حكم الاحتفال بالمولد النبوي:
إن بدعة المولد النبوي بدعة منكرة، يضلل فاعلها، لأن دين الله تعالى قد كمل ولله الحمد، قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً) [المائدة:3]
قال الإمام مالك: "فما كان في ذلك اليوم دين، فهو دينًا، وما لم يكن في ذلك اليوم دينًا فليس من الدين"(36).
ولا شكَّ أن بدعة المولد أحدثها العبيديون حكام الدولة الفاطمية، وهم زنادقة ملاحدة، ولم يجرِ عليها عمل القرون الثلاثة المفضلة، فهي بدعة محدثة، وكل بدعة فهي ضلالة كما قال صلى الله عليه وسلم: "كل بدعة ضلالة".
وكل أمر محدث فهو مردود على صاحبه بقوله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ"، قال النووي: "قال أهل العربية: الرد عنا بمعنى المردود، ومعناه: فهو باطل غير معتد به"(37).
وقال: "وهذا الحديث قاعدة عظيمة من قواعد الإسلام، وهو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم فإنه صريح في رد كل البدع والمخترعات"(38)، وقال: "وهذا الحديث مما ينبغي حفظه واستعماله في إبطال المنكرات، وإشاعة الاستدلال به"(39).
أول من أحدث الاحتفال بالمولد النبوي:
قال المقريزي: "ذكر الأيام التي كان الخلفاء الفاطميون يتخذونها أعيادًا ومواسم تتسع بها أحوال الرعيّة وتكثر نعمهم؛ كان للخلفاء الفاطميين في طول السنة أعياد ومواسم، وهي موسم رأس السنة، وموسم أول العام، ويوم عاشوراء، ومولد النبي -صلى الله عليه وسلم- ، ومولد علي بن أبي طالب ت، ومولد الحسن، ومولد الحسين عليهما السلام، ومولد فاطمة الزهراء عليها السلام، ومولد الخليفة الحاضر، وليلة أول رجب، وليلة أول شعبان، وليلة نصفه... إلى آخر سرده لتلك الأعياد والمواسم"(40).
وأكد هذه النسبة إلى الفاطميين من المعاصرين الشيخ محمد بخيت المطيعي الحنفي مفتي الديار المصرية (المتوفى سنة 1354هـ)، بل ذكر أن أوّل من أحدثها بالتحديد منهم المعز لدين الله الفاطمي(41).
واتفق الشيخ محمد بخيت المطيعي الحنفي مع الأستاذ علي محفوظ على أن الملك المظفر أبا سعيد إنما أحدث المولد النبوي بمدينة إربل في القرن السابع بعد الفاطميين(42).
هؤلاء الفاطميون لم يعترف بنسبهم إلى أهل البيت أحد من أهل العلم الثقات، بل ألفوا في الطعن والقدح فيهم الكتب والمحاضر، وشهدوا عليهم بالإلحاد والزندقة والإباحية. قال الباقلاني: "هم قوم يظهرون الرفض، ويبطنون الكفر المحض"(43).
وكانوا يحدثون في هذه الاحتفالات أمورًا شنيعة ذكرها المقريزي في خططه عقّب عليها الشيخ محمد بخيت المطيعي بقوله: "وأنت إذا علمت ما كان يعمله الفاطميون في المولد النبوي جزمت بأنّه لا يمكن أن يحكم عليه بالحلّ"(44).
فهذا الاحتفال لا شكّ أنّه محدث بعد القرون الثلاثة، وأن الذين أحدثوه هم من أخبث الفرق التي انتسبت إلى الإسلام إن لم تكن أخبثها.
