الجزء الثاني و العشرون





قادت سيارتها في اتجاه القصر، و هي تحس بتعب شديد. لم يتركها عمر حتى تناولت فطورا كاملا أمام عينيه أعاد إليها بعضا من القوة التي فقدتها، ثم غادرها على أمل العودة بعد يومين آخرين، ريثما تكون قد استعادت صحتها و فاتحت والدها في موضوعهما...

بالكاد استطاعت التركيز على الطريق و قد أخذت الهواجس تتنازعها... والدها أعطى موافقته لخالها دون أن يسألها رأيها! و فراس فاجأها رفقة عمر في المقهى... ما الذي يظنه بها الآن؟ تنهدت بعمق و هي توقف سيارتها أمام المرآب...

لأول مرة تغادر المستشفى خلال النهار... اعتذرت منه بسبب تعبها... متعبة، متعبة جدا... كم يقدر قلبها الصغير على التحمل! صعدت الدرج بخطوات واهنة في اتجاه غرفتها. تريد أن تلقي بنفسها على السرير و تنام... هذا كل ما تتمناه في هذه اللحظة... بعض الراحة. فوجئت حين رأت أمين يقف أمام غرفتها مستندا على الحائط و على وجهه علامات الغضب، كأنها ينتظرها منذ فترة. ما إن رآها قادمة من آخر الممر حتى هب للقائها في لهفة. اعترض طريقها و هو يهتف في عنف :
ـ ليلى... أخبريني أنك رفضت! أرجوك... رفضت أليس كذلك؟

نظرت إليه في برود. لم تعد تستطيع التعبير حتى، و قالت بصوت ضعيف :
ـ أمين أرجوك... أنا متعبة، هلا أجلنا الحوار إلى ما بعد؟

همت بتجاوزه في اتجاه غرفتها. لا تستطيع الكلام. متعبة، متعبة... ألا يفهم هذا! لكن أمين أمسكها من ذراعها بسرعة ليستوقفها و هو يهتف بقوة أكبر :
ـ ليلى! لا تتجاهليني! لا تتجاهلي ألمي! يجب أن ترفضي فراس!

نظرت إليه في قسوة و هي تقول في صوت هادئ و حازم في آن :
ـ أبعد يدك عن ذراعي!

أطلق ذراعها في استسلام، فابتعدت عنه دون أن تضيف كلمة واحدة. حين وصلت إلى الباب التفتت إليه و قالت في برود قاس :
ـ أمين... ما الذي تريده بالضبط؟

نظر إليها في تردد... كانت لهجتها مؤلمة و نظراتها مخيفة. قال أخيرا :
ـ أريد حمايتك من فراس!

سكت للحظات ليرى وقع كلماته عليها. لكنها بدت جامدة، كأنها تنتظر بقية الكلام. واصل بصوت مختلج من الانفعال :
ـ ليلى... ألا تحسين بي؟ أنا... أنا...

قاطعته و هي تقول في ضيق :
ـ أمين... شكرا على عرضك حمايتي... لكنني لست في حاجتك، أستطيع الاهتمام بنفسي... و رفضي لفراس أو قبولي به سيكون قرارا شخصيا... و لا أريد أن يؤثر علي أحد...

دلفت إلى الغرفة و أغلقت الباب وراءها، مخلفة أمين يضرب الهواء بقبضته في حنق... ارتمت على السرير و لبثت تحدق في السقف المنقوش في سهوم... آسفة أمين، كان يجب أن أكون قاسية معك... يجب أن تفهم أنني لست حنان، و لن أكون حنان... أغمضت عينيها تبحث عن النعاس، تستجديه أن يزور جفونها... ما لبث أن استجاب لرجائها، و غابت في نوم عميق...


**********



فتحت عينيها في فزع، و جلست على السرير و هي تلهث بشدة... بسم الله الرحمان الرحيم... مسحت على وجهها بكفها... كان كابوسا... تعالت الطرقات على بابها من جديد... نعم، لقد أيقظتها الطرقات من نومها. قامت في تثاقل و هي تستند إلى الكرسي... من تراه يكون؟ لا شك أن خبر تقدم فراس لها قد انتشر الآن، و ستصلها الزيارات بين مهنئ و معارض! ابتسمت في سخرية... كيف ستنتهي هذه المهزلة يا ترى؟

فتحت الباب، فطالعها وجه لم تتصور أن تراه عند بابها. كانت رجاء! نظرت إليها في حذر و رفعت كفها لتلمس خدها بصفة تلقائية. كان الجرح قد التأم و لم تعد يظهر منه سوى خط رقيق مزعج. دفعت رجاء الباب في حدة و خطت إلى داخل الغرفة في جرأة. نظرت إلى ليلى التي لاتزال تطالعها إليها في ذهول، و هتفت :
ـ أغلقي الباب... أريد أن أحادثك في أمر هام!

