اللطيف
اسم اللطيف من أسماء الرحمة وقد ذكر في القرآن الكريم 7 مرات
(لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)
(إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء )
( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ )
(اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْقَوِيُّ العَزِيزُ )
فلا يلطف بك إلا من عرفك وكان خبيرا بمواطن ضعفك وقوتك وبكل ظروفك ولذلك نجد أن اسم اللطيف في القرآن جاء في اغلب الآيات مقترنا باسم الخبير فهو عز وجل عليم بحالك متلطف بك .
ولكن لطف الله يختلف من إنسان إلى آخر فكل إنسان يأتيه لطف الله تبعا لحاله ولظروفه فالله يوصل لك ما تحب ولكن برفق
فلطف الله هو ترفق الله بعباده وهو منتهى الرعاية والحماية فنحن دائما نقول الله لطف بحالنا أو هذا من لطف الله بنا وذلك عندما نشعر برعاية ورحمة الله بنا ونحن نقول عن الإنسان انه لطيف أي رقيق ورفيق
وقد أحب الإسلام صف اللطف في المؤمن وحث على الاتصاف بها
فقد قال عليه الصلاة والسلام ( ما كان الرفق في شيء إلا زانه )
وقال عز وجل (قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يتبعها أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ )
فالإسلام هو الدين الوحيد الذي حرص على الرفق واللطف في التعامل حتى مع الجمادات كما إن الإسلام حث على الكلمة الطيبة والمعاملة الحسنة فجعل من الابتسامة صدقة وهذا هو قمة اللطف
يبدو ذلك واضحا عندما كان الرسول عليه الصلاة والسلام راجعا من احد غزاته وكان دائما ما يتفقد أصحابه ويسال عن أحوالهم وكان الصحابي جابر بن عبدا لله يركب جملا هزيلا لذلك كان يسير في آخر الركب فأبطأ عليه الصلاة والسلام في سيره حتى لحق به جابر فسأله :
يا جابر الم تتزوج ؟ فقال له جابر بلى يا رسول الله فسأل عليه السلام أبكرا أم ثيبا؟ فرد عليه جابر : بل ثيب فقال الرسول عليه الصلاة والسلام : لو كانت بكرا حتى تلاعبك وتلاعبها فرد عليه جابر : إن والدي استشهد وترك لي 7 من الأخوات فاخترتها ثيبا حتى ترعاهم فتبسم عليه الصلاة والسلام برفق قائلا : بارك الله لك في زوجك
فالرسول هنا عرف النفس البشرية وأنها تحب الزواج من البكر الصغيرة في السن وعندما تبين له امتناع ذلك دعا لجابر بالخير
والله عز وجل لطيف فهو لم يجعل تكاليف الإسلام صعبة فهو سبحانه لم يأمر بأمر إلا ومنح معه المعونة والقدرة على أدائه فقد قال عز وجل
(لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا ) وهذا من لطف الله بنا فالرخص من الله في كل الأمور هي لطف فنحن في الحج وهي رحلة عبادة يتفرغ بها المؤمن للذكر وأداء المناسك نرى لطف الله واضحا في رخصة قصر الصلاة وجمعها في عرفات وذلك لمعرفة الله بشدة الزحام في هذا المكان وصعوبة الوصول إلى أماكن الوضوء فشرع لنا اللطيف القصر والجمع في وقت ومكان قمة العبادة وهو الحج وهذا دليل على أن الله لا يكلف الإنسان إلا ما يستطيع فلم يلزمه بالحج في الصلاة في وقتها وعددها الذي كلفه بها في غيره من الأوقات والاماكن لأنه خبير بنا عارف بمواطن ضعفنا وكيف لا يكون ذلك وهو خالقنا
وكذلك الحال عند الحيض فالمرأة مكلفة بقضاء الصوم ولكنها غير مكلفة بقضاء الصلاة لأنها ستكون شاقة عليها
فكل تكليف يكلف الله به عبده يمنحه معه المعونة ولكن إذا أداه العبد في وقته إما إذا تلكأ وتكاسل عن أدائها في وقتها رفع الله المعونة عنه فأصبحت العبادة ثقيلة عليه ولذلك يشعر الإنسان بثقل هذا التكليف