قاموا على هذه الاحتفالات بغية التأثير على العامة المحرومين، ظنًّا منهم أن هذه الموالد ستؤكد نسبهم المزعوم، فوسعوا على الناس فيها، وصرفوا الأموال الطائلة عليها، فأقبل الناس على تلك الموائد العظيمة التي كانت تُعدُّ لهم، وصاروا ينتظرونها كل عام بنفس مستشرفة، وهكذا توالت السنوات، وتعارف الناس عليها؛ حتى صارت عقيدة يموت عليها الكبير، وينشأ عليها الصغير، ثم انتهت دولة بني عبيد ولكن الاحتفال بها استمر إلا من هدى الله واستمسك بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
ومن طريف ما يذكر من منكرات هذا المولد، أن السيوطي ذكر في كتابه الحاوي: أن الملك المظفر مبتدع بدعة المولد(45) قد أعد سماطًا في أحد الموالد التي يقيمها، وضع عليه خمسة آلاف رأس غنم مشوي، وعشرة آلاف دجاجة، ومائة فرس، ومائة ألف زبديَّة، وثلاثين ألف صحن حلوى، وأنه أقام سماعًا للصوفية من الظهر إلى الفجر، وكان يرقص فيه بنفسه مع الراقصين(46).
قال الشيخ أبو بكر الجزائري: "فكيف تحيا أمة ملوكها دراويش يرقصون في حفلات الباطل؟! وإنا لله وإنا إليه راجعون"(47).
القيام في المولد:
القيام الذي يكون في المولد يسمّى بـ (الفزة) ومرادهم منه القيام بسرعة، وذلك عند ورود ذكر ولادة النبي -صلى الله عليه وسلم- وخروجه إلى الدنيا، ويسمّى عندهم أيضًا بـ (الحضرة)؛ لأنّ كثيرًا منهم يزعم أنّ روح النبي -صلى الله عليه وسلم- تحضر عندها، ويقولون: (حضر، حضر)، ويتركون النافذة مفتوحة لتدخل روح النبي -صلى الله عليه وسلم- منها، فجمعوا بين البدعة وبين إساءة الأدب مع النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ إذ يجعلونه مخالفًا لما أمر الله به في كتابه قال تعالى: (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا) [البقرة:189].
هذا القيام قد استحبَّه صاحب رسالة (حول الاحتفال)(48) مع أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- حال حياته نهى عنه وكرهه من الصحابة، فكيف يقع استحبابه عليه في بدعة الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم.
وقال أنس -رضي الله عنه-: "ما كان شخص أحب إليهم من النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهيته لذلك"(50).
فإذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد كره القيام له، ونهى عنه وأخبر أنه من فعل الأعاجم، فكيف بالقيام عند ذكر ولادته وخروجه إلى الدنيا؟! فهذا أولى بالنهي لجمعه بين البدعة والتشبه بالأعاجم.
والقوم لا يقفون عند هذا الحد، بل يزعمون أن هذا القيام عند ذكر ولادته صلى الله عليه وسلم لأجل أن روح النبي تحضر في ذلك الوقت، وأنه يصافح المجتمعين في المجلس، وهو اعتقاد ليس عليه كتاب ولا سنة، ولا أثر عن خير القرون.
الأشعار الشركية التي تُتلى في المولد:
الأشعار التي فيها الشرك الصريح؛ لا يرى القوم في روايتِها شيئًا من ذلك؛ لأنّهم يرون أنّ الكاف في قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم" للتمثيل، أي: لا تقولوا فيَّ قول النصارى في عيسى، وقولوا ما سوى ذلك؛ لذلك يقول البوصيري:
دع ما ادعتـه النصـارى في نبيهم *** واحكم بما شئت مدحًا فيه واحتكم
وانسب إلى ذاته ما شئت من شرف *** وانسب إلى قدره ما شئت من عظم
فإن فضـل رسول الله ليس له *** حدٌّ فيعرب عنـه نـاطـق بنـعم
والصحيح أن الكافَ في الحديث للتعليل وليست للتشبيه كقوله تعالى: (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً) [البقرة:151]
وقوله تعالى: (وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ) [البقرة:191]
فالنبي -صلى الله عليه وسلم- ينهى أمته عن إطرائه الموصل إلى الغلو؛ لأجل ما حصل للنصارى، فقالوا: عيسى ابن الله.
ويبين ذلك ويوضحه ما حكاه عبد الله بن الشخير، قال: انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلنا: أنت سيدنا، فقال: "السيد هو الله تبارك وتعالى".