لم تكن ليلى مطمئنة إلى زائرتها، و ذكرياتها عن آخر لقاء لهما لم تكن مبشرة. لكنها أغلقت الباب كما طلبت و لبثت ترمقها في صمت. نظرت إليها رجاء في ثقة و قالت بصوت جاد :
ـ لن آخذ من وقتك الكثير... لكنني أردت أن أنبهك إلى أمر هام... إن كنت تعتقدين أنك الرابحة في الصفقة، فاعلمي أن هناك من هو أدهى منك!

عقدت ليلى حاجبيها و هي لا تفهم بعد إلام ترمي رجاء. فتحت رجاء حقيبتها على الفور و أخرجت رزمة من الأوراق ألقتها على سرير ليلى و هي تضيف :
ـ تريدين أن تعرفي لماذا تزوج فراس من حنان؟ إليك التفسير!

اقتربت ليلى من السرير و تناولت إحدى الورقات في اهتمام. قالت رجاء موضحة :
ـ هذه نسخ من كشوف حسابات شركة خالك العزيز... قبل زواج حنان و فراس و بعده... التواريخ واضحة و جلية. الشركة كانت في أزمة مالية كبيرة... كانت موشكة على الإفلاس! و نجاة كانت تملك السيولة المالية الكافية لحل الإشكال و إنقاذ الشركة... نبيل كان في حاجة إلى ملايين أخته المكنوزة و كان يجب أن يتصرف! بزواج حنان من فراس أصبح فراس شريكا لحنان في كل ما تملك... و نجاة كانت قد كتبت كل ثروتها لابنتها... و بعد وفاة كليهما، عادت الأموال إلى فراس... هل تفهمين الآن؟

كانت ليلى تقلب الأوراق بين يديها في ذهول... ما الذي يعنيه كل هذا؟ إنها لا تعي ما تقول! خالها... السيد نبيل... هو الذي خطط لكل هذا؟ و فراس... سايره في مخططاته و قام بما يلزم!! و وفاة نجاة، ثم حنان في فترة وجيزة بعد الزواج... ماذا يعني كل هذا؟! جلست ليلى على طرف السرير محاولة أن تستعيد هدوءها... كانت لا تزال تحملق في الأوراق بين يديها غير مصدقة.

كانت رجاء تراقب انفعالاتها في اهتمام، فتابعت و هي ترى وقعا جيدا لكلماتها :
ـ أمين كان متعلقا بحنان... لذلك لم يكن الشخص المناسب لتنفيذ الخطة... أما فراس، فهو ابن أبيه المدلل، و لا يرفض له طلبا! لا أعلم إن كان مشتركا في خطة التخلص من حنان و والدتها فيما بعد... لكن أشك في أنه حزن من أجل إحداهما!

رفعت ليلى رأسها إلى رجاء و هي ترفض التصديق. قالت بصوت حاولت أن يكون هادئا :
ـ لماذا تخبرينني بكل هذا الآن؟

هزت رجاء كتفيها و هي تبتعد في اتجاه الباب و قالت مبتسمة :
ـ كنت أخبئ تلك الأوراق إلى أن تحين اللحظة المناسبة... و أظنها قد حانت! لا يجب أن تتزوجي فراس!

واصلت بحماس أكبر :
ـ أؤكد لك بأن نفس المخطط يتكرر للمرة الثانية! لا أملك بعد الإثباتات الكافية، لكن اصبري قليلا، و سوف أحصل على المستندات التي تثبت صحة كلامي! خالك يقوم بفتح فرع جديد للشركة، و البنوك ترفض إقراضه بسبب المشاكل المتكررة التي تعرض لها في السنوات الأخيرة... المشروع في حاجة إلى تمويل، و ليس من السهل أن يجد من يشاركه... و فجأة يجد أمامه الحل المثالي! صديق عمره على فراش الموت، و ابنته الوحيدة في حاجة إلى من يقف إلى جانبها في محنتها... يقترح على صديقه أن يرسل ابنته لتقيم عنده، بما أنها ابنة أخته في نفس الوقت... ثم رويدا رويدا يحوك الشباك حوله لإقناعه بالمصاهرة و عقد شراكة... مصالح مشتركة... و فراس الذي شارك في تنفيذ الخطة الأولى هو الشخص المثالي للمشاركة في الثانية! هل فهمت الآن يا عزيزتي؟

تمالكت ليلى نفسها و نظرت إليها في برود :
ـ ظننت أنك تكنين بعض المشاعر إلى فراس!