فصلاة الفجر ينزل الله معها معونة على أدائها فيشعر الإنسان عند أدائها في وقتها أنها صلاة خفيفة مريحة تبعث في النفس الراحة والطمأنينة ولكن إذا ما تكاسل عن أدائها فأرجأها إلى ما بعد شروق الشمس أحس بثقل الصلاة حتى مع اقتصارها على ركعتين فقط ولم يشعر بالراحة التي تأتي مع هذه الصلاة فضريبة تأخير العبادة هي رفع المعونة فتصعب هذه العبادة على النفس البشرية لذلك ليست هناك عبادة صعبة لان الله لا يكلف الإنسان أكثر من طاقته بل هناك تكاسل من العبد في أداء هذه العبادة فتصبح في نظره صعبة فقد قال عليه الصلاة والسلام :
( إذا أحب الله عبدا جعل له من نفسه واعظا )
فمن لطف الله بنا أن جعل بين جنباتنا نفس لوامة تنبهنا إلى الخطأ وعلى المؤمن أن يستجيب لصوت هذه النفس
كما أن الله يتلطف بنا في أقداره فقد يأتينا القدر وفي ظاهرة شر ولكن بعد فترة من الزمن يتبين لنا لطف الله في هذا القدر فمثلا نرى إنسان يريد أن يسافر لبعثة دراسية ويتعب من اجل إتمام الإجراءات فالوقت محدود جدا ونراه يسارع في تجهيز متاعه وحجز تذكرة السفر وفي الوقت المحدد للذهاب إلى المطار يتأخر لظروف معينه إما لزحام في الطريق أو لفقدانه لجوازه أو لغيرها وعندما يصل الى المطار يتفاجأ بإقلاع الطائرة فيصيبه الحزن والغم ولكن بعد فترة يسمع بخبر تحطم الطائرة التي كان من المفترض أن يسافر على متنها فيعرف هنا لطف الله به وان ما كان في ظاهرة شر هو في الحقيقة خير له فقد قال عز وجل :
(وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً )
( وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ) وذلك لان الله لا تخفى عليه خافية فهو يعلم السر وأخفى فتأتي أقدار الله فتتلطف وتترحم بنا وقد لا ندرك ذلك في وقته ولكننا ندركه بعد سنوات ويجب على المؤمن أن يتيقن بان الله احن عليه من والديه
وكذلك من لطف الله عز وجل بنا أنه يغفر الذنوب جميعا إلا الشرك به وذلك لمعرفته التامة بضعف الإنسان أمام مغريات الحياة وسهولة وقوعه في المعصية فلذلك جعل له خط عودة بالإنابة والتوبة والاستغفار

والله هو اللطيف ليس فقط لأنه يغفر ذنوبنا بل أيضا لأنه يستر عيوبنا ومعاصينا فلا يفضحنا.
الله لطيف حتى مع أعتى العصاة فعندما أرسل الله تعالى رسوله موسى عليه السلام الى فرعون الذي قال ( أنا ربكم الأعلى ) فقال الله سبحانه وتعالى لموسى (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ) وهذا من لطف الله

والمؤمن عندما يوقن بان الله هو اللطيف عليه أن يسقط ذلك على سلوكه فيعامل الناس بلطف فكثيرا ما يظلم الانسان غيره بكلمة أو بعدم تقدير لظروفه وهو بذلك يظلم نفسه قبل أن يظلم غيره ولكن الله عز وجل يتلطف بعباده ويقدر جوانب الضعف فيهم وهذا ما يتوجب علينا القيام به عند تعاملنا مع غيرنا باللطف، وصون اللسان من أهم مظاهر ذلك اللطف
فقد قيل : ( الشتيمة سلاح الضعفاء )
وبما انه يجب على العبد أن يكون لطيف مع البشر فمن باب أولى أن يكون لطيفا مع نفسه فيقودها للطاعات ويبتعد بها عن المعاصي والمهلكات برفق ولطف فقد قال سبحانه وتعالى (وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ )
كما عليه أن يستشعر أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه فلا يحزن على ما فاته لان الله مقدر الأمور هو اللطيف .....
اللهم يا خفي الألطاف نجنا مما نخاف ويا عليم بالسر عنا لا تهتك الستر عنا