. ربي، وربي ناصري ومعيني
    سأظل معتصما بحبل عقيدتـي .. وأموت مبتسما ليحيى دينـي

    [/align]

  3. #3
    عضو محجوب
    تاريخ التسجيل
    May 2005
    الدولة
    مكة مهبط الوحي
    المشاركات
    1,076
    معدل تقييم المستوى
    0
    بارك الله فيك

    شكرا لك على مرورك الشخصي .

المواضيع المتشابهه

  1. كاركاتيرات عن الاختبارات
    بواسطة اماني الشوق في المنتدى صورXصور
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 31-01-2011, 02:52 AM
  2. كاركاتيرات عن الاختبارات
    بواسطة اماني الشوق في المنتدى استراحة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 24-01-2011, 05:49 PM
  3. الاختبارات
    بواسطة مجنونه في وطنها في المنتدى اسرار البنات
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 11-02-2009, 10:20 PM
  4. عظة الاختبارات
    بواسطة اماني الشرق في المنتدى المجلس العام
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 04-02-2009, 11:48 AM
  5. الاختبارات
    بواسطة القـ الحنون ـلب في المنتدى اسرار البنات
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 04-02-2009, 02:56 AM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

مواقع النشر

مواقع النشر

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

أهم المواضيع

المطبخ

من مواقعنا

صفحاتنا الاجتماعية

المنتديات

ازياء | العناية بالبشرة | رجيم | فساتين زفاف 2017 | سوق نسائي | طريقة عمل البيتزا | غرف نوم 2017 | ازياء محجبات | العناية بالشعر | انقاص الوزن | فساتين سهرة | اجهزة منزلية | غرف نوم اطفال | صور ورد | ازياء اطفال | شتاء | زيادة الوزن | جمالك | كروشيه | رسائل حب 2017 | صور مساء الخير | رسائل مساء الخير | لانجري | تمارين | وظائف نسائية | اكسسوارات | جمعة مباركة | مكياج | تسريحات | عروس | تفسير الاحلام | مطبخ | رسائل صباح الخير | صور صباح الخير | اسماء بنات | اسماء اولاد | اتيكيت | اشغال يدوية | الحياة الزوجية | العناية بالطفل | الحمل والولادة | ديكورات | صور حب | طريقة عمل القرصان | طريقة عمل الكريب | طريقة عمل المندي |