قلبت رجاء شفتيها في امتعاض و هي تقول في حقد :
ـ يوما ما سيدرك أنني الأنسب إليه! لكن إلى أن يحصل ذلك، لن أقف مكتوفة اليدين...

ـ هل تعلمين أنه قد يدخل السجن، إن ثبتت عليه التهم التي توجهينها إليه؟

ابتسمت رجاء ابتسامة صفراء و قالت :
ـ أفضّل أن يدخل السجن، على أن يتزوج من أخرى للمرة الثانية! عندها، لن يجد غيري ليقف إلى جانبه، و حينها سيدرك قيمتي...

وضعت يدها على المقبض و واصلت و هي تهم بالمغادرة :
ـ أترك الوثائق بين يديك... لتفكري على مهلك في مصيرك... لا تستعجلي القرار!

ثم توارت عن أنظار ليلى التي ظلت جالسة على طرف السرير، تنظر في الأوراق التي بين يديها و هي غير قادرة على التفكير بوضوح...


**********



جمعت حاجياتها في سرعة. أخذت حقيبة صغيرة تضم بعض الملابس الكافية لثلاثة أيام أو أكثر... تحتاج إلى الابتعاد عن هذا المكان لبعض الوقت... إلى الابتعاد عن فراس و أمين... و رجاء أيضا... لم تعد تحتمل المزيد من الإرهاق العصبي. صحتها النفسية و الجسدية في تدهور يوما بعد يوم... تحتاج إلى قسط وفير من الراحة، بعيدا عن هنا... حتى تواجه الموقف... جمعت الأوراق التي أحضرتها رجاء أيضا. تريد مراجعتها لاحقا بأعصاب هادئة... تنهدت و هي تلقي نظرة أخيرة على الغرفة... أخذت كل ما تحتاج إليه في الأيام القادمة. نزلت في هدوء و هي تتلفت حولها. تتمنى أن لا تقابل أحدا في طريقها إلى الخارج. و لكن إلى أين ستذهب؟ ليس لديها خيارات كثيرة، فهي غريبة في هذه البلاد... و لا تعرف فيها الكثيرين. يمكنها البقاء في نزل مثلا. أو ربما الذهاب إلى المزرعة... يجب أن تقرر بسرعة...

ـ ليلى...

التفتت على حين غرة، حين وصلها صوت مألوف ينادي باسمها. كان ياسين يقف أسفل الدرج و يطالعها في اضطراب. بالتأكيد، منظر حقيبتها الصغيرة يثير استغرابه! ربما كان ياسين أكثر الأشخاص الذين وقفوا إلى جانبها من هذه العائلة، لكنها لا تريد من أحد أن يتدخل في شؤونها في هذه الظروف بالذات.

ـ ليلى, هل من الممكن أن أتحدث إليك قليلا؟

همت بالاعتذار... لكن أمام نظرة عينيه الملحة، تراجعت. هزت رأسها موافقة، في استسلام... فتح ياسين باب مكتب والده وسبقها إلى الداخل. تبعته في تردد، و هي على يقين بأنه يريد محادثتها بشأن هذا الزواج! دخلت، فأغلق ياسين الباب خلفها في هدوء. نظرت إليه في شك. ما الذي يفعله؟ همت بالاحتجاج، لكنه بادرها بصوت جاد :
ـ ما سأخبرك به يجب أن يبقى بيننا... الأمر هام جدا و خطير!

عقدت حاجبيها في اهتمام، في حين واصل ياسين قائلا :
ـ عديني أولا بأنك لن تخبري أحدا... و لا حتى والدك!

نظرت إليه في دهشة... يبدو أن الأمر خطير بالفعل! أجابت في ذهول :
ـ أعدك... و لكن ما الأمر؟

أخذ نفسا عميقا، ثم أردف في جدية :
ـ ليلى... لا يجب أن تتزوجي من فراس!