قلنا: وأفضلنا فضلًا وأعظمنا طولًا، فقال: "قولوا بقولكم أو بعض قولكم، ولا يستجرينكم الشيطان"(51).
الراوي: عبدالله بن الشخير المحدث: الألباني - المصدر: صحيح أبي داود - الصفحة أو الرقم: 4806
خلاصة حكم المحدث: صحيح
فهم يتقربون إلى الله بالشرك، ويمدحون الرسول صلى الله عليه وسلم بما حارب عليه المشركين، فما أشدّ ضلالهم وأبعدهم عن الهُدى.
الآثار الناتجة عن بدعة المولد:
1- التعبد لله تعالى بما لم يشرعه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وبما حكم بأنّه ضلالة.
2- القدح في كمال الشريعة الإسلامية، وردّ قول الله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً) [المائدة:3].
3- الطعن في أمانة النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وأنه لم يؤدِ الأمانة، ولم ينصح الأمة.
4- يصير هذا اليوم عيدًا يحرم فيه الصوم ويُمنع، كما أفتى بذلك ابن عبَّاد وابن عاشر، وبيَّنه الحطَّاب(52).
قال أحمد بن بابا: "قال ابن عباد في رسائله: كنت قدمًا خرجت يوم مولده صلى الله عليه وسلم إلى ساحل البحر، فوجدت هناك السيد الحاج ابن عاشر وجماعة من أصحابه معهم طعام يأكلونه، فأراد منّي الأكل، فقلت: إني صائم، فنظر إليَّ السيد الحاج نظرة منكرة، وقال: هذا يوم فرح وسرور يستقبح في مثله الصوم كالعيد، فتأملت مقاله فوجدته حقًا، وكأنه أيقظني من النوم"(53).
5- الطعن في محبة الصحابة ي له غ، حيث لم يقيموا له مولدًا.
6- التشبه بالنصارى في احتفالهم بعيد ميلاد عيسى ؛، جاء في التبر المسبوك في ذيل السلوك للسخاوي(54) في معرض تقريره أن الاحتفال يوافق اليوم الذي ولد فيه النبي -صلى الله عليه وسلم-: "وإذا كان أهل الصليب اتخذوا ليلة مولد نبيهم عيدًا أكبر، فأهل الإسلام أولى بالتكريم وأجدر".
فتعقبه الملا علي قاري في المورد الروي في المولد النبوي بقوله: "مما يرد عليه أنّا أُمِرنا بمخالفة أهل الكتاب"(55).
7- اعتقاد ليلة مولده صلى الله عليه وسلم أفضل من ليلة القدر، وهو ما قرره القسطلاني(56)، فردَّ عليه الملا علي قاري بقوله: "أغرب القسطلاني، وقال: ليلة مولده صلى الله عليه وسلم أفضل من ليلة القدر من وجوه ثلاثة ذكرها، حيث لا يفيد الإطلاق مع أن الأفضلية ليست إلا لكون العبادة فيها أفضل بشهادة النص القرآني، (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) [القدر:3]، ولا تعرف هذه الأفضلية لليلة مولده غ، لا من الكتاب، ولا من السنة، ولا عن أحد من علماء الأمة"(57).
8- الإسراف في المولد النبوي إسرافًا شديدًا جدًا، حتى قال محمد بخيت المطيعي الحنفي مفتي الديار المصرية: "وأنت إذا علمت ما كان يعمله الفاطميُّون ومظفر الدين في المولد النبوي جزمت بأنه لا يمكن أن يحكم عليه بالحل"(58).
9- ما اشتملت عليه هذه البدعة من المنكرات الأخلاقية، مثل:
أ- استعمال الأغاني وآلات الطرب، قال ابن الحاج: "مضوا في ذلك على العوائد الذميمة في كونهم يشتغلون في أكثر الأزمنة التي فضَّلها الله، وعظمها ببدع ومحرمات"(59).
يا عصبة ما ضرَّ أمَّة أحمد *** وسعى على إفسادها إلَّا هي
طار ومزمارٌ ونغمة شادنٍ *** أرأيت قـط عبـادةً بملاهي؟!
