[align=center]كيف نبوح بمشاعرنا ؟
إن لكل منا مشاعره الفياضة، التي تستوطن أعماقه.. مشاعر حلوة رقيقة.. مليئة بالحب والرحمة والرفق والحنان.. مشاعر تحمل لمن نحب بصدق، أجمل الأمنيات وأغلاها مغلفة بالإخلاص، مملوءة بالوفاء، خالية من الأنانية، صافية من الغيرة التي تولد الحسد والكره والحقد والكيد.. لأنها تنبع من أعماق نفس مؤمنة.. تعرف ربها جيدًا وتخافه، وتخشى عقابه.. ترجو رحمته وتلجأ إليه في السراء والضراء.
هذه المشاعر الجميلة الدفاقة تظل عند الكثيرين من الناس مكتومة في أغوار صدورهم، وسويداء قلوبهم، وإن كان بعضهم يعبر عن هذه المودة الصادقة والمحبة العميقة في بعض الأحيان بفعل ما. أو إقدام على عمل أو تصرف معين لهذه الإنسانة أو الإنسان، مما يبين مودته وإخلاصه لهذا الإنسان، فيحس داخل نفسه ببعض الراحة والشعور بالسعادة، لاسيما إذا لقي عمله تجاوبًا وشكرًا من الإنسان الآخر، ولكن هناك فئة مع الأسف لا تعرف كيف تعبر عن مكنون نفسها لابالقول ولا بالفعل.. فتظل مشاعرهم الجميلة الصادقة مكتومة في أعماق صدورهم الخافقة بالحب والمليئة بالحنان والمسكونة بالرفق والخوف على من نحب، وتمر الأيام تليها الأسابيع والشهور والسنون، وحين نفقد هذا الإنسان العزيز في غمضة عين أو في لحظة صفاء ونسيان لقدر الزمان، نشعر بعظم مرارة هذا الفقد، وحرقة وشدة الحزن، وحسرة الندم لفقده، دون أن يعرف حقيقة مشاعرنا نحوه وشدة محبتنا له، وعظم غلاوته عندنا فيزيد عذابنا،
وتكبر آلامنا مع ألم فراقه، وحرقة بُعده، ولوعة الشوق والحنين الذي لانملك على أثره إلا البكاء لنريح بدموعنا حرقة الحسرة ولهيب الوجد لفقده، وهناك من يستطيع أن يعبر عن معاناته المكتومة بقصيدة أو خاطرة أو مقال، كما هو منتشر هذه الأيام عند فقد أي عزيز، سواء أكانوا ممن يعبرون عن مشاعرهم أم من الذين لا يعبرون عن تلك المشاعر المدفونة التي ظلت سنوات حبيسة صدورهم، والقارئ لمثل هذه المرثيات المختلفة قد يدرك معاناة كاتبها، ويعرف أنه يصور مشاعره الصادقة، ويعبر عن مكنون نفسه اتجاه من فقده سواء أكان قريبًا أم صديقًا أم حبيبًا، لاسيما إذا كان هو قد مر بتجربة الفقد أيضًا.
ولا أدري سبب عدم البوح عن مشاعرنا؟ لماذا لانبوح بمشاعرنا لمن نرتاح لرفقتهم، ومجالستهم؟ لماذا لانعبر عن مودتنا لهم وهم بيننا؟ لماذا لانترجم مشاعرنا نحوهم بفعل جميل، وهدية رقيقة، وكلمة حلوة، أو زيارة غير مكلفة أوبالسؤال، إن الكلمة الطيبة صدقة، فلماذا نبخل بها على من نحب، لماذا يصر بعضنا على قطع جسور الوصل؟ ولماذا نظل نركض طول يومنا من أجل المادة ومن أجل مصالحنا الخاصة فقط.. لماذا لا نسأل عن هذا الأخ البعيد.. وذاك الصديق المنقطع عنا؟ ولماذا لا نسأل عن جارنا أو نزوره إذا فقدناه لأيام، كم عزيز فقدناه.. وكم صديق مع الأيام نسيناه؟
وكم حبيب فارقناه.. وتعذبنا وتألمنا لفراقه ونحن نكن له مودة عظيمة دون أن يعرف هو بمداها.. لماذا لا نبوح بمشاعرنا لمن نحبهم، ونحس بلذة الحياة برفقتهم ولماذا نصر على أن نركض ونركض ونتجاهل مشاعرنا ونسجن أحاسيسنا في صدورنا،
والرسول العظيم -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا أحب أحدكم أخاه فليخبره بأنه يحبه». وفي حديث: كان يقول -عليه الصلاة والسلام- لمعاذ إني أحبك في الله، وفي حديث آخر: «أن الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف، وما تنافرا تباعدا». فما أجمل أن نبوح بمشاعرنا الصادقة حيال من نحب بلا إفراط أوتفريط.
__________________[/align]
مواقع النشر