حملقت فيه و قد تزايدت دهشتها : حتى أنت يا ياسين!

استطرد ياسين بصوت حزين، و قد تجمعت حبيبات من العرق على جبينه :
ـ فراس أخي، و أحبه كثيرا... و لا أتمنى له إلا الخير... و لكنني خائف عليك منه...

ـ خائف علي منه؟!

هز رأسه مؤكدا و هو يواصل :
ـ فراس شخص هادئ و طيب القلب جدا... لكنه أحيانا يصبح عنيفا و تصرفاته خارجة عن السيطرة!

مرت بذهنها كلمات حنان في مذكراتها... فراس ممثل بارع... فراس ذو شخصية مزدوجة... فراس يعذب حنان و يعاملها بقسوة! و هاهو ياسين يؤكد لها ذلك!! لكن من أين يستقي ياسين معلوماته؟ تذكرت وريقات المذكرات التي وجدتها في خزانته... ماذا لو أنه... بادرته على الفور :
ـ هل قرأت مذكرات حنان؟

حان دوره ليرفع رأسه إليها في دهشة :
ـ هل قرأتها أنت؟

ـ قرأت جزءا يسيرا منها... بعد أن احترق معظمها!

نظر إليها ياسين لوهلة و قد بدت على وجهه علامات الذهول. لكنه ما لبث أن أطلق ضحكة قصيرة ساخرة و هو يقول :
ـ رغم كل ما فعلته لأتخلص منها، يبدو أنها وصلت إليك!

ـ أنت؟ تتخلص منها؟!

هز رأسه بهدوء و تابع قائلا :
ـ جميعنا كنا نعلم أن حنان كانت تكتب مذكراتها... و بعد وفاتها، بحثنا عنها في كل مكان، علنا نجد فيها تفسيرا لما حصل لها، لكن دون جدوى... لكنني كنت أبحث عنها لأتخلص منها، لأنني كنت أشك بأن ما كتب فيها سيوجه أصابع الاتهام إلى فراس! الجميع ظن أنها تخلصت منها، لكنني اعتقدت أن فراس نفسه أخفاها عن العيون، أو تخلص منها بنفسه. ثم أتيت أنت و اكتشفت مكان المفكرة عند تغييرك لورق الجدران... منال أخبرتني بأنك لم ترغبي بقراءة ما فيها و قررت تسليمها لفراس... لذلك... راقبتك في ذلك اليوم... رأيتك و أنت تذهبين للقاء فراس، فاختبأت في الحديقة، في انتظار مرور فراس... كنت أعلم أنه سيرغب في قراءة ما جاء فيها، و أنه سينسحب من الحفلة على الفور... لذلك انتظرته هناك، و أخذت منه المفكرة. خفت أن ينتبه إليها أحد أو تقع في يد أي كان و لكن لم يكن لدي أفكار كثيرة للتخلص منها... فكرت في إحراقها... و رأيت المشواة غير بعيد عني... عدت أدراجي إلى هناك... اقترحت على هاشم أن أعوضه قليلا في شوي اللحم ريثما يحضر بعض المعدات من المطبخ... وافق على الفور و رحب بالمساعدة. و كانت فترة غيابه كافية حتى أردم المفكرة تحت الفحم. ظننت أن الأمر سينتهي عند ذاك الحد! لكن يبدو أن هناك من انتبه إليها رغم كل شيء!

نظرت إليه ليلى و هي لا تكاد تصدق ما يقول و قالت :
ـ لكن، كيف اقتنع فراس بإعطائك المفكرة و قد كان منفعلا جدا حين أخذها مني!

ـ أقنعته بأنه لا فائدة من قراءة ترهات حنان... و أنه من الأفضل إليه أن يتجاوز الماضي المؤلم الذي ستذكره فيه تلك المذكرات اللعينة... فيكفيه ما عاناه من بعد وفاتها... إنه لا يزال يتألم من تلك الذكريات الرهيبة، و ألمه جعله يستمع إلي، و يسلمني الكراس دون مقاومة كبيرة...

لم تكن ليلى مقتنعة بما يرويه ياسين. هتفت في إصرار :
ـ و لكن كيف يعطيك الكراس و هو يعلم أن فيها اتهامات موجهة إليه؟ ألم يخف أن تقرأها؟

هز ياسين رأسه ببطء و هو يقول شارحا :
ـ لم يكن لديه الكثير ليخفيه عني، بعد أن رأيته بنفسي في إحدى نوباته الانفعالية!

ـ ماذا؟!!

ـ نعم، كان ذلك قبل زواجهما بفترة قصيرة، رأيتهما في الحديقة... كان فراس منفعلا بصفة رهيبة... رأيته يضربها حتى سقطت أرضا! ركضت إليهما حتى أخلصها من قبضته... ففرت حنان بسرعة في اتجاه القصر في حين أخذت أهز فراس بقوة حتى عاد إليه هدوءه... و هل تدرين بم علل عنفه معها؟ بأنها عادت متأخرة من المدرسة و خرجت للتسكع! مع أنها تتسكع كل يوم، و تتأخر كل يوم، و ليس من عادة أحد أن يهتم... لم يكن انفعاله مفهوما! لذلك... لذلك فإنني أخاف عليك من انفعالاته المشابهة التي لا يسيطر عليها! فراس ليس سيئا، بل يكون هادئا في العادة... لكن تلك الانفعالات لا يسيطر عليها أبدا...

كانت ليلى تستمع إليه في إطراق... إن كان كل ذلك حصل قبل الزواج، فلماذا تزوجته؟

تابع ياسين في هدوء :
ـ يومها، سقطت من حنان قلادتها... لم تكن تضعها كثيرا... لكن بعد أن انصرافا، وجدتها على الأرض... كان فيها بعض الاعوجاج، بسبب دوس فراس عليها... فأخذتها إلى الصائغ على أن أعيدها إليها لاحقا بعد إصلاحها... لكن ما حصل في الأيام الموالية جعلني أنسى أمرها تماما!

ـ ما الذي حصل؟

ـ تقدم فراس المفاجئ لخطبة حنان، و موافقتها الغريبة! أنا متأكد من أن أبي و نجاة ضغطا عليها من أجل هذا الزواج! لا يمكن أن تكون قد وافقت بإرادتها خاصة أنها كانت تحمل مشاعر لأمين! حاولت أن أثني فراس عن ذلك, لكنني وجدت منه أذنا صماء!

راحت ليلى تفكر في صمت... هل يكون كل من أمها و خالها قد طمع في ثروة الآخر فأصرا على إتمام الزواج؟ أم أن بينهما اتفاقا من نوع آخر لا يعلمه غيرهما؟

واصل ياسين روايته :
ـ كنت قد نسيت أمر القلادة و لم أعد لاستلامها من عند الصائغ، و حنان نفسها لم تبحث عنها... و بعد وفاتها بأيام قليلة، تلقيت اتصالا من الصائغ يذكرني بها، بعد أم مرت شهور على إحضارها! لذلك، احتفظت بها عندي كل هذه المدة... لم أعلم ما الذي يجب أن أفعله بها... كانت شاهدا على تعاسة تلك الفتاة و معاناتها التي و لا شك تواصلت بعد زواجها، حتى أدت بها إلى الانتحار! ثم حين رأيت قلادتك التي تشبهها كثيرا الأسبوع الماضي، تذكرتها و أخرجتها حتى أسلمك إياها... لأنها من حقك... ذكرى وحيدة من أختك التوأم...

تحسست ليلى القلادة التي تتدلى على صدرها في حزن... نعم ذكرى أخيرة!
اقترب منها ياسين و هو يقول في عطف :
ـ ليلى... أنا لم أكن قادرا على حماية حنان في الماضي... لكنني سأحاول حمايتك هذه المرة... لا تتزوجي فراس! إنه لا يناسبك... كما أنك لا تناسبينه... تذكرينه بالماضي و بآلام الماضي... كلاكما سيسبب ألما للآخر!

نظرت إليه ليلى في حيرة و قالت :
ـ و لكن أبي و خالي اتفقا دون استشارتنا! كيف السبيل إلى إبطال هذا الاتفاق؟

هز ياسين رأسه في تفهم و قال :
ـ اتركي الأمر لي... سأحاول التحدث إلى فراس...

خرجت من المكتب و قد أصبحت رؤيتها ضبابية، بسبب ستار الدموع الذي غطى عينيها... حزينة حقا لما سمعته من ياسين... تحمل في حقيبتها أدلة رجاء... و في قلبها آلاما كثيرة...