ب- قلة احترام كتاب الله؛ فإنهم يجمعون بينه وبين الأغاني.
ج- الافتتان بالمردان؛ فإن الذي يغني في الاحتفالات ربما يكون شابًا جميل الصورة نظيف الكسوة حسن الهيئة.
د- اختلاط الرجال بالنساء.
10- تصيير المعروف منكرًا، والمنكر معروفًا، بسبب وقوعه في هذه الليلة.
11- رواية الأحاديث الموضوعة المنكرة، مما يدخل في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار"(60)
سمعتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ : إنَّ كذبًا عليَّ ليس ككذِبٍ على أَحَدٍ ، من كذبَ عليَّ متعمدًا فليتبوَّأْ مقعدَهُ من النارِ ، سمعتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ : من نِيحَ عليهِ يُعَذَّبُ بما نِيحَ عليهِ .
الراوي: المغيرة بن شعبة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 1291
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
وقوله: "من حدَّث عني بحديث يُرى أنّه كذب فهو أحد الكاذبين"(61).
الراوي: سمرة بن جندب و المغيرة بن شعبة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 6199
خلاصة حكم المحدث: صحيح
12- اعتقادهم أن في هذا اليوم ساعة لا يوافقها عبدٌ بالدعاء إلا أجيبت دعوته، قياسًا على يوم الجمعة.
13- تلاوة الأشعار في مدح النبي -صلى الله عليه وسلم- على ما فيها من معانٍ شركية صارخة(62).
فتاوى أهل العلم المعتبرين في بيان حكم الاحتفال بذكرى المولد النبوي:
سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ــ رحمه الله ــ السؤال التالي:
هل يحل للمسلمين أن يحتفلوا في المسجد ليتذكروا السيرة النبوية الشريفة في ليلة 12 ربيع الأول بمناسبة المولد النبوي الشريف بدون أن يعطلوا نهاره كالعيد؟ واختلفنا فيه، قيل: بدعة حسنة، وقيل: بدعة غير حسنة؟
فأجاب ــ رحمه الله ــ بما يلي: ليس للمسلمين أن يقيموا احتفالًا بمولد النبي -صلى الله عليه وسلم- في ليلة 12 ربيع الأول، ولا في غيرها، كما أنه ليس لهم أن يقيموا أي احتفال بمولد غيره عليه الصلاة والسلام؛ لأن الاحتفال بالموالد من البدع المحدثة في الدين؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يحتفل بمولده في حياته صلى الله عليه وسلم وهو المبلغ للدين والمشرع للشرائع عن ربه سبحانه ولا أمر بذلك ولم يفعله خلفاؤه الراشدون ولا أصحابه جميعًا ولا التابعون لهم بإحسان في القرون المفضلة. فعلم أنه بدعة وقد قال صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" متفق على صحته، وفي رواية لمسلم وعلقها البخاري جازمًا بها: "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو ردّ"(63).
والاحتفال بالموالد ليس عليه أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بل هو مما أحدثه الناس في دينه في القرون المتأخرة فيكون مردودًا، وكان عليه الصلاة والسلام يقول في خطبته يوم الجمعة: "أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة"رواه مسلم في صحيحه(64)
وأخرجه النسائي بإسناد جيد وزاد: "وكل ضلالة في النار" ويغني عن الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم تدريس الأخبار المتعلقة بالمولد ضمن الدروس التي تتعلق بسيرته عليه الصلاة والسلام وتاريخ حياته في الجاهلية والإسلام في المدارس والمساجد وغير ذلك، من غير حاجة إلى إحداث احتفال لم يشرعه الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ولم يقم عليه دليل شرعي.. والله المستعان، ونسأل الله لجميع المسلمين الهداية والتوفيق للاكتفاء بالسنة والحذر من البدعة(65).
2- سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ــ رحمه الله ــ عن حكم الاحتفال بالمولد النبوي فأجاب قائلاً:
أولًا: ليلة مولد الرسول صلى الله عليه وسلم، ليست معلومة على الوجه القطعي، بل إن بعض العصريين حقق أنها ليلة التاسع من ربيع الأول وليست ليلة الثاني عشر منه، وحينئذ فجعل الاحتفال ليلة الثاني عشر منه لا أصل له من الناحية التاريخية.
ثانيًا: من الناحية الشرعية فالاحتفال لا أصل له أيضًا، لأنه لو كان من شرع الله لفعله النبي -صلى الله عليه وسلم- ، أو بلغه لأمته ولو فعله أو بلغه لوجب أن يكون محفوظًا لأن الله تعالى يقول: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر:9]
فلما لم يكن شيء من ذلك علم أنه ليس من دين الله، وإذا لم يكن من دين الله فإنه لا يجوز لنا أن نتعبد به لله ؟
ونتقرب به إليه، فإذا كان الله تعالى قد وضع للوصول إليه طريقًا معينًا وهو ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فكيف يسوغ لنا ونحن عباد أن نأتي بطريق من عند أنفسنا يوصلنا إلى الله؟ هذا من الجناية في حق الله ؟
أن نشرع في دينه ما ليس منه، كما أنه يتضمن تكذيب قول الله -عز وجل-: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) [المائدة:3].
---فنقول: هذا الاحتفال إن كان من كمال الدين فلا بد أن يكون موجودًا قبل موت الرسول عليه الصلاة والسلام، وإن لم يكن من كمال الدين فإنه لا يمكن أن يكون من الدين لأن الله تعالى يقول: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) ومن زعم أنه من كمال الدين وقد حدث بعد الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فإن قوله يتضمن تكذيب هذه الآية الكريمة، ولا ريب أن الذين يحتفلون بمولد الرسول عليه الصلاة والسلام، إنما يريدون بذلك تعظيم الرسول عليه الصلاة والسلام، وإظهار محبته وتنشيط الهمم، على أن يوجد منهم عاطفة في ذلك الاحتفال للنبي صلى الله عليه وسلم، وكل هذا من العبادات، محبة الرسول صلى الله عليه وسلم، عبادة، بل لا يتم الإيمان حتى يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أحب إلى الإنسان من نفسه وولده ووالده والناس أجمعين، وتعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم من العبادة، كذلك إلهاب العواطف نحو النبي -صلى الله عليه وسلم- من الدين أيضًا لما فيه من الميل إلى شريعته، إذًا فالاحتفال بمولد النبي -صلى الله عليه وسلم- من أجل التقرب إلى الله وتعظيم رسوله صلى الله عليه وسلم عبادة وإذا كان عبادة فإنه لا يجوز أبدًا أن يحدث في دين الله ما ليس منه، فالاحتفال بالمولد بدعة ومحرم، ثم إننا نسمع أنه يوجد في هذا الاحتفال من المنكرات العظيمة مالا يقره شرع ولا حس ولا عقل فهم يتغنون بالقصائد التي فيها الغلو في الرسول، عليه الصلاة والسلام، حتى جعلوه أكبر من الله ـ والعياذ بالله ـ
ومن ذلك أيضًا أننا نسمع من سفاهة بعض المحتفلين أنه إذا تلا التالي قصة المولد ثم وصل إلى قوله: "ولد المصطفى" قاموا جميعًا قيام رجل واحد يقولون: إن روح الرسول صلى الله عليه وسلم، حضرت فنقوم إجلالًا لها وهذا سفه، ثم إنه ليس من الأدب أن يقوموا لأن الرسول صلى الله عليه وسلم، كان يكره القيام له فأصحابه وهم أشد الناس حبًّا له وأشد منا تعظيمًا للرسول غ، لا يقومون له لما يرون من كراهيته لذلك وهو حي فكيف بهذه الخيالات؟!
هذه البدعة ـ أعني بدعة المولد ـ حصلت بعد مضي القرون الثلاثة المفضلة، وحصل فيها من هذه الأمور المنكرة التي تخل بأصل الدين، فضلًا عما يحصل فيها من الاختلاط بين الرجال والنساء وغير ذلك من المنكرات. ا.هـ.(66).
مواقع